القطيعة مقابل الفوضى: آثار الحرب على إيران في سوريا
Haz 28, 2025 964

القطيعة مقابل الفوضى: آثار الحرب على إيران في سوريا

Font Size

تمهيد  

دخلت إيران وإسرائيل صباح الثلاثاء 24 حزيران/ يونيو 2025 في هدنة لإيقاف الحرب التي استمرّت بين الطرفين 12 يوماً، وقبل أن تتوقف تلك الحرب كانت آثارها قد طالت سوريا، على الأقل في المواقف السياسية السلبية من الحكومة السورية تجاه إيران، والتي تتجاوز النأي بالنفس المتداول في وصف الموقف السوري.  

أولاً: نحو قطيعة نهائية مع إيران ومشروعها  

انعقد في 20 حزيران/ يونيو 2025 في إسطنبول الاجتماع الوزاري العربي في الدورة غير العادية والذي دعا إليه العراق لمناقشة تداعيات الهجوم الإسرائيلي على إيران وعلى أمن المنطقة، وصدر في ختامه بيان تضمّن إدانة ما وصفه "العدوان الإسرائيلي على إيران"، واعتباره يشكل انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، وتهديداً للسلم والأمن الإقليمي، وأكد على ضرورة وقف هذا العدوان.  

كانت سوريا هي الغائب الوحيد عن الاجتماع، رغم أن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني كان حاضراً في إسطنبول للمشاركة في قمة التعاون الإسلامي، وكان هذا الغياب رسالة سياسية واضحة المعالم من الحكومة في قطع "شعرة معاوية" مع إيران، واجتثاث وجودها، ووجود الميليشيات التابعة لها في سوريا، وتخليها بشكل نهائي عن محور المقاومة الذي تتزعمه إيران، وتوجيه وجهتها نحو المحور العربي الغربي بزعامة السعودية والولايات المتحدة، وهو ما ظهرت آثاره الإيجابية على الحكومة السورية خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية في أيار/ مايو الماضي، وتُوجت بلقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع وبرفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن سوريا.  

مقابل غياب سوريا عن الاجتماع العربي، سجّل الوفد الإيراني تحفُّظه على مشروع قرار منظمة التعاون الإسلامي (5/ 51-س) بشأن "الوضع في سوريا" والذي هنّأ الرئيس أحمد الشرع على توليه رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية، وأكد دعم الحكومة السورية الانتقالية، ورحب بقرار منظمة التعاون في الدورة الاستثنائية العشرين في مدينة جدة بتاريخ 7 آذار/ مارس 2025 الذي استأنفت سوريا بموجبه عضويتها في المنظمة، وندّد بشدّة بالعدوان الإسرائيلي على سوريا، وهذه هي المرة الأولى التي تتحفظ فيها إيران على القرار "الاعتيادي" الذي يصدر عن المنظمة بشأن سوريا.  

إنّ غياب سوريا عن الاجتماع الوزاري العربي يُمكن أن يعود إلى سببين رئيسيين أحدهما داخلي، والآخر خارجي. فعلى الصعيد الداخلي قد يكون الغياب موقفاً مبدئياً من الحكومة السورية في عدم التضامن مع إيران في أي من القضايا التي تتعلق بها، على خلفية موقفها من دعم نظام الأسد، ومشاركتها بشكل مباشر في الانتهاكات التي وقعت بحق الشعب السوري، أو أنه جاء لتفادي أي انتقادات داخلية يمكن أن توجه إلى الحكومة في أنّ إدانة الهجمات على إيران هي نوع من الدفاع عنها، أو التعاطف معها. وعلى الصعيد الخارجي يمكن تفسير غياب سوريا بأنه جاء لعدم تعكير صفو العلاقة مع الولايات المتحدة بتفادي المشاركة في إدانة هجومها على المنشآت النووية الإيرانية، أو إدانة الضربات الإسرائيلية على إيران، وقد ألمح المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا توماس باراك إلى إعجابه بهذا الموقف.  

لم تَعُدْ سوريا منذ أن تحرّرت ضمن المشروع الإيراني، ودخلت في قطيعة نهائية مع نظام الملالي، الذي تبنى منذ وصوله للسلطة عام 1979 شعارات أضرّت بسوريا والمنطقة، لا سيما "تصدير الثورة" وهو مبدأ أكّد الرئيس أحمد الشرع على صدّ سوريا الجديد له وإيقافه ورفض تصدير الأزمات. رفضت سوريا منذ التحرير إقامة علاقات دبلوماسية مع إيران، ودخلت معها في مسار جديد يقوم على مبدأ السيادة وعدم التدخل، ورفض أي محاولات لإثارة الفوضى أو دعم ميليشيات في سوريا.  

لا تريد سوريا أن تبقى محسوبة على مشروع إيران الإستراتيجي (الهلال الشيعي) الذي يربط طهران بالحدود مع إسرائيل، واستخدمته في تهديد الأمن الإقليمي وحماية مشروعها النووي من تهديد إسرائيل، حيث كان السبيل الوحيد أمام إيران للمحافظة على مشروعها النووي هو الإبقاء على حالة الفوضى في دول الهلال، بما فيها سوريا، لضمان استمرار أذرعها فيها، وتهديد إسرائيل بها، وردعها عن قصف مشروعها النووي.  

بالمحصّلة، جاءت حرب الأيام "الاثني عشر" لتؤكد أنّ سوريا لن تكون -ولأول مرة منذ عقود- مساحة تستخدمها إيران في خوض حربها ضد إسرائيل كما جرت العادة، فبعد أن سقط نظام الأسد وتولّت السلطة حكومة سورية جديدة مناوئة لإيران باتت العلاقة بين الطرفين تضعف شيئاً فشيئاً، وهي حالياً بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية أمام احتمال الدخول في قطيعة نهائية، وهو ما تحرص سوريا أن يكون مقابل مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية من قِبل المحور العربي الغربي.  

ثانياً: زيادة الأنشطة المُزعزِعة للاستقرار في سوريا  

إن التأثير الرئيسي المتوقع من الحرب بين إيران وإسرائيل على سوريا هو السعي لزعزعة الاستقرار الهشّ، ومحاولة إيران لإثارة الفوضى، وحتى محاولة اغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع، مستخدمة في ذلك مجموعة من الأدوات مثل بقايا الميليشيات الإيرانية التي تخفّت في البلاد، ولم تغادرها بعد سقوط نظام الأسد، وبقايا ميليشيات الدفاع الوطني المرتبطة بالحرس الثوري، وفلول النظام خصوصاً في الساحل، وقوات سوريا الديمقراطية عبر علاقة إيران مع حزب العمال الكردستاني، والفصائل المسلحة في السويداء، وتنظيم داعش، وبعض الأجنحة المتشددة في هيئة تحرير الشام الساخطة من سياسات الرئيس الشرع.  

هذا التأثير المتوقع أشارت إليه التصريحات المتتالية للمبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس باراك، التي بدأت في ثنايا التحضيرات الأخيرة للحرب الإيرانية الإسرائيلية، حيث صرح في 10 حزيران/ يونيو بأن لدى واشنطن مخاوف بشأن سلامة الرئيس السوري، وأن جهود الشرع لتعزيز الحكم الشامل والتواصل مع الغرب قد تجعله هدفاً للاغتيال من قِبل المتشددين الساخطين، وأن هناك حاجة إلى تنسيق نظام حماية حول الشرع، وردع أي من المهاجمين الأعداء المحتملين قبل وصولهم، وأن ذلك يتطلب تعاوناً وثيقاً وتبادلاً للمعلومات الاستخباراتية بين حلفاء الولايات المتحدة بدلاً من التدخل العسكري.  

تشير زيارة توماس باراك إلى السعودية، والاجتماع بوزير الخارجية فيصل بن فرحان الذي جرى عقب حدوث تفجير كنيسة مار إلياس في العاصمة دمشق إلى وضع التنسيق الأمني قيد التنفيذ لمساعدة الحكومة السورية في تفادي تفجيرات مستقبلية، أو أعمال تخريبية، وأن الهدف الآن هو حماية الشرع من "الجماعات الموجودة في سوريا، لا سيما المدعومة من إيران"، في إشارة صريحة إلى وجود معلومات استخباراتية أن إيران قد تكون بدأت مشروعها التخريبي في سوريا، وأن تفجير الكنيسة هو أول خُطوة فيه.  

انشغلت السلطة السورية في الأشهر الأولى من حكمها بالملفات الخارجية، ونجحت نجاحاً كبيراً في استعادة علاقات سوريا الدبلوماسية، ورفع العقوبات عنها، لكن ذلك كان على حساب عدم المعالجة الجذرية لكثير من الملفات الداخلية الخطيرة مثل قسد، وفلول الأسد، وفصائل السويداء، والميليشيات الإيرانية، وتنظيم داعش، والعناصر المتشددة داخل هيئة تحرير الشام، مما سيتيح لإيران إمكانية استخدام جميع هذه الأطراف، أو بعضها لإثارة الفوضى في سوريا، وزعزعة الحكم الجديد، أو محاولة إسقاطه، انتقاماً منه على مواقفه من إيران، ومحاولة استعادة نفوذها في سوريا، وإعادتها إلى محور المقاومة الذي خرجت منه.  

عموماً، يُتوقّع أن تتجه الحكومة السورية لتحقيق مزيد من التعاون مع حلفائها من أجل معالجة تلك المخاطر بإرساء اتفاقات تسوية وطنية على غرار الاتفاق الموقع مع قسد، ووضعها موضع التنفيذ الفوري، إضافة لرفع الجاهزية الأمنية على الحدود اللبنانية والعراقية، وداخل المدن السورية، والانخراط بشكل جديّ في مواجهة عسكرية للقضاء على المجموعات المسلحة التي يمكن أن تستخدمها إيران.  

خُلاصة  

انعكست الحرب الإسرائيلية الإيرانية، التي استمرت 12 يوماً وربّما تتجدد مستقبلاً، على سوريا بشكل مباشر، سياسياً وأمنياً، فيما يبقى الأثر الاقتصادي مرتبطاً بالحالة الأمنية، التي تسعى إيران لضربها، فهي لن تتخلى بسهولة عن نفوذها ومشروعها الإستراتيجي في المنطقة سواء في سوريا أم لبنان، واستخدامه في تهديد إسرائيل.  

بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية يبدو أنّ الأخطار المهدّدة للاستقرار الهشّ ستكون قادمة من إيران التي يُتوقّع أن تدعم بقايا أذرعها والفلول والمشاريع المناوئة للحكم الجديد لتنفيذ أنشطة تُحاول من خلالها تفكيك التقدم الهشّ نحو السلام والتعافي. فيما يُرجّح أن تستمر إسرائيل في تنفيذ أنشطتها داخل سوريا بالوتيرة ذاتها ما لم يحصل أي تطوُّر في الجبهة الجنوبية يُشكّل تهديداً لها مثل تكرار الهجوم الصاروخي الذي انطلق من ريف درعا نحو الجولان المحتل، إضافة لعدم حصول تقدُّم في مسار المفاوضات مع الحكومة السورية.