إستراتيجية جديدة للاتحاد الأوروبي في سوريا
تحت عنوان "الوقوف مع سوريا: تلبية احتياجات انتقال ناجح" انعقدت النسخة التاسعة من مؤتمر بروكسل للمانحين في 17 آذار/ مارس 2025 وتمت فيه لأول مرة دعوة الحكومة السورية لحضوره ممثَّلة بوزير الخارجية أسعد الشيباني.
أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في كلمتها الافتتاحية للمؤتمر عن أدوار جديدة للاتحاد الأوروبي الذي يبدأ بعد مضيّ 14 عاماً وسقوط النظام العمل "مع سوريا" وليس "من أجل سوريا" كما كان يحدث في الأعوام السابقة، وأكدت أن أوروبا مستعدة للقيام بأدوار 3 رئيسية تتمثل في:
1. مواصلة تلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً، حيث قدمت أوروبا سابقاً أكثر من 37 مليار يورو دعماً للسوريين، وسيرفع الاتحاد الأوروبي بعد سقوط النظام تعهُّده -في سوريا والمنطقة- إلى ما يقارب 2.5 مليار يورو لعامَيْ 2025 و2026.
2. الرغبة في دعم التعافي الاجتماعي والاقتصادي، حيث علق الاتحاد عقوباته على قطاعات اقتصادية رئيسية، بما في ذلك الطاقة والنقل والمعاملات المالية المرتبطة بها، وأن هناك استعداداً لبذل المزيد من الجهود لجذب الاستثمارات اللازمة لإعادة الإعمار، فالتطلع إلى مستقبل البلاد يتطلب إعادة تأهيل الاقتصاد بأكمله وسط الحاجة إلى إعمار مدن بأكملها.
3. الرغبة في دعم انتقال سياسي شامل، حيث إنه في سوريا القديمة، كان هناك ديكتاتور يسيطر على جميع السلطات السياسية والاقتصادية، أما في سوريا الجديدة، فيمكن للسلطة أن تعود إلى مَن يستحقها - أيْ إلى الشعب السوري-، ويمكن لسوريا أن تصبح بلداً يعبّر فيه الجميع عن آرائهم بحرية، وبحقوق متساوية، وتمثيل متساوٍ للجميع رجالًا ونساءً على حدّ سواء، بغضّ النظر عن دينهم أو عِرْقهم أو أيديولوجيتهم، وأن تكون بلداً لا مكان فيه للعنف الطائفي.
ظهر في المؤتمر أن الاتحاد الأوروبي قد طوى لاءاته الثلاث التي كانت تحكم إستراتيجيته السابقة في سوريا، وهي: لا للتطبيع، لا لرفع العقوبات، لا لإعادة الإعمار، كما ظهر أن الاتحاد لا يضع شروطاً "سياسية" خارجية على دعمه، لكن ظهر فقط أنه يحثّ الحكومة السورية على تسريع "عملية الانتقال السياسي نحو حكومة موثوقة وشاملة وغير طائفية" وأنه طالما استمر تقدُّم العملية السياسية، فإن الاتحاد "على استعداد أيضاً لزيادة دعمه للتعافي وإعادة الإعمار جنباً إلى جنب مع شركائه في المنطقة وحول العالم".
كما أظهر الاتحاد -على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية- أنّه يدعم الخُطوات التي قامت بها الحكومة السورية، "خطواتٍ مُشجعة للغاية"، ومن أمثلة ذلك توقيع الرئيس المؤقت أحمد الشرع على الإعلان الدستوري، والاتفاق الموقَّع بين السلطات المركزية وقوات سوريا الديمقراطية، والذي اعتبره الاتحاد إنجازاً تاريخياً.
من جانب آخر، أدان بيان صحافي مشترك للرؤساء المشاركين الممثلة السامية كالاس، والمفوضان سويكا ولحبيب، إضافة إلى الوزير الشيباني، الهجمات العنيفة التي شنّتها فلول نظام الأسد على قوات الأمن، وجدّدوا إدانتهم الشديدة للانتقام اللاحق، الذي أسفر عن جرائم مروّعة ضد المدنيين على يد عدد من الجماعات المسلحة، ورحّب الرؤساء المشاركون بالالتزامات التي قطعتها الحكومة الانتقالية، ولا سيما إنشاء لجنة تحقيق، في تلك الأحداث.
المؤتمر -كما قالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كايا كالاس- "ليس مجرد تعهدات، بل هو رسالة دعم جماعي لعملية انتقالية سلمية وشاملة بقيادة وملكية سورية" لذا فإن الطريق إلى الأمام هو بيد السوريين، ومع ظهور الرضى عن الخُطوات التي قامت بها الحكومة الجديدة حتى الآن عَبْر مؤتمر الحوار، وعَبْر الإعلان الدستوري، فإنه من المهم تلبية التطلعات الدولية في تشكيل "حكومة موثوقة وشاملة وغير طائفية" تكون خاتمة خُطوات المرحلة الانتقالية، وتساهم في ترسيخ الاستقرار داخل البلاد، وفي نَيْل ثقة المجتمع الدولي، وتوسيع دائرة الانفتاح على الحكومة الجديدة، والاعتراف الكامل بها.
بالمحصلة لا ينبغي تقييم المؤتمر من ناحية حجم التبرعات "المنخفضة" مقارنة بالسنوات السابقة، أو من ناحية طريقة صرفها في بلدان الجوار، أو داخل سوريا، إنما تقييمه من ناحية تقبُّل الاتحاد الأوروبي للحكم الجديد، وإشراكه في المؤتمر، ودعمه لخُطوات الانتقال السياسي التي جرت في البلاد، وإن النجاح في الخُطوة القادمة في التشكيلة الحكومية المرتقبة، سيكون الرافعة الكبرى لفتح أبواب تدفُّق الأموال والاستثمارات ومشاريع إعادة الإعمار، واستعادة الاقتصاد السوري عافيته، بما يساهم في ترسيخ التعافي الاجتماعي، والسِّلْم الأهلي، والاستقرار السياسي.