مسار رفع العقوبات عن سوريا: المراحل والأثمان والآثار الاقتصادية
الملخص التنفيذي
يأتي الحديث عن رفع العقوبات ضمن أهم أولويات مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، خاصة أنها عقوبات قديمة تعود لسبعينيات القرن الماضي، وتجدُّدها وتعدُّدها بعد قيام الثورة السورية ساهم في إعاقة القطاعات الاقتصادية السورية.
فُرضت العقوبات من قِبل الدول الغربية والعربية بشكل رئيسي على مؤسسات حكومية وخاصة انخرطت في دعم نظام الأسد، وعلى قادة هذا النظام وشخصيات مرتبطة به، وشملت قطاعات حيوية في الدولة السورية، ومع سقوط نظام الأسد وهروب الكثير من رموزه من البلاد كان من الطبيعي استمرار العقوبات على الشخصيات المدانة بارتكاب الانتهاكات؛ في مقابل الضرورة البدهية لرفع العقوبات المتعلقة بمؤسسات حيوية مثل البنك المركزي السوري والمساعدات والقروض الموجهة للمؤسسات الحكومية، لتستطيع هذه المؤسسات التعافي والبدء بعمليات إعادة الإعمار.
بطبيعة الحال فإنه يُتوقع أن تتطلب عملية رفع العقوبات الكثير من الإجراءات القانونية والقرارات السياسية، كما يُتوقع أن يكون الأمر في مسار متدرج زمنياً وعلى مراحل، وغالباً ما يطول المسار الزمني كما حصل في حالات مشابهة نسبياً مثل السودان والعراق، وبالنظر إلى هذه الحالات فإن العقوبات قد لا تُرفع بشكل كامل كما أن آثارها تبقى موجودة رغم زوال الأسباب المؤدية لفرضها.
في الحالة السورية بدأ تعليق العقوبات على بعض القطاعات وتوسيع الاستثناءات العامة والخاصة بشكل فعلي، ويُتوقع أن تستمر الدول التي فرضت العقوبات بعمليات تقييم للمؤسسات والأفراد الذين فرضت عليهم العقوبات من أجل اتخاذ خُطوات الرفع الجزئي أو الكامل للعقوبات.
يهتم المتابعون بالشأن السوري بقضية رفع العقوبات وفهم أسباب فرضها، وكيف يمكن أن يمر مسار رفعها؟ وما المدد المتوقَّعة لهذا المسار؟ وفهم القضايا الرئيسية التي يُتوقع أن يتم تجاوُزها والتحديات الواجب إزالتها؛ لما للعقوبات من تأثير مباشر على الاستقرار الداخلي والخارجي في البلاد، ولدورها المؤثر على مستقبل سوريا، والذي هو جزء من مستقبل استقرار المنطقة.
وفي دراسة طبيعة العقوبات المفروضة على سوريا وفرص رفعها يمكن استخلاص النتائج التالية:
• العقوبات في التجارب المشابهة أخذت وقتاً طويلاً لكي يتم إزالتها، والمسألة لم تكن تتعلق بسقوط أو انهيار الأنظمة التي تسببت بهذه العقوبات.
• يمكن أن يمر مسار رفع العقوبات عن سوريا بعدة مراحل، أبرزها مرحلة التقييم ثم التعليق والرفع الجزئي باتجاه الرفع الكلي للعقوبات.
• من أولويات رفع العقوبات في سوريا رفع عقوبات البنك المركزي السوري والقطاع المصرفي، ثم قطاع الطاقة والنفط، ثم قطاع القروض والمساعدات للمؤسسات الحكومية، فالاتصالات.
• مراعاة مصالح الدول التي تفرض العقوبات على سوريا مسألة مهمة لتسريع رفع العقوبات، مثل الابتعاد عن الاصطفاف مع إيران وحزب الله، وتوقُّف القتال، وتشكيل حكومة شاملة، ومكافحة المخدرات، وتحقيق مبدأ حسن الجوار والتعاون الأمني في المنطقة.
• يأتي رفع العقوبات بانعكاسات إيجابية على الاقتصاد السوري تتمثل بزيادة الاستثمار ورفع مستوى الصادرات وزيادة المنح والمساعدات بشكل رئيسي، مما يحسن من الحالة العامة للاقتصاد السوري.
تمهيد
بدأ الحديث عن ضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا مباشرة عقب سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، سواء من الإدارة السورية الجديدة وعموم النخب السورية المتطلعة إلى بناء مستقبل جديد تنمويّ للبلاد، أم من الدول الداعمة لأمن سوريا واستقرارها وفي مقدمتها تركيا ودول الخليج العربي ومعظم الوفود الدبلوماسية الغربية التي زارت دمشق، بينما شهد مطلع عام 2025 مواقف من الدول الأوروبية تَعِد برفع العقوبات، الأمر الذي تحققت إجراءاته فعلياً نهاية شباط/ فبراير 2025 برفع الاتحاد الأوروبي العقوبات عن قطاعات الطاقة والبنوك والنقل.
يوجد في الحالة السورية مجموعة من العقوبات المفروضة على شخصيات ومؤسسات وفصائل، وبعض هذه العقوبات قديم وبعضها الآخر حديث نسبياً، كما أن أسباب فرض هذه العقوبات، والجهات التي قامت بفرضها مختلفة؛ مما يطرح سؤالاً حول العقوبات نفسها وأسبابها والمستهدَفين منها، وكذلك آثارها وما الذي يمكن أن يتم رفعه في وقت قريب أو ما الذي يجب رفعه فعلياً عن سوريا لتصبح أكثر استقراراً وأماناً.
أولاً: الجهات التي فرضت العقوبات على سوريا
فُرضت أول عقوبات على سوريا نهاية عام 1979 على خلفية تصنيفها من الدول الداعمة للإرهاب [1] نتيجة دعم حافظ الأسد للمشروع الإيراني والميليشيات التابعة له، وبعد اندلاع الحرب الخليجية مع إيران قطع العرب المساعدات المقدَّمة للأسد لاصطفافه مع إيران وتقوية أذرعها في المنطقة بما في ذلك حزب الله اللبناني، ثم مع تورُّط نظام بشار الأسد باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005 اتخذ مجلس الأمن قراره [2] بفرض عقوبات على بعض الشخصيات.
في آذار/ مارس 2011 بدأت احتجاجات واسعة في سوريا، واجهها نظام الأسد بأشكال من العنف المفرط والمتصاعد، لتُفرض عليه خلال أكثر من 10 سنوات مجموعة من العقوبات الغربية والعربية في سبيل تعديل سلوكه الهمجي والأمني، والضغط عليه للانخراط الجادّ في المسارات السياسية المفضية إلى انتقال سياسي يضمن استقرار البلاد.
يمكن تلخيص العقوبات المفروضة على سوريا بعد عام 2011 بحسب الجهات التي فرضتها، كالتالي:
• العقوبات العربية: بدأت أواخر عام 2011 بعد أن عُلقت عضوية سوريا في الجامعة العربية لحين الالتزام بالمبادرة العربية من طرف النظام السوري [3] ، حيث تنصّ العقوبات على تجميد أرصدة كبار المسؤولين السوريين في حال وُجدت في الدول العربية، ووقف التعامل مع المصرف المركزي السوري، ووقف عمليات التمويل ومراقبة الحوالات المصرفية التي تأتي أو تذهب نحو سوريا، وتم تكليف عدة منظمات منها صندوق النقد العربي لمراقبة التطبيقات، وأعطت الجامعة العربية الحق لاستثناء ما يضر الشعب السوري.
• العقوبات الأوروبية: استهدف الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حكومة النظام السوري السابق ومسؤوليها ومسؤولي الجيش والاستخبارات، كما تم منع استيراد النفط وحظر بيع المعدات لتطوير الصناعة النفطية، ومُنعت الاستثمارات الأوروبية من الدخول إلى سوريا [4] .
• العقوبات الأمريكية: وهي مجموعة من الحزم التي تم توجيهها بشكل أساسي تجاه منع التعامل مع سوريا أو التحويل أو الإقراض أو التمويل، وكذلك تجميد أرصدة كبار المسؤولين السوريين ومنع التعامل معهم أو مع مؤسسات تابعة لهم، وأتت حزمة قانون قيصر [5] لتكون عقوبات "ثانوية" تفرض العقوبات الأمريكية على كل مَن يتعامل مع النظام السوري من غير الأمريكيين، وبموجبها تم حظر التعامل مع النظام، وأعطي الحق للمشرّع الأمريكي بأن يقوم بفرض عقوبات على أي طرف يتعامل معه في مجال النفط أو السلاح أو إعادة إعمار البنى التحتية أو تقديم خدمات حيوية للنظام السوري أو أجهزة اتصال أو تكنولوجيا عالية.
ثانياً: القطاعات التي فُرضت عليها العقوبات
تنوّعت العقوبات وخاصة الغربية منها وفق مجموعة واسعة من الإجراءات أبرزها:
• إجراءات حجز على أملاك بعض الشخصيات والمؤسسات.
• حظر التعامل مع مؤسسات وكيانات وشخصيات معينة، سواء التعامل الخدمي أم عمليات التوريد أم الشراء أم تقديم المعلومات أم الأموال أم أي خدمات أخرى.
• منع الأفراد والكيانات من الوصول أو العمل في دول محددة مثل حالة الولايات المتحدة أو بريطانيا أو دول الاتحاد الأوروبي.
ومن الملاحظ أن العقوبات تركز تأثيرها في 3 جوانب رئيسية هي:
1. عمليات البيع والشراء والتعاقد وطلب الخدمة من قِبل المؤسسات الحكومية، وهي تنطبق على جميع مؤسسات الدولة التي تقوم بالمناقصات بشكل رئيسي، وفي حالة الحكومة السورية فإنه يمكن تأسيس هيئة موحدة للمناقصات وإدارة عمليات الشراء والبيع، وهذه الهيئة الجديدة لن تكون معاقَبة؛ لكن عملياً سيصعب التعامل مع هذه الهيئة كونها مؤسسة سورية تشتري لصالح الحكومة، وخاصة فيما يتعلق بسلع محددة مثل قطاع التكنولوجيا والنفط الذي لن يتاح له الوصول لعمليات توريد من جهات معتبرة لو طلبته.
2. عمليات الدفع والقبض والتحويل والمراسلة المصرفية، وهذا يؤثر في المصرف المركزي السوري، وفي المصارف العامة مثل البنك التجاري الموضوع على قائمة العقوبات، وهذه العقوبات تقيد قدرة البنوك على إجراء تعاملات تجارية حتى لو كانت لصالح القطاع الخاص، فلو كان المبلغ المراد تسلُّمه أو إرساله هو ثمن بيع زيت زيتون على سبيل المثال فلن يكون هناك إمكانية لإرسال المبلغ عبر البنوك السورية؛ لأن التعامل مع المركزي السوري محظور بالأساس، وهذا يعني أن على التجار في القطاع الخاص أن يتعاملوا خارج المنظومة المصرفية الرسمية، من خلال حوالات وبنوك دول مجاورة ووسطاء وغير ذلك مما يزيد الكلفة ويثقل على التاجر ويصعب وصول السلعة.
3. حظر الوصول إلى أراضي دولة أخرى للمشاركة في أحداث معينة أو متابعة أعمال تجارية أو تملك أصول، وهذا مقيد فيه شركات الطيران وشخصيات معينة غادرت السلطة، إضافة لموظفين من مؤسسة الرئاسة ومجلس الشعب اللذين يُوضعان على قائمة عقوبات المؤسسات، كما أن الوزارات والمؤسسات التي ترغب بالاستثمار خارج البلاد سيصعب عليها هذا.
ثالثاً: أولويات رفع العقوبات أمام الحكومة الجديدة
مع سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024 وتوالي خُطوات عملية الانتقال السياسي في سوريا بتشكيل حكومة تسيير أعمال ثم حكومة انتقالية فإنه ثَمت أمام الحكومة السورية الجديدة هدف رئيسي لضمان الأمن والاستقرار عنوانه رفع العقوبات عن الدولة ومؤسساتها وعن البلاد والقطاعات الحيوية فيها، وهنا تأتي الأولويات في رفع العقوبات أمام الحكومة على الشكل التالي:
1. البنك المركزي السوري والجهاز المصرفي: تنبع أهمية رفع العقوبات عنه لكونه بوابة دخول الأموال وخروجها، وأساس المخاطبة لاستقبال أو إرسال الحوالات، ويعني رفع العقوبات عنه أن العالم مفتوح أمام التجارة والاستيراد والتصدير، والتجارة والتعاملات للقطاع الخاص بشكل رئيسي بما له من دور كبير في تحريك عجلة الاقتصاد السوري في المراحل الأولى.
2. قطاع الطاقة: وهو قطاع حيوي للاستيراد والتصدير والتعاقد مع المؤسسات التي تُعنى بموضوع الطاقة، وهو ما سيسمح بتعهُّد صيانة منشآت النفط والغاز واستيراد ما يلزم للصيانة والتحديث، وتصدير الفائض في حالة عودة الآبار للحكومة المركزية، كما يسمح الأمر بعودة شركات الطاقة للعمل على الاستخراج والتنقيب في البلاد، إضافة لتصدير كميات صغيرة من الطاقة تمنح الحكومة مواردَ تمكنها من الصرف على برامج التنمية وتوفير موارد لتطوير المؤسسات العامة.
3. القروض والمساعدات الحكومية: من الضروري بمكان أن يتم العمل على رفع العقوبات عن تمويل الحكومة، هذا يعني أن مؤسسات الحكومة السورية ذات الطابع المدني لا تبقى خاضعة للعقوبات، وهو ما يفتح التعامل معها بشكل إيجابي ويسمح بعمليات الإقراض وتلقي المساعدات، وهو أمر مرتبط بالبند الأول، ولكن هنا التخصيص متعلق بالمؤسسات الحكومية مثل مؤسسة الرئاسة أو الوزارات التي وُضعت تحت العقوبات.
رفع العقوبات عن المساعدات والقروض أو السماح بها سيجعل المؤسسات الحكومية قادرة على طرح سندات والحصول على قروض ومنح لمشاريع تنموية، على سبيل المثال يمكن أن تحصل على عقود شراكة ومِنَح من الاتحاد الأوروبي لتطوير نظام إداري ما، أو أن تتعاون مع بعض البلديات الأجنبية لتطوير تجارب في إدارة المرافق العامة وهكذا.
4.الاتصالات والمعلوماتية: حيث يُعَدّ هذا القطاع بوابة انفتاح سوريا على العالم، ومن خلال تقديم الدعم في مجال التكنولوجيا والسماح للبرمجيات والإنترنت السريع بالدخول سيكون من الممكن تحصيل مكاسب التحول الرقمي والاستفادة من دخول المستثمرين الذين يرغبون بالاستقرار في سوريا ولديهم صلات مع العالم الخارجي، فعند توفُّر إمكانية شراء القطع والتجهيزات اللازمة لهذا القطاع سيصبح قطاع الاتصالات أسرع وأكثر استجابة للتطورات، كما يمكن أن تتطور الخدمة الحكومية الرقمية، ويمكن لشركات أجنبية أن تزود الحكومة والقطاع الخاص ببرمجيات خدمية.
5. بقية القطاعات والمؤسسات: من المهم أن يتم رفع العقوبات عن الجيش والأمن ليكون قادراً على إمداد نفسه بمستلزمات الدفاع والأمن الوقائي، ولكن هذه خُطوة لاحقة يمكن أن يتم تأجيلها لتقع في آخِر سُلَّم الأولويات، وذلك لأسباب تتعلق بحساسية هذا القطاع من جهة، ومن جهة أخرى أهمية رفع العقوبات سابقة الذكر عن سوريا لكي تتحقق الاستفادة من رفع العقوبات على هذا القطاع، فلو رُفعت العقوبات عن جهاز الأمن ولم تُرفع عن البنك المركزي أو قطاع الاتصالات فلن يكون للأمر كبير فائدة.
وفي زحمة ترتيب الأولويات فإنَّ هناك عقوبات لم ينتهِ سببها وبالتالي يجب ألا تُرفع، بل ينبغي أن يتم تعزيزها وتطويرها بين الفَيْنة والأخرى، وهي العقوبات على بشار الأسد ومسؤوليه الموجودين خارج البلاد، وأن تشمل العقوبات جميع مؤسساتهم هناك أو المؤسسات المرتبطة بهم.
في المقابل فإنه من الضروري بمكان أن تتم دراسة أوضاع المؤسسات والشخصيات المعاقَبة الموجودة داخل سوريا، حيث يمكن التعامل معها قضائياً بطرق تتراوح بين تصفية جميع أعمالها إلى التبرئة والإدماج في المنظومة الاقتصادية الدولية.
رابعاً: المراحل المتوقَّعة لرفع العقوبات
من الملاحَظ أن المجتمع الدولي ركز عقوباته خلال السنوات الماضية على النظام السوري وحلفائه بشكل رئيسي، ثم أعطى رُخَصاً واستثناءات للشمال السوري بشرقه وغربه، كما أعطى رخصاً للقضايا المتعلقة بتسريع الاستجابة الإنسانية في سوريا [6] .
مع سقوط نظام الأسد أصدرت الولايات المتحدة رخصة بسيطة تؤكد فيها على إمكانية التعامل مع مؤسسات الدولة وضرورة ضمان استمرارها [7] ، وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي.
تكون مدة الرخص عادة 6 أشهر أو سنة، وهي مرحلة للتقييم يمكن تطويرها، لذا بناءً على ما فعلته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للآن يمكن تصوُّر شكل من أشكال رفع العقوبات، يمكن تحويله لمسار متكامل على النحو التالي:
1. الاستجابة الإنسانية: بعد سقوط النظام السوري يُتوقع أن تتوسع العمليات الإنسانية لمساعدة المتضررين، وفي حال تضاربت هذه الاستجابة أو تقاطعت مع قضايا العقوبات فإن العقوبات يمكن تعليقها جزئياً أو لمدة محددة، وهذا ما حدث بالفعل.
تشمل مرحلة الاستجابة الإنسانية تأكيداً –أكثر من أي شيء آخر- على أن العقوبات لا تمنع إيصال المساعدات الإنسانية للسوريين، وهنا تعطي الدول تراخيصها للمؤسسات الإنسانية والتجارية بأن تعمل على أرض الواقع دون العودة لها، مع ضرورة تجنُّب التعامل مع شخصيات وكيانات معينة.
2.التقييم: بعد 6 أشهر من الاستجابة الطارئة يُتوقع أن يتم تقييم الوضع على أرض الواقع؛ مما يعني إما أن يتم تمديد الرخص أو توسيعها، ويمكن عبر توسيع الرخص أن يتم إدخال مؤسسات حكومية أو مواضيع اقتصادية أكثر للاستفادة من الرخص، ويمكن أن تستمر عملية التقييم 6 أشهر أخرى وصولاً إلى سنتين من عمليات التقييم المتتالية.
3. التعليق: في حال كانت عملية التقييم جيدة، أي أن الحكومة السورية فعلياً استجابت لإلغاء الأسباب التي أدت إلى فرض العقوبات، فإن تعليقاً ممكناً للعقوبات بشكل جزئي أو كلي يمكن أن يحصل، فعلى سبيل المثال يمكن أن يتم تعليق العقوبات على مصرف سوريا المركزي لمدة سنة أو 6 أشهر، ويكون هذا التعليق بمثابة إيقاف مؤقت للعقوبات لممارسة أنشطة لا بد منها، أي ممارسة أعمال حيوية تكون في صلب الوظيفة الحيوية للكيان الذي يتم تعليق العقوبات عليه.
4. الرفع الجزئي: تأتي مسألة الرفع الجزئي بعد فترة كافية، فيتم رفع العقوبات عن قطاع أو مؤسسة أو شخصيات محددة، وهذه المرحلة يكون فيها التقييم إيجابياً، وتكون العقوبات معيقة لعمل القطاع مثل موضوع الحوالات أو قطاع النفط أو غيرها من القطاعات والأنشطة التي يمكن أن تشملها مرحلة رفع العقوبات.
5. الرفع الكامل: قد يتم الوصول لهذه المرحلة من خلال المرحلة السابقة، أي عمليات رفع جزئي لقطاعات ومؤسسات وأفراد ثم الإعلان عن رفع العقوبات بشكل تامّ، وقد يتم الوصول لهذه المرحلة خلال سنتين على الأقل إلى 5 سنوات على الأكثر في حالة سوريا.
خامساً: مقارنة مع السودان والعراق
يمكن الاستئناس بتدرُّج العقوبات في حالات عديدة لا تخلو من أوجُه شَبَه مع الحالة السورية، حيث تنتهج الدول الغربية مسار التدرج لتخفيف العقوبات أو رفعها، ويمكن هنا الحديث عن الحالة في السودان وفي العراق:
• حالة السودان: في التسعينيات تم تصنيف السودان على أنه دولة راعية للإرهاب على خلفية استضافة رئيس تنظيم القاعدة على أراضيه، وكان قبلها قد خضع لعقوبات متعلقة بعدم دفع ديون غربية كانت مستحَقة على السودان، وعلى إثر هذه العقوبات استجاب السودان لإخراج أسامة بن لادن من أراضيه عام 1996 أي بعد 3 سنوات من فرض العقوبات على البلاد، ولكن مغادرة بن لادن لم تمنع من استمرار العقوبات على السودان؛ بل زادت العقوبات عام 1997.
قصفت الولايات المتحدة الأمريكية معملاً للمواد الطبية في السودان عام 1998، وفي عام 2006 وعلى الرغم من التعاون السوداني مع الولايات المتحدة فرضت الأخيرة عقوبات على شخصيات سودانية متهمة بجرائم حرب في دارفور، ورغم أن الخلافات التي كانت موجودة بين السودان وجنوب السودان انتهت بإعلان انفصال عام 2011 إلا أن الولايات المتحدة مددت العقوبات على السودان عام 2012.
بدأ مسار تخفيف العقوبات عام 2015 عَبْر السماح للشركات الأمريكية بتقديم أجهزة اتصالات للسودان، ثم رُفعت العقوبات جزئياً عام 2017، ثم أُعلن عن رفع بقية المؤسسات السودانية عن قائمة العقوبات في 2022، أي أن الحديث عن رفع العقوبات عن مؤسسات السودان هو حديث عن تاريخ طويل من العقوبات، ثم عن تخفيف وتدرُّج ثم رفع احتاج 7 سنوات تقريباً، فضلاً عن تجديد العقوبات على أشخاص ضِمن الحرب المستمرة بين الحكومة وقوات الدعم السريع [8] .
• حالة العراق: فُرضت العقوبات على العراق على خلفية غزوها للكويت في التسعينيات من القرن الماضي، ومُنعت الدول من التبادل التجاري مع العراق، ورغم انتهاء الغزو العراقي للكويت وخروج القوات العراقية منه؛ إلا أن العقوبات استمرت ضِمن مسار إزالة أسلحة الدمار الشامل.
بدأت العقوبات الأممية تُرفع عن العراق عام 2010 مع بقاء بعضها مستمراً مثل تعويض الكويت بمبلغ مقابل الغزو والذي استمر حتى عام 2022 عندما أتم العراق دفع مبلغ 52 مليار دولار للكويت، وحينها رُفعت عن العراق العقوبات الأممية لكن بقيت آثارها فضلاً عن استمرار ديون أخرى وضغوطات أمريكية.
تُعَدّ حالة العراق هي حالة عقوبات قاسية للغاية، ولكنها كانت أكثر شمولاً وتشبه الحصار الاقتصادي أكثر من كونها تشبه العقوبات [9] .
بالطبع هناك دول أخرى فُرضت عليها العقوبات مثل ليبيا وميانمار وغيرها، وقد تم رفع العقوبات عليها بعد فترة طويلة وبشكل جزئي قبل أن تُزال كلياً أو بشكل يشمل معظم العقوبات.
الحالة السورية فريدة ومختلفة عن الحالة في السودان وفي العراق، لكنها تتشارك مع الحالتين ببعض المسائل وتختلف معها بمسائل أخرى، حيث يمكن وضع جدول للمقارنة كالتالي:
نلاحظ أن سوريا تتشارك مع حالة السودان فيما يتعلق برعاية الإرهاب، وهي قضية أتت على خلفية اصطفافها مع إيران وحلفائها، وهو ما يُتوقع أنه مرحلة انتهت نهائياً في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وهذا يعطي فرصة بأن يتم رفعها من التصنيف المتعلق برعاية الإرهاب، وهو ما يُتوقع أن يتم خلال فترة زمنية قد تأخذ 3 إلى 4 سنوات.
كما تتشارك سوريا مع العراق والسودان في مسألة فرض عقوبات على مؤسسات الدولة، خاصة ما يتعلق بتوريد السلاح، وهي مسألة قد يتم رفع الحظر عنها كذلك لكن بعد تشكيل جيش وفروع أمنية احترافية إضافة لاستقرار الوضع الأمني، وهو ما يُتوقع أن يستمر بضع سنوات.
الجانب الإيجابي في هذا؛ هو أن سوريا لا تخضع لعقوبات أممية، وكذلك هي لا تعاني من حصار شامل وتامّ وقطع علاقات كلية مع المجتمع المحلي والدولي، وهذا يجعل العقوبات أقل أثراً من حالة السودان والعراق.
كما أن سوريا غير مدينة لأحد بديون أو تعويضات، ولكن على العكس تماماً فهي يجب أن تطالب كلاً من إيران وروسيا بتعويضات عن القتل والدمار الذي قامت به هذه الدول في تدمير البنى التحتية وقتل البشر في سوريا.
سادساً: الأثمان المتوقَّعة لرفع العقوبات عن سوريا
في الثمن المتوقَّع لرفع العقوبات يمكن النظر للأسباب نفسها التي أدت لفرض العقوبات، والتي يمكن تلخيصها بالآتي:
• الابتعاد عن إيران وحزب الله وحلفائهم: يبدو أن ضمان عدم عودة إيران إلى سوريا وبقائها منفصلة عن الاتصال بحزب الله اللبناني ودعمه هو نقطة بداية رفع العقوبات المتصلة بقائمة الدول الراعية للإرهاب، وهذا الأمر بدأ في سوريا بالفعل منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد.
• وقف عمليات القتل والتجهير: وهي مسألة أُدين نظام الأسد بها بسبب قصف المدن وحصارها وتجويع الناس واعتقال عشرات الآلاف منهم، وهو مشهد يجب على الحكومة السورية الجديدة تغييره في البلاد من خلال تبني نظام قضائي عادل يحاسب المجرمين ومرتكبي الجرائم ويتخلى عن الأعمال الانتقامية والانتهاكات الممنهجة، وهو أمر يحتاج وقتاً لتحقيق تقدُّم فيه، فالنظام القضائي والعمل الأمني الاحترافي يتطلب تشكيل مؤسسات الدولة وبناءها بشكل جيد، كما يتطلب اتباع قوات الأمن والجيش لدورات تدريبية تثبت قضية الاحترافية وتجعلهم أكثر خبرة بالتعامل مع الاحتجاجات والحملات الأمنية.
• التخلي عن الاصطفاف مع روسيا: كان نظام الأسد داعماً للحرب الروسية على أوكرانيا، كونه حليفاً لروسيا العدو التقليدي للغرب، ومن المتوقَّع أن تقوم الدول الغربية بدعم الحكومة السورية الجديدة أو تشجيعها في حالة التخلي عن روسيا وإخراجها بالكامل من الأراضي السورية، وهو ما يمكن أن يتم خلال فترة زمنية غير بعيدة، ولكنه قد يصعب قليلاً تنفيذه دون مفاوضات حقيقية مع الغرب وضمانات منه.
• مكافحة المخدرات: إن جانباً من العقوبات التي فُرضت على سوريا متعلقة بالكبتاغون وتجارة الموادّ المخدرة التي نشرها النظام المخلوع عَبْر العالم، وإن دخول الحكومة السورية في حملة واسعة لمكافحة المخدرات وضبط الحدود وملاحقة المهربين سيقدم خُطوات للدول الغربية والعربية تشجعها على دعم مبدأ رفع العقوبات المرتبط بهذا الجانب.
• العلاقة مع دول الجوار: إن تحسين العلاقة مع دول الجوار وخاصة إسرائيل من خلال عدم تهديد أمنها سيكون أحد الأثمان المطلوب دفعها من الحكومة السورية الجديدة لرفع العقوبات عنها، الأمر المرتبط غالباً بمسارات تفاوضية قد يكون عَبْر الأمم المتحدة وغالباً ما يكون ضِمن الموقف العربي، في المقابل فقد قدمت الحكومة الجديدة موقفها فعلياً ومن خلال التصريحات بأن سوريا دولة لا تمثل أي تهديد لمحيطها أو للعالم.
• التخلي عن الأسلحة الكيماوية وأي أسلحة يمكن أن تشكل تهديداً إستراتيجياً، حيث حاربت الولايات المتحدة الأسد عند استعماله للسلاح الكيماوي خلال الثورة السورية، وعملت على تفكيك منظومته، وهي لا تزال ترى أن هذا السلاح موجود في سوريا أو أن سوريا قادرة على إنتاجه، لذا فإن عدم إنتاجه أو تجديده سيكون مسألة مهمة بالنسبة للدول الغربية.
• محاربة الجماعات الجهادية وطرد أفرادها: وهي مسألة لا بد من أن تقوم بها الحكومة الجديدة، وهذا يعني أن محاربة تنظيم داعش يجب أن تستمر، كما يعني مواجهة مَن يحملون أفكاراً جهادية متشددة وإنْ كانوا سابقاً شركاء في مواجهة نظام الأسد، وهو ثمن لن يكون بسيطاً، ويفرض على الحكومة الحالية التعامل مع المسألة بحكمة وسياسة تجعل المسألة تأخذ وقتاً أطول،كذلك فإن على الحكومة عدم قبول الأجانب – وخاصة من الجهاديين- في مناصب حكومية عُليا.
هذه الأثمان يمكن دفعها، وهي وإنْ كانت ذات تكلفة لكن تكلفتها أقل من تكلفة عدم رفع العقوبات وتحمُّل آثارها، غير أن هناك مشكلة في تحمُّل دفع الأثمان وهي الوقت، وهنا يمكن الحديث عن 3 أنواع من "الوقت" للتعامل مع هذه الأثمان:
1.الفترة الزمنية الأولى: تتمثل بالتصريحات وبناء الرؤية حول هذه الأثمان، مثلاً: مسألة محاربة الجماعات المتطرفة تتطلب تصريحات حسّاسة في المرحلة الراهنة، وكذلك وضع منهجية عمل واضحة يمكن من خلالها إشراك جميع المؤسسات وفئات المجتمع السوري فيها.
2. الفترة الزمنية الثانية: تتعلق بالتطبيق العملي لهذه الخُطوات، فمثلاً التخلي عن إيران وحلفائها تم اتخاذ تصريحات قوية حوله، وتم طرد إيران وحزب الله من الأراضي السورية، لكن مع عدم توقُّف إيران وحزب الله وحلفائهم عن محاولة العودة، كيف ستتعامل الحكومة السورية الجديدة مع هذه المحاولات؟ بما يضمن للغرب عدم عودة إيران من أي باب إلى سوريا والفصل الكامل لها عن ذراعها في لبنان.
3.الفترة الزمنية الثالثة: هي اختبار التطبيق العملي لما تم القيام به، وهي مدة زمنية تقر فيها الدول بأن الحكومة السورية قامت بالتغييرات، ومضى وقت التأكد من أن كل شيء على ما يرام، وبأن التحول ليس حدثاً طارئاً أو عرضياً، بل هو سياسة ونهج أكثر من كونه استجابة ظرفية.
إذاً فإن رفع العقوبات لن يكون جملة واحدة ودفعة واحدة وفي فترة زمنية واحدة، ولكنه عبارة عن عملية تراكمية، تأخذ مدة زمنية تمتد عدة سنوات.
سابعاً: الآثار الناتجة عن رفع العقوبات
يمكن رصد نوعين من الآثار لرفع العقوبات عن سوريا، يتمثل النوع الأول بقدرة سوريا على ممارسة الفعل الذي كانت العقوبات تمنعها عنه، ويتمثل النوع الثاني بالاستفادة من هذه الممارسة، والأمر يشبه الفرق بين القدرة النظرية والتنفيذ الفعلي، أو الفرص والاستفادة من هذه الفرص، وعليه تتلخص الآثار الناتجة عن رفع العقوبات بالآتي:
الفرص التي يوفرها رفع العقوبات :
• عودة النظام المصرفي السوري للانخراط في النظام الدولي، وهو يتيح فرصة التعامل مع المؤسسات الدولية، والبنوك والمؤسسات المالية في مختلف دول المنطقة والعالم، وهذا يعني إمكانية المراسلة، وتبادل المعلومات والتقديم على القروض والمنح، والتحويل من سوريا وإليها، واستثمار الأموال خارج سوريا، وتدفُّق الاستثمارات المالية إلى الداخل السوري.
• تبادُل تجاري أكثر سهولة ويُسْر، حيث لم تمنع العقوبات على سوريا التبادل التجاري معها، ولكنها قيدت هذا التبادل فلا يسمح للمؤسسات في الولايات المتحدة أن تتعامل مع سوريا، ولكن في دول أخرى مثل دول العالم العربي يمكن ذلك، ورفع العقوبات يعني أن المؤسسات التجارية والأفراد من مختلف الدول سيكونون قادرين على العمل والتبادل التجاري مع سوريا.
• الاستثمار في سوريا، والذي منعته العقوبات، وخرجت على إثر هذا المنع مؤسسات كثيرة، خاصة في قطاع النفط، بينما سيسمح رفع العقوبات بعودة هذه المؤسسات ومؤسسات أخرى يمكن أن تدخل باستثماراتها إلى سوريا.
• فرصة تنشيط قطاع النفط والغاز وإعادة بنائه، حيث يأتي هذا القطاع على رأس القطاعات التي يُمنع العمل فيها، وسيسمح رفع العقوبات بالقدرة على استثماره، وإعادة بناء المنشآت النفطية في سوريا.
• فرصة استيراد المعدات التقنية والتكنولوجيا المتقدمة، حيث سوريا مع العقوبات منعزلة عن العالم، ولم تكن قادرة على شراء الكثير من التجهيزات مثل تلك التي تتعلق بالاتصالات، وسيفسح رفع العقوبات للحكومة والأفراد الاستفادة من هذه التكنولوجيا في مجال الاتصالات وغيرها.
• فرص التحرك خارج سوريا من قِبل شخصيات اقتصادية مهمة، وعقد صفقات وإجراء استثمارات، كذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات التي يمكن أن يكون لديها أعمال خارج سوريا.
ربما تكون هذه أبرز النقاط الرئيسية في مسألة الفرص الاقتصادية المتاحة في حال رفع العقوبات عن سوريا، ولكن على جانب آخر فإن الانعكاسات الفعلية التي يمكن أن تحصل عليها سوريا في حال رفع العقوبات تتمثل في قسمين؛ الأول على المدى القصير والثاني على مدى أطول.
الآثار الاقتصادية على المدى القصير والمتوسط:
• استثمارات في سوريا: يُتوقع مع رفع العقوبات أن تتدفق استثمارات إلى سوريا، سواء كانت هذه الاستثمارات لصالح السوريين المقيمين في الخارج أم شخصيات ومؤسسات عربية أم أجنبية، وهذا يعني بداية أنشطة تجارية واقتصادية ستنعكس بشكل إيجابي على البلاد، وهي خُطوة متوقَّع أن تحصل، فهناك عدد كبير من السوريين مهتمون بتحويل أموالهم إلى سوريا وبدء أنشطة تجارية أو صناعية أو حتى زراعية آمنة، وكذلك يوجد اهتمام من قِبل بعض المستثمرين الأجانب.
• مِنَح وقروض للحكومة: يمكن في حال رفع العقوبات أن تبادر بعض المؤسسات الدولية وكذلك الحكومات لتقديم منح مالية للحكومة السورية أو قروض تمكنها من تسيير شؤونها وإقامة برامج تنموية، وهذا أيضاً في إطار الممكن والمتوقع، حيث نجد أن بعض الدول قريبة من الملف السوري وراغبة باستقراره، ويمكن أن تشكل القروض والمِنح شكلاً من أشكال دعم الاستقرار.
• تجارة أكبر مع العالم الخارجي: وذلك لجهة الصادرات والواردات السورية التي يتوقع أن تنشط في حالة رفع العقوبات عن سوريا، وبالتالي يصبح البلد قادراً على استيراد المواد من مختلف الأنواع وخاصة ما يتعلق بالتكنولوجيا من معدات وبرمجيات وتجهيزات كمبيوتر وماكينات ومعدات، وهذا سيفيد في دعم البند الأول المتعلق بالاستثمار.
• تواصُل أكبر مع العالم الخارجي: لجهة هبوط وإقلاع الطيران والزيارات التي يمكن أن تجري بين العالم الخارجي وسوريا.
الآثار الاقتصادية على المدى الطويل:
• الاستثمار في القطاعات التي كانت معاقَبة بعد صيانتها وتنشيطها، مثل قطاع الطاقة، حيث يُتوقع عودة مؤسسات تستثمر فيه، بما في ذلك أنشطة التنقيب عن النفط والغاز.
• صيانة أسطول الطيران السوري أو إدخال طائرات جديدة في الخدمة، وهي مسألة تعود لإمكانيات الحكومة أكثر من كونها تعود للعقوبات نفسها، وبالتالي بعد أن تحقق سوريا بعض الاستقرار يمكن لها أن توقع عقوداً للصيانة أو التوريد متعلقة بالأسطول الجوي أو حتى البحري السوري.
• تقديم معدات الحماية والأمن ومكافحة التهريب، وهي مسائل تخضع حالياً للعقوبات، ولكن مع مرور الوقت ورفع العقوبات يمكن أن تحصل سوريا على عقود لشراء معدات الحماية ومكافحة التهريب أو هبات للحصول عليها، وربما في وقت لاحق السلاح من أنواع محددة.
• توقيع عقود تدريب دولية، ويمكن كذلك على المدى البعيد أن تبدأ سوريا تبادُل الخبرات مع العالم الخارجي، بما في ذلك عقود التدريب النظري والعملي في مؤسسات حكومية دولية، وذلك ليستفيد الموظفون من التجارب المتقدمة، كما يمكن لبعض الدول أن تبدأ تقديم استشارات وخدمات لتطوير القطاعات الحكومية المختلفة، بما في ذلك قطاع الجيش والأمن.
الخلاصة
إن العقوبات على سوريا قديمة وتعود لعهد حافظ الأسد الذي اصطفّ مع إيران ودعمها ضد دول المنطقة منذ مراحل مبكرة، ثم دعم أدواتها في لبنان ومكّنها من السيطرة على البلاد، كما أن العقوبات استمرت في عهد بشار الأسد الذي عمل على الاستفادة من دور وظيفي لصالح إيران ودول أخرى، وكان حصاد هذه المرحلة هو تصنيف سوريا دولة راعية للإرهاب، ودولة تشكل تهديداً على الأمن الإقليمي في المنطقة.
ومع قدوم الثورة السورية ارتفعت وتيرة العقوبات لتصبح عقوبات شخصية على بشار الأسد ومحيطه ورجال أعماله، ثم مؤسسات حكومية متعددة، وشركات تجارية، ثم لتشمل المصرف المركزي الذي استخدمه النظام المخلوع ماكينة لغسل الأموال لصالح عائلة الأسد والمرتبطين بهم، ثم توسعت العقوبات لتشمل قطاعات مختلفة وشخصيات مختلفة عملت في مجال تمويل الحرب، وبيع المخدرات، وتورطت في قتل السوريين.
ومع سقوط نظام الأسد باتت المطالبة برفع العقوبات أعلى بالاستناد إلى أن أسباب العقوبات زالت، ولكن على جانب آخر هناك فئات معاقَبة لا تزال موجودة، وهي جبهة النصرة وفصائل محسوبة على الجيش الوطني السوري، وشخصيات مدنية من رجال أعمال موَّلوا الأسد، وهم موجودون في دمشق بشكلهم الطبيعي أو عَبْر استثماراتهم، لتكون المطالبة بإزالة العقوبات عن كل ما يتعلق بسوريا أمراً غير ممكن نظرياً، أو على الأقل هو أمر غير ممكن أن يتم بسرعة فعلياً.
سيكون أمام سوريا 3 مراحل على أقل تقدير، هي مرحلة الرُّخص من العقوبات والتي يمكن أن تمتد عاماً كاملاً، ثم مرحلة التقييم للواقع والتي يمكن أن تمتد 6 أشهر على أقل تقدير، ثم مرحلة التعليق الجزئي للعقوبات، ثم مرحلة رفع العقوبات جزئياً، ثم كلياً، وهو ما قد يستمر من 3 إلى 5 سنوات على أقل تقدير، وضِمن سيناريو متفائل نسبياً.
لكن الجانب الإيجابي هو أن أي قرار تجاه تخفيف العقوبات أو إيقافها جزئياً سينعكس بشكل إيجابي على سوريا، فسيفتح فرصاً يمكن استثمارها، وسيؤدي لدعم الاقتصاد السوري، وتدوير عجلة الاقتصاد ثم تسريعها.
[1] مصطفى عبد الله الكفري، العقوبات المفروضة على سوريا استهدفت الشعب السوري قبل النظام، موقع المستشار الاقتصادي، 17/12/2024. الرابط
[2] عماد فوزي شعيبي، أخطر الاستحقاقات السورية بعد القرار 1636، موقع الجزيرة نت، 06/12/2005. الرابط
[3] نص العقوبات التي فرضتها الجامعة العربية على سوريا، صحيفة القدس العربي، 27/11/2011. الرابط
[4] Impact of sanctions on the humanitarian situation in Syria, Eu parliament, June 2023. link
[5] Caesar Syria Civilian Protection Act, U.S. Department of State, 17/01/2020. Link
[6] خالد التركاوي وبشير نصر الله، لوائح الاستثناءات من العقوبات الأمريكية في سوريا 2020 – 2022،مركز جسور للدراسات، 02/06/2022. الرابط
[7] الخزانة الأمريكية تصدر رخصة عامة تتيح معاملات مع مؤسسات حكومية سورية، وكالة فرانس 24، 07/01/2025. الرابط
[8] للاطلاع أكثر على موضوع العقوبات على السودان، انظر:
العقوبات الأمريكية على السودان من 1988 إلى 2017، موقع الجزيرة نت، 16/01/2017. الرابط
مجلس الأمن يمدد العقوبات المفروضة على السودان لعام آخر، وكالة الأناضول، 12/09/2024. الرابط
[9] للاطلاع أكثر على موضوع العقوبات على العراق، انظر:
أحمد الدباغ، 10 سنوات على رفع العقوبات الدولية.. وما زال العراق يعيش آثارها، موقع الجزيرة نت، 16/12/2020. الرابط