الموقف الروسي من التصعيد بين إسرائيل وإيران جنوب سورية
أعادت روسيا تسيير دورياتها جنوب سورية من جديد بعد توقُّفها منذ أكثر من عام، حيث سيّرت دورية في 31 تشرين الأول/ أكتوبر، وتجوّلت بالقرب من الحدود مع الأراضي المحتلة جنوب مدينة القنيطرة بين بلدتَي "المعلقة وغدير البستان".
ويشهد خطّ سير الدورية منذ مطلع الشهر الماضي تحرُّكات عسكرية ليلية -يُرجَّح أنها- تتبع الميليشيات الإيرانية، التي يبدو أنّها تستغل انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية على حساب التزاماتها جنوب سورية، أو لأنّ روسيا تتجاهل تحرُّكاتها وتتحيّن الفرصة من أجل العودة لتأكيد أهمية دورها كوسيط وضامن للاستقرار والأمن الإقليمي على الحدود بين سورية ولبنان وإسرائيل والأردن.
إنّ عودة تسيير روسيا لدورياتها في المنطقة يُشير بالفعل إلى رغبتها في أخذ دور الوسيط لوضع حدّ للتصعيد العسكري بين إسرائيل والميليشيات الإيرانية عَبْر الجبهة السورية، لا سيما أنّ روسيا سبق أن أدّت دور الضامن لخفض التصعيد في المنطقة الجنوبية كأحد مخرجات قمة هلسنكي الرئاسية مع الولايات المتحدة عام 2018 والقمة الأمنية الثلاثية التي جمعت إسرائيل وأمريكا وروسيا في القدس المحتلة عام 2019.
في الواقع، تتوفّر جملة من العوامل التي تُعزّز من فرصة قيام روسيا بدور الوسيط والضامن لمنع انزلاق الجبهة السورية إلى حرب أو تصعيد غير مضبوط بين إسرائيل والميليشيات الإيرانية، وأبرزها:
• رغبة الغرب وإسرائيل -المحتملة- بإعادة تفعيل اتفاق خفض التصعيد جنوب سورية والذي كان يقضي بانسحاب الميليشيات الإيرانية بعيداً عن الحدود الإسرائيلية والأردنية، لا سيما أنّ روسيا ما تزال قادرة على الإمساك بالقرار العسكري في المنطقة الجنوبية، من ناحية إعادة الانتشار في مواقع الاشتباك وتسيير الدوريات وتقييد استخدام أنظمة الدفاع الجوي وغيرها من الأدوات التي من شأنها أن تحدّ من استفادة الميليشيات الإيرانية باستخدام الوحدات العسكرية أو ممارسة أنشطة غير منضبطة على الحدود مع إسرائيل والأردن.
• رغبة الغرب وإسرائيل -الواضحة- بتحديد مسرح العمليات القتالية وحصره في غزة، خاصة أن القضاء على حماس يُعتبر أهم هدف للعملية العسكرية الإسرائيلية، وهو ليس هدفاً سهلاً بما يستدعي تركيز الجهود العسكرية والدبلوماسية على جبهة واحدة. بالتالي فإنّ روسيا تلوّح بقدرتها على تحييد الجبهة السورية عن الحرب على فرض أن ذلك -ربما- يُسهم في امتلاكها لأوراق تفاوُضية قوية مع الغرب فيما يتعلّق بالمسألة الأوكرانية وغيرها.
لقد منحت الحرب في غزّة فرصة لروسيا من أجل تخفيف الضغوط الغربية عليها في أوكرانيا، فضلاً عن إعادة تأكيد دورها وحضورها كفاعل رئيسي في سورية؛ حيث أظهرت قدرتها على التحكُّم بمستوى التصعيد على الجبهة السورية، من ناحية خفض وتيرته أو زيادتها.
في المحصلة يبدو أن روسيا لا تزال تتحرك بهدوء وبطء في الجبهة السورية لتأكيد دورها وحضورها في المنطقة وتوظيفه، وهي تأخذ بالاعتبار المستوى المرتفع للدعم الغربي العسكري والمادي لإسرائيل، الذي من شأنه تقليص حجم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وأن استمرار الصراع في الشرق الأوسط أو اتساعه يُعَدّ أكثر كلفة بكثير على المصالح الغربية في المنطقة عنه في أوروبا.