مستقبل النفوذ الروسي في سوريا الجديدة
يناير 13, 2025 242

مستقبل النفوذ الروسي في سوريا الجديدة

حجم الخط

تواجه روسيا تحدياً تاريخياً بشأن نفوذها في سوريا بعد سقوط حليفها الإستراتيجي نظام الأسد، الذي تدخّلت لدعمه عسكرياً نهاية عام 2015 وبقيت إلى جانبه حتى سقوطه نهاية عام 2024؛ حيث يتطلع السوريون لمستقبل بدون نفوذ روسيا، لكن هناك عقبات قد تواجه هذا الطموح بسبب العلاقات العسكرية والاقتصادية الطويلة بين البلدين. يستقصي تقرير آراء السوريين بشأن ذلك، أعدّه جريجور أتانسيان Grigor Atanesian لصالح شبكة BBC تحت عنوان "السوريون يحلمون بمستقبل لا مكان فيه لروسيا ولكن الطريق ليست سهلة".

نصّ الترجمة

على مدى سنوات، كانت روسيا وسوريا شريكتين رئيسيتين، حيث حصلت موسكو على إمكانية الوصول إلى القواعد الجوية والبحرية في البحر الأبيض المتوسط، بينما تلقت دمشق الدعم العسكري في حربها ضد فصائل المعارضة، والآن بعد سقوط نظام بشار الأسد، يريد العديد من السوريين خروج القوات الروسية من أراضيهم، لكن حكومتهم المؤقتة تقول إنها منفتحة على مزيد من التعاون مع موسكو.

في استعراض للآراء الشعبية المتعلقة باستمرار التواجد الروسي في سوريا، يقول أحمد طه -وهو أحد القادة في صفوف المعارضة في دوما، الواقعة على بُعد 6 أميال شمال شرقي العاصمة دمشق- إنّ "روسيا ارتكبت جرائم فظيعة في دوما، فقد كانت المدينة قبل قدوم روسيا مكاناً مزدهراً في منطقة تُعرف باسم سلة خبز دمشق".

باتت أحياء سكنية كاملة في دوما الآن -حسب أحمد طه- في حالة خراب؛ بسبب تعرُّضها لأعنف الهجمات خلال الحرب التي شنها النظام البائد على المدينة، كجزء من حربه على كامل سوريا، والتي استمرت قُرابة 14 عاماً، وقد تدخلت موسكو في هذا الصراع عام 2015 لدعم النظام عندما كان يفقد السيطرة على الأرض، وأن "وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال لاحقاً إنّ دمشق كانت على وشك أن تسقط في أيدي الفصائل المعارضة لولا التدخُّل الروسي.

لقد كانت الحرب السورية فرصة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل إظهار روسيا على أنها قوة كبرى مُعتبَرة في الساحة الدولية بعد إدانة المجتمع الدولي له لضمه شِبه جزيرة القرم إلى السيادة الروسية، إضافة إلى جعل الأراضي السورية حقل تجارب قامت فيه موسكو باختبار 320 سلاحاً مختلفاً، كما حصلت على عقود إيجار لمدة 49 عاماً لقاعدتين عسكريتين على ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​-قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية. وقد سمح هذا للكرملين بتوسيع نفوذه بسرعة في إفريقيا، حيث كانت تلك القواعد بمثابة نقطة انطلاق للعمليات الروسية في ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو.

رغم دعم روسيا وإيران لم يتمكن الأسد من منع نظامه من الانهيار، كما أن موسكو لم تكتفِ بدعم نظام الأسد خلال حربه على شعبه، بل قامت كذلك بتوفير ملاذٍ آمِنٍ له ولعائلته، باستقبالها لهم بعد هروبهم من سوريا.

حالياً يرى العديد من المدنيين السوريين والمقاتلين المعارضين روسيا كشريك لنظام الأسد ساهم في تدمير وطنهم، حيث يقول أبو هشام، وهو يحتفل بسقوط النظام في دمشق: "جاء الروس إلى هذا البلد لمساعدة الطغاة والمستبدين والغزاة". وقد نفى الكرملين ذلك دائماً، مدعياً أنه استهدف فقط الجماعات الجهادية مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، ولكن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان اتهمت النظام وروسيا بارتكاب جرائم حرب.

عام 2016، خلال الهجوم على القسم الشرقي من مدينة حلب المكتظة بالسكان، شنت القوات السورية والروسية ضربات جوية متواصلة، "مما أسفر عن مئات من الضحايا وتحويل المستشفيات والمدارس والأسواق إلى أنقاض"، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة، كما قامت قوات النظام بحصار المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب ودوما وغيرها من المناطق، وقطعت عنها إمدادات الطعام والدواء، ثم قامت بقصفها حتى استسلام فصائل المعارضة، كما تفاوضت روسيا في عام 2018 مع فصائل المعارضة السورية على وقف إطلاق النار وعقد صفقات للاستسلام في مدن وبلدات تسيطر عليها تلك الفصائل، مثل مدينة دوما.

كان القيادي أحمد طه من بين المقاتلين في دوما الذين وافقوا على الاستسلام مقابل تأمين ممرّ آمِن لهم للخروج من المدينة بعد حصار دامَ خمس سنوات من قِبل جيش النظام السوري البائد، ولكنه عاد إلى دوما في كانون الأول/ ديسمبر كجزء من الهجوم المعارض الذي قادته هيئة تحرير الشام، التي يقودها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني).

يؤكد قادة المعارضة الذين تسلَّموا الحكم على ضرورة مغادرة روسيا باعتبارها عدواً، وهي مشاعر عبَّر عنها أحمد طه، ويتشارك فيها العديد من قادة المجتمعات المسيحية في سوريا، الذين تعهدت روسيا بحمايتهم، حيث قالوا إنهم لم يتلقَّوا الكثير من المساعدة من موسكو؛ حيث يقول بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، إغناطيوس أفريم الثاني: "لم نحصل على حماية لا من روسيا ولا من أي طرف خارجي آخر"، وإنّه "لم يأتِ الروس لمساعدتنا، ولكنهم كانوا هنا لمصالحهم وأهدافهم الخاصة". وقال بعض المسيحيين السوريين الآخرين بشكل أقل دبلوماسية: "عندما جاء الروس في البداية، قالوا: جئنا هنا لمساعدتكم، لكن بدلاً من مساعدتنا، دمَّروا سوريا أكثر".

من جهته، قال الشرع، الذي أصبح الآن الزعيم الفعلي لسوريا، في مقابلة مع BBC الشهر الماضي إنه لا يستبعد السماح للروس بالبقاء، ووصف العلاقات بين البلدين بأنها "إستراتيجية". وقد التقطت موسكو كلماته، حيث أكّد وزير الخارجية الروسي لافروف على أن روسيا "تتمتع بالكثير من القواسم المشتركة مع أصدقائنا السوريين".

لكنّ فك الارتباط بين البلدين في مرحلة ما بعد الأسد قد لا يكون أمراً سهلاً، حيث يقول تركي الحسن، وهو محلل عسكري وضابط سابق في الجيش السوري: إنّ "إعادة بناء الجيش السوري ستتطلب إما بداية جديدة تماماً أو استمرار الاعتماد على الإمدادات الروسية، مما يعني أنه سيكون هناك على الأقل نوع من العلاقات بين البلدين"، ويضيف الحسن أن التعاون العسكري بين سوريا وموسكو يعود إلى ما قبل نظام الأسد، موضحاً أن "جميع المعدات التي يمتلكها الجيش السوري هي من إنتاج الاتحاد السوفياتي أو روسيا، فمنذ نشأته، كان الجيش السوري مزوَّداً بأسلحة من الكتلة الشرقية".

لقد تلقت سوريا بين عامَيْ 1956 و1991 حوالَيْ 5 آلاف دبابة و1200 طائرة مقاتلة و70 سفينة والكثير من الأنظمة والأسلحة الأخرى من موسكو، بقيمة تتجاوز 26 مليار دولار (21 مليار جنيه إسترليني) حسب التقديرات الروسية، وكان الكثير من هذه المساعدات في إطار دعم حروب سوريا مع إسرائيل، التي شكَّلت إلى حدّ كبير السياسة الخارجية للبلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1946، وتم ترك أكثر من نصف هذا المبلغ دون سداد عندما انهار الاتحاد السوفياتي، إلى أن قام الرئيس بوتين عام 2005 بإلغاء 73% من الديون.

في الوقت الحالي اعتمد المسؤولون الروس نهجاً تصالُحياً -لكِنْ حَذِراً- تجاه الحُكّام المؤقتين الذين أطاحوا بحليف روسيا القديم، فقد قال فاسيلي نيبينزيا Vassily Nebenzia، مندوب موسكو لدى الأمم المتحدة، إن الأحداث الأخيرة قد شكَّلت مرحلة جديدة في تاريخ ما أسماه "الشعب السوري الشقيق"، وأضاف أن روسيا ستُقدِّم المساعدات الإنسانية ودعم إعادة الإعمار لتمكين اللاجئين السوريين من العودة إلى وطنهم.

 

المصدر: بي بي سي نيوز

ترجمة: عبد الحميد فحام