ما هي أولويات الإدارة السورية الجديدة؟
يناير 20, 2025 178

ما هي أولويات الإدارة السورية الجديدة؟

حجم الخط

مضى أكثر من شهر على تسلُّم الإدارة الجديدة للسلطة في سوريا، وخلال هذه الفترة يبدو أن تركيز الإدارة كان متجهاً إلى عدة أولويات، غالباً ما سيستمر العمل عليها خلال المرحلة الانتقالية، وتتعلّق بالاستقرار والإدارة والشرعية والسيادة.  

استجابت الإدارة الجديدة للأولويات وَفْق إمكانياتها وقدرتها التي لم تكن كافية مقارنة مع اتساع الاستحقاقات وكثرة التحديات؛ حيث لم تكن الإدارة مهيَّأة سوى لقيادة مرحلة انتقالية في حلب، كما صرّح أحمد الشرع بتاريخ 4 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وعليه فقد اعتمدت الإدارة على توفير قدراتها للأولويات التالية:  

1.   ضبط الأمن والاستقرار:  

قامت الإدارة الجديدة بحلّ الأجهزة الأمنية في النظام السابق وملاحقة قياداتها، واعتمدت على الجهاز الأمني في حكومة الإنقاذ ليكون بديلاً في ضبط المشهد الأمني، لكن يبدو أنه ما يزال بحاجة إلى توسعة كبيرة ليستطيع تغطية الحاجة الأمنية في مختلف المحافظات، حيث تأخُّر التغطية الأمنية الكاملة سيزيد من الحوادث الأمنية والجريمة المنظَّمة، وهو ما قد تستغله الأطراف الأخرى المعادية، وفي مقدمتها فلول النظام وخلايا تنظيم داعش.  

إن أولوية ضبط المشهد الأمني بالنسبة للإدارة الجديدة ترتبط بضمان تحقيقها للانتقال السياسي، وتهيئة البيئة المستقرة التي تشجع على عودة اللاجئين وتدفُّق الاستثمارات، وبالتالي بناء العلاقات السياسية مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.  

2.   تقديم الخدمات:  

قدمت الإدارة الجديدة وُعوداً بإحداث فارق في المستوى الخدمي، وخاصة في قطاعات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والمأوى، غير أن هذا الأمر يحتاج إلى توفُّر الموارد، وإلى الكثير من الجهد والوقت لتبدأ آثاره بالظهور، وهي غالباً ما ستعتمد على الدعم الخارجي في ذلك، فعلى سبيل المثال بدأت قطر وتركيا بمشروع إعادة تأهيل المطارات الدولية، وبدأت تركيا مشروع تأهيل قطاع الكهرباء في حلب وسيشمل كامل سوريا، ووصلت إلى الساحل السوري محطتان كهربائيتان عائمتان تركية وقطرية لتزويد الساحل السوري بالكهرباء، وشرعت الأردن بإصلاح خطوط تزويد الجنوب السوري بالكهرباء.  

تواجه الإدارة الجديدة مجموعة من التحديات في مجال تقديم الخدمات، أبرزها البنى التحتية المنهارة تماماً التي ورثتها عن النظام السابق، والترهل والفساد الإداري في القطاع العامّ، فضلاً عن استمرار العقوبات الدولية وغياب الموارد الذاتية، ومع ذلك يمكن أن توفر الاستثناءات من العقوبات وفرص الدعم الخارجي المجال للإدارة الجديدة لتقديم إنجاز في هذا المجال.  

تُولي الإدارة الجديدة أهمية لتحقيق إنجاز في تقديم الخدمات العامة لما في ذلك من رسائل ومؤشرات على إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وهو ما تحتاجه لتحقيق الشرعية الشعبية، كما أن توفير الحدّ الأدنى من الخدمات سيحقق نوعاً من الاستقرار والانضباط الأمني، وبالتالي عودة اللاجئين والانسجام مع التوجُّه الإقليمي والدولي في استقرار المنطقة.  

3.   فكّ العزلة الدولية:  

بدأت القُوى الفاعلة على المستوى الإقليمي والدولي التواصل مع الإدارة الجديدة فَوْر تسلُّمها للسلطة في دمشق، واستفادت الإدارة من رغبة الدول في التواصل معها لتبدأ هي المبادرة في التواصُل مع مختلف الجهات الدولية لرسم مشهد جديد في العلاقة مع سوريا، غير أن التواصلات الدولية تحتاج إلى وقت أطول في الاستكشاف والتقييم، فضلاً عن انتظارها لاستقرار المشهد الداخلي في سوريا، وانتظارها للسياسات الأمريكية بعد عودة ترامب مجدَّداً للبيت الأبيض.  

تحتاج الإدارة الجديدة إلى العلاقات الدولية وإلى التحالفات والشراكات في رفع العقوبات المفروضة على سوريا وفكّ العزلة السياسية عنها، كما يساهم الدعم الخارجي في تسريع عمليات إعادة الإعمار، وتطمع الإدارة الجديدة في أن ينطلق التوجه الدولي لدعم استقرار المنطقة من دعم استقرار سوريا، وبالتالي يساهم ذلك في شراكات مكافحة الإرهاب والانتقال للتنمية والازدهار.  

4.   بناء الجيش وحَصْر السلاح بِيَد الدولة:  

أعلنت الإدارة الجديدة العمل على الانتقال من الحالة الفصائلية إلى مؤسسة الجيش التابع لوزارة الدفاع وهيئة الأركان، بالتزامن مع التخطيط لجيش احترافي مغاير بهيكليته وعقيدته القتالية لما كان عليه الجيش فترة النظام السابق، وقد بدأت وزارة الدفاع عملية الإدماج بفصائل إدارة العمليات العسكرية ثم باقي فصائل الجيش الوطني، مع تخطيطها لإدماج باقي المجموعات الأمنية والعسكرية على كامل الخريطة السورية.  

تعتمد الإدارة الجديدة على الحوار الداخلي في إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية في سوريا، وحَصْر السلاح في يدها، وهي بحاجة للاستعانة بدعم الحلفاء الإقليميين والدوليين للوصول إلى ذلك، لكنَّ الانتقال من الفصائلية إلى التنظيم المؤسساتي لجيش الدولة يحتاج إلى توفُّر الموارد المستقرّة بِيَدِ الدولة، وإلى التخطيط الصحيح لتنفيذ عملية التنظيم والإدارة الجديدة، وقبل ذلك كله إلى الاستقرار الأمني والسياسي بين الفُرَقاء على مشروع واحد يعمل عليه الجميع.  

أخيراً هناك مجموعة واسعة جداً من الضرورات المُلِحّة التي تنتظر في قوائم الأولويات لدى الإدارة الجديدة في دمشق، في المقابل فإن هناك الكثير من التحديات، بل ومن التهديدات التي تحاول الإدارة تفكيكها والتفكير ملياً في طريقة التعامُل معها، مع وجود فرص تُعزِّز قدرة الإدارة الجديدة لتجاوُز الكثير من الأزمات، أهمها المصالح الإقليمية والدولية التي باتت أكثر من أيّ وقت مضى تبحث عن استقرار المنطقة انطلاقاً من استقرار سوريا.