الصين تنين من ورق
مايو 17, 2021 2838

الصين تنين من ورق

حجم الخط

ترجمة: عبدالحميد فحّام 

المصدر:  اضغط هنا 

 

تمّ ذكر الصين أربع مرات فقط في خطاب "جو بايدن" الأوّل في جلسة مشتركة للكونغرس، لكنّها طغت على كل سطر من الخطاب تقريبًا. وقال بايدن: "نحن في منافسة مع الصين ودول أخرى للفوز بالقرن الحادي والعشرين."  

مساعدو الرئيس يصفونه بأنّه منشغل بالتحدي الصيني. وقال جيريمي دياموند من شبكة سي إن إن بأنّ "هذا يوجه نهجه في معظم الموضوعات الرئيسية، وهو ما يثيره الرئيس بانتظام في الاجتماعات، سواء كان يناقش السياسة الخارجية أو بطاريات الحافلات الكهربائية". ويقول مساعدون إنّ "بايدن" يعتقد أنّه اختبار رئيسي سيحكم من خلاله المؤرخون على رئاسته. 

كما قال "بايدن" للأمة الأمريكية من مجلس النواب: إنّ الرئيس الاستبدادي "شي جين بينغ" "جاد جداً" بشأن أن تصبح الصين "الدولة الأهم والأكثر اتباعاً في العالم. وأنّه يعتقد مع آخرين من المستبدين بأنّ الديمقراطية لا يمكن أن تنافس الأنظمة الاستبدادية في القرن الحادي والعشرين". 

لذلك قد تكون هذه لحظة مفيدة لسماع صوت مخالف. في عام 2018، نشر الأستاذ بجامعة تافتس "مايكل بيكلي" دراسة مفصّلة غنيّة عن نقاط الضعف العسكرية والاقتصادية الصينية. الكتاب بعنوان "بلا مُنازع: لماذا ستبقى أمريكا القوى العظمى الوحيدة في العالم ؟". 

يقول الكاتب بأنّ القوة الاقتصادية والمالية والتكنولوجية والعسكرية للصين مبالغ فيها بشكل كبير من خلال الإحصاءات الأوّلية وغير الدقيقة. وفي الوقت نفسه، يتم التقليل باستمرار من مزايا الولايات المتحدة. 

إنّ الادعاء بأنّ الصين "ستتفوق" على الولايات المتحدة بأي طريقة ذات مغزى هو ادعاء جدلي وباطل و خاطئ بطرق قد تضلل الأمريكيين لارتكاب أخطاء جسيمة لإيذاء أنفسهم.
قبل كل شيء، يناشد "بيكلي" القرّاء عدم التركيز على الأرقام الرئيسية للناتج المحلي الإجمالي. قد تتفوق الصين على الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد على وجه الأرض بحلول عام 2030. من المؤكد تقريبًا أنّ الصين كانت أكبر اقتصاد على وجه الأرض في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. فالناتج المحلي الإجمالي الكبير لم يجعل الصين قوى عظمى في ذلك الوقت - ولن يجعل الصين قوة عظمى الآن، أو هكذا يزعم "بيكلي". 

"بيكلي" هو قارئ نهم للمجلات العسكرية والتقارير الاقتصادية الصينية المتخصصة. وهو يحتجّ بأنّ العديد من التطورات التي يُستشهد بها على أنّها نقاط القوة الصينية لا تصمد أمام الفحص الدقيق.  

غالبًا ما ينشر المحللون الأمريكيون مخاوف بشأن تنامي البحرية الصينية، وخاصة حاملتي طائراتها. لكن كتب "بيكلي"، "الطيارون الصينيون يطيرون من100 إلى 150 ساعة أقل من الطيارين الأمريكيين وبدأوا التدريب على حاملات الطائرات فقط في عام 2012"، ويُضيف إنّ "القوات الصينية تقضي 20 إلى 30 بالمائة من وقتها في دراسة الأيديولوجية الشيوعية". 

ويقول "بيكلي" بأنّه عندما تتدرب القوات الصينية، فإنّ التدريبات لا تشبه كثيرًا التحديات التي سيواجهها جيش التحرير الشعبي في صراع القوى العظمى، حيث تتضمن معظم التدريبات خدمة أو فرعًا واحدًا، لذلك تفتقر القوات إلى القدرة على إجراء عمليات مشتركة، وغالبًا ما تكون التقييمات ليست أكثر من "أحكام ذاتية تستند إلى الملاحظة المرئية بدلاً من بيانات كمية مفصّلة". 

وفي حين أنّ المدرسة العامة مجانية حتى المرحلة الثانوية في الولايات المتحدة، فإنّ الحكومة الصينية تغطي فقط تكاليف المدارس الابتدائية والمتوسطة. في العديد من المدارس الثانوية الصينية، يتعين على العائلات دفع الرسوم الدراسية والنفقات الأخرى، وهذه النفقات هي من بين الأعلى في العالم. وبالتالي، فإنّ 76 في المائة من السكان في سن العمل في الصين لم يكملوا المرحلة الثانوية.   

والأمور لا تتحسن على مستوى الجامعة. حيث يصف العديد من طلاب الجامعات الصينية جامعاتهم بأنّها "مصانع شهادات"، حيث تكون نسب الطلاب إلى المدرسين ضعف المتوسط في الجامعات الأمريكية، ويتفشى الغش، ويقضي الطلاب ربع وقتهم في دراسة "فكر ماو تسي تونغ"، ويُحرم الطلاب والأساتذة الوصول إلى مصادر المعلومات الأساسية، مثل الباحث العلمي من غوغل (Google Scholar) وبعض مراكز الوثائق والمجلات الأكاديمية. 

أمّا فيما يتعلق بصناعات المستقبل، فليس صحيحاً أنّ الصين ستفوز حتماً. فقد توقف إجمالي إنفاق الشركات الصينية على البحث والتطوير كنسبة مئوية من إيرادات المبيعات عند مستويات أقل بأربع مرات من متوسط الشركات الأمريكية، ولا تزال الشركات الصينية تعتمد على التقنيات الأجنبية والعمل اليدوي ولديها مستوى أولي من الأتمتة و الرقمنة: في المتوسط ، تمتلك الشركات الصينية تسعة عشر روبوتًا فقط لكل عشرة آلاف موظف؛ على النقيض من ذلك، تستخدم الشركات الأمريكية 176 روبوتًا في المتوسط لكل عشرة آلاف موظف. 

لكن ألا تندفع الصين لتتغلب على الولايات المتحدة؟ نعم، لكنها تعثرت بشدة في هذا المسعى. 

تتصدر الصين الآن العالم في التراجع عن الدراسات العلمية بسبب الاحتيال؛ اعترف ثلث العلماء الصينيين بسرقة أو تزوير النتائج (مقابل 2٪ من العلماء الأمريكيين)، وثلثي إنفاق الصين على البحث والتطوير قد ضاعت بسبب الفساد. 

هذه الأمثلة وعشرات غيرها هو دعم لتوضيح الرؤية النظرية "بيكلي": القمع مكلف. 

مقارنة الإنفاق العسكري للصين بإنفاق الولايات المتحدة، على سبيل المثال، ليس له معنى كبير. المهمة الأولى والأعلى للجيش الصيني هي الحفاظ على قوة الحزب الشيوعي الصيني ضد شعب الصين، بينما يمكن للجيش الأمريكي التركيز بالكامل على التهديدات الخارجية. 

يحتج "بيكلي" بأن الخطوط التي ترسم الناتج المحلي الإجمالي المقارن للولايات المتحدة والصين تشوه توازن القوة الحقيقي بين المجتمعين، لأنّ الصين يجب أن تُكرّس مثل هذا الحصة الكبيرة من مواردها لاحتياجات الكفاف الأساسية لتجنب الإطاحة بالدولة. 

يضفي "بيكلي" طابعًا دراميًا على هذه النقطة بسياقها التاريخي، فلم يكن مفهوم الناتج المحلي الإجمالي موجودًا في القرن التاسع عشر، لكن الاقتصاديين أعادوا بناء هذه الأرقام بأثر رجعي إلى الوراء. لقد وجدوا أنّه في القرن التاسع عشر، كان الناتج المحلي الإجمالي للإمبراطورية الصينية أكبر بكثير من الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا العظمى. كما تجاوز الجيش الصيني المكون من 800 ألف رجل بشكل كبير أعداد القوات البريطانية. ومع ذلك، عندما اشتبكت الدولتان في حربي الأفيون، من عام 1839 إلى عام 1842 ومرة أخرى في عام 1858، هُزمت الصين بشكل ساحق.  لماذا؟ 

كان جزءاً كبيراً من الإجابة، كما هو الحال الآن، هو تكلفة القمع. 

واجهت الصين في القرن التاسع عشر ما معدله 25 انتفاضة محلية في السنة. كان لابد من نشر معظم قواتها لقمع التمردات والسيطرة على قطّاع الطرق، وترك القليل منها متاحًا للقتال الحربي. 

الجزء التالي من الإجابة هو أنّ الكتلة ليست قوة. 

على الرغم من أنّ موارد الصين كانت هائلة في المجمل، إلاّ أنّ معظمها استهلكته أساسيات الكفاف. في القرن التاسع عشر، أنتجت بريطانيا نصف ما أنتجته الصين فقط، لكنها فعلت ذلك مع ثلث السكان - ممّا أتاح المزيد من الثروة لأغراض أكثر. 

الجزء الأخير من الإجابة هو أنّ المقلدين التكنولوجيين يواجهون عيوبًا كبيرة ضد المبتكرين التكنولوجيين. سوف يتخلفون دائمًا عن المنافس الأكثر إبداعًا، ليس فقط في المصنع، ولكن في ساحة المعركة. يلاحظ "بيكلي": "مرارًا وتكرارًا خلال حروب الأفيون ... تعرضت جيوش الآلاف من الصينيين للهزيمة في دقائق بواسطة بضع مئات أو حتى بضع عشرات من القوات البريطانية". 

لا يقترح "بيكلي" أنّ النتيجة غير المتوازنة لحروب الأفيون ستعيد نفسها في القرن الحادي والعشرين. على أي حال، لا تخوض القوى النووية حروبًا استكشافية على أراضي بعضها البعض. بدلاً من ذلك، يسعى "بيكلي" إلى تسليط الضوء على العيوب الهائلة في إجمالي الناتج المحلي كمقياس للقوة الوطنية - مع مراعاة تكاليف القمع - والمأزق الاستراتيجي لموقع الصين، المحظور من المحيط المفتوح بواسطة حلقة من الأعداء المحتملين على جبهتها الشرقية، تمتد من روسيا مروراً بكوريا ثم اليابان ثم الفلبين ثم فيتنام. 

لقد تحدثت مع "بيكلي" قبل وقت قصير من خطاب "بايدن" لسؤاله عمّا إذا كان قد أعاد النظر في أي من تقييماته منذ الانتهاء من كتابه في وقت مبكر من رئاسة "دونالد ترامب". وقال إنّه أصبح أكثر انزعاجًا من نوايا الصين العدوانية والقمعية، لكنها تبقى مشكوكًا فيها كما كان هو دائمًا الحال بما يتعلّق بالقدرات الصينية. 

خسر "ساندرز" الترشيح، لكنه فاز بالنقاش داخل الحزب الديمقراطي حول السياسة التجارية. في خطابه، التزم "بايدن" بتوسيع وزيادة محاباة شراء المنتجات الأمريكية في المشتريات الحكومية، ومحافظة إدارته على تعريفات "ترامب" المناهضة للصين والتراجع عن التعريفات المفروضة على الاتحاد الأوروبي وشركاء تجاريين آخرين (وهو ما لم يحصل بعد).  

حذّر مستشارو "بايدن" الاقتصاديون خلال حملته من أنّ التوسع التجاري سيحتل مرتبة متدنية في قائمة أولوياتهم. 

غالبًا ما تسمع الانتقادات التي تقول: إنّ الأمريكيين أخطأوا في حساباتهم بشكل رهيب عندما فتحوا الباب أمام تجارة أكثر حرية مع الصين، ولم يحصلوا في المقابل إلا على عدو أكثر ثراءً وخطورة. ثم يتم التذرع بخيبة الأمل لتبرير سياسات المواجهة الأكثر عدوانية. رفعت إدارة "ترامب" ميزانية الدفاع بأكثر من 100 مليار دولار سنويًا، واستمرت الزيادات في الإنفاق حتى بعد انتهاء الحملة ضد داعش. يتم توجيه المزيد والمزيد من الأموال إلى الاستعدادات للصراع مع الصين. 

إنّ لغة الصين وسلوكها حازم واستفزازي بالتأكيد وقوة الصين آخذة في الارتفاع. سلوكها في الداخل والخارج أصبح أكثر قمعاً وأكثر وحشية. هذا أيضا صحيح بشكل مأساوي. ولكن مع امتلاك الأمريكيين للشجاعة والإرادة لمواجهة الحقائق الصينية، فإنّ هذا الحساب يحتاج أيضًا إلى تقدير القدرات الهائلة لهذا البلد، والحدود الحقيقية للغاية التي تُحدّق بالصين: عدد السكان الذين يشيخون بسرعة، والمديونية الداخلية الهائلة، ونظام يتفاقم قمعه، كل ذلك يوحي بتراجع شعبيتها. 

في 28 نيسان/ أبريل، ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز أنّ الإحصاء الصيني المتأخر بشكل مريب سيكشف عن انخفاض سكاني من عام 2010 إلى عام 2020، وهو الأول منذ المجاعات التي تسببت فيها الدولة في الستينيات. تم التنصل من تقرير فاينانشيال تايمز على عجل من قبل السلطات الصينية، ولكن بطريقة غامضة بشكل غريب. بغض النظر عما يزعمه التعداد السكاني في نهاية المطاف، وبغض النظر عمّا إذا كان قد صدّقه أحد، تشير القصة إلى حقيقتين عميقتين حول المجتمع الصيني: إنّه على وشك أن يكون موطنًا لكثير من كبار السن، والثقة في الدولة منخفضة للغاية، وهناك سبب وجيه لهذا الانخفاض. 

مع تقدم سكان الصين في العمر، سوف تستنفد مدّخراتها، ويدّخر الشعب الصيني الكثير للتعويض عن توفير الدولة الضئيل للضمان الاجتماعي. على مدى ثلاثة عقود، مولت مدّخرات الناس العاديين الاقتراض المذهل للشركات المملوكة للدولة في الصين. والسؤال هو كم اقترضت؟ لا أحد يعلم، لأنّ الجميع يكذبون. ماذا يحدث عندما يتم سحب المدّخرات لتمويل مئات الملايين من المتقاعدين؟ مرة أخرى - من يدري؟ 

تُسيء الصين تخصيص رأس المال على نطاق واسع. أكثر من خُمس المساكن في الصين خالية. الصين تُفرّط في رأس المال في الداخل لأنّ المستثمرين الصينيين ممنوعون من فعل أكثر مما يريدون فعله: وهو إخراج أموالهم من الصين. 

الضوابط الصارمة والمعقدة على النقد الأجنبي تمنع تدفق رأس المال. فأكثر من ثلث أغنى الصينيين سيهاجرون إذا استطاعوا، وفقًا لبحث أجرته إحدى شركات إدارة الثروات الرائدة في الصين. البديل الأفضل التالي: إرسال أطفالهم إلى الخارج. فخلال فترة ما قبل الوباء، التحق ما يقرب من مليون شاب صيني بالجامعات الغربية. قبل الوباء، كان حوالي 10000 أمريكي فقط يدرسون في الصين؛ بالإضافة إلى آلاف من غير المتزوجين من دول غربية أخرى، وكانوا جميعهم تقريبًا قد قدِموا لدراسة اللغة، وليس أي تخصص أكاديمي. 

هذه مجرد عينة من المشاكل المتجمعة التي تواجه المنافس الاستراتيجي لأمريكا وخصمها الاقتصادي. الولايات المتحدة ليست خالية من المتاعب، ولكن إذا كان عليك اختيار أي من مجموعتي المشاكل، فمن المؤكد أنك ستواجه القائمة الأمريكية بدلاً من الصين. لهذا السبب ينبغي على صانعي السياسة الأمريكيين أن يتطلعوا إلى المستقبل بثقة وأمان أكبر في التجارة والأسواق والإمكانيات الفائقة لشعب حر في ظل حكومة منتخبة. 

 

لقراءة المادة بشكل كامل يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية ( اضغط هنا )