المستقبل المجهول للمحادثات التركية السورية
Ağu 22, 2023 3024

المستقبل المجهول للمحادثات التركية السورية

Font Size

نشرت صحيفة الدايلي صباح التركية الموالية مقالاً كتبه مدير قسم الدراسات الأمنية في مؤسسة "سيتا" في أنقرة مراد يشيلطاش تحت عنوان: "المستقبل المجهول للمحادثات التركية السورية" والذي بدوره يتحدث عن مسار النقاشات الدبلوماسية بين الحكومة التركية والنظام السوري وعن الغموض الذي يكتنف مثل هذه النقاشات وعن أُفقها وما إنْ كان هناك احتمالات لتطوير اللقاءات المحدودة التي جرت بين الطرفين في مختلف المسارات الدولية التي تم بناؤها من أستانا إلى جينيف، إضافة للصعوبات التي تَحُول دون تحقيق تقدُّم في تلك العلاقات في حال وجودها.    

انخرطت كل من تركيا والنظام السوري لمدة لا بأس بها في مناقشات تهدف إلى إعادة تشكيل العلاقات الثنائية ضِمن إطار جديد، حيث تم مؤخراً عقد اجتماع دبلوماسي في موسكو في نيسان/ إبريل 2023، شارك فيه وزراء الخارجية من كِلا الطرفين، إلى جانب وزراء خارجية روسيا وإيران، ولكن منذ نيسان/ إبريل، أصبح مسار هذه المحادثات غير مؤكد بشكل متزايد وقد جاء هذا الغموض نتيجة لطبيعة النزاع السوري المعقدة، والأولويات المتباينة للجهات الخارجية، والسلوك الإستراتيجي المبهم للنظام، وعدم قدرته على القيام بمهامه كدولة تجاه الشعب السوري، كما أن هناك ديناميات أخرى تجعل المحادثات بين الطرفين أكثر صعوبة في تحقيق الأهداف الحقيقية لعملية التفاوض.    

إنّ وصف العملية الجارية بين أنقرة ودمشق بأنها "تطبيع" هو أمر غير دقيق ومُفرِط في التفاؤُل لسببين أساسيين؛ إذ إن المشكلة الأولى تدور حول وضع سورية كدولة معترَف بها ضِمن المجتمع الدولي، تمتلك حدوداً وتتمتع بعضوية في الأمم المتحدة، مع ذلك يتطلب التطبيع الحقيقي تحقيق 3 شروط متعلقة بسيادة سورية؛ ووحدة أراضيها، وتماسُكها السياسي. حالياً لم يتم تحقيق أي من هذه الشروط، فالنظام يفتقر إلى السلطة الكاملة داخل أراضيه، وقد عانت سورية كدولة من تفكُّك أراضيها، وعدم وجود وحدة سياسية تجمع كل الأراضي. علماً أن سورية -كدولة- تفتقر إلى القدرة الحقيقية على متابعة أهدافها بشكل مستقلّ، وتتعلق المشكلة أيضاً بجهود التطبيع العربية المتعلقة بالنظام.    

التركيز على مكافحة الإرهاب أمر حاسم    

هناك تحدٍّ آخر يتعلّق بعدم التوافق بين الظروف الحالية والنتائج المرغوبة، إذ إن إحدى القضايا الأساسية في المحادثات بين تركيا والنظام هي مكافحة الإرهاب؛ حيث تمّت الإشارة في السنوات الأخيرة بشكل متكرر إلى اتفاقية أضنة كوثيقة أساسية في هذا الشأن. مع ذلك ما يزال تشكيل نهج تعاوُنيّ جديد بين الطرفين لمحاربة المنظمات الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري (حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي)، غير واضح، ولإحداث تغييرات في التوجُّهات السياسية بالنسبة لهذين البلدين، يجب على أحد الأطراف، سواء كان تركيًا أو النظام، تعديل مواقفهما بشكل كبير بشأن وحدات حماية الشعب؛ إذ إن تركيا ثابتة في موقفها ضد حزب العمال الكردستاني وفرعه في سورية، وتهدف في النهاية إلى تحييد الوحدات الكردية وتقليص الأراضي التي تسيطر عليها تلك الوحدات وبالتالي تضعيف وجودها السياسي شمال شرق سورية، وهنا تكمن إستراتيجيات محتملة متعددة، كلها توفر حلولاً قصيرة الأمد فقط.    

يمكن للنظام القضاء على وجود حزب العمال الكردستاني على طول حدود تركيا وطرد وحدات حماية الشعب أيضاً من مناطق مثل منبج وتل رفعت. لكنّ الامتثال الطوعي من حزب العمال غير محتمل، مما يتطلب إجراءات إكراهية لا يمتلك النظام حالياً القدرة أو النية لتنفيذها، وكبديل محتمل فقد تطلق تركيا عملية عسكرية محدودة مع الجيش الوطني السوري ضد حزب العمال ووحدات حماية الشعب، مما يقوّي موقف النظام ضد الجماعة، مع ذلك فإن التحدي الذي تمثله الشراكة المستمرة بين وحدات حماية الشعب والولايات المتحدة يجعل المحادثات مع النظام صعبة ومعقدة، لذلك فالاختلافات في ترتيب الأولويات لقضية مثل الإرهاب هي العامل الرئيسي وراء عدم تقدُّم المحادثات.    

وبالمثل تسلط قضية عودة اللاجئين الضوء على الفجوة الموجودة بين الوضع على الأرض والحل المرغوب تحقيقه من قِبل كل الأطراف ويبقى التواجد العسكري التركي وإقامة نماذج الحكم المحلي في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة السورية المؤقتة والجيش الوطني السوري أمراً مشجعاً للمضيّ قُدُماً فيما يخصّ عودة اللاجئين، لكن ما تزال هناك تحدِّيَات تواجه عودة اللاجئين، وخاصةً إلى المناطق التي تخضع لسيطرة النظام فلقد واجه الأشخاص الذين عادوا مؤخراً إلى هذه المناطق معاملة مُحبِطة.    

ما يزال الحوار ممكناً بين النظام ولبنان، وكذلك الأردن، ولكن الفوائد من التواصل مع تلك الدول تبقى قليلة. إن العودة إلى المناطق التي دمرها النزاع تمثل مهمة هائلة وشاقّة بالنسبة للنظام، الذي يعتبر العائدين "خونة"، إضافة لتدمير البنية التحتية، وتقييد القدرة الاقتصادية في تلك المناطق، كما أن تنفيذ اتفاق دون خريطة طريق متسقة وشاملة قد يزيد من الصعوبات التي تواجه عودة اللاجئين، لذلك فإن توسيع المناطق الآمنة وتعزيز الإدارات المحلية هو أكثر قابلية لعودتهم.    

دور المعارضة السورية    

هناك قلق بالغ الأهمية يتعلق بالغموض الذي يكتنف دور المعارضة السورية في المناقشات التركية السورية، فقبول الشروط التي وضعها النظام من أجل السلام يعني ضِمناً استسلام المعارضة السورية، التي لا تستطيع التفاوُض عملياً مع النظام وهي تتخلى عن هياكلها العسكرية والسياسية، لا يمكن أن تقبل تركيا مثل هذا السيناريو، بالتالي إن إنشاء نقاط اتصال جديدة بين المعارضة والنظام، في سياق توقفت فيه محادثات جنيف لأكثر من 3 سنوات واتباع النظام تكتيكات التأجيل، يمثل تحدِّيَات كبيرة. إن الوضع يصبح أكثر تعقيداً عندما يتم أخذ الوضع في إدلب في الاعتبار.    

بالنظر إلى حالة عدم اليقين التي تميز مفاوضات المصالحة، تظهر مخاطر عديدة موجهة ضد تركيا، وقد يمثل الحفاظ على الوضع الراهن، إلى جانب الوجود المتزايد لوحدات حماية الشعب شمال شرق سورية، تهديداً إستراتيجياً لتركيا.    

هناك أيضاً خطر أن يستخدم النظام المحادثات لإطالة أمد النزاع إستراتيجياً، علاوة على ذلك إن مسعى إيران لتعميق وجودها في الأراضي السورية وإعادة تشكيل سورية ديموغرافياً يمثل تحدِّياً إضافياً لتركيا؛ لأن جزءاً كبيراً من اللاجئين المتواجدين في تركيا ينحدرون من حلب، فإن آفاق عودة اللاجئين تعوقها سياسات إيران والنظام، مما يزيد من تعقيد التوقعات الإستراتيجية على المدى المتوسط لتركيا.    

تشير الأدبيات المتعلقة بالحروب الأهلية إلى أن هذه النزاعات تستمر عادة لمدة 15 عاماً على الأقل، مع احتمال تكرارها بنسبة 50٪ ، وبتطبيق هذه النظرية يبدو أن الحرب السورية مهيأة للاستمرار لمدة 3 سنوات أخرى على الأقل، وبالنظر إلى التفاعل المعقَّد للديناميكيات المحلية والإقليمية والدولية داخل الحرب السورية، فمن المتصور أن تستمر الحرب لمدة 15 عاماً أخرى على الأقل.    

يجب أن تقرّ أنقرة بأن المحادثات التركية السورية لها حدود، وأن الحقائق على الأرض تتطور، الأمر الذي سيغير في نهاية المطاف طبيعة النزاع السوري وطريقة الحل.    

ترجمة: عبد الحميد فحام     

المصدر: ( دايلي صباح)