خريطة السيطرة والنفوذ في سورية عام 2023
مقدّمة
مع نهاية عام 2023 بقيت خريطة السيطرة العسكرية في سورية دون أي تغيير في حدود السيطرة وخطوط التماسّ بين القوى المحلية على الأرض؛ حيث حافظ أطراف النزاع على نِسَب السيطرة ثابتة كلياً، والتي تمَّ تسجيلها نهاية شباط/ فبراير 2020.
شهدت خريطة السيطرة العسكرية في سورية أطول فترة تهدئة منذ اندلاع النزاع عام 2011، منذ توقيع اتفاق وَقْف إطلاق النار بين تركيا وروسيا في 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، وفي 5 آذار/ مارس 2020، حيث بقيت مناطق السيطرة ثابتة بين فصائل المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية، وكذلك بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري.
أولاً: مناطق سيطرة النظام السوري
حافظ النظام السوري على نسبة سيطرته وهي: (63.38%) من الجغرافيا السورية؛ حيث يُسيطر بشكل شِبه تامّ على محافظات الساحل والوسط وجنوب سورية، وعلى أجزاء من المحافظات الشرقية ومحافظة حلب.
كما حافظ النظام على انتشار قواته ضِمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية شمال شرقي سورية بموجب التفاهم الثنائي الموقع بين الطرفين في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019 برعاية روسيا على خلفية شن تركيا وفصائل المعارضة عمليّة نبع السلام.
لكن شهد عام 2023 اندلاع اشتباكات مسلّحة غير مسبوقة بين قوات النظام وقسد في مناطق متفرّقة من دير الزور دون أن تؤدي إلى أيّ تغيير في مناطق السيطرة أو الانتشار. جاء ذلك على خلفية المواجهات بين الميليشيات الإيرانية وقوات التحالف الدولي أواخر تشرين الأوّل/ أكتوبر.
شهد عام 2023 أيضاً تزايُد مناطق السيطرة الهشّة للنظام السوري في البادية، لا سيما المساحات الممتدة بين السخنة وتدمر والقريتين؛ حيث تنتشر سلسلة من الجبال يتخذ منها تنظيم داعش العديد من المخابئ والمقرّات ويشن عبرها هجمات واسعة ومستمرة ضد قوات النظام بما يؤدي لتراجعها باستمرار رغم قيامها بحملات تمشيط مستمرة لكامل البادية. أيضاً باتت السويداء جنوب البلاد ضِمن مناطق السيطرة الهشّة للنظام عام 2023؛ إثر الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي اندلعت فيها منذ آب/ أغسطس وتسبّبت بتراجُع سيادة النظام وسلطته السياسية والأمنية على العديد من مدن وقرى المحافظة، لكن دون أن يؤدي ذلك إلى أي تغيُّر في نسب السيطرة العسكرية.
ثانياً: مناطق سيطرة المعارضة السورية
حافظت فصائل المعارضة على نسبة سيطرتها وهي: (10.98%) من الجغرافيا السورية، وتتوزع مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وشمال حلب، وفي منطقة تل أبيض ورأس العين في الرقة والحسكة، وفي منطقة الزكف والتنف (المنطقة 55) جنوب شرق سورية.
شهد عام 2023 قيام مجموعات مسلّحة تحت غطاء من فصائل المعارضة بتنفيذ هجوم عسكري على مواقع سيطرة قسد وانتشار قوات النظام السوري على محاور شمال وشمال غرب منبج؛ حيث استغلت المواجهات بين قوات العشائر وقسد في دير الزور، لكنّ الهجوم انتهى بالفشل إثر تدخُّل سلاح الجو الروسي وغياب الغطاء السياسي الكافي لاستمراره، مما أعاد خطوط السيطرة إلى ما كانت عليه، وبالتالي بقيت نسب السيطرة العسكرية دون أيّ تغيير.
أيضاً شهد عام 2023 تنفيذ هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة هجمات عديدة على مواقع قوات النظام على خطوط التماسّ وخلفها جنوب إدلب وغرب حلب وشمال اللاذقية؛ وقد سيطرت الهيئة على بعض المواقع المتقدِّمة (المرتفعة) كما حصل في محور الملاجة، لكن دون أن يؤثّر ذلك على خريطة السيطرة الكلية ونسبها بين الطرفين.
ثالثاً: مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية
حافظت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على نسبة سيطرتها وهي: (25.64%) من الجغرافيا السورية، وهي ذات النسبة المسجلة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وتشمل أجزاء واسعة من محافظة دير الزور والرقة والحسكة، وأجزاء من محافظة حلب.
شهد عام 2023 اندلاع مواجهات مستمرة منذ أواخر آب/ أغسطس بين قسد من جهة ومقاتلي العشائر بقيادة شيخ قبيلة العقيدات إبراهيم العفل من جهة أخرى، بعد إطلاق قسد عملية أمنية في مناطق سيطرتها بدير الزور باسم \"تعزيز الأمن\" واستخدمتها كغطاء لعمليات اعتقال متزامنة لـ 5 من قياديِّي مجلس دير الزور العسكري الذي يُعتبر الفصيل العربي الأكبر داخل هيكلها. لكن تلك المواجهات لم تُؤدِّ إلى أيّ تغيير في خريطة سيطرة قسد، ولم تخلق وضعاً عسكرياً هشّاً، إنما وضعت بعض مناطق قسد في دير الزور في حالة أمنية هشّة على غرار بعض المناطق التي استمر تنظيم داعش بتنفيذ عملياته فيها.
خُلاصة
يرجع عدم التغيُّر في نِسَب السيطرة إلى التزام النظام وفصائل المعارضة بعدم تعريض اتفاق وَقْف إطلاق النار للانهيار رغم الخروقات الواسعة وغير المسبوقة التي شهدتها خطوط التماسّ في إدلب.
لا يُتوقّع أن تشهد خارطة السيطرة العسكرية في النصف الأول من عام 2024 أي تغيّر في نسب السيطرة بين أطراف النزاع؛ بسبب غياب المؤشرات الكافية لتنفيذ عملية عسكرية ضد قسد، أو قدرة النظام السوري على شنّ هجوم جديد ضدّ مناطق المعارضة. ومع ذلك إنّ أيّ انهيار عسكري محتمل قد يطرأ على الخارطة قد يكون نتيجة استمرار العمليات خلف وعلى خطوط التماسّ التي ستزيد من رغبة أطراف النزاع بتغيير قواعد الاشتباك عام 2024، وتؤدي إلى تغيير الوضع القائم الهشّ في حال انخراط الضامنين في المواجهات بشكل يؤول إلى تآكُل التهدئة تِباعاً.
ويُتوقَّع أن تزيد عام 2024 مناطقُ السيطرة الهشّة للنظام السوري، لا سيما جنوب سورية، إثر تنفيذ النظام المزيد من الهجمات المركزة التي تهدف للسيطرة على طرق الإمداد والنقل الرئيسية في البادية وتوسيع أنشطته في المنطقة، وإثر احتمال تراجُع سيادة النظام وسلطته على مناطق في محافظة درعا لأسباب محليّة وإقليمية، خصوصاً أنّ عام 2023 شهد لأوّل مرة منذ اندلاع النزاع في سورية تدخُّلاً عسكرياً من قِبل الأردنّ في إطار مكافحة المخدرات.