خريطة المواقع العسكرية للقوى الخارجية في سورية منتصف 2024
يوليو 02, 2024 44938

خريطة المواقع العسكرية للقوى الخارجية في سورية منتصف 2024

حجم الخط

منهجية العمل       

إنّ كثافة النشاط العسكري للقوات الأجنبية في سورية وتنوُّعه وسِرِّيَّته في كثير من الأحيان، إضافة إلى التغيُّر المستمر في حجم وأماكن تمركز القوات العسكرية الأجنبية وطبيعتها وَفْق ما تقتضيه طبيعة الميدان أو تفرضه الأحداث الإقليمية والدولية؛ جميعها عوامل جعلت من عملية إحصاء جميع نقاط الوجود العسكري الأجنبي في سورية وتصنيفها عملية معقَّدة للغاية، وبحاجة للتحديث والتدقيق المستمر.       

لذلك تم اعتماد آلية خاصة لإحصاء المواقع العسكرية الأجنبية في سورية وتوثيقها، تقوم على التحديث المستمر لقواعد البيانات بناءً على عمليات الرصد التي تقوم بها المصادر الميدانية المباشِرة ومطابقتها والتحقق منها بشكل دوري مع المصادر ذاتها أو مع المعلومات من المصادر الرسمية المفتوحة التي تكشف أحياناً بعض هذه المواقع نتيجة تعرُّضها لعمليات القصف أو الاستهداف.       

اقتصرت عمليّة الإحصاء على المواقع العسكريّة الثابتة والمستقرّة؛ أيْ أنّها لم تشمل النقاط والحواجز ونقاط التفتيش المتحرّكة والمؤقتة التي تستخدمها بعض القوات خلال عملها العسكري، وخاصةً الميليشيات الإيرانيّة التي تعتمد على هذا الشكل من المواقع بشكل واسع.       

تم تحديد المواقع العسكرية للقوّات الأجنبية في سورية وَفْقاً لتقييم المعلومات المتوفرة عن حجم وطبيعة التسليح والتجهيز العسكري والمساحة الجغرافية التي يتمركز فيها الموقع العسكري، دون أن يكون ذلك متوافقاً أو متناسباً بالضرورة مع المعايير الأكاديمية العسكرية بشكل كامل. وعليه تشمل الخريطة الحالية صنفين من المواقع العسكرية وهي القواعد والنقاط.       

القاعدة العسكرية تكون مجهَّزة بمُعَدّات وتجهيزات عسكرية وعملياتية سواءً لمهامّ الدفاع أم الهجوم كمهابط الطيران والأنظمة الصاروخية الأرضية والجوية، مع وجود وحدات عسكرية خاصة بالدعم اللوجستي حين الضرورة، أمّا عندما يكون حجم الموقع العسكري صغيراً من ناحية التَّعْداد أو صنوف الأسلحة الموجودة فيه فيُشار إليه اصطلاحاً في هذه الدراسة بالنقطة العسكرية، وبسبب حالة التداخُل الكبيرة وخاصة في مجموعات ما دون الدولة فقد تمّ إطلاق مصطلح "النقاط" على جميع أنواع الوجود الأمني والعسكري باستثناء القواعد العسكرية الكبيرة والرئيسية.       

ترصد هذه الخريطة فقط النقاط التي تمتلك فيها القُوَى الأجنبية كامل الصلاحية والقيادة والتمويل، وبذلك فإنّها لا ترصد انتشار الخبراء أو الفنيين أو العسكريين كقادة أو مستشارين أو عناصر ضِمن مواقع أو منشآت أو حواجز القوات المحلية المختلفة أو ضِمن مؤسسات الحكم والإدارة المدنية، كما لا تشمل المواقع على الخريطة الوجود الأجنبي الذي هو أقل من نقطة عسكريّة، وبذلك فالحواجز الأمنية ودوريات العبور وعناصر المرافقة والحماية غير مشمولة بالخريطة أيضاً.       

مقدِّمة       

شهد الوجود العسكري للقُوَى الخارجية في سورية انخفاضاً محدوداً خلال الفترة بين منتصف عامَيْ 2023 و2024؛ حيث تراجع عدد القواعد والنقاط العسكرية الأجنبية من 830 إلى 801 موقع.       

تتفاوت القواعد والنقاط العسكرية للقوى الأجنبية في سورية من حيث العدد والعتاد، والمهام المناطة بها، فقواعد التحالف الدولي تسعى لملاحقة عناصر تنظيم داعش وتحقيق الردع ضد الأطراف الأخرى، تحديداً روسيا وإيران. والقوات التركية تعمل على حماية الأمن القومي للبلاد وتقويض التهديد الناتج عن سيطرة حزب العمال الكردستاني وانتشاره وأنشطته ضِمن مساحات واسعة من شمال وشمال شرق سورية. أمّا القوات الروسية فتعمل على تحقيق مصالحها على المستوى الجيوسياسي مستفيدة من موقع سورية الجغرافي وإطلالها على البحر الأبيض المتوسط. وأخيراً إيران تسعى لاستكمال السيطرة على الإقليم والمنطقة الواصلة بين طهران وبيروت مروراً بدمشق.       

تحرص القوات الأجنبية في سورية باستمرار على زيادة انتشارها العسكري في سورية أو الحفاظ على حجمه على أقل تقدير، باعتبار ذلك وسيلة أساسية لضمان حضورها في المشهد السوري وعدم تجاوُز دورها ومصالحها وسياساتها من قِبل القُوَى الدولية الأخرى.       

ساهم الوجود العسكري الأجنبي في سورية فضلاً عن اتفاق وَقْف إطلاق النار بين تركيا وروسيا في 5 آذار/ مارس 2020 في فرض أطول فترة تهدئة وتجميد لحدود السيطرة وخطوط التماسّ بين القوى المحلية، إلّا أنّ هذه العوامل أدت في الوقت ذاته لوصول النزاع في سورية إلى طريق مسدود، وحالت دون قدرة أي طرف على الحسم الميداني رغم استمرار النشاط العسكري الذي يعكس وجود إصرار على عدم التخلّي عن الحل العسكري، وما قد ينجم عن ذلك من زيادة احتمال وقوع صدام مباشر بين القوات الأجنبية في سورية.       

لذلك يحرص مركز جسور للدراسات بالتعاون مع منصّة "إنفورماجين" بشكل دائم على تحديث وإصدار خريطة انتشار القوات الخارجية في سورية، ووضعها في متناول الباحثين والخبراء المهتمين بالنشاط الدولي ضِمن الملفّ السوري.       

 

القوى الخارجية-2
 

أولاً: المواقع العسكرية الإيرانية في سورية       

في الفترة بين منتصف عامَيْ 2023 و2024 شهدت المواقع العسكرية الإيرانية في سورية تراجُعاً محدوداً في عددها من 570 إلى 529، لكن ما تزال إيران هي الدولة صاحبة الانتشار العسكري الأكبر في سورية مقارنة مع بقية القُوَى الأجنبية.       

المواقع الإيرانية في سورية هي عبارة عن 52 قاعدة عسكرية، إلى جانب 477 نقطة، متوزعة على 117 موقعاً في حلب، و109 بريف دمشق، و77 في دير الزور، و67 في حمص، و28 في حماة، و27 في إدلب، و20 في القنيطرة، و17 في اللاذقية، و16 في درعا، و14 في الرقة، و13 في السويداء، و9 في طرطوس، و8 في الحسكة و7 في دمشق.       

يعود التراجُع في عدد المواقع الإيرانية إلى عمليات إعادة انتشار بعض المواقع غير الرئيسية وتموضعها وتجميعها نتيجة ازدياد عمليات الاستهداف والقصف الجوي الأمريكي والإسرائيلي لها منذ بَدْء الحرب في غزة وما نتج عنها من زيادة في حالة التوتر والاستهداف المتبادل بين القوات الإيرانية والأمريكية، إضافةً لانسحاب ما يقارب 14 نقطة تابعة للحرس الثوري الإيراني من محافظة القنيطرة لصالح القوات الروسية وقوات النظام السوري، ويُرجح أنّ هذا الانسحاب جاء بناءً على مطالبة إسرائيلية لروسيا لضمان عدم استخدام هذه المواقع في أي أعمال عسكرية باتجاه منطقة الجولان في ظل التهديدات الإيرانية المستمرة بعد حرب غزة.       

علماً أنّ انسحاب الميليشيات الإيرانية وعمليات إعادة التموضع المذكورة لم تؤثر على الأهداف والقيمة الإستراتيجية للانتشار العسكري الإيراني في سورية الذي ما زال يحافظ على الطريق الدولي الذي يقطع سورية عرضاً من معبر البوكمال في محافظة دير الزور مروراً بالبادية السورية ومنها إلى محافظات حمص ودمشق وصولاً إلى الحدود اللبنانية إضافة لانتشار ثابت في خطوط التماسّ مع مناطق سيطرة المعارضة المسلحة وفي الجنوب السوري وخطوط تهريب المخدرات المتعددة ضِمن الجغرافيا السورية.       

بشكل عامّ تشمل المواقع الإيرانية صنفين رئيسيين، الأول: هو مواقع الميليشيات التي تُقاد بشكل مباشر من قِبل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهذه الميليشيات متنوعة؛ محلية وإيرانية وعراقية وأفغانية وباكستانية. والثاني: هو مواقع ميليشيا حزب الله اللبناني والمجموعات المحلية التابعة له، وهذا الصنف من المواقع يعمل أيضاً بدعم وتحت إشراف مباشر أو غير مباشر من الحرس الثوري الإيراني.       

تنتشر المواقع العسكرية الإيرانية ضِمن 14 محافظة سورية، وتُعتبر الأعلى مقارنةً ببقية القُوَى الأجنبية؛ إلّا أنّ غالبية هذه المواقع لا تمتلك القدرة على شنّ الأعمال العسكرية بمفردها؛ لعدة أسباب أهمّها؛ الافتقار لسلاح الطيران ومنظومات الدفاع الجوي والبنى التحتية العسكرية واللوجستية اللازمة لتنفيذ الأعمال العسكرية الواسعة، والاستنزاف المستمر للجاهزية القتالية لهذه المواقع نتيجة عمليات إعادة الانتشار المتكررة التي تنفذها بشكل مستمر لتفادي الضربات الجوية التي تستهدفها من قِبل الطيران الإسرائيلي وطيران التحالف الدولي، واعتمادها على المزاوجة بين عناصر الميليشيات العابرة للحدود.       

تحاول إيران تعويض افتقارها للبِنْية التحتية العسكرية عَبْر استثمار البنى التحتية والمرافق العائدة لقوات النظام، كما هو الحال في الفرقة التاسعة جنوب سورية، ومطار القامشلي شرق سورية، واللواء 37 في دير الزور.       

إيران-2
 

ثانياً: المواقع العسكرية التركية في سورية       

حافظت تركيا تقريباً على عدد مواقعها العسكرية في سورية البالغ 126، خلال الفترة بين منتصف عامَيْ 2023 و2024، باستثناء إنشائها موقعاً واحداً جديداً فقط.       

المواقع العسكرية التركية في سورية هي عبارة عن 12 قاعدة، و114 نقطة، يقع غالبيتها في محافظة حلب التي ينتشر فيها 58 موقعاً، في حين يوجد 51 موقعاً في إدلب، و10 مواقع في الرقة، و4 في الحسكة، وموقعان في اللاذقية وموقع واحد في حماة.       

تنتشر المواقع العسكرية التركية على شكل خطوط صدّ ودفاع؛ بحيث تكون الوحدات والقوات قادرة على تنفيذ الأعمال العسكرية، وتتميز هذه المواقع بالترابط فيما بينها لتأمين الدعم اللوجستي للقوات التركية، وباختصاصات مختلفة –هندسة، وقوات خاصة، ومدفعية وصواريخ، واتصالات وإشارة– مدعومة بالمدفعية والدبابات والمدرعات ومضادات طيران، وكاسحات ألغام، إضافةً إلى أجهزة اتصالات عسكرية.       

كما تقوم تلك القواعد بأعمال الرصد والاستطلاع البري والجوي عَبْر طائرات الاستطلاع المسيَّرة التي تمكنها من جمع المعلومات واستهداف مواقع النظام وقوات سورية الديمقراطية، إضافة لقيامها بالمهام الموكلة إليها والمنصوص عليها في التفاهمات المشتركة مع روسيا، كما هو الحال بما يتعلق بالدوريات الروسية التركية المشتركة شرق الفرات.       

تركيا
 

ثالثاً: المواقع العسكرية الروسية في سورية       

زادت روسيا عدد مواقعها العسكرية في سورية خلال الفترة بين منتصف عامَيْ 2023 و2024 حيث ارتفع عددها من 105 إلى 114 موقعاً. جاء ذلك بعد التراجُع النسبي في عدد المواقع العسكرية الروسية في سورية خلال الأشهر التي أعقبت انطلاق حرب أوكرانيا.       

المواقع الروسية في سورية هي عبارة عن 21 قاعدة و93 نقطة عسكرية، بواقع 17 في حماة، و15 في اللاذقية، و14 في الحسكة، و13 في القنيطرة، و12 في حلب، و8 في ريف دمشق، و8 في الرقة، و8 في دير الزور، و6 في إدلب، و4 في حمص، و3 في محافظة درعا، وموقعين اثنين في كل من محافظات دمشق والسويداء وطرطوس.       

تعود معظم الزيادة في عدد المواقع الروسية التي جرت خلال النصف الأول من عام 2024 لانتشار هذه القوات ضِمن عدد من المواقع الجديدة التي انسحبت منها الميليشيات الإيرانية في محافظة القنيطرة.       

كانت روسيا قد قلّصت انتشارها العسكري في سورية خلال العام الأول من غزوها لأوكرانيا نتيجة نقل جزء من قواتها التي شاركت في سورية إلى أوكرانيا للاستفادة من خبراتها التي اكتسبتها من التجربة في العمليات القتالية ولخفض المجهود الحربي في سورية لصالح الصراع في أوكرانيا. لكن روسيا ما تزال تحافظ على تفوُّقها العسكري مقارنةً بالقوات الإيرانية في سورية، وهو ما يدل عليه انتشار قواتها في مواقع عسكرية جديدة في سورية خلال عام 2024 واستمرارها في حرمان القوات الإيرانية من الانتشار في المواقع الإستراتيجية.       

يُلاحَظ أنّ المواقع العسكرية الروسية تتميز بتوفُّر مختلف صنوف الأسلحة فيها، وبتفوق سلاح الطيران الحربي، والاستطلاع. وهي تسعى لتحقيق التكامل بما يتعلق بالإعمال البرية مع وحدات قوات النظام، أو الميليشيات الإيرانية، أو المرتزقة (فاغنر)، رغم تسليحها القوي وانتشارها الإستراتيجي. ويَبدو أن روسيا باتت تخشى من الخسائر البشرية في صفوفها، لذلك تميل إلى الاعتماد بشكل أكبر على مجموعات المرتزقة في تنفيذ بعض الأعمال العسكرية، وخاصةً عمليات التمشيط البرية في البادية السورية لمطاردة خلايا تنظيم داعش هناك.       
 

روسيا-2
 

رابعاً: المواقع العسكرية للتحالف الدولي في سورية       

زاد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة من عدد مواقعه في سورية خلال الفترة بين منتصف عامَيْ 2023 و2024؛ حيث ارتفع عددها من 30 إلى 32 موقعاً.       

المواقع العسكرية للتحالف الدولي في سورية هي عبارة عن 17 قاعدة و15 نقطة عسكرية، تتوزّع على محافظة الحسكة التي تحتضن 17 موقعاً، وعلى محافظة دير الزور التي تضم 9 مواقع، وعلى محافظة الرقة التي تضم 3 مواقع، إضافة لموقع واحد في كل من محافظات حمص وريف دمشق وحلب.       

الزيادة في مواقع التحالف الدولي خلال الفترة بين منتصف عامَيْ 2023 و2024 ناتجة عن إنشاء هذه القوات لنقطتين عسكريتين جديدتين داخل وفي أطراف مدينة الرقة في إطار تأمين البِنْية العسكرية والأمنية التحتية اللازمة لتنفيذ العمليات الأمنية والاستخبارية ضد خلايا تنظيم داعش في المدينة وأريافها.       

يغلب على مواقع التحالف الدولي انتشار القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، مع وجود تمثيل رمزي لبقية دول التحالف، بدليل ما أعلنته الدنمارك في 22 إبريل/ نيسان 2023، عن سحب قواتها من سورية، دون تحديد عددهم أو مهامهم. من جانب آخر تم تجهيز هذه المواقع بكافة الوسائط القتالية، بما فيها منظومات الحرب الإلكترونية.       

يُعتبر انتشار قوات التحالف الدولي في سورية جزءاً من  قوة المهام المشتركة- عملية العزم الصلب التي تتخذ من بغداد مقراً لها وتتركز مهامها في المرحلة الحالية في إطار المشورة والمساعدة والتمكين، وفي سورية تتولى مواقع هذه القوات مهام مختلفة مثل تدريب وتطوير خبرات حلفائها المحليين، أي قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وجيش سورية الحر بإشراف خبراء عسكريين، وتقديم المدرّعات وما يلزم لهم من أسلحة وذخائر ومعدات لوجستية لمواجهة أي تهديد من قِبل تنظيم داعش والميليشيات الإيرانية، إضافة إلى تقديم الإسناد لهم في المهام القتالية والأمنية؛ كتنفيذ عمليات الإنزال الجوي لدعم قسد في عملياتها ضد عناصر وخلايا داعش.       

رسمياً يهدف الوجود العسكري لقوات التحالف في سورية إلى ضمان هزيمة تنظيم "داعش" ومنعه من إعادة ترميم صفوفه، لكن على أرض الواقع تعمل هذه القوات بشكل مباشر أو غير مباشر على منع النظام السوري وحلفائه -لا سيما إيران- من السيطرة على مناطق قسد التي تنتشر فيها معظم المواقع العسكرية لقوات التحالف؛ حيث ترى في الأنشطة العسكرية للنظام وحلفائه تقويضاً للاستقرار النسبي الذي حققته حربها ضد تنظيم "داعش" وفرصةً محتملة لسيطرة النظام أو هذه الميليشيات على مصادر النفط والغاز التي يتركز معظمها أيضاً في مناطق انتشار هذه المواقع.       

يُعتبر عدد المواقع العسكرية للتحالف الدولي في سورية هو الأقل مقارَنةً مع بقية القوات الأجنبية إلّا أنّه الأكثر تأثيراً قياساً على فارق القوة بالتسليح والانتشار، وقد زودت الولايات المتحدة خلال النصف الأول من عام 2023 قواتها في سورية بمنظومة هيمارس HIMARS         بعد الزيادة الملحوظة في انتهاك روسيا لآلية عدم التصادم في سورية، وتَعمدها تنفيذ "مناورات عدائية" في مناطق العمليات الأمريكية.       
 

التحالف الدولي-2
 

خُلاصة       

مرّ أكثر من 50 شهراً على حالة التهدئة وتجميد الأعمال القتالية في مناطق السيطرة للقُوَى المحلية في سورية، إلّا أنّ القُوَى الأجنبية الأربع التي تمتلك مواقع عسكرية لها على الأراضي السورية ما تزال تحتفظ بهذه المواقع وتعززها وتزيد من أعدادها وفقاً لحاجتها وقدرتها، وجميع هذه القوى ترى أن أسباب تدخُّلها ووجودها العسكري في سورية ما تزال قائمة خاصةً مع استمرار أنشطة التنظيمات والميليشيات المصنَّفة بالإرهابية لدى بعض أو جميع هذه القُوى، وعلى رأسها تنظيم "داعش" وحزب العمال الكردستاني والميليشيات الإيرانية. وقد أفرز هذا الواقع حالة تهدئة قسرية على جميع الأطراف المحلية، وسلبها القدر الأكبر من قدرتها على التغيير أو اتخاذ القرار العسكري خارج مناطق سيطرتها.  

ما تزال روسيا تحتفظ بجميع مواقعها في سورية، كما أنّها انتشرت خلال الأشهر الأولى من عام 2024 في نقاط جديدة، ولأول مرة في محافظة القنيطرة المُطِلّة على منطقة الجولان، مما يمنح روسيا أداة قوة وضغط في أي مفاوضات لها مع إسرائيل، وهي ما تزال تمتلك توزُّعاً عسكرياً ذا قيمة إستراتيجية عالية بالنسبة لها فهو يركز بشكل كبير على الساحل السوري المُطِلّ على البحر المتوسط وفي معظم المنشآت والمراكز الإستراتيجية التابعة للنظام، إضافة إلى شمال شرق البلاد الذي تتركز فيه معظم حقول النفط والغاز السورية، وتتمركز ضِمن جزء منه مواقع قوات التحالف الدولي مما يمنح روسيا أداة ضغط على الولايات المتحدة متاحة للاستخدام في أيّ وقت.       

أمّا إيران فتسعى بوضوح للحفاظ على انتشارها العسكري الكثيف الذي يوجد في جميع مناطق سيطرة النظام، فضلاً عن تَوْسِعته كلما سنحت الفرصة والظروف لذلك لتأمين الغطاء اللازم لأنشطتها الأمنية والاجتماعية والأيديولوجيّة داخل المجتمع المحلي ولتحصيل العدد والحصة الأكبر من أدوات الضغط على مختلف القوى الدولية الأخرى التي تنتشر على الأراضي السورية وضمان استمرار سيطرتها على الطريق البري الحيوي الذي ينطلق من إيران ويصل إلى لبنان، ويمنحها القدرة على تنسيق أعمال وأنشطة الميليشيات التابعة لها في جميع الدول التي يمر بها هذا الطريق وتعزيز هذه الميليشيات ودعمها عند الحاجة.       

وبالنسبة لتركيا فهي تركز على الانتشار العسكري في المناطق القريبة من الشريط الحدودي من إدلب حتى الحسكة مروراً بريفَيْ حلب والرقة، والذي تغلب عليه الطبيعة الأمنية، بما يعكس أهداف تركيا في سورية المتمثلة بالدفاع عن أمنها القومي ضد نشوء كيان انفصالي كردي على حدودها الجنوبية، وتأمين الحدود من هجمات وعمليات تسلل عناصر حزب العمال الكردستاني من جهة ومن موجات لجوء كبيرة عَبْر منع اندلاع مزيد من العمليات القتالية بين النظام والمعارضة من جهة أخرى.       

قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بدورها متمسكة بانتشارها العسكري في سورية، ويُلاحَظ قلة عدد مواقعها مقارَنةً مع بقية الفاعلين، لكنها تعتمد على القواعد العسكرية وليس النقاط الصغيرة، وبالتالي فإن وجودها العسكري نوعيّ وليس كمّيّ، ويركز على منطقة تُحقِّق لها أهدافاً إستراتيجية مثل مراقبة أنشطة خلايا تنظيم "داعش" والميليشيات الإيرانية بين العراق وسورية، وضمان المشاركة في تطبيق حصار اقتصادي على النظام السوري عَبْر حرمانه من استخراج النفط وبيعه، والسماح فقط بإمداده بكميات بالحد الأدنى لضمان توفير احتياجات السكان الأساسية في مناطقه. من جانب آخر، يُلاحَظ زيادة التحالف الدولي لمواقعه بمقدار موقعين اثنين في محافظة الرقة بعد الانسحاب من المحافظة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019 مما يعكس الرغبة في إعادة الحضور في هذه المنطقة وموازنته مع الوجود الروسي فيها وتعزيز البِنْية العسكرية والأمنية اللازمة لزيادة أنشطة المراقبة والملاحقة لخلايا تنظيم "داعش" فيها.       

بالمحصلة إنّ الانتشار العسكري لجميع القُوَى الأجنبية في سورية لم يشهد أي تغيُّر جذريّ في مهامه أو قيمته أو حجمه أو غاياته ومع غياب أي مؤشرات تدلّ على حصول مثل هذا التغيُّر في المستقبل القريب، مما يعني استمرار حالة التهدئة وتجميد حدود السيطرة وخطوط التماسّ بين القُوَى المحلية التي بات تغيُّرها مرهوناً بالقرار والوجود العسكري لهذه القُوَى الدولية.       



 

الباحثون