النتائج المتوقَّعة من زيارة بعثة مجلس الأمن سوريا
ديسمبر 10, 2025 285

النتائج المتوقَّعة من زيارة بعثة مجلس الأمن سوريا

حجم الخط

أجرت بعثة من مجلس الأمن زيارة إلى سوريا في 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 برئاسة رئيس المجلس صامويل زبوغار لتقييم الأوضاع فيها، وتحديد طبيعة مستقبل عمل الأمم المتحدة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. 

هذه الزيارة هي الثالثة بعد زيارتين سابقتين بنفس المهمة بتكليف من الأمين العامّ للأمم المتحدة، كانت الأولى في 14 نيسان/ إبريل 2025 برئاسة نائبة الأمين للشؤون السياسية وبناء السلام "روز ماري ديكارلو" وببعثة مكوَّنة من فريق عمل لإجراء تقييم إستراتيجي متكامل للوضع في البلاد، وكانت الثانية في 6 أيار/ مايو 2025 برئاسة داركو موسيبوب مدير قسم الشرق الأوسط في إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام، مع فريق التقييم الإستراتيجي لمراجعة نتائج البعثة الأولى وتوصياتها، وبذلك قدّم الأمين العامّ التقرير إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن في حزيران/ يونيو 2025، مع توصياته النهائية حول طبيعة دور الأمم المتحدة في مستقبل سوريا بعد المتغيِّرات التي حدثت. 

لم يتفق مجلس الأمن حول نتائج التقرير، ولا حول توصيات الأمين العامّ حولها رغم تكرار الحديث عنها في جميع الجلسات الشهرية المخصَّصة لمناقشة الشؤون السياسية والإنسانية في سوريا استناداً للقرار 2254 (2015) وخصوصاً من جانب الولايات المتحدة، ويبدو أن الخلاف حول التوصيات لم يقف بين روسيا والصين من جانب ومع الولايات المتحدة من جانب آخر، إنما تجاوز ذلك إلى الدول الخمس دائمة العضوية جميعها، وهو ما ظهر في امتناع الصين عن التصويت على القرار 2799 (2025) القاضي بإلغاء إدراج اسمَي الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أنس خطاب من قوائم عقوبات الأمم المتحدة، ثم في المراجعة والتعديلات التي أُدخلت على مشروع القرار الذي قدَّمته الولايات المتحدة إلى الجمعية العامة المتضمِّن الترحيب بانتخابات مجلس الشعب السوري. 

بسبب توقُّع الأمين العامّ للخلافات حول سوريا فقد اكتفى بوضع توصية يمكن أن تحصل على الحدّ الأدنى من التوافُق وهي نقل مكتب المبعوث الخاص له إلى سوريا من جنيف إلى دمشق، وأرسل في آب/ أغسطس رسالة إلى الحكومة السورية للحصول على موافقتها على هذا الإجراء، ويبدو أن هذه التوصية كانت تستجيب للرغبة الأمريكية بشكل رئيسي، وتتيح للمبعوث الأمريكي أن يكون له الدور الأكبر في الإشراف على العملية الانتقالية في سوريا، كما يبدو أن قرار مجلس الأمن في زيارة دمشق كان بسبب رفض هذه التوصية، وتأييد الرفض بتقييم الأوضاع عن طريق بعثة المجلس مباشرة، وليس وَفْق تقرير البعثتين السابقتين، وتشير مصادر حضرت لقاءات البعثة في دمشق إلى أن تقييم الأوضاع السياسية والإنسانية والأمنية لم يكن إيجابياً. لذا فإن السيناريوهات المتوقَّعة لقرار المجلس في مستقبل دور الأمم المتحدة في سوريا يمكن أن تكون محصورة في 4 خيارات: 

إنشاء بعثة أممية ترعى عملية الانتقال السياسي، وتجمع جميع البعثات الأممية ولجان التحقيق الدولية تحت قيادة واحدة من أجل التنسيق بينها، وتطبيق "خطة العمل الانتقالية" الأممية، لكن إنشاء مثل هذه البعثات يكون أحياناً تحت الفصل السابع كما كان هو الحال في إنشاء البعثة إلى ليبيا وَفْق القرار 2009 (2011)، وصدور قرار بموجب الفصل السابع سيُعقِّد المشهدَ السوريَّ كثيراً، ويزيد من تصلُّب مواقف الفُرَقاء الداخليين مثل قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، وميليشيات "حكمت الهجري" في السويداء، ويُحفّز فلول النظام البائد في الساحل على التمرد من جديد، لذا ليس من المرجَّح أن يتجه المجلس نحو هذا الخيار بسبب مخاطره العالية. 

إصدار قرار جديد من مجلس الأمن بديل عن القرار 2254 (2015) بما يعكس المتغيِّرات التي حصلت في سوريا بعد سقوط النظام البائد، وهذا السيناريو من الممكن أن يواجه أيضاً صعوبات في الاتفاق على بنوده في المرحلة الحالية بسبب الاختلاف في تقييم خُطوات الانتقال السياسي، وفي تقييم الانقسامات الداخلية وقدرة الحكومة السورية على حلّها، وفي تقييم وفاء الحكومة بتعهُّداتها في ملفّ مكافحة الإرهاب، ومعالجة ملفّ المقاتلين الأجانب. 

تأييد توصية الأمين العامّ بنقل مكتب المبعوث الخاصّ لسوريا من جنيف إلى دمشق، وهو احتمال قائم إذ يُحقّق التوافق الأدنى بين أعضاء المجلس، لكن صدور قرار الأمين العامّ بتعيين الإيطالي   كلاوديو كوردوني نائباً جديداً للمبعوث الخاص بديلاً عن نجاة رشدي قبل صدور قرار بتعيين المبعوث الخاصّ الجديد بديلاً عن غير بيدرسون يُشير إلى وجود خلافٍ مَا حول اسم المبعوث الجديد أو حول صفته ومهامّه. 

تعديل صفة المبعوث من مبعوث خاصّ للأمين العامّ للأمم المتحدة، إلى منسق خاصّ للأمم المتحدة، وتوسيع صلاحياته لتشمل جميع مؤسسات الأمم المتحدة في سوريا بما فيها قوات (UNDOF) لمراقبة اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974 بين سوريا وإسرائيل، وتكليفه بمهامّ إضافية خارج إطار القرار 2254 (2015) مثل تنسيق أعمال فريق الأمم المتحدة مع الحكومة السورية والبلدان المانحة للمساعدة والمؤسسات المالية الدولية، والعمل مع الحكومة وباقي الجهات السورية المعنية في جميع أنحاء البلاد لتشكيل المؤسسات الوطنية والمحلية اللازمة للحكم، وتعزيز حماية حقوق الإنسان، وعودة اللاجئين والنازحين والمهجَّرين. 

أخيراً، جاءت الزيارة الثالثة لبعثة مجلس الأمن إلى سوريا بغرض استكمال تقييم الوضع في سوريا، ويُرجّح أن تُفضي إمّا إلى تأييد توصية الأمين العامّ بنقل مكتب المبعوث إلى دمشق أو اتخاذ قرار بتعديل صفة المبعوث إلى منسّق خاصّ للأمم المتحدة، وهذا الخيار من الممكن أن تتغاضى روسيا عنه، رغم أنّها تعترض على عمل بعض لجان التحقيق وتطعن في ولاياتها، مثل لجان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفِرَقها ولجان التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وفِرَقه ومؤسساته، خصوصاً بعد مضيّ عام على عمل هذه اللجان، وظهور مؤسسات وطنية سورية مماثلة، واتجاه الحكومة السورية نحو جعل هذه الملفّات وطنية أكثر من كونها دولية.