9 سنوات على تدخُّل روسيا في سورية.. أين تعثّرت؟
مضت 9 سنوات على التدخُّل العسكري الروسي في سورية الذي بدأ بتاريخ 30 أيلول/ سبتمبر 2015، ولم تحقق فيها روسيا بعدُ النتائجَ التي كانت تتطلّع لها سياسياً، واقتصادياً، وأمنياً.
عسكرياً، فشلت روسيا في تطبيق خطة الإصلاح العسكري في سورية؛ بسبب التنافس مع إيران والعجز الاقتصادي لدى النظام السوري، الذي كان بحاجة إلى ترميم وإعادة تأهيل قواته المنهكة، بشرياً وعسكرياً، ولذلك لجأ عام 2024 إلى خطة التحوّل نحو جيش تطوُّعي لتكون بديلاً عن الخطة الروسية، رغم أنّ مساعيه في هذا الصدد تواجه عقبات كثيرة. ويُفترض أن تدعم روسيا خطة التحوّل إلى جيش تطوُّعي؛ لأنّها تعالج ما فشلت به خطة الإصلاح العسكري، فالكثير من عناصر الفيلق الخامس الذي أنشأته انضموا إليه بموجب عقود ولم يكونوا مؤهلين عسكرياً وأكاديمياً وأعمارهم أكبر من العمر المثالي للعسكري النظامي، وهم في الغالب مشاة أفراد بأسلحة خفيفة وعربات نقل.
كما لم تستطع روسيا التوسّع أكثر في خريطة السيطرة لصالح النظام السوري، وبقيت 30% من مساحة البلاد خارج سيطرته، رغم استخدامها القوة العسكرية المفرطة وما تحتويه من أسلحة متطورة لدى تدخُّلها نهاية عام 2015. لقد اعترض الوجود الأجنبي لكل من الولايات المتحدة وتركيا مساعي روسيا في حسم الصراع عسكرياً في سورية لصالح النظام، مما اضطرها لحصر مناطق الاشتباك وتوقيع مذكرة خفض التصعيد (2017) مع أنقرة وواشنطن، وساعدت النظام بموجب هذا التكتيك على استعادة السيطرة على مناطق جنوب سورية ووسطها وقضم أخرى شمال البلاد، لكنّه توقّف عند حدّ بات فيه أيّ تقدُّم عسكري سيقود إلى الاصطدام مع القوات التركية شمالاً والقوات الأمريكية شرقاً.
سياسياً، فشلت روسيا في نقل المفاوضات حول القرار 2254 (2015) من جنيف برعاية الأمم المتحدة إلى سوتشي برعاية ضامني أستانا، بعد رفض النظام الاستمرار فيها نهاية جولة جنيف (8) واشتراطه سحب البيان الختامي لهيئة التفاوض السورية؛ حيث سعت روسيا لدمج المسار السياسي في المسار العسكري الذي أنشأته في أستانا نهاية عام 2016، ورغم أنّها حاولت لاحقاً استدراك هذا الإخفاق بجعل اللجنة الدستورية من نتائج مسار أستانا لكنها أيضاً تعثّرت بعد رعاية الأمم المتحدة للمفاوضات مجدداً.
من جانب آخر، لم تُؤدِ جهود روسيا في فكّ العزلة الدولية عن النظام إلى تحقيق النتائج المرجوّة منها بعدُ، رغم أنّها حققت خرقاً بتطبيع الدول العربية العلاقات معه وانخراط تركيا في مسار ما يزال متعثّراً؛ حيث لم يحصد النظام أثراً اقتصادياً ولا دبلوماسياً من هذا التطبيع للحظة، نتيجة استمرار الموقف الغربي القائم الرافض لمبدأ التطبيع ولرفع العقوبات ولإعادة الإعمار قبل تحقيق تقدُّم ملموس في العملية السياسية بموجب القرار 2254.
كذلك أخفقت روسيا في تقديم نفسها وسيطاً بين أطراف النزاع في سورية، حيث لا يُنظر إلى اتفاقيات التسوية التي عقدتها وكانت ضامناً فيها إلا باعتبارها إعلاناً للاستسلام بالقوة العسكرية المفرطة، فلم تكن طرفاً محايداً على الأرض، ولا حتى في رعاية العملية السياسية في إطار الإصلاح الدستوري التي شاركت فيها إلى جانب الأمم المتحدة، فهي أيضاً تُعَدّ طرفاً غير محايد بالنسبة للمعارضة السورية.
اقتصادياً، لم تستطع روسيا تحقيق الكثير من المكاسب لصالح النظام؛ حيث لم يصل النظام بعدُ إلى صناديق إعادة الإعمار الغربية مقابل إعادة اللاجئين، ولا إلى الأموال العربية بموجب التطبيع، ولم يتم تخفيض العقوبات الغربية المفروضة عليه بل زادت، واستمر اقتصاد النظام بالانهيار رغم تقديم روسيا المساعدات له، وزيادة عدد شركاتها المستثمرة في سورية، وتحفيز الصين والهند على دعم الاستقرار على أمل أن تستطيع هذه الدولُ المشارَكةَ في إعادة الإعمار. كما لم تستطع روسيا تفعيل خطوط النقل والتجارة الدولية على طرق M4 وM5 مع أنّها ضغطت على تركيا كثيراً لأجل ذلك بما في ذلك استخدام القوة العسكرية، ولم تمتلك القدرة على افتتاح المعابر الداخلية لتفعيل حركة التجارة والنقل، وكذلك بالنسبة للمعابر الخارجية رغم فتح معبر "جابر – نصيب" الحدودي مع الأردن؛ حيث ما زالت حركة التجارة والنقل غير مستقرة فيه وتتعرض القوافل لعراقيل كثيرة.
أخيراً، بعد مرور 9 سنوات على تدخُّل روسيا في سورية يبدو أن قِسْماً كبيراً من الأهداف العسكرية والسياسية والاقتصادية لم يتحقق بعدُ، وما يزال متعثّراً، مثل استعادة سيطرة النظام على مساحات أوسع من البلاد، وتوطيد عملية التطبيع مع الدول العربية، وتحقيق تقدُّم في التطبيع مع تركيا، ورفع العقوبات عن النظام، ومنع استمرار تدهور اقتصاده أو على الأقل فتح المعابر الدولية.