هل شمال غربي سورية على شفا صراع كبير؟
أكتوبر 14, 2024 1867

هل شمال غربي سورية على شفا صراع كبير؟

حجم الخط

تتصاعد التوتُّرات العسكرية شمال غربي سورية، وسط مخاوف من تصعيد أوسع، ينذر بوجود احتمال اندلاع مواجهات عسكرية واسعة، فهل القوى الإقليمية في وارد الحرب الشاملة حالياً؟        

نص الترجمة     

ظهرت العديد من التكهنات في الأيام الأخيرة تفيد بأن المنطقة الواقعة شمال غربي سورية قد تكون على وشك أن تشهد تصعيداً كبيراً في الأعمال العدائية، حيث بدأت منذ الأسبوع الماضي وسائل إعلام مرتبطة بهيئة تحرير الشام (HTS) نشر تحذيرات للسكان في بعض المناطق الواقعة قرب خطوط التماسّ بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة للاستعداد من أجل القيام بإخلاء بعض القرى، بينما نشرت وسائل إعلام معارضة أخرى تسريبات تتحدث عن خطة قامت الهيئة وفصائل تحالف غرفة عمليات الفتح المبين بإعدادها لشنّ هجوم يهدف إلى السيطرة على مدينة حلب وانتزاعها من قبضة النظام. لاحقاً أشارت تسريبات أخرى إلى أهداف أقلّ طموحاً، بما في ذلك استعادة السيطرة على سراقب الواقعة على طول جبهة جنوب إدلب، أو التقدم غرباً من الأتارب في ريف حلب الغربي. أيّاً كان الهدف المزعوم، فقد كان الدافع للتصعيد واضحاً، وهو استغلال انشغال إيران وحزب الله بالأحداث الإقليمية والضغط على نظام الأسد الضعيف والمتهاوي.         

لكن ومع كل تلك الإشاعات، ورغم كل الضجيج حول خطط الهيئة وفصائل المعارضة، لم يظهر الكثير مما يشير إلى أن هناك استعداداً فعلياً لعمليات وهجمات عسكرية واسعة النطاق. ورغم أن الفصائل والهيئة لهما تاريخ طويل في التحضير سراً لعمليات صغيرة النطاق على طول جبهات القتال باستخدام وحدات من "الانغماسيين"، ستتطلب العمليات الواسعة النطاق تحرُّكات أكثر وضوحاً لحركة المقاتلين والأسلحة الثقيلة والدبابات وغيرها.         

بهذا المعنى، قد تكون الهيئة والفصائل الأخرى تمارس عملية دعائية تهدف لتحقيق غايات محددة، تسعى من خلالها إلى الحفاظ على أهميتها كتنظيم وسط التطوُّرات الإقليمية المؤثِّرة. ومع قيام تركيا باستكشاف سُبُل لتعزيز الاتصال بين المناطق التي تسيطر عليها المعارضة شمال حلب والنظام في مدينة حلب -كما هو الحال مع المحاولات المتعثرة لإعادة فتح معبر أبو الزندين- فإن الهيئة قد تخسر مورداً تجارياً؛ حيث إن التجارة التي يمكن أن تمر عَبْر القنوات التي تقع على خطوط التماسّ في جنوب إدلب سيتم تحويلها شمالاً إلى معبر أبو الزندين. ومن المعروف على نطاق واسع أن هيئة تحرير الشام تعارض بشدة مثل هذه الخطط التركية، وأن حلفاءها في المنطقة كانوا وراء إغلاق المعبر. كما أنه وبعد عدة أشهر من الاحتجاجات المحلية ضد حكم الهيئة القمعي، قد تسعى أيضاً إلى إعادة توجيه اهتمام السكان الموجودين في المناطق التي هي تحت سيطرتها باتجاه النضال الثوري، وهو أمر كان مهماً في السنوات السابقة فيما يتعلق بتمكينها من توطيد حكمها في إدلب.         

مما لا شك فيه أن التصعيد الأخير في الجوار اللبناني قد دفع الهيئة وفصائل الفتح المبين إلى القيام ببعض التحرُّكات التصعيدية. على سبيل المثال، الهجوم في مناطق واقعة على الجبهات شمال شرق اللاذقية في 24 أيلول/ سبتمبر، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10 جنود من قوات النظام، تلاه إطلاق 12 طائرة انقضاضية بدون طيار على طرطوس، وهو أول هجوم من هذا النوع منذ 6 سنوات.         

مع ذلك صعّدت قوات النظام بشكل أكبر بكثير في الأسابيع الأخيرة، مع تكثيف كبير للقصف المدفعي في جميع أنحاء منطقة شمال غربي سورية، بما في ذلك ضربات عنيفة بشكل خاص في سرمين بتاريخ 29 أيلول/ سبتمبر، وكفريا في 23 من الشهر ذاته، وتفتناز أيضاً في 20 من ذلك الشهر. كما أطلقت القوات المدعومة من روسيا ما لا يقل عن 125 طائرة انقضاضية بدون طيار على الجبهات الشمالية الغربية، معظمها استهدف المناطق المدنية. ويأتي هذا إضافة إلى أكثر من 650 ضربة مدفعية من قِبل النظام على المنطقة تم توثيقها من قِبل منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) منذ كانون الثاني/ يناير وحتى أواخر أيلول/ سبتمبر.         

خلال الأيام الأخيرة، تم نشر أكثر من 1200 من قوات النظام في منطقة تمتد من البادية الوسطى وسط سورية إلى جبهة حلب الغربية، إلى جانب عشرات المركبات المدرعة، والدبابات، وقطع المدفعية الثقيلة. وتشير التقارير المحلية إلى أن هذه القوات الوافدة حديثاً تشمل جنوداً من الفرقة الرابعة النخبوية والفرقة 25 للمهام الخاصة، بينما كانت القوات الجوية الروسية تحلّق فوق إدلب وغرب حلب بشكل غير مسبوق منذ عدة أشهر، حيث شُوهدت يومياً في الأسبوع الماضي مقاتلات "سوخوي-24" التكتيكية Sukhoi-24 ، والمقاتلات المتقدمة "سوخوي-34 Sukhoi-34"، والمروحيات الهجومية "كا-52" Ka-52، وطائرات المراقبة "أنتونوف آن-30 Antanov An-30". ومع هذه المستجدات، أفادت التقارير بأن ما لا يقل عن 10 آلاف مدني قد فروا من القرى المواجِهة لجبهات القتال من مناطق المعارضة، وأصدرت قيادة الفتح المبين العامة بياناً يوم الجمعة، محذِّرة من أنها مستعدة للردّ على أي تصعيد على طول الجبهات الشمالية الغربية.         

رغم أن بعض التصعيد العسكري يحدث بالفعل في الشمال الغربي، لا يزال من الصعب تصوُّر عودة كبيرة إلى الأعمال العدائية الشاملة في أي وقت قريب، فلا يوجد لدى أي طرف سوري أو جهة خارجية (روسيا، إيران أو تركيا) مصلحة في تصعيد الصراع حالياً. ورغم تصاعُد أعمال العنف المتبادلة، فإن اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020 الذي تم التوصل إليه في أستانا ما يزال قائماً، ولم تصدر أي إشارات من الدول الضامنة تدل على خلاف ذلك. إضافة لذلك، تعمل كل من تركيا وروسيا معاً بشكل مكثف لتطوير آليات جديدة لإدارة المناطق الواقعة على خطوط التماسّ، في أبو الزندين، وفي محادثات حول الطرق السريعة M4 وM5، واستأنفتا الدوريات المشتركة في مناطق أخرى من شمالي سورية، مما يشير إلى استمرار التعاون بين الطرفين.         

يحاول بشار الأسد تجنُّب الانخراط في النزاعات الإقليمية، وقيامه بذلك يُظهر ضعفاً عميقاً، وقد ينهار كل شيء إذا اندلعت حرب شاملة في الشمال الغربي، ما يعني أنه لن يتمكن من النأي بالدولة السورية عن الانخراط في حرب شاملة إذا اندلعت في المنطقة، كما أن الأسد لا يرغب، بأيّ شكل من الأشكال، بالعودة إلى ما حدث في شباط/ فبراير 2020، عندما هزمت القوات التركية قوات النظام خلال 6 أيام، مما أسفر عن مقتل المئات وتدمير عشرات من أنظمة الدفاع الجوي، والدبابات، وقطع المدفعية، وغيرها."         

لذلك يمكن اعتبار التطوُّرات الحالية محاولةً من الأطراف لدفع الأمور إلى حدودها القُصْوى دون الدخول في حرب شاملة، ولكن من المرجَّح أن يستمر العنف المتصاعد لبعض الوقت، خاصة من خلال الاشتباكات والقصف المكثف المتبادل، إلى جانب تكثيف النظام لاستخدام المدفعية والطائرات الانتحارية بدون طيار، وهو ما يمكن أن يستمر في المستقبل القريب.      

 

المصدر: Syria Weekly   

ترجمة: عبدالحميد فحام