الهلال الشيعي المكوّن من لبنان وسورية والعراق مهدَّد بالانهيار
فبراير 03, 2023 5901

الهلال الشيعي المكوّن من لبنان وسورية والعراق مهدَّد بالانهيار

حجم الخط


"الهلال الشيعي" المُكوّن من لبنان وسورية والعراق، والذي أوجدته إيران بكثير من العناية والصبر، يمر في هذه الفترة بمرحلة سيئة يمكن أن تكون قاتلة. هذه الدول التي سقطت تحت سيطرة "الملالي"  الإيراني تواجه شُحّاً في احتياطي النقد الأجنبي وخاصة الدولار، وكذلك تعيش فوضى مؤسساتية واضطراباً اقتصادياً وحروباً بين مكونات كل بلد. ومع بداية عام  2023 ، يواجه "محور المقاومة" على ما يبدو تهديداً أكثر من أي وقت مضى بسبب  تزايُد العجز لدى المُشغّل الرئيسي والذي يرجع إلى جفاف مخزونات الدولار أكثر من كونه بسبب الهجمات العسكرية التي يشنها أعداء هذا المحور.

تخضع دولتان، هما إيران وسورية، لعقوبات أمريكية ودولية شديدة، سياسية واقتصادية. ورغم أن العراق لديه وفرة من أموال النفط، إلا أنه لا يملكها مباشرة تحت تصرفه ؛ لأن حساب عملته  مُحتفَظ به من  قِبل الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. وبسبب العقوبات المفروضة على إيران، تراقب واشنطن عن كثب مبالغ النقد الأجنبي المتاحة لحكومة بغداد. وقد تم تشديد هذه الرقابة مؤخر اً بما يكفي لخنق النظام الإيراني، لدرجة اضطرت بغداد لدفع مشترياتها من طهران بالدينار، مما أدى إلى انخفاض حا دّ في الدينار العراقي وانهيار الريال الإيراني. في صيف  2015 ، جمدت السلطات الأمريكية حساب البنك المركزي العراقي في مجلس الاحتياطي الفيدرالي لمنع هذه الموارد من دعم تنظيم الدولة الإسلامية.

أما بالنسبة للبنان، فإن طبقته السياسية الحاكمة -ومعظمها يشبه المافيا- كانت تعمل بشكل موحّد  و منهجي لنهب البلاد. وكانت الطبقات السياسية تنظر إلى حزب الله بقداسة ، وقدموا له كل ما يطلب على أساس أنه حزب مقاوم يحتاج دعم اً وهو الذي استطاع ، - بدعم من بعض الأحزاب- أن يتقاسم نصيبه من الغنيمة مع مشغليه. وبنفس الوقت، قام الحزب بتمويل  ميليشياته وكذلك  تقاسَم حصص اً من الغنائم مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

هذه البلدان الأربعة مفلسة بحكم الأمر الواقع، فلبنان مشلول مؤسسي اً ، لا يمكن لأي طرف من أطراف الطبقة الحاكمة أو التي تقف في صف المعارضة التصرف أو التحدث بالنيابة عن الدولة.   فالبلد مفلس مالياً منذ عام  2020 ، ويعيش حالة من الانهيار الاجتماعي على الرغم من مدفوعات المغتربين التي يقومون بتحويلها لعائلاتهم في لبنان.

وخلال الحرب الدائرة منذ عام  2011 ، تم تجزئة سورية واحتلالها من  قِبل العديد من الجيوش الأجنبية، بما في ذلك جيوش روسيا والولايات المتحدة وإيران وحتى إسرائيل، في محاولة للسيطرة على مجالها الجوي. لقد تم تعزيز الأرضية القانونية المستخدمة لمعاقبة احتجاز رهائن السفارة الأمريكية في إيران، أو الدعم  النَّشِط للإرهاب في دمشق وطهران، أو تطوير إيران لبرنامج نووي عسكري من خلال "قانون قيصر" الذي أقره الكونغرس الأمريكي، وتم تعزيزه في كانون الأول/ ديسمبر 2019   وتطبيقه بفاعلية بدءاً من حزيران/ يونيو 2020 .

لقد أدت المخاوف الداخلية الإيرانية -بما في ذلك الاحتجاجات الشعبية منذ أيلول/ سبتمبر 2022 - ومأزق العدوان الروسي في أوكرانيا إلى تشتيت انتباه إيران وروسيا بعيداً عن النظام السوري، الذي لديه بالفعل مصالح كإعادة إعمار  البِنْية التحتية، وإعادة تعبئة المخازن الغذائية، وترميم شبكات الكهرباء والهاتف، والتي أصبحت مجردة من أهميتها  الإستراتيجية .

تعاني موسكو وطهران من ضعف النمو لدرجة أنّ  50 % من مخابزهما تغلق أبوابها؛ حيث  إ ن راتب ملازم في الجيش الآن هو  15   دولاراً فقط في الشهر. وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر، صدرت أوامر للمسؤولين بالتوقف عن العمل لمدة  10   أيام بسبب نقص الوقود.

أما في وضع  دولة  مثل العراق المنهك، فلا بد من ذكر أن  القيود التي فرضها البنك الفيدرالي  الأمريكي على البنك المركزي العراقي في ملف الدولار،  والبَدْء بإدخال التحول المالي العراقي  ضِمن نظام "سويفت"، تسببت بسلسلة من الأزمات أدت إلى انكماش السوق العراقية  وتراجُع القدرة الشرائية لأغلب العراقيين خلال الأسابيع الماضية.

ورغم هذه  الآثار السلبية لكن الأزمة التي قد تواجه الحكومة العراقية وتنذر بغضب الشارع العراقي، هي توفير رواتب الموظفين والمتقاعدين والمشتركين بالرعاية الاجتماعية، الذين يصل عددهم إلى نحو  10 ملايين شخص،  تخصص لهم نحو ست ة تريليونات دينار عراقي.

ويعتمد الاقتصاد العراقي بشكل  شِبه كامل على مبيعات النفط العراقي بالدولار  الأمريكي ، التي يتم تحويلها من خلال وزارة المالية العراقية إلى البنك المركزي، الذي يبيعها إلى المصارف للحصول على الدينار العراقي لتمويل حاجات الدولة العراقية من نفقات تشغيلية واستثمارية في جميع مجالات الحياة.

وفي ظل غياب أي مورد آخر غير النفط لجلب الدولار بالتزامن مع غياب نشاط اقتصادي حقيقي أو إيرادات أخرى للحكومة العراقية من الضرائب والرسوم والاستثمارات، فإن الحصول على الدينار العراقي سيصبح أمراً صعباً للغاية، وقد  تُضطر بغداد إلى استخدام بدائل، ستتسبب في زيادة معدلات التضخم في البلاد.

ودفعت أزمة الدولار الحكومات العراقية المتلاحقة إلى سلسلة من القرارات التي تسببت بدورها في تعميق الأزمة الاقتصادية للبلاد. وكانت من الآثار الملموسة التي يشهدها العراق اليوم  تفاقُم   أزمة البطالة وصعوبات تواجه المسؤولين في توظيف الملايين من العراقيين. كما يقول بعض الخبراء  إ ن البنك المركزي العراقي قد يلجأ إلى إصدار فئات جديدة من الدينار لتلبية حاجاته المتمثلة بدفع رواتب الموظفين، إذا استمرت مبيعاته على هذا النحو.

أما بالنسبة لإيران، فبعد عدة محاولات لإنجاز  تقدُّم في المفاوضات الرامية إلى استئناف الاتفاق النووي الإيراني، توقفت المحادثات مع وجود تهديد جدّي بانهيارها كلياً. وفي غضون ذلك، تستمر العقوبات الدولية  بالنَّيْل من الاقتصاد الإيراني مما يؤثر على حياة الإيرانيين بشكل مباشر.

وفي ظلّ العقوبات الدولية وخاصة الأمريكية، المفروضة على النظام الإيراني، لا يمكن لنظامها السياسي أن يقوم بتمويل ذلك القدر الكبير من العمليات والنشاطات العسكرية على امتداد رقعة جغرافية تغطي المحافظات الإيرانية، فكيف إ نْ كان الأمر يتعلق بتغذية الصراعات الموجودة في دول "الهلال الشيعي".  
لقد كان الحال كذلك بمعزل عن الأزمة الجديدة التي تشهدها البلاد في ظلّ الاحتجاجات المتزايدة التي اجتاحت أجزاء واسعة من محافظات الدولة الإسلامية. أما الآن فالحال أصبح أكثر سوء اً على إيران وعلى الدول الثلاث الأخرى التي يضمها مشروع "الهلال الشيعي". 

ترجمة: عبد الحميد فحّام 
إعداد: أنطوان بصبوص 
المصدر: لوموند – النسخة  الإنكليزية