التكاليف الاقتصادية للحرب في سورية خلال عشر سنوات
حجم الخط
مقدمة
اندلعت الاحتجاجات السورية منذ آذار/مارس 2011، لتأخذ منحنى متصاعد من حيث الرقعة التي شملتها الاحتجاجات، وكذلك سوية القمع الذي اتخذته السلطة كمنهج في مواجهة هذه الاحتجاجات، التي أخذت أشكال متنوعة على شكل مظاهرات جماهيرية أو حملات اضراب ومقاطعة شلّت الحركة التجارية في بعض المدن الرئيسية.
ماهي إلا أشهر قليلة حتى بدأ الصراع يأخذ منحى أكثر عنفاً ودموية، وانتقل النظام السوري من استخدام السلاح الفردي إلى سلاح المدفعية والطيران الذي استُخدم أواخر عام 2011 في اقتحام حي بابا عمرو في مدينة حمص، مما تسبب بخسائر في الأرواح وكذلك المساكن، ومع حملات عسكرية أشد عنفاً كتلك التي توجهت ضد مدينة حمص أو ريف دمشق أو بعض مدن حلب وإدلب نجد أن القصف طال بنى تحتية من أفران ومحطات مياه وكهرباء وشبكات اتصالات، علاوة على المساكن والمدارس والأسواق.
تراجع الحياة الاقتصادية واستهداف البنى التحتية والمؤسسات الخاصة دفع عدداً كبيراً من التجار ورجال الأعمال للخروج من سورية على مدار السنوات الماضية، وما زالت محاولات الخروج مستمرة حتى الآن. ولكن السمة العامة التي نستطيع أن نراها اليوم هي تعطّل الحياة الإنتاجية وسوء ظروف السوق ودمار جزء كبير من المدن والبلدات السورية، بما فيها شبكات المياه والكهرباء والاتصالات الرئيسية وأحياناً السدود والجسور والطرقات الرئيسية، كما نلاحظ أضراراً في عدد كبير من المشافي والمعامل والمدارس، وكل ذلك يصب في صالح مزيد من التراكم في خسائر الاقتصاد السوري ويزيد من كلفة الحرب الاقتصادية.
من الصعب بمكان تقدير تكاليف حرب لما تنتهي بعد، ويتركز التقدير بشكل رئيسي على تراجع عمليات الإنتاج الرئيسي في مختلف القطاعات التي تساهم في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتجري عمليات مقارنة بينما يفترض أن يكون وما هو واقع، وكذلك يتم تقدير نسب المساكن والبنى التحتية بشكل أولي ودون معاينة على أرض الواقع في كثير من الحالات حيث لا تزال الخسائر الحقيقية لم تنكشف بعد، لذا فإن الجهود التي انصبّت في سبيل تقدير الخسائر في الاقتصاد السوري خلال الفترات الماضية ركزت بشكل رئيسي على الإنتاج والمساكن وبعض المرافق والبنى التحتية العامة.
وتعمل هذه الدراسة التي بين يدينا على دراسة كلفة الحرب العسكرية ككل، ومحاولة تحديد ما أنفقه النظام السوري وشركاؤه عليها طيلة السنوات العشرة الماضية، مع الأخذ بعين الاعتبار فترات الهدن والتصاعد والهدوء العسكري في مختلف المناطق. كما تسعى الدراسة إلى تقدير الكلفة التي تكبدتها الأطراف الرئيسية الأخرى التي تقاتل في صفوف النظام، للتنبؤ بكلفة استمرار الحرب من جهة، ولتمهد لدراسات أخرى للسلم والإعمار والفرص البديلة التي تتعلق بعمليات الإنتاج.
المنهجية
تعتمد هذه الدراسة منهجاً في الحسابات يستند إلى:
• الدراسات السابقة في هذا المجال مع الأخذ بعين الاعتبار المدة الزمنية التي غطتها هذه الدراسة، كتلك التي أعدها البنك الدولي تحت عنوان "آثار الحرب في سورية عام 2017"، وتلك التي أعدتها الإسكوا في عام 2020 تحت عنوان "ثمان سنوات من الصراع"، وكذلك تلك الصادرة عن وورلد فجن في 2021 تحت عنوان "تكلفة الصراع على الأطفال في سورية"، وغيرها من الدراسات.
• آراء الخبراء الاقتصاديين والعسكريين من خلال مقابلات وحوارات سابقة وأخرى خاصة بالبحث نفسه، والتي تتعلق بتقدير التكاليف وحسابات الأرقام التي وردت في هذا البحث.
• حسابات الباحث التي ترتكز إلى دراساته السابقة في هذا المجال مثل "اقتصاد الحرب: العلاقات البينية بين القوى المتصارعة في سورية"، و"أولويات التنمية في الشمال السوري"، وغيرها من الدراسات الصادرة سابقاً، والتي ساهمت بشكل أو بآخر في بعض الحسابات والأرقام المستخدمة في هذه الدراسة، وكذلك الحسابات المعدة لأغراض هذه الدراسة والتي تم وضع ملخص حولها في الصفحات المقبلة.