هل تُغيّر إستراتيجية تركيا الجديدة شكل الحكم في مناطق قسد؟
مارس 29, 2024 2930

هل تُغيّر إستراتيجية تركيا الجديدة شكل الحكم في مناطق قسد؟

حجم الخط

بدأت تركيا منذ نهاية عام 2023 إستراتيجية جديدة لاستهداف حزب العمال الكردستاني والمصالح المرتبطة به، تقوم على تَوْسِعة بنك أهداف عمليات الاستهداف الجوي ليصبح شاملاً إضافةً للأهداف الأمنية والعسكرية جميع منشآت البِنْية التحتية والفَوْقية التابعة لـ PKK في سورية، فضلاً عن قطع إمدادات الحزب بين العراق وسورية.    

مع انقضاء الربع الأول من عام 2024 الراهن نفّذت تركيا ما لا يقل عن 5 موجات تصعيد عسكري جوي ضد حزب العمال والتنظيمات المرتبطة به في سورية والعراق، أدت هذه الموجات إلى تدمير كبير لمنشآت طاقة وبِنْية تحتية يستغلّها PKK ويسيطر عليها بشكل مباشر أو غير مباشر، إضافة إلى تحييد قياديين تابعين له في الصف الثاني وما دونه؛ لكنّها لم تنجح إلى الآن في ضرب حلقة القيادة الأمنية أو العسكرية الرئيسية في الحزب، مما يعني استمرار قدرته على تكرار تنفيذ العمليات الإرهابية ضد المصالح العسكرية أو المدنية التركية انطلاقاً من مناطق انتشاره في سورية إضافةً لاستمرار سيطرته بشكل مباشر أو غير مباشر على جميع مؤسسات الحكم في مناطق شمال سورية وشرقها.    

وضعت الإستراتيجية الجديدة حزب العمّال أمام تحدٍّ وضغط كبير قد يُجبره على البحث عن آليات وسُبل جديدة للتعامل مع التهديد الذي تمثّله الضربات الجوية التركية؛ حيث زاد حجم عمليات الاستهداف وحجم إضرارها بمنشآت البِنْية التحتية التابعة له، ومن المحتمل أن تشنّ تركيا عملية عسكرية برية واسعة تستهدف الحزب شمال العراق بمشاركة الجيش العراقي خلال الصيف القادم.    

على الصعيد الداخلي قد يلجأ حزب العمال إلى توجيه المؤسسات والتنظيمات التابعة له لاتخاذ إجراءات تُظهر شكلياً انفتاحه بشكل أكبر على مشاركة أكبر في حكم المنطقة من جانب القُوى المحلية الأخرى السياسية أو الاجتماعية أو غيرها؛ كتسريع وتنظيم انتخابات للمجالس المحلية والبلديات وانتخابات لمؤسسات الإدارة الذاتية وفتح الباب لمشاركة أكبر للقُوى العشائرية في إدارة بعض المناطق مثل دير الزور التي ما تزال في مرحلة إعادة بناء هيكل الحكم المدني والعسكري الذي يدير شؤونها، لكن جميع هذه الخطوات لن تُغيّر شكل الحكم الحقيقي في هذه المناطق، خاصةً مع استمرار وجود قياديِّي الحزب وكوادره كمشرفين ومسؤولين غير مباشرين عن جميع المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية التي تدير المنطقة.    

أمّا على الصعيد الخارجي، فمِن المحتمل أن يدخل حزب العمال في مفاوضات مع أطراف محلية أو دولية في سورية أو خارجها لتجاوُز الضغط والتهديد المتصاعد الذي تمثله إستراتيجية تركيا الجديدة؛ كالدخول في مفاوضات مع النظام السوري وروسيا بشأن مشاركة أوسع له عَبْر مؤسساته في إدارة بعض القطاعات الرئيسية مثل الكهرباء والنفط والغاز في حال استمرار استهداف تركيا لهذه المنشآت وعجز حزب العمال عن حمايتها أو إدارتها بشكل منفرد، مما يعني احتمال توسيع الاتفاق القائم أصلاً بين النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي (الذراع السوري لحزب العمال) منذ عام 2012 لتقاسُم عائدات قطاع النفط والغاز وتنظيم إدارته ومنشآت البِنْية التحتية الرئيسية.    

كذلك، قد يضطر حزب العمال للتنازل عن موقفه المُعرقِل لاستئناف المفاوضات "الكردية – الكردية" بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي التي ترعاها وتشرف عليها الولايات المتحدة، حيث لم تُعقد أي جولة بين الطرفين منذ نهاية عام 2020.    

بالنتيجة إنّ استمرار تركيا بتنفيذ إستراتيجيتها الجديدة التي تركز على استهداف المنشآت النفطية والغازية والاقتصادية والبِنْية التحتية سيؤدي لتقويض قدرة الإدارة الذاتية وقسد على إدارة المنطقة، ويُجبر حزب العمال الكردستاني بالنتيجة إمّا على استئناف المفاوضات "الكردية – الكردية" وهو ما قد يؤسس لمشاركة أكبر من القُوى السياسية المحلية، ويقوّض دور العناصر الأجنبية التابعة له وقدرتها، أو يُجبره على استئناف المفاوضات مع النظام وروسيا بشأن إدارة هذه القطاعات بشكل مشترك، مما سيؤدي لتقليص موارد الحزب وسيطرته على هذه المنشآت التي تمثّل مصدرَ تمويلٍ رئيسيّاً له وللتنظيمات التابعة له.