العدوان الإسرائيلي على سوريا يُمهد لخطةٍ طويلة الأمد لاستمالة الدروز
May 07, 2025 1179

العدوان الإسرائيلي على سوريا يُمهد لخطةٍ طويلة الأمد لاستمالة الدروز

Font Size

نبذة:   

يتناول المقال الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا في سياق إستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى استغلال الانقسامات الطائفية بين الأقليات الدينية في المنطقة، خاصة الدروز، لخدمة المشروع الصهيوني. ويستعرض جذور هذه السياسة منذ الانتداب البريطاني، مسلطاً الضوء على محاولات إسرائيل المتكررة لتفتيت المجتمعات العربية وإضعاف وحدتها. كما يشير إلى استمرار مقاومة بعض قادة الدروز، رغم محاولات إسرائيل لكسبهم كما فعلت مع دروز فلسطين سابقاً.   

 

نص الترجمة:   

في الأسبوع الماضي، وبينما يواصل الجيش الإسرائيلي عدوانه ضدّ الفلسطينيين في غزّة، وقصفهم وقتلهم في الضفة الغربية، إلى جانب قصف لبنان وشن غارات جوية متفرقة على الأراضي السورية، بما في ذلك على العاصمة دمشق، وقام بشن غارة "استثنائية" من نوع خاص، استهدفت، ما زعمت إسرائيل أنه، "جماعة متطرفة" هاجمت أفراداً من الطائفة الدرزية السورية، مدعيةً أنها "تعهّدت بالدفاع" عن الدروز داخل سوريا.   

جاء ذلك في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي على يد "هيئة تحرير الشام"، الفصيل الذي انبثق عن تنظيم القاعدة. وقد اندلعت مواجهات مع أبناء الطائفتين العلوية والدرزية، مما أدى إلى شعور الأقليات الدينية بالقلق وتصاعُد الخوف من مستقبل مجهول، برغم التطمينات التي أطلقها الرئيس السوري أحمد الشرع، وهو القائد السابق لهيئة تحرير الشام، بأن الأقليات الدينية ستكون "محميّة".   

في هذا السياق من المواجهات، وجدت إسرائيل فرصة جديدة لتعزيز مشروع قديم دأبت عليه الحركة الصهيونية منذ عشرينيات القرن الماضي، وهو استغلال الانقسامات الطائفية والدينية داخل فلسطين والدول العربية المجاورة، ضِمن سياسة تقليدية تقوم على مبدأ "فرّق تَسُد".   

يهدف هذا المسار الإسرائيلي المستمر إلى إضفاء شرعية دينية على وجود الدولة الصهيونية، ليس بوصفها مستوطنة أوروبية استعمارية تخدم مصالح الغرب، بل باعتبارها "نموذجاً" لدولة طائفية دينية، ينبغي تعميمه على باقي دول الشرق الأوسط، عَبْر تقسيم الجماعات الدينية الأصلية إلى دويلات صغيرة بحجة "حمايتها".   

المُخطَّط الطائفي   

تؤمن إسرائيل بأن تطبيع وجودها في المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إنشاء دويلات طائفية، وخصوصاً في لبنان وسوريا؛ فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي، شرع القادة الصهاينة في التحالف مع طائفيين موارنة لبنانيين، وفي عام 1946، وقعوا اتفاقاً سياسياً مع الكنيسة المارونية ذات التوجه الطائفي. وكان دعمهم لاحقاً للجماعات المسيحية اللبنانية، مثل "الكتائب"، التي سعت إلى إقامة دولة مارونية في لبنان، جزءاً من الإستراتيجية الصهيونية الأشمل التي طُبّقت أيضاً على دروز فلسطين.   

لقد بدأت هذه الإستراتيجية في عشرينيات القرن الماضي، حين استهدفت الحركة الصهيونية السكان الدروز الفلسطينيين، ضِمن مشروع أوسع لبث الفرقة بين مكونات المجتمع الفلسطيني. وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبدعم من بريطانيا للمشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، أطلق القادة الصهاينة محاولات لزرع الانقسامات الطائفية بين الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين، غير أن الفلسطينيين كانوا موحَّدين في رفضهم للصهيونية وللاحتلال البريطاني، وقد تجلّى ذلك في تأسيس "الجمعيات الإسلامية-المسيحية" عام 1918، والتي كانت أدوات مؤسسية للوحدة الوطنية ولمقاومة الاستعمار.   

في السياق ذاته، سعى المشروع الصهيوني إلى عزل الطائفة الدرزية الفلسطينية الصغيرة، بهدف احتوائها واستخدامها كحليف محتمل. فمع بداية الانتداب البريطاني عام 1922 بلغ عدد الدروز الفلسطينيين نحو 7 آلاف شخص فقط، موزعين على 18 قرية في أنحاء فلسطين، ولم يشكلوا سوى أقل من 1 %من مجموع السكان البالغ عددهم حينها حوالَيْ 750 ألف نسمة.   

الأسطورة الاستعمارية   

اعتمدت القُوى الاستعمارية في كثير من الأحيان على سَرْدِيّات أسطورية مبنية على العِرق لتقسيم السكان الأصليين. فعلى سبيل المثال، زعمت فرنسا أن الأمازيغ في الجزائر ينحدرون من الغاليين لإحداث قطيعة بينهم وبين إخوانهم العرب، بينما صوّرت بريطانيا الدروز على أنهم من نسل الصليبيين، ووصفتهم بأنهم "عِرْق أبيض وغير عربي"، بل ورأت فيهم "عِرْقاً أنظف وأجمل مظهراً" مقارنةً ببقية الفلسطينيين، نظراً لانتشار البشرة الفاتحة والعيون الزرقاء بينهم.   

رغم أن الدروز كانوا في البداية يُعتبرون فئة هامشية يصعب استمالتها، أطلق القادة الصهاينة بحلول أواخر عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي حملة منظَّمة لكسب ولائهم. ومثلما استغل الصهاينة التنافس بين أبرز العائلات الفلسطينية في القدس، كالحسينيين والنشاشيبيين، سعوا كذلك لاستثمار الانقسامات داخل الطائفة الدرزية، من خلال تغذية الصراع بين عائلتَيْ طريف وخير، وتعزيز هُوِيّة طائفية خاصة ومعزولة.   

في عشرينيات القرن العشرين، قامت سلطات الاحتلال البريطاني بترسيخ نظام طائفي في فلسطين يخدم المشروع الاستيطاني اليهودي الأوروبي، وفصلت الطائفة الدرزية الفلسطينية عن بقية أبناء الشعب الفلسطيني. وبالتوازي مع ذلك، عمل البريطانيون بالتعاون مع الصهاينة على تشجيع الانقسامات الطائفية والنزعات الفئوية، مما أدى في نهاية المطاف إلى تأسيس "جمعية الاتحاد الدرزي الطائفية" عام 1932، إلى جانب جمعيات إسلامية وأرثوذكسية مسيحية أُنشئت في الفترة ذاتها بفعل السياسات البريطانية.   

في العام ذاته، كثّف الصهاينة جهودهم لاستمالة بعض قادة الدروز، وركّزوا على فصيل معين، شجعوه على التمادي في خطابه الطائفي. وقد أدى هذا لاندلاع اشتباكات داخلية بين الفصائل الدرزية عام 1933، لكن عائلة طريف ذات التوجه الوطني تمكنت من الحفاظ على زعامتها وهزيمة الفصيل المتعاون مع الصهاينة. وكانت الآمال الصهيونية معقودة على أن يؤدي كسب ولاء الدروز الفلسطينيين إلى فتح أبواب التحالف مع الدروز في كل من سوريا ولبنان.   

تكتيكات مناهضة للثورة   

في النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الماضي، وأثناء اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى ضد الاحتلال البريطاني والاستعمار الصهيوني الأوروبي (1936–1939)، صعّد كل من الصهاينة والبريطانيين حملتهم الطائفية لمنع الدروز الفلسطينيين من الانضمام إلى الانتفاضة المناهضة للاستعمار.   

لتحقيق هذا الهدف، جندوا الشيخ حسن أبو ركن، أحد زعماء الفصائل الدرزية في قرية عسفيا الفلسطينية، في وقت كان فيه الدروز من فلسطين وسوريا ولبنان قد انخرطوا في الثورة. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1938، قُتل أبو ركن على يد الثوار الفلسطينيين باعتباره متعاونًا مع الاحتلال، وتعرضت قريته لهجوم لتطهيرها من بقية المتعاونين.   

استغل الصهاينة حادثة اغتياله ضِمن حملتهم الطائفية لاستمالة الطائفة الدرزية، مدّعين أن استهدافه كان بسبب انتمائه الطائفي الدرزي، وليس لتعاونه مع الاستعمار، غير أن الواقع كان مغايراً؛ إذ إن الثوار خلال الثورة الفلسطينية الكبرى أعدموا نحو ألف متعاون فلسطيني، معظمهم من المسلمين السنة، بينهم شخصيات من عائلات مرموقة.   

بينما كان الصهاينة يعملون بجِدّ على نشر الفتنة الطائفية بين الدروز في فلسطين وسوريا ولبنان، كانوا أواخر عام 1937 يخططون في الوقت ذاته لطرد كامل السكان الدروز، الذين بلغ عددهم آنذاك 10 آلاف نسمة، من "الدولة اليهودية" المقترحة وفقاً لخطة لجنة بيل البريطانية، إذ كانت جميع القرى الدرزية تقع ضِمن حدود تلك الدولة الموصى بإقامتها. وفي السياق ذاته، واصلت سلطات الاحتلال البريطاني دعم مشروعها الطائفي من خلال دفع أموال لبعض زعماء الدروز مقابل التزامهم الحياد وعدم المشاركة في الثورة.   

خُطَط الترحيل   

عام 1938 أقام الصهاينة علاقات مع الزعيم الدرزي السوري المناهض للاستعمار سلطان باشا الأطرش، الذي كانت ثورته ضد الحكم الفرنسي بين عامَيْ 1925 و1927 قد أُخمدت قبل نحو عقد من الزمن. وقد عرض عليه الصهاينة ما أطلقوا عليه "خطة الترحيل"، وهي خطة تقضي بطرد الدروز الفلسطينيين بزعم "حمايتهم" من هجمات الثوار الفلسطينيين، ووافق الأطرش فقط على هجرة مَن يرغب طواعية في اللجوء، لكنه رفض عقد أي اتفاقات صداقة مع الصهاينة.   

استعان الصهاينة للوصول إلى الأطرش بأحد معارفهم، ويدعى يوسف العيسمي، وهو مساعد سابق للأطرش من الطائفة الدرزية السورية، كان في المنفى في شرق الأردن خلال ثلاثينيات القرن الماضي. وخلال منفاه، زار العيسمي الدروز الفلسطينيين وأقام علاقات مع الصهاينة.   

عام 1939، أبدى حاييم وايزمان، رئيس المنظمة الصهيونية حينها، اهتماماً كبيراً بفكرة طرد الدروز، فقد رأى أن "الهجرة الطوعية" لعشرة آلاف فلسطيني، والذين اعتقد أنهم "سيُتبعون بآخرين بلا شك"، تمثل فرصة ثمينة لتوسيع الاستعمار اليهودي الأوروبي في منطقة الجليل شمال فلسطين، لكن تمويل شراء أراضي الدروز لم يتحقق. وعام 1940، أسهمت المصالحة التي تمت بين بعض العائلات الدرزية والثوار الفلسطينيين في تخفيف الضغط على زعماء الدروز، وأفشلت رهان الصهاينة الأول على هذه الطائفة.   

عام 1944، وضعت منظمة الاستخبارات الصهيونية (التي كانت تُعرف آنذاك بـ "Shai") بالتعاون مع العيسمي خطةً لنقل الدروز إلى شرق الأردن، وتمويل إنشاء قرى لهم هناك، مقابل التنازل عن جميع أراضيهم في فلسطين.   

لم يكتفِ الصهاينة بذلك، بل أرسلوا بعثة استطلاعية إلى شرق مدينة المفرق في شرق الأردن لتنفيذ هذه الخطة، غير أن المعارضة التي واجهتهم من الدروز أنفسهم ومن البريطانيين أدت إلى انهيار الخطة بحلول نهاية عام 1945. ورغم ذلك، نجح الصهاينة عام 1946 بشراء أراضٍ يملكها دروز فلسطينيون، من خلال وسطاء محليين متعاونين.   

الاحتواء والتوظيف   

في كانون الأول/ ديسمبر 1947، انضم عددٌ متزايد من الدروز الفلسطينيين إلى صفوف المقاومة، رغم مساعي الصهاينة والمتعاونين الدروز للحفاظ على حياد الطائفة أو استقطاب أفرادها إلى جانب المشروع الصهيوني.   

بل إن دروزاً من سوريا ولبنان شاركوا في المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني خلال حرب 1948. وفي نيسان/ إبريل من ذلك العام، ردّ مقاتلون دروز فلسطينيون على مستعمرة "رمات يوحنان" الصهيونية بعد أن هاجم أحد المستوطنين دورية درزية، مما أدى إلى معركة عنيفة تكبّد فيها المقاومون الدروز خسائر جسيمة.   

مع توالي الانتصارات الصهيونية، وتصاعُد مشاعر الإحباط والانشقاق بين المقاتلين الدروز، استغل عملاء الاستخبارات الصهيونية، ومن بينهم الزعيم الصهيوني الأوكراني موشيه ديان، والمتعاونون المحليون من الدروز هذه الظروف لتجنيد بعض المنشقين.   

ومع قيام المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية عام 1948، كان من أولى خُطواتها ترسيخ الانقسامات داخل المجتمع الفلسطيني عَبْر اختلاق هُوِيّات عِرْقية زائفة، تقوم على أُسُس دينية وطائفية.   

وفي هذا السياق، اعترفت الدولة الإسرائيلية بالدروز الفلسطينيين، الذين بلغ عددهم آنذاك نحو 15 ألف نسمة، كطائفة دينية "منفصلة" عن بقية المسلمين، وأُسّست لهم محاكم دينية مستقلة. وسرعان ما بدأ الكيان الإسرائيلي بتسجيل الدروز ضِمن فئة "الدرزي" بدلًا من "العربي" في وثائق الهُوِيّة، سواء من حيث العِرْق أم الجنسية. ومع ذلك فإنهم -شأنهم شأن باقي الفلسطينيين في الداخل- ظلوا يعانون من التمييز العنصري الصهيوني القائم على تفوُّق اليهود، بما في ذلك مصادرة أراضيهم.   

بمرور الوقت، وبدعم من الدولة الإسرائيلية، تمكّن المتعاونون الدروز من السيطرة على قيادة المجتمع. بل إن بعض زعمائهم دعوا الحكومة الإسرائيلية إلى تجنيد الدروز في جيشها، وهو ما لبّته إسرائيل، وإن ظلت تمنع الجنود الدروز من الالتحاق بوحدات "حسّاسة".   

استمرار المقاومة الدرزية   

رغم نجاح الاحتلال في استقطاب جزء من الطائفة الدرزية، فإن المقاومة لم تنقطع، فالشاعر الفلسطيني الدرزي سميح القاسم (1939–2014) ما يزال واحداً من أعمدة الشعر المقاوم في فلسطين، إلى جانب توفيق زيّاد ومحمود درويش. وقد تُليت قصائده في كل أنحاء المجتمع الفلسطيني داخل الوطن وخارجه، كما لُحّنت أعماله وغنّتها فنانات مثل كاميليا جبران وريم البنّا.   

كما أن هناك شخصيات درزية فلسطينية بارزة في مجال الأدب والفكر، عُرفوا بمواقفهم المناهضة للصهيونية والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، من أبرزهم الروائي سلمان ناطور (1949–2016)، والشاعر المعاصر سامي مهنا الذي اعتُقل عدة مرات بسبب آرائه السياسية، والمفكر الراحل سليمان بشير (1947–1991) الذي كتب عن العلاقة بين الاتحاد السوفياتي والقضية الفلسطينية، وعن "الشيوعيين" اليهود الصهاينة، والمؤرخ قيس فرو (1944–2019) المعروف بأبحاثه في تاريخ الطائفة الدرزية.   

أما اليوم، فإن محاولات إسرائيل لاحتواء القيادة الدرزية السورية تهدف إلى تكرار ما حققته سابقاً مع الدروز الفلسطينيين المتعاونين، غير أن زعماء الدروز السوريين يقاومون هذا الهجوم الإسرائيلي السياسي، مؤكدين أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، رغم إدانتهم لسياسات النظام "الإسلامي" الجديد ذي الطابع الطائفي. ومع ذلك، فإن شهية إسرائيل في تمزيق الوحدة العربية ما تزال على حالها، لا تهدأ ولا تتراجع.   

 

المصدر: موقع ميدل إيست آي   

ترجمة: عبد الحميد فحام