الهامش الوطني السوري (مسودة لخطة عمل)
Tem 19, 2018 2757

الهامش الوطني السوري (مسودة لخطة عمل)

Font Size
أصبح من المعلوم أن القرار السوري بشكل عام وقرار قوى الثورة والمعارضة بشكل خاص يخضع بشكل متزايد لسيطرة الدول الكبرى ودول الإقليم، ويأتي هذا الانطباع العام من كون مصير الشمال السوري قد بات متعلقاً بالتفاهمات الروسية – الإيرانية – التركية، والجنوب الذي حسم أمره بتفاهمات روسية – إيرانية من طرف وروسية – أمريكية – إسرائيلية – أردنية من طرف آخر. 
وربّما ينظر السواد الأعظم من السوريين إلى مصير قوى المعارضة من منظور الميدان وتحولاته في الشمال، وبعد ما حصل مؤخرًا في الجنوب، تكوّنت قناعة عامة بعدم جدوى ما تقوم به أطياف المعارضة السياسية، وبالتالي حصل هناك تقليل –طبيعي– من وزن النشاط السياسي لهذه الأخيرة التي تأثرت أيضاً بالقوى الإقليمية والدولية ومقارباتها السياسية للمنطقة وللخلافات والتنافس الواقع فيما بينها.  
ومع أن الواقع بشكل عام يوحي بأنه لم يتبق أفق أو دور لقوى الثورة السورية، إلا أنه ما زال هناك هامش يمكن التحرك به على عدة مستويات يساعد على إيجاد بصمة سورية في ظل تزاحم الأيادي الدولية للإمساك الكامل بالقرار. بمعنى أنه يوجد مجال للتحرك يساعد على إيجاد أثر لا يتعارض مع المصالح الدولية والإقليمية، وبنفس الوقت تصبح هذه القوى بحاجة ماسّة له. 
وقبل الحديث عن الهامش الوطني الذي يلزم التحرك ضمنه، لا بد أولاً من تفكيك مجموعة المشاكل الرئيسية الداخلية التي سدّت الطريق على قوى المعارضة وألغت قدرتها على التأثير والفاعليّة، ذلك أن تحديد وتحليل هذه المشاكل قد يساعد على رسم طريق واضح المعالم للسير ضمنه دون التفرع بمسارات متعددة، وبذل المزيد من الجهود غير ذات الجدوى 
 
الهدم المتواصل لبنى الدولة 
نظرت أطياف المعارضة السورية بشكل عام إلى "مؤسسات الدولة" على أنها مرتبطة عضويّاً بالنظام السوري، وقد دفعها هذا الأمر لجعل مؤسسات الدولة ملفاً تفاوضياً، باعتبار أن النظام يبسط سيطرته عليها جميعاً نسبياً مثل الجيش والأمن والقضاء والخدمات والاقتصاد والثقافة والرياضة وغيرها. ولم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للفصائل العسكرية التي عملت على تأسيس مؤسسات بديلة لتنوب بعملها مكان المؤسسات التابعة للنظام السوري وإن كانت تعتمد على مقارها وبعض مستنداتها. 
ولم يُمثّل خيار إصلاح مؤسسات الدولة والعمل بها أولوية بالنسبة للمعارضة ربما خشية من استفادة النظام السوري منها خلال عمليات التفاوض التي تعتمد على الآليات المشتركة -حصل مثل هذا الأمر في ملف المصالحات الذي اعتمد على إبقاء مؤسسات الدولة عاملة وخاضعة لسيطرة المعارضة شكليّاً من خلال إبقاء آليات مشتركة للتنسيق الخدمي وبذلك أصبحت المعارضة تنشط مؤسساتياً تحت سلطة النظام- وبناء عليه اتجهت المعارضة لإحلال بديل عن "مؤسسات الدولة" وخلق هذا الأمر بشكل تلقائي عملية هدم، لأسباب متعددة منها المزاج الثوري العام، الذي كان يرغب بداية بعمليّة تغيير جذريّة، بالإضافة إلى تصادم نماذج الإدارة والأهداف والنشاط، وعدم تبلور النموذج الأمثل لكل طرف حول الدور والآلية والشكل الذي يجب أن تكون عليه مؤسسات الدولة البديلة وعلاقتها بنظيرتها الأساسية الواقعة في مناطق النظام. 
1. الصراع الداخلي المستمر
طغى صراع السلطة والنفوذ على أغلب أطياف المعارضة السورية العسكرية والسياسية والمدنية والذي وصل أحياناً إلى الاقتتال المسلح وأحياناً أخرى للاصطفاف السياسي الخارجي، وساهم ذلك بطبيعة الحال في تشتيت قرار المعارضة وإضعاف واقعها الميداني والسياسي. 
ويمثل هذا الصراع رغبة لدى هؤلاء بالحصول على امتيازات مسبقة في السلطة مستقبلاً أو امتياز مؤقت نفوذاً ومالاً ومكانة اجتماعيّة، بالرغم من أن الكثير من قيادات المعارضة "سياسية – عسكرية" فقدت جزءًا كبيرًا من هذا الامتياز بسبب تغير الظروف الدولية وتغير الوقائع الميدانيّة، إضافة إلى واقع مؤسسات المعارضة الداخلي والانقسامات الداخلية الحادة التي أفقدتها ثقلها وقدرتها على التأثير 
سيطرة السلطة العسكرية اللامركزية على قرار السلم والحرب 
لطالما دأبت الفصائل العسكري أن تجعل مصير قرار السلم والحرب بيدها، وفي كثير من الأحيان كان الاقتتال الداخلي فيما بينها هو للسيطرة على هذا القرار، مثلما جرى مع "هيئة تحرير الشام" و "جبهة تحرير سوريا" في شمال البلاد، وقد تم ذكر هذا الأمر في البيانات الرسمية للطرفين. 
وفي الواقع لم يكن وجود "أجهزة الحكم" التابعة للحكومة المؤقتة ونظيرتها الإنقاذ سوى شكليّاً، في حين كانت الفصائل العسكرية هي من تسطير عليها، من حيث القرارات والصلاحيات وحتى التعيينات.
لقد عدّت الفصائل العسكرية بشكلها اللامركزي نفسها سلطة شاملة تنفيذية وتشريعية وقضائية، وتحاربت فيما بينها لفرض نفوذها على أجهزة هذه السلطات التابعة للقوى المحلية - المدنية المختلفة، وأدى هذا الأمر إلى عدم الالتفات لبنية تلك الأجهزة ومحاولة مأسستها مقابل التركيز على الصراع والسيطرة على هذه الأجهزة، وبطبيعة الحال صارت الفوضى ومظاهر الاضطراب الأمني مقدمة على سبل الاستقرار والحوكمة. 
2. غياب الرؤية الواضحة
لم تمتلك المعارضة السورية رؤية واضحة حول شكل الدولة وشكل الحكم المستقبلي فيها، مع غياب شبه تام للإجماع الوطني أو حتى التنسيق العالي حول عدد من القضايا التي تعزز الثقة بين الأطراف السياسيّة المعارضة، كخطوة نحو الانتقال إلى استراتيجية أكثر تماسكَا. 
وكان التعويل لدى العسكريين وجانب من القطاع المدني منصباً على السيطرة الميدانية من أجل فرض تغيير يبدأ من الأعلى إلى الأسفل، وأما السياسيون فكانوا يضعون الأمل في آليات عملهم وطرائق تفكيرهم على مدى التوازن والثقل الإقليمي والخارجي في العلاقات وذلك على حساب التوازن والإصلاح الداخلي. ولذلك كانت هناك هوة بين مختلف قوى المعارضة في النظر إلى مستقبل المناطق التي تسيطر عليها، وساهم غياب الرؤية والاستراتيجية وتشتت القرار بين القوى العسكرية والسياسية والمدنية، والمقاربات الأكثر محليّة، إلى تحويل مناطق المعارضة إلى جيوب معزولة ومقطعة الأوصال جغرافيًا ووجدانيًّا، وهو ما جعلها تعيش حالة من الفوضى والاضطراب الأمني، ما سهل على النظام السوري وحلفائه السيطرة على أجزاء كبيرة منها وأن يضع عينه للسيطرة على بقية الأجزاء شمالاً وجنوباً. 
 
خطوات أولية نحو إيجاد هامش وطني لقوى المعارضة السورية 
1. تجزئة الخلافات وبناء المصالح المشتركة
تحتاج هذه الخطوة للانطلاق ثلاثة مسارات، أول بين القوى العسكرية وثانٍ بين القوى المحلية غير العسكرية من مجالس محلية وحكومة مؤقتة وحكومة إنقاذ ومنظمات مجتمع مدني وغيرهم، وثالث بين القوى العسكرية من طرف وبين القوى غير العسكرية من طرف آخر. وبنفس الوقت يفترض وضع جدول زمني لكل مسار وجدول أعمال يحدد المصالح المشتركة، ويعتمد على معايير ثابتة مثل الحفاظ على المكاسب والتقليل من فرص الخسارة وتجزئة الخلافات كمنطلقات للتوصل إلى تفاهم حول المصالح المشتركة. 
فمثلاً تعتبر مصالح (الحكم والأمان والتنمية) مشتركة بين الجميع والتفاهم حولها سيكون مقدماً على غيرها لأن الجميع بات مدركاً أن نسبة الأمان على تواجده ومصالحه باتت أقل بكثير مما كانت عليه من قبل، وكذلك الحال بالنسبة للحكم وشكله وطرائقه، وطالما أن هذا الأخير يتأثر بالأفكار والرؤى المتباينة ستكون محاور العقد الاجتماعي والانتماء والديمقراطية والمواطنة والشورى وغيرها، محط اختلاف ونقاش محتدم ورفض محتمل، وبما أن هذه القيم والمبادئ التي تنطلق من بنات الأفكار لا بد من وضع تصور لها للوصول إما لصيغة توافقية أو خلق فكرة جديدة يتم تأطيرها (بقيم فكرية لا فطرية) متناسبة مع آراء القوى المتحاورة. كما أن الخلاف حول الحكم سيظهر في توزيع الثروة والقوة، وهنا لا بد للجميع من إدراك خطورة استمرار التمسك بالسيطرة الشاملة لأنها ستكون مجرد مكسب هش ومؤقت، على أن يتم تقديم تنازل يشمل الرضا بتوزيع متوازٍ لها يؤمن استقراراً مؤقتاً ومكاسب أبعد في نطاق الثروة والقوة لجميع تلك القوى. 
2. التوافق على وثيقة مبادئ مشتركة
يعد التوافق على وثيقة مبادئ مشتركة بمثابة الإطار العريض الذي يمهد لوضع استراتيجية ورؤية واضحة للقوى العسكرية والسياسية والمدنية، ومن المفيد الاستفادة من نجاح المبادرات السابقة في هذا الصدد، بغض النظر عن مضمون تلك المبادرات.
والمبادئ ربما يفترض أن تشمل الموقف من المسار السياسي هل سيكون انتقالاً أم مجرد حل يشمل إصلاحاً دستورياً وإقامة انتخابات... إلخ. وتشمل الموقف من القوى الأجنبية المقاتلة والمنتشرة على الأرض وطبيعة العلاقة مع القوى الإقليمية والدولية، وتشمل الموقف من هوية الدولة والعلاقة بين مكوناتها ووحدة الجغرافية، وغير ذلك من الجوانب. 
3. التوافق على رؤية واضحة قريبة ومتوسطة
يكون ذلك بوضع رؤية واضحة قريبة ومتوسطة ضرورية لكل القوى إن كانت تريد لنفسها البقاء والاستمرار، وربما تكون الرؤية الأنسب منضوية ضمن (استراتيجية التحول) والتي تهدف إلى وضع برنامج لتثبيت الوضع الجديد والحفاظ على ما بقي من مكاسب في شمال البلاد، ويشمل هذا البرنامج جوانب الحوكمة للأجهزة المدنية والعسكرية والسياسية والأمنية والقضائية والاقتصادية، ووضع جدول الأولويات في التحركات السياسية والعسكرية ومجال كل منها. 
4. تشكيل سلطة تشريعية وقضائية مستقلة
بالتوازي مع الخطوات السابقة، لا بد من الدفع باتجاه تشكيل سلطة تشريعية وقضائية مستقلتين في ظل فرض الفصائل العسكرية اللامركزية سيطرة شبه شاملة على مفاصل وحوامل هاتين السلطتين. 
وإن تشكيل السلطة التشريعية يبدأ بدعم تشكيل ونشاط الأحزاب والتيارات السياسية ويمر بإصلاح ودعم عمل المجالس الملحية ومنظمات المجتمع المدني. وبطبيعة الحال يحتاج قرار تشكيل سلطة تشريعية إلى برنامج عمل وخطة واضحة وأهداف، وتكمن ضرورة مثل هذه الخطوة في الحد من رغبات وميول الفصائل العسكرية التي تمثل سلطة تنفيذية على قرار المجتمع واحتكار قرار السلم والحرب بيدها، كما تبرز الأهمية بنقل المناطق من حالة الحذر والترقب المستمر والفوضى إلى حالة النشاط والحيوية وسبل الاستقرار. 
ولا يختلف الأمر بالنسبة للسلطة القضائية التي يلزم وضع معايير صارمة وبرنامج وخطة عمل تساهم في تعزيز استقلالها عن جميع السلطات. 
5. تدابير لبناء الثقة بين مختلف قوى الثورة والمعارضة
تحتاج قوى الثورة والمعارضة العسكرية والمدنية والسياسية لآليات وتدابير تعيد بناء الثقة فيما بينها، وطالما أن الفصائل العسكرية والقوى السياسية والقوى المحلية لدى كل منها مشاكل داخلية وتقوم العلاقة بينها على أسس الحذر والتشكيك وعدم الثقة، لا بد من وجود ثلاثة مسارات لبناء الثقة تخص كل واحدة من هذه القوى.
مثلاً تشمل وثيقة بناء الثقة للقوى العسكرية آليات لوقف إطلاق النار والانسحاب من المدن وإيجاد حل للسجون وحل توافقي لإنشاء محكمة عسكرية مشتركة وتشكيل شرطة عسكرية لها ووضع آليات لتشكيل غرفة عمليات مركزية وغير ذلك من التدابير التي تفيد إعادة الثقة المفقودة. 
وفي الخلاصة، يلزم القول إن اجتماع مقترحات الحل السابقة ربما تساهم بشكل كبير في إيجاد هامش وطني لقوى المعارضة، فالقوة تنبع من التوافق ومركزية القرار والضعف يأتي من الخلاف والتشتت والقرار اللامركزي. 

Araştırmacılar