القضية السورية في الانتخابات النيابية اللبنانية
تمهيد
ساهمت التحالفات الانتخابية الهجينة التي جمعت الأضداد في لوائح متنافسة في الانتخابات اللبنانية عام 2018 في منع عودة الخطابات السياسية التي كانت قائمة بين قوى 8 و14 آذار. إذ خاض تيار المستقبل المناهض للنظام السوري الانتخابات في العديد من الدوائر الانتخابية إلى جانب التيار الوطني الحر، الذي يعد الركن المسيحي الأساسي في 8 آذار الداعم للنظام السوري. وبينما يُحافظ تيار المستقبل على خطاب مناهض للنظام ومتعاطفٍ مع اللاجئين السوريين، هناك اتهامات للوطني الحر بتبني مواقف عنصرية تجاه اللاجئين، فضلاً عن علاقته المعلنة بما يُسمى "محور الممانعة".
أما المثالان الصارخان في استهجان التحالفات الانتخابية، فتمثّلا أيضاً في لجوء أمين عام 14 آذار فارس سعيد إلى التحالف مع فريد هيكل الخازن، المقرب من حزب الله ومن الخط السوري، وبطرس حرب، أحد أركان 14 آذار، مع الوزير سليمان فرنجية حليف حزب الله، المدافع الشرس عن النظام السوري في الساحة المسيحية.
وبالمقابل، فإنّ الثنائي الشيعي وبسبب ارتياحه لوضعه الانتخابي لم يلجأ إلى تحالفات مع الخصوم، لكن في الوقت ذاته ذهبت رموز عدة من محور 8 آذار إلى تشكيل لوائح متنافسة ليس فقط بين بعضها بعضاً بل حتى مع الثنائي الشيعي.
وحافظ حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب اللبنانية على خطابهما السياسي التقليدي المناهض لحزب الله ولتدخله في الحرب السورية، ولم يلجأ إلى تحالفات غريبة.
لكن خطاب الوزير أشرف ريفي جاء مختلفاً نسبياً عن بقية القوى السياسية. فقد بنى شعبيته من خلال خروجه من تيار المستقبل، متهماً إياه بالتخلي عن خطابه السياسي السيادي بصفته نوعاً من التآمر مع حزب الله والنظام السوري. من ثم فهو يراهن على هذه الشعارات لرفع حظوظه الانتخابية.
أولاً: حضور المسألة السورية في الشارع اللبناني
حضور الموضوع السوري في الحياة السياسية اللبنانية ليس جديداً، ويعود إلى زمن بدء الحرب الأهلية في عام 1975 عندما دخل الجيش السوري إلى لبنان. وقد تغير هذا الحضور مع تغير الظروف السياسية، فبعد توقف الحرب أحكم النظام السوري قبضته على الحياة السياسية في لبنان، وكان الاعتراض على التدخل السوري شبه غائب أو يأخذ منحى سرياً. عشية انتفاضة الاستقلال التي أطلقها (تحالف 14 آذار) بات حضور المسألة السورية مختلفاً، حيث اتخذت القوى السياسية اللبنانية مواقف من بعضها وفقاً لمدى التقارب أو التباعد من النظام السوري. وقد شكّلت الانتخابات النيابية في عام 2005 ذروة تصاعد الخطاب المناهض أو المتوافق مع النظام السوري. وخيضت الانتخابات النيابية والدورة التي تلتها في عام 2009 بشعارات سياسية تتعلق بسيادة لبنان واستقلاله، واستُخدمت تلك الشعارات للنيل من الخصوم الموالين للنظام السوري.
البدايات
منذ عام 2011، اختلف حضور المسألة السورية في الحياة اللبنانية، لا سيما أن الأطراف اللبنانيين ساهموا وشاركوا في دعم النظام السوري من ناحية أو المعارضة السورية من الناحية الثانية. وإذا كان دعم 14 آذار للمعارضة السورية اقتصر على الناحية السياسية (باستثناء مشاركة بعض المجموعات الإسلامية اللبنانية المقربة من 14 آذار إلى جانب بعض الأطراف السورية المعارضة)، فإن الدعم الذي تلقاه النظام السوري من بعض أقطاب 8 آذار لم يقتصر على الجانب السياسي، بل تعداه لمشاركة حزب الله كلاعب أساسي في دعم النظام عسكرياً.
وبعيداً عن الانقسام اللبناني حول المسألة السورية، سواء أكان عسكرياً أم سياسياً، شكّل موضوع اللاجئين السوريين في لبنان مادة خلافية إضافية إلى الخلافات التقليدية التي كانت في السابق. فمحور 14 آذار أبدى تعاطفاً مع اللاجئين الهاربين من بطش النظام السوري، أما محور 8 آذار فالتزم الصمت باستثناء القطب المسيحي المتمثل بالتيار الوطني الحر، الذي اتخذ مواقف يمكن وصمها بالعنصرية. فالخوف وتخويف اللبنانيين من اللاجئين ساد في جميع خطابات الوطني الحر. والمسألة لا تتعلق بكون المسيحيين في لبنان يهابون "الغريب" تاريخياً، إذ تميز الوطني الحر عن بقية الأطراف المسيحية بسبب قربه من النظام السوري بعد عام 2005 في اتخاذ مواقف متطرفة من اللاجئين. في حين اعتبرت بقية الأطراف المسيحية لا سيما القوات اللبنانية حضور اللاجئين السوريين عرضياً وظرفياً ولا يستدعي الخوف.
2011-2015
عاش لبنان بين عامي 2011 و2015 ظروفاً أمنية أثّرت في المزاج العام اللبناني تجاه المسألة السورية، إذ شهد لبنان عدّة تفجيرات اتهمت بها تنظيمات سورية أو أخرى تتخذ من سوريا مقراً لها، فيما نُفّذت حملات أمنية على بعض مخيمات اللاجئين السوريين بحجّة وجود "إرهابيين" فيها.
وقد انعكست هذه المسألة بشكل سلبي على اللبنانيين الذين باتوا منقسمين بين من يسِم السوريين بالإرهاب، ومن يدافع عنهم باعتبارهم ضحية بطش النظام السوري. وساهم الضخ الإعلامي للأطراف المناهضة للمعارضة السورية في خلق صورة أظهرت كما لو أن جميع اللاجئين السوريين هم إما إرهابيون ومشاريع انتحارية تنتظر لحظة التنفيذ، أو في أحسن الأحوال خلايا نائمة تنتظر من يعبئها لتنقضّ على الداخل اللبناني.
واستخدم التيار الوطني الحر "تهمة داعش" للنيل من تيار المستقبل، حين عمد بعض مناصري الوطني الحر إلى رفع صور وشعارات كتب عليها "دواعش لكن يرتدون الكرافاتات"، قاصدين أن قيادات تيار المستقبل هم "دواعش". وقد تقاذف اللبنانيون التهم المتبادلة، فأطراف 14 آذار كانت ترى أن تدخل حزب الله في الحرب السورية هو من جلب الإرهاب إلى لبنان، في حين تمحور خطاب 8 آذار حول ضرورة "مكافحة الإرهاب" استباقياً مثنياً على تدخل حزب الله وأهميته في "ردع" وصول الإرهاب إلى لبنان.
ما بعد التسوية
بعد التسويات السياسية التي قامت بها جميع الأطراف اللبنانية المتصارعة، التي تمثّلت في تسوية انتخاب الرئيس ميشال عون لرئاسة الجمهورية في نهاية عام 2016، خفّت حدّة الخطاب السياسي المتعلق بالشق السوري. حتى إن تيار المستقبل خفف لهجته حول سلاح حزب الله ومشاركته في الحرب السورية. وبات المستقبل يتعاطى مع المسألة باعتبارها مسألة شائكة وخارج قدرة الدولة على حلّها، في حين حافظت القوات اللبنانية على خطابها التقليدي في مناهضة سلاح حزب الله وتدخله في الشؤون العربية رغم دخولها في التسوية السياسية اللبنانية.
في الوقت ذاته حافظ الوطني الحر على خطابه المناهض للاجئين السوريين والفلسطينيين، لا سيما أنه وجد أن هذا النوع من الخطابات يدغدغ مشاعر المسيحيين المتخوفين من "التوطين"، وانعكاس الأمر على الوضع الديموغرافي اللبناني.
كما أن عمل بعض المجموعات الإسلامية المتطرفة في سوريا والعراق على تهجير المسيحيين، وما تبعه من تضخيم إعلامي محلي ودولي لهذه العمليات، انعكس على الوضع المسيحي اللبناني، الذي بات يتخوف من قيام تلك المجموعات بالقضاء على الوجود المسيحي في الشرق.
وبمعزل عن أحقية هذا الخوف من عدمه، تأثر جزء كبير من الشارع المسيحي بالخطاب المناهض للمعارضة السورية، التي بات ينظر إليها كمنشأ لتلك الحركات الإسلامية المتطرفة. ولكون هذا الخطاب المناهض للمعارضة السورية يتغذّى من "رهاب" اللاجئين والغرباء، بدا الشارع المسيحي (وخاصة من أنصار الوطني الحر) الملتحق "بحلف الأقليات" في المنطقة ينظر إلى اللاجئ السوري ليس فقط كمنبع للإرهاب بل كسارق لقوت اللبنانيين أيضاً. وبذلك عادت وتجددت فكرة أن العامل السوري يسرق الوظائف أمام العمال اللبنانيين، وبأن اللاجئين يَحرمون اللبنانيين حتى من تأمين التغذية بالتيار الكهربائي! ليس هذا فحسب بل عمّ الشارع اللبناني خطابات تتهم اللاجئين في التسبب بأزمة النفايات أو أزمة تلوث البيئة وحرمان اللبنانيين من الصحة والتعليم، حيث بات اللبناني يتقاسمها مع السوري.
ثانياً: موضوعات الأزمة السورية في البرامج الانتخابية للقوى السياسية
1. حزب الكتائب اللبنانية
تضمن البرنامج الانتخابي لحزب الكتائب(1) مواضيع عدة حافظ فيها الحزب على خطابه التقليدي حول سيادة الدولة اللبنانية لناحية ترسيم الحدود اللبنانية وحصْر السلاح بيد القوات المسلحة اللبنانية الشرعية. كما طالبت الكتائب بتضمين مقدمة الدستور بنداً ينص على حياد لبنان الدائم، ما يعني عزله عن الصراعات الإقليمية.
في الشق السوري تناول البرنامج مسألة إنهاء ملف المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية عبر الكشف عن مصيرهم، ودفع تعويضات لهم أو لأهلهم، ومراجعة جميع الاتفاقات اللبنانية-السورية وتعديلها، وإلغاء المجلس الأعلى اللبناني-السوري، واتفاقية الأمن والدفاع بين البلدين، واعتماد الأصول والمبادئ الدبلوماسية في التعامل بين لبنان وسوريا.
كما تطرق البرنامج إلى قضية اللاجئين السوريين عبر إجراء مسح شامل للسوريين في لبنان وتحديد الوضع القانوني لكل سوري مقيم في لبنان، والتمييز بين النازحين بفعل الحرب والمهاجرين الاقتصاديين، وتنقيح جداول النازحين المسجلين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ومنع دخول المهاجرين الاقتصاديين الذين لا يلزم القانون الدولي حمايتهم، وإجراء كل الاتصالات الدولية اللازمة لتسريع عودة النازحين السوريين وتوزيعهم في الوقت الراهن على الدول العربية المحتاجة إلى يد عاملة.
2. حزب القوات اللبنانية
لم يتطرق البرنامج الانتخابي للقوات اللبنانية(2) إلى مسألة اللاجئين السوريين إلا بشكل عرضي. فقد اعتبر البرنامج أن الهجرة الداخلية والخارجية للبنانيين تأتي "تحت وطأة الأزمات الاجتماعية وتفاقم مشكلة اللاجئين على أكثر من صعيد". وأبقت القوات برنامجها ضبابياً في هذا الشأن، لا سيما أنها لم تنظر إلى مسألة اللاجئين إلا في كونها أزمة إنسانية تسبّب بها النظام السوري. لكن في الوقت ذاته حافظت القوات على خطابها التقليدي المتعلق في مناهضة النظام السوري، حيث تضمن برنامجها "إعادة النظر بالمعاهدات اللبنانية-السورية على ضوء المصلحة الوطنية اللبنانية العليا، والعمل على إلغاء المجلس الأعلى اللبناني السوري، وكشف مصير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، وترسيم الحدود مع سوريا تحت إشراف الأمم المتحدة". كما تضمن البرنامج موقفاً تقليدياً من مسألة سلاح حزب الله وضرورة تسليمه "للدولة وحصر القرار الاستراتيجي بيد الدولة اللبنانية وحدها من دون شريك ولا منازع".
3. تيار المستقبل
لم يُشر برنامج تيار المستقبل الانتخابي(3) إلى النظام السوري بالاسم، مركزاً اهتمامه على "حماية لبنان من ارتدادات الحروب والصراعات الأهلية في المنطقة، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية وكل أشكال التورط في النزاعات العربية والتأكيد على حصرية السلاح بيد الدولة ومؤسساتها الشرعية". لكن البرنامج تطرق إلى قضية اللاجئين السوريين عبر تضمينه بنداً حول "التضامن مع الشعب السوري الشقيق في خياراته السياسية وانتفاضته على الظلم والإرهاب والاستبداد، والعمل بكافة السبل الإنسانية والدبلوماسية لإنهاء ملف عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، والتمسك بالإجماع الوطني على رفض التوطين بأشكاله كافة".
ويعد تيار المستقبل أن الحلّ الأول لمسألة النازحين هو العودة إلى بلدهم. وقد أتى تأكيد هذا الموقف على لسان الرئيس سعد الحريري في مؤتمر صحافي لشرح نتائج "مؤتمر سيدر 1" الذي عُقد في باريس في السادس من نيسان 2018.
وإذا كان الحريري قد شدّد على أن أهداف "سيدر 1" خلق فرص عمل للشباب اللبناني، بيد أنه مهّد إلى كون بعض الوظائف ستكون من نصيب اللاجئين السوريين. وكنوع من تأكيد ثوابت "المستقبل" في دعم قضية اللاجئين رأى الحريري أن "السوريين قدموا كلاجئين إلى لبنان هرباً من الحرب والسلاح الكيميائي الذي يقصف به. وعندما تحين الفرصة "سيعودون إلى أرزاقهم" في سوريا. إذ يجب "الكف عن التلاعب بموضوع التوطين"، فالموضوع مجرد "مزايدات" و"كلام انتخابي من قبل البعض لكسب الأصوات". فبالنسبة إلى الحريري فإن "النهضة الاقتصادية التي قام بها لبنان كانت بفضل اليد العاملة السورية وضمن القوانين اللبنانية"، وتمحورت حول العمل في مجال الإعمار والزراعة، و"هناك نوع من اليد العاملة يحتاجها لبنان للمشاريع" المزمع تنفيذها.
وفي ما يتعلق بموقف "المستقبل" المناهض للنظام السوري الذي لم يحضر بشكل مباشر في البرنامج الانتخابي، لكنه حضر في خطابات الحريري الانتخابية في العديد من المناطق اللبنانية، لا سيما في منطقتي البقاع والشمال اللبناني، فقد أعاد الحريري التذكير بالوصاية السورية في معرض الردّ على منافسيه في اللوائح الأخرى.
4. أشرف ريفي
لم ينشغل اللواء السابق أشرف ريفي في وضع برنامج انتخابي أسوة ببقية القوى السياسية، إذ لا يوجد شيء من هذا القبيل على صفحاته الرسمية، لكن ريفي يخوض "الانتخابات لكونها استفتاء على سيادة لبنان، وعلى مواجهة التطبيع مع النظام السوري، الذي سيُفرَض على لبنان، في حال نال حزب الله وحلفاء النظام الأكثرية". ففي جميع خطاباته الانتخابية ينتقد ريفي دويلة حزب الله والنظام السوري(4) ، معتبراً أن داعش خرجت من سجون النظام السوري ومن سجون نور المالكي في العراق(5) . لكن سهام ريفي الانتخابية تصيب تيار المستقبل الذي خرج منه لكونه يهادن حزب الله، أكثر بكثير مما تصيب الأخير. ويرى أن "طيف محمد مفلح(6) (ضابط استخبارات سوري كان يشرف في السابق على تشكيل اللوائح الانتخابية في منطقة عكّار الشمالية) حاضر في لوائح من يدّعون مواجهة حزب الله والنظام السوري"، قاصداً لائحة المستقبل في عكّار.
5. التيار الوطني الحر
تضمّن برنامج "التيار الوطني الحر" أفكاراً تدغدغ مشاعر جمهوره حول قضية اللاجئين. فتحتَ بندِ "النزوح السوري" وضع الوطني الحرّ أربع أفكار دون التطرق إلى شرحها بشكل مسهب. أولها، عودة آمنة وسريعة للنازحين السوريين. ثانياً، ضبط وجود وإقامة العمال السوريين. ثالثاً، تسجيل ومتابعة الولادات السورية. رابعاً، تعليم أولاد النازحين المنهج السوري.
واكتفى الوطني الحر في البرنامج بإطلاق الشعارات الانتخابية، ولم يتطرق إلى كيفية معالجة القضايا المطروحة. حتى في مجال حقوق المرأة اللبنانية، فلم يأت التيار على ذكر حقها في منح الجنسية اللبنانية لزوجها، مكتفياً بجملة ضبابية هي العمل على "ورشة تشريعية للمساواة وعدم التمييز". هذا رغم أنّ التيار كان قد وضع قانوناً حول حق المرأة في منح الجنسية أثار جدلاً في لبنان، لا سيما ناحية عدم تطبيق هذا الحق على المرأة المتزوجة من "دول الجوار"، أي السوريين والفلسطينيين.
لكن ما لم يقله برنامج الوطني الحرّ عاد وأكّد عليه رئيسه الوزير جبران باسيل في حلقة بلا حدود على قناة الجزيرة(7) . فقد رأى أن "قانون حق المرأة في منح الجنسية استثنى دول الجوار لكون الأمر يهدد بتغيير الكيان اللبناني". فباسيل متخوف من "تدفق آلاف النازحين للحصول على الجنسية اللبنانية"، وحجّته أنه لا يريد "ترك سوريا للإرهاب وفلسطين لإسرائيل".
وليرضي حليفه الجديد، تيار المستقبل، ضمّن الوطني الحرّ برنامجه فكرة "إبعاد لبنان عن الصراعات الخارجية"ـ لكن ما لم يقله البرنامج الانتخابي قاله باسيل في معرض نقاش سياسة "النأي بالنفس" التي تصرّ عليها بعض الأطراف اللبنانية. ولكي يرضي حليفه حزب الله اعتبر باسيل أن سياسة "النأي بالنفس هي عن الصراعات العربية-العربية وليس عن الاعتداء الخارجي على دولة عربية". وبحنكة دبلوماسية ترضي حليفيه الخصمين استفاض في شرح النأي بالنفس بمعنى "ألا يصبح لبنان جزءاً من الحرب" عبر تدخل أي طرف لبناني في الرد على الاعتداء على سوريا، غامزاً من قناة حزب الله، لكن في الوقت ذاته على "لبنان أن يشكل موقف دعم لسوريا كدولة عربية دون أن ينزلق ليصبح طرفاً في الحرب".
6. حزب الله
تركّز البرنامج الانتخابي لحزب الله(8) على القضايا الداخلية المتعلقة بالشقين الاقتصادي والاجتماعي. وتطرق إلى مسألة اللاجئين السوريين بشكل عرضي عبر "العمل من أجل إيجاد الحلول المناسبة لعودة النازحين السوريين إلى بلدهم". وقد رأى حسن نصر الله في عرض برنامج الحزب أن "جزءاً كبيراً من الأرض السورية بات آمناً"، وهناك "مدن وبلدات ومناطق بكاملها آمنة والناس يعيشون بشكل طبيعي ويعملون ويتعلمون في المدارس والجامعات والمستشفيات وكل شيء". و"بقاء النازحين في لبنان عبء عليهم هم بالدرجة الأولى، بسبب نمط الحياة الصعبة التي يعيشونها، وعبء على الاقتصاد اللبناني"، و"بعودتهم إلى بلدهم يخف العبء عن لبنان".
وبعيداً من البرنامج الرسمي للحزب، حفلت جميع خطابات نصر الله الانتخابية بالموضوع السوري. ففي كلمة له خلال مهرجان انتخابي تحت عنوان "يوم الوفا للنصر"(9) رأى أن جميع الأحداث التي بدأت عام 2011 في سوريا تثبت صوابية اعتقاد الحزب من أن "ما جرى في سوريا هو ضرب المقاومة وحركة المقاومة في لبنان ومحور المقاومة في المنطقة، وهذا الاستهداف أيضاً ما زال قائماً وموجوداً".
أما في كلمته خلال مهرجان انتخابي للإعلان عن دعم لائحة "وحدة بيروت"(10) ، فقد رأى أن الحزب لا يريد "حرباً أهلية في لبنان، بل يريد عزل البلد عن حروب المنطقة، بينما كان البعض يصرّ على جلبها إلى الوطن عبر جلب الإرهابيين والسيارات المفخخة في مختلف المناطق".
وفي لقاء داخلي تحدث فيه مع أحزاب منطقة بعلبك-الهرمل، حثّ نصر الله على المشاركة بكثافة في الاستحقاق الانتخابي قائلاً إنه لن يسمح "أن يمثل حلفاء النصرة وداعش أهالي بعلبك-الهرمل. وأهالي بعلبك-الهرمل لن يسمحوا لمن سلّح النصرة وداعش أن يُمثلوا المنطقة"، غامزاً من قناة لائحة تيار المستقبل والقوات اللبنانية التي تنافس لائحة الثنائي الشيعي في المنطقة. ولكون المنافسة شديدة في هذه الدائرة، أشار نصر الله إلى أنه "في حال رأينا أن هناك وهناً في الإقبال على الانتخابات في بعلبك-الهرمل فسأذهب شخصياً لأتجول في قراها ومدنها وأحيائها ولو تعرضت للخطر". للسعي إلى إنجاح لائحته مهما كانت الأثمان.
7. المجتمع المدني
شغل موضوع سلاح حزب الله ومشاركته في الحرب السورية وموضوع اللاجئين السوريين مرشحي المجتمع المدني، وإن اختلف حجم الانشغال واتجاهه بين مجموعة وأخرى، نظراً لأن المجتمع المدني هو مظلة واسعة لا اتجاه سياسي محدد.
وقد حفلت النقاشات الداخلية لبعض مجموعات "المجتمع المدني" بالصراع حول المشاركة في الانتخابات عبر التحالف مع بعض الشخصيات المدنية التي تمتلك تمثيلاً شعبياً لكن لها مواقف عنصرية من اللاجئين السوريين. وقد أخذت هذه المسائل إلى جانب سلاح حزب الله حيّزاً واسعاً من النقاش أدى إلى رفض بعض المجموعات المدنية تشكيل تحالفات واسعة، ومن ثم انفصلت بعض قوى المجتمع المدني عن تلك التحالفات وعملت على تشكيل لوائح انتخابية منفصلة.
فقد توصل تحالف "وطني" إلى موقف بسيط وعرضي، تمثّل في "التعامل مع المقيمين السوريين في لبنان بمسؤولة وإنسانية، ومطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياتها والعمل على عودتهم". ولاحقاً غاب موضوع اللاجئين السوريين عن برامج المجموعات المدنية التي تشارك بفعالية في الانتخابات مثل "مجموعة لبلدي"، و"مجموعة صح"، و"مجموعة كلنا بيروت".
أما "حزب سبعة" وهو أحد مكونات المجتمع المدني ومشارك في اللوائح الانتخابية التي أطلقت على نفسها اسم "كلنا وطني"، فقد ضمّن برنامجه الانتخابي(11) بنداً حول مقاربته لملف النازحين السوريين. إذ سيعمل الحزب على القيام "بعملية مسح كاملة للنازحين السوريين عن طريق البلديات بهدف تسهيل عودة العدد الأكبر منهم بأسرع وقت إلى المناطق الآمنة، وإنشاء مخيمات لائقة لغير القادرين على العودة لأسباب أمنية، وذلك بالتعاون مع الأمم المتحدة. كما "سيعمل الحزب على تحديد عدد اليد العاملة السورية التي يحتاجها لبنان لمنحهم إقامات بحسب الأصول".
ثالثاً: أثر الموضوع السوري على الانتخابات
يتجلى حضور موضوع الأزمة السورية في المواقف الارتجالية للمرشحين أكثر بكثير من البرامج الانتخابية. فتيار المستقبل المناهض للنظام السوري فضّل الاكتفاء في برنامجه الانتخابي بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية دون التطرق إلى تدخّل حزب الله عسكرياً في الحرب السورية. حتى إن اعادة تذكير الحريري بالوصاية السورية في خطاباته الانتخابية أتت للنيل من خصومه الانتخابيين ولشدّ العصب السنّي، أكثر منه بوصفه خطاباً ثابتاً للمستقبل من النظام السوري يحدد على أساسه علاقته بالأطراف السياسية كما كان الوضع في السابق. فالتسوية التي مشى بها المستقبل لانتخاب رئيس الجمهورية، والتسوية الثانية التي أتت بعد أزمة استقالته من الرياض، حددتا السقف السياسي المسموح به نوعاً ما لدى جميع الأطراف، لذا أتى حضور المسألة السورية بشكل عرضي في البرنامج الانتخابي للمستقبل، أي عكس الخطابات الانتخابية التي تطرقت للوصاية السورية وفق ما تقتضيه ظروف المعركة الانتخابية.
لكن هذا لا ينفي أن المستقبل ما زال يأخذ مواقف جذرية من النظام السوري، حتى إن الحريري رأى في معرض رده على سؤال حول إمكانية قيام الدول الغربية بضرب سوريا وموقف لبنان منها أنه "ضد استخدام الكيميائي على الناس"، في إشارة إلى تورط النظام السوري في قصف مدينة دوما بالسلاح الكيميائي. أي عكس مواقف حليفه الانتخابي الجديد زعيم الوطني الحر باسيل، الذي شكّك بأن يكون النظام وراء المسألة. فهذان الحليفان يتمايزان في مسألة حياد لبنان لناحية النأي بالنفس. وبالنسبة إلى الحريري فإن على لبنان اعتماد الحياد في معركة ضرب النظام السوري من قبل الغربيين، فـ"تلك الدول لها مصالحها الخاصة ولها قرارات سيادية. وهم أحرار بالتصرف لمصلحة بلدهم". أما باسيل فيرى أن على لبنان رفض الضربة وتشكيل دعم لسوريا دون الانجرار إلى دخول أي طرف لبناني في المعركة. التمايز بين هذين الحليفين واضح لا سيما أنهما يخاطبان جماهير ناخبة مختلفة. جمهور المستقبل يتعاطف مع اللاجئين ضد النظام السوري ومن ثم أتى البرنامج الانتخابي لتيار المستقبل وخطابات الحريري لترضي تطلعات هذا الجمهور ولعدم ترك الساحة السنّية تنجرّ وراء خطابات ريفي، في حين خاطب الوطني الحر جمهوره لطمأنته من هواجس بقاء السوريين في لبنان وانعكاس الأمر على الخلل الديموغرافي لصالح المسلمين.
وبمعزل عن كون برنامج الوطني الحرّ لم يتطرق إلى موضوع اللاجئين إلا عرضاً، فإنّ إصراره على "عودة النازحين وتقييد إقامتهم في لبنان وتسجيل الولادات السورية وتعليمهم المنهج التربوي السوري"، يأتي في السياق العام للخطاب السياسي المتبع من قبله لشدّ العصب وكسب ثقة "الأقليات" الخائفة على مصيرها من تدفق "الغرباء".
يختلف خطاب الكتائب اللبنانية عن خطاب خصمها المسيحي الوطني الحرّ لناحية الثبات على موقفها المناهض للنظام السوري عبر "مراجعة جميع الاتفاقات اللبنانية-السورية وتعديلها، وإلغاء المجلس الأعلى اللبناني-السوري، واتفاقية الأمن والدفاع بين البلدين". لكنها تتشابه في مخاطبة الجمهور المسيحي مع الوطني الحرّ لناحية قضية اللاجئين، رغم اختلاف المقاربة بينهما بعض الشيء. كلا الطرفين يطالب بعودة سريعة للنازحين السوريين، لكن الكتائب تريد "توزيعهم في الوقت الراهن على الدول العربية المحتاجة إلى يد عاملة". أما مطالبة الكتائب بـ"إجراء مسح شامل للسوريين في لبنان وتحديد الوضع القانوني لكل سوري مقيم، والتمييز بين النازحين بفعل الحرب والمهاجرين الاقتصاديين، ومنع دخول المهاجرين الاقتصاديين"، فأتى في إطار الخطاب التقليدي للكتائب المناهض "للعمالة السورية في لبنان"، المتماشي أيضاً مع الخطاب التقليدي للوطني الحرّ. فلطالما كانت القوى المسيحية ترى أن السوريين يسلبون الوظائف أمام اللبنانيين.
لكن خطاب الكتائب لا يقتصر على مسألة "سلب الوظائف" كما يبدو ظاهرياً، بل ضمنياً هو خطاب يحاكي "خوف الأقليات" من "الغرباء" كما هو الحال عند الوطني الحرّ. أما القوات اللبنانية فلا يبدو أنها تمتلك هواجس هذين الطرفين ذاتها. صحيح أن القوات كانت تتشارك في السابق مع بقية الأطراف في مناهضة العمالة السورية، لكنها منذ عام 2011 حصرت كل خطابها السياسي حول أهمية سقوط النظام السوري. ورغم أن القوات ترى أن أزمة النازحين تنعكس على تفاقم سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في لبنان، لكن أهميتها لا توازي أهمية سقوط النظام السوري. انكبّ اهتمام القوات بالمسألة السورية على مستقبل العلاقات اللبنانية-السورية أكثر من الدخول في تحديد موقف من النظام السوري لمخاطبة الناخبين. وربما تعتقد القوات أن اتخاذ موقف انتخابي من الأخير تحصيل حاصل لكونها تناهض هذا النظام تاريخياً. ومن ثم فقد فضّلت انتهاج موقف تقليدي من سيادة واستقلال لبنان عبر رفض سلاح حزب الله، وحصر قرار السلم والحرب بيد الدولة اللبنانية.
مواقف مجموعات المجتمع المدني حول ملف اللاجئين السوريين يمكن أن توضع في إطار "لزوم ما لا يلزم"، لا سيما أن عودتهم الآمنة والسريعة تعد أكثر من بدهية. فبعض تلك المجموعات اتخذ موقفاً من هذه القضية أو ضمنها برنامجه الانتخابي فقط في إطار ضرورة وضع مواقف من القضايا المطروحة، إذ لم يتم التطرق إليها من الناحية السياسية عبر ربطها بموضوع الصراع الدائر في سوريا بين المعارضة والنظام، لا من ناحية تدخّل حزب الله في الحرب السورية. إذ لم تعمل المجموعات المدنية على الغوص في هذه المسائل "الشائكة" عبر أخذ مواقف معينة من النظام السوري أو سلاح حزب الله. فجمهور المجتمع المدني تنصبّ اهتماماته على محاربة الطبقة السياسية الفاسدة بالدرجة الأولى. ولكون هناك مواقف ضبابية ومتضاربة من تلك القضايا بين المجموعات، فضّل بعضها عدم التطرق لتلك المسائل في البرامج الانتخابية وترحيلها إلى مرحلة لاحقة.
يقوم خطاب أشرف ريفي الانتخابي على فكرة عامة وعريضة هي الوقوف في وجه حلفاء النظام السوري في لبنان وجميع المتواطئين مع حلفائه في لبنان. لقد ارتفعت حظوظ شعبيته بسبب اعتماده هذا الخطاب. يراهن الريفي على هذا الخطاب في الانتخابات الحالية في محاولة لكسب ودّ الجمهور السنّي الذي وقف إلى جانبه واكتسح به الساحة الطرابلسية منذ عامين. وعلى عكس بقية القوى السياسية التي لجأت إلى الخطابات "التنموية" في هذه الانتخابات، يعد خطاب ريفي سياسي بالدرجة الأولى. لكن نجاح ريفي في السابق ترافق مع ضعف الحريري، الذي لجأ إلى تسويات مع خصومه السياسيين، وتصاعد قوة حزب الله، التي انعكست سياسياً بصفتها نوعاً من "غبن سنّي" في لبنان.
مع عودة الحريري لتزعم الساحة السنّية، المترافقة بدعم سعودي كان غائباً في السابق، وإطلاقه مواقف ضد سلاح حزب الله والوصاية السورية، ولو بنبرة خفيفة، قد تكون رهانات ريفي على شدّ العصب السنّي عبر تلك الخطابات تحتوي على بعض المبالغات. لكن الثابت المشترك بين الحريري وريفي هو شد عصب الناخبين السنّة انطلاقاً من بوابة مناهضة النظام السوري.
الأزمة السياسية التي تعصف بلبنان منذ أكثر من عشر سنوات، والتي انعكست على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبنانيين تتصدر هموم الناخبين. لذا أتى حضور المسألة السورية في الخطابات الانتخابية لضرورات موضوعية "عرضية" أكثر منه كمواقف سياسية ثابتة يحدد على أساسها الناخبون مواقفهم من القوى السياسية يوم الاقتراع. حتى حزب الله الذي بنى شعبيته على "أيديولوجيا" المقاومة ومناهضة "الاستكبار العالمي" لجأ إلى الخطاب التنموي ومحاربة الفساد.
وبطبيعة الحال لا يختلف خطاب حزب الله الانتخابي عن بقية القوى السياسية، سواءً لناحية انتهاج الحزب للمرة الأولى خطاباً تنموياً والنظر إلى الشؤون الاجتماعية والاقتصادية للناس، أو لناحية مقاربة الملف السوري. وبعيداً من كون موقف الحزب الداعم للنظام السوري له منطلقات استراتيجية، إذ إن سقوط النظام سينعكس على حضور الحزب كلاعب إقليمي وعلى وضعه في الداخل اللبناني، ما زال حزب الله بحاجة إلى تبرير وقوفه إلى جانب النظام السوري ومشاركته العسكرية في الحرب السورية أمام الناخبين الشيعة. لكن حضور المسألة السورية في خطابات حزب الله الانتخابية لها أهداف "نفعية" تتمثل بشدّ العصب الشيعي للنيل من خصومه السياسيين أكثر منه خطاباً لمحاكاة هموم أو هواجس الناخبين الشيعة من الأزمة السورية، وقد برز الأمر في معرض اتهامه للائحة المستقبل والقوات في بعلبك-الهرمل بأنها تضمّ حلفاء "النصرة" و"داعش".
ويبدو أن الناخب الشيعي ليس مشغولاً بقضية النازحين السوريين، إذ إن حليف حزب الله الشيعي حركة أمل لم تتطرق للمسألة السورية في برنامجها الانتخابي(12) إلا بجملة واحدة هي العمل للتوصّل إلى "حل سياسي للمسألة السورية يعود إليها الاستقرار يحفظها عاصمة للعروبة". أما تصريحات بعض قادة "أمل" الداعمة للنظام السوري، والتي حضرت أخيراً على خلفية توجيه الضربة العسكرية الأمريكية-الأوربية لسوريا بعد قصف مدينة دوما بالسلاح الكيميائي فتأتي ضمن الموقف التقليدي لـ"أمل" تجاه النظام السوري وتجاه حزب الله، وليس لها بعد انتخابي.
خلاصة
يختلف حضور المسألة السورية في الخطابات الانتخابية لجميع القوى السياسية عما كان عليه الوضع في السابق. فرفْض الهيمنة السورية وشعارات السيادة والاستقلال كانت أساسية في جميع خطابات قوى 14 آذار لشدّ عصب الناخبين في الانتخابات النيابية السابقة، والعكس صحيح لدى قوى 8 آذار. فقد بُنيت السياسة اللبنانية منذ مقتل الرئيس رفيق الحريري وصولاً إلى عام 2015 على أساس المواقف من النظام السوري وعلاقة الأطراف اللبنانيين معه. لكن التسويات السياسية التي حصلت على مدى السنتين الفائتتين أدّت إلى تضعضع فريقي 8 و14 آذار والدخول في مرحلة جديدة ما زالت معالمها ترتسم رويداً رويداً.
وإذا كان حضور المسألة السورية العرضي و"الغرضي" لدى معظم القوى السياسية أتى لشدّ عصب الناخبين السنّة عبر إعادة تذكيرهم بمواقف منسية من النظام السوري، كما الحال لدى تيّار المستقبل، أو لشدّ عصب الناخبين المسيحيين عبر خطاب "الغرباء" الذين يسلبون اللبنانيين الوظائف، وكما هو الحال لدى الكتائب والوطني الحرّ، فهذا لا يعني أن المسألة السورية تعد جوهرية لدى القوى السياسية لشدّ الناخبين على أساسها. لكن هذا لا ينفي أن الموضوع السوري لن يكون له تأثير على خيارات الناخبين ولا سيما مناصري الأحزاب السياسية. أما فئة الناخبين المترددين، التي تحسم خياراتها عادة بناءً على الخطابات التي تأتي عشية الانتخابات، فهمومها تبدو بعيدة عن السياسة. وهذا ما جعل جميع المرشّحين ينتهجون خطابات اجتماعية واقتصادية وتنموية لكسب أصوات تلك الفئات الكبيرة. لذا بدت جميع البرامج الانتخابية منكبة على تلك النواحي أكثر بكثير من المسائل السياسية.
من المبكر الحديث عن كيفية انعكاس الملف السوري على البرلمان اللبناني المقبل لناحية تحديد القوى السياسية مواقفها من بعضها بعضاً انطلاقاً من علاقاتها مع النظام السوري أو من مقاربتها لموضوع اللاجئين السوريين. فتبدل التحالفات الانتخابية الحاصل حالياً سيكون له انعكاسات على طبيعة التحالفات السياسية التي ستنشأ بعد الانتخابات. فالحريري يراهن في تحالفه مع الوطني الحرّ على ابتعاد الأخير عن حزب الله ومحور الممانعة. وفي الوقت ذاته يراهن حزب الله على دخوله إلى المعترك السياسي المحلي، الذي كان عملياً غائباً عنه، أي دخول الحزب في تركيبة الدولة وتكوين السلطة التشريعية والتنفيذية. فالحزب وعلى غير عادته يرى أن هذه الانتخابات محطّة ليس على مستوى الخيارات الاستراتيجية للبنان وقرار السلم والحرب، بل أيضاً على مستوى الملفات الداخلية التي كانت تتولاها عملياً حليفته حركة أمل. وما تطرق إليه الحزب من مسألة مكافحة الفساد وضرورة نقاش جميع الخيارات الاقتصادية والاجتماعية في المجلس النيابي، ما هو إلا غمز من قناة تحالف الوطني الحرّ المستجد مع المستقبل.
أما القوات اللبنانية، الطرف المسيحي الأقوى في الساحة المسيحية بعد الوطني الحرّ، ورغم توقيع وثيقة تفاهم معه، باتت تنظر إليه بعين الريبة في كونه يريد الاستحواذ على الساحة المسيحية من ناحية، وحصر تقاسم موارد الدولة بين بقية الأطراف فيه حصراً وعدم مشاركتها في هذا الأمر. عليه ستكون للملفات اللبنانية الداخلية التأثير الأساسي على طبيعة التحالفات داخل البرلمان المقبل أكثر بكثير من غيرها من الملفات الخارجية.
الهوامش:
1- مشروع 131.. برنامج حزب الكتائب الانتخابي لعام 2018
2- البرنامج الانتخابي لكتلة القوات اللبنانية
3- "المستقبل" تنشر النص الكامل للإعلان الانتخابي لتيّار "المستقبل"
4- ريفي من عكّار: لا يمكن أن تنطلق دولة بوجود دويلة
5- ريفي من باريس: داعش خرجت من سجون النظام السوري ومن سجون نور المالكي في العراق
6- إطلاق لائحة "لبنان السيادة" في دائرة الشمال الأولى... ريفي: من واجب الدولة تنمية المناطق الحدودية
7- وزير خارجية لبنان: نرفض أي ضربة لسوريا
8- كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كاملة حول إعلان البرنامج الانتخابي
9- نص كلمة السيد نصر الله في مهرجان "يوم الوفا للنصر" في مدينة النبطية
10- السيد نصر الله: العدوان الإسرائيلي على سوريا حادثة مفصلية وترامب مأزوم بإدارة مرتبكة
11- برنامج سبعة لانتخابات 2018
12- الرئيس نبيه بري يعلن البرنامج الانتخابي لحركة أمل في الانتخابات النيابية