ما مصير قوات سوريا الديمقراطية بعد سقوط نظام الأسد؟
يناير 14, 2025 277

ما مصير قوات سوريا الديمقراطية بعد سقوط نظام الأسد؟

حجم الخط

كان حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) ومشروعه في سوريا المتمثِّل بالإدارة الذاتية لإقليم شمال سوريا وشرقها وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" مرتبطاً بتنسيق واتفاقيات أمنية واقتصادية وعسكرية مشتركة مع النظام السوري السابق، وأسّست هذه الاتفاقيات لعدة مظاهر تنسيق وعمل مشترك أهمّها حفاظ النظام على مربعات أمنية له داخل مناطق سيطرة قسد في كل من مركز مدينة الحسكة ومركز مدينة القامشلي، إضافة لاستمرار سيطرة التنظيمات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في مدينة حلب في حيَّي الأشرفية والشيخ مقصود. 

كانت التفاهمات بين قسد والنظام تضمن حرية نسبية لحركة المسؤولين الأمنيين والعسكريين للطرفين في مناطق سيطرة كل منهما، كما قام الطرفان بعد اتفاقية سوتشي 2019 بإنشاء نقاط عسكرية مشتركة في مناطق التماسّ مع الجيش الوطني وعلى الحدود التركية شمال سوريا وشرقها، وكانت قسد قد التزمت منذ عام 2012 بضمان استمرار تدفُّق شحنات النفط والغاز اليومية من مناطق سيطرة قسد إلى مناطق سيطرة النظام السابق عَبْر شركة أرفادا النفطية التابعة لعائلة القاطرجي. 

كان حزب الاتحاد الديمقراطي يراهن على حالة التنسيق هذه مع النظام السابق لكسب الشرعية عَبْر جولات مفاوضات عديدة بين الطرفين لم ينتج عنها أيّ تقدُّم أو اعتراف من النظام السابق بعناصر مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا ولا حتى بإدارته الذاتية ومشروع قسد، أيضاً استخدم حزب الاتحاد الديمقراطي هذا التنسيق مع النظام بوّابة لتعزيز تنسيقه مع حلفائه الدوليين، وعلى رأسهم روسيا وإيران، ونجح عَبْر ذلك في تحصيل حماية ومكاسب ميدانية أمنية وعسكرية من هذه الأطراف خلال سنوات الصراع؛ لكن دون أن يحقق ذلك خرقاً على مستوى الشرعية أو الغطاء السياسي من حالة التنسيق هذه. 

بناءً على ما تقدّم؛ فقد مثّل سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 -وبهذا التسارع المفاجئ- تحدياً وجودياً طارئاً لمشروع حزب الاتحاد الديمقراطي؛ خاصةً أنّ هذا السقوط أعقبه انسحاب للقوات الروسية من معظم المناطق السورية، بما في ذلك مناطق سيطرة قسد في محافظتَيْ حلب والحسكة، والتي انتشرت فيها القوات الروسية بعد انسحاب القوات الأمريكية منها في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، كما نتج عن سقوط نظام الأسد انسحاب كامل للميليشيات الإيرانية من سوريا، وهذه الميليشيات كانت أيضاً تتشارك مع قسد وقوات النظام في غرفة عمليات أمنية وعسكرية مشتركة في مناطق تل رفعت والشهباء على خطوط الاشتباك مع الجيش الوطني، وأفقدت هذه الانسحاباتُ قسد جزءاً كبيراً من قدرتها الدفاعية عن هذه المناطق. 

هذا الواقع الجديد وضع مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي وحيداً أمام استحقاقات جديدة لا يمتلك فيها -على غير العادة- دعماً دولياً جدياً، باستثناء دعم أمريكي مشروط وجزئي، مرتبط ومتناسب بشكل رئيسي مع دور الشريك المحلي الذي تمثّله قسد لقوات التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا والعراق. 

بعد وصول قوات إدارة العمليات العسكرية من إدلب إلى مدينة حلب بادرت قسد بالانتشار خارج مناطق سيطرتها الأساسية، وعبرت نهر الفرات وانتشرت في مناطق سيطرة النظام السابق على الضفة المقابلة، قبل أن تنسحب من جزء منها بعد الاستحواذ على مستودعات الأسلحة والمعدات والعربات العسكرية لقوات النظام السابق، والتي ساعدت قسد في الفرار من تلك المناطق، كما نقلت بعض المنشآت الصناعية العامة مثل الأفران والمطاحن ومخازن القمح والشعير في هذه المناطق، فيما استمرت بتمسُّكها ببعض المناطق لاستخدامها في خطّ دفاعي متقدِّم، ولتُعزّز أوراق تفاوُضها المحتملة مع الإدارة السورية الجديدة. 

وبالفعل عقد الطرفان اجتماعين تفاوُضييْنِ، جمع أحدُهما القائدَ العامَّ لقسد مظلوم عبدي بالقائد العامّ للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع دون أن ينتج عن هذين الاجتماعين سوى توافُق على القضايا الأساسية التي تتعلق بالمستقبل السوري، والتأكيد على أنّ قسد ستكون جزءاً من الجيش السوري الجديد؛ وذلك بحَسَب ما صرّح به مظلوم عبدي في 10 كانون الثاني/ يناير 2025. 

هذا المسار التفاوُضي بين الإدارة السورية الجديدة وحزب الاتحاد الديمقراطي ممثَّلاً بقسد لم يُنهِ حالة التصعيد والاشتباكات والأنشطة العسكرية المتصاعدة بين قسد والجيش الوطني في مناطق سدّ تشرين ومسكنة وجنوب مدينة منبج، مع مشاركة متزايدة للجيش التركي في عمليات القصف الجوي بالطيران الحربي والمسيَّر لدعم الجيش الوطني في هذا المحور، وهي مشاركة تهدف -حتى الآن- للضغط على قسد بما يتناسب مع الموقف التركي الذي يوازن بالتنسيق مع الجانب الأمريكي والإدارة السورية الجديدة بين موقفه الواضح بضرورة تفكيك قسد ووحدات الحماية التابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا من جهة؛ وبين الموقف الأمريكي الذي أجّل تحديد مستقبل قواته في سوريا إلى الإدارة الأمريكية القادمة برئاسة ترامب. 

تم تثبيت مناطق السيطرة الحالية لحين حلّ المخاوف الأمنية المرتبطة بمهامّ قوات التحالف في سوريا والتي تنطوي بشكل رئيسي على تأمين معتقَلات عناصر تنظيم داعش وتضمّ أكثر من 12 ألف مقاتل، ومخيمات عوائلهم التي تضم أكثر من 45 ألفاً من الأقارب المرتبطين بعناصر التنظيم، وضمان استمرار العمليات الأمنية والاستخبارية التي تقوم بها قوات التحالف بالشراكة مع قسد. 

يبدو أنَّ تركيا تعمل مع الولايات المتحدة والعراق على حلّ هذه الملفات عَبْر ضمان التفكيك أو النقل أو التأمين للمخيمات والمعتقلات، وتكليف الجيش السوري الجديد بعمليات الشراكة في مكافحة الإرهاب بعد تفكيك قسد ودمجها ضِمنه؛ أو ضمان دمج بعض الوحدات العسكرية والأمنية التابعة لقسد والمدربة والمسلحة أمريكياً (وعلى رأسها وحدات مكافحة الإرهاب YAT وفِرَق العمليات العسكريّة TOL) ضِمن جهاز مكافحة الإرهاب التابع للجيش السوري الجديد؛ لضمان عدم تأثُّرها بعملية تفكيك قسد ودمجها ضِمن هذا الجيش في المستقبل مثل بقية الفصائل في المناطق السورية الأخرى. 

ويبقى سيناريو تدخُّل تركيا عسكرياً بعمل بري واسع ضدّ قسد احتمالاً قائماً؛ خاصة في حال فشل المساعي التفاوُضية التي تعمل عليها الولايات المتحدة والإدارة السورية الجديدة، ومؤخراً حكومة إقليم كردستان العراق التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الجانب التركي، وتعمل بشكل حثيث في المرحلة الحالية على ضمان تفكيكٍ آمِنٍ للتنظيمات التابعة لحزب العمال الكردستاني وفصلها عن القوى السياسية الكردية في سوريا، وتوحيد صفوف القوى الكردية السورية الوطنية ضِمن كتلة واحدة تشارك في خطوات بناء الدولة الجديدة. 

لكن وفي جميع الأحوال فإنّ الواقع الحالي والمواقف المحلية والدولية تشير إلى أنّ مصير قسد لن يكون مختلفاً عن مصير أيّ فصيل عسكري آخر داخل الأراضي السورية، ويجري التعامل معها على هذا الأساس دون أيّ خصوصية مناطقية أو عِرْقية، لكن أهمية المناطق التي تسيطر عليها قسد وحساسيتها الأمنية مع استمرار وجود خلايا تنظيم داعش وسيطرة حزب العمال الكردستاني على المنطقة والملفات الأمنية المرتبطة بذلك، ونتيجة دور الشراكة المحلية في عمليات مكافحة الإرهاب الذي تقوم به بعض التشكيلات الأمنية ضِمن قسد، فإنّ ذلك جعل معالجة ملفّ سيطرة قسد على هذه المناطق تأخذ وقتاً أطول لحاجتها لتنسيق وتوافُق وجهد إقليمي ودولي، وقد يمنح ذلك قسد خصوصية وظيفية تحمي هذه التشكيلات أو تضمن استبدالها بتشكيلات مكافئة ومقبولة من جانب قوات التحالف الدولي وتركيا.