هل تُوسّع أسماء الأسد نفوذها في القصر عَبْر أمانة الرئاسة؟
أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد في 13 كانون الأوّل/ ديسمبر المرسوم التشريعي رقم 38 لعام 2023 القاضي بإحداث الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية وإلغاء وزارة شؤون رئاسة الجمهورية.
وتحوُّل الإدارات من مكاتب وأمانات سر وديوان إلى نظام الأمانة العامة الإدارية هو نهج إداري سارَ عليه النظام الإداري السوري منذ عام 2003 لما له من مزايا لضبط العملية الإدارية وسلاسة اتخاذ القرار وتنفيذه ووضوح الاختصاصات وتحديد المسؤوليات وسرعة الإنجاز وتجاوُز الروتين البيروقراطي. فعلى سبيل المثال تحول مكتب رئاسة الوزراء وأمانة سره إلى الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء بالقانون رقم 23 لعام 2003 ، وكذلك تحولّت مكاتب رئاسة الجامعات والمحافظات إلى نظام الأمانة العامة الإدارية. علماً أنّه نهج سارت عليه معظم الدول العربية مع مطلع القرن الجديد.
ومنذ عام 2009 كانت هناك عدّة مشاريع لمراسيم تهدف لتحويل مكتب رئاسة الجمهورية إلى أمانة عامة، لكن لم يُوافَق عليها على غرار بقية الإدارات؛ بسبب عدم موافقة المدير السابق لمكتب الرئاسة محمد ديب دعبول، كذلك عدم موافقة ضُبّاط القصر الجمهوري على مثل هذا القرار؛ كونه سيؤدي لتقويض صلاحياتهم فتم تعطيله آنذاك.
إنّ إقرار المشروع عام 2023 مرتبط -على ما يبدو- بتغييرات كبيرة حصلت في مكتب الرئاسة والقصر الجمهوري، فمحمد ديب دعبول مات عام 2022، وتراجع خلال العقد السابق نفوذ كثير من الضُّبّاط القدامى في الحرس الجمهوري مقابل زيادة نفوذ ضباط أمن الرئاسة، لا سيما المقرّبين من روسيا، فضلاً عن زيادة دور وحضور أسماء الأسد التي تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى أهمّ صانع للقرار وخاصة الاقتصادي في القصر الرئاسي؛ حيث تدير -بشكل سري- معظم قطاعات المال والاستثمار وعائدات المساعدات وتُشرف على شبكات التهرُّب من العقوبات.
يُتوقّع أن تكون أسماء الأسد المستفيد الأكبر من استحداث أمانة الرئاسة؛ لأنّ هذا القرار سيتيح لها مزيداً من التدخّل في مكاتب القصر الجمهوري، بحيث لا يقتصر دورها على صناعة القرار الاقتصادي، إنّما العمل على رسم مختلف سياسات القصر؛ فأمانة السر الجديدة تجعلها تضطلع بمهام وزارة شؤون الرئاسة الملغاة واختصاصاتها، وكذلك اختصاصات مكتب الرئيس وديوان الرئاسة، وتشرف على المستشارين، وتنفذ ما يُوكَل لها من مهامّ من قِبل الرئيس، وتقوم بالأعمال التي تساعده على القيام بمهامه واختصاصاته وتسيير الأمور الإدارية والقانونية والمالية. بمعنى أنه ستتحول القيادات الحزبية إلى واجهة فقط لتنفيذ السياسات والخُطَط التي ترسمها أسماء الأسد عَبْر الأمانة العامة للرئاسة التي ستخاطب الجميع باسم الرئيس مباشرة.
فعلياً ستبقى قدرة أسماء الأسد على التدخُّل بسياسات القصر عَبْر أمانة الرئاسة مرتبطة بالإجراءات والقرارات التنظيمية لتنفيذ المرسوم؛ حيث لم يتم بعدُ تحديدُ مهامّ الأمانة العامة وصلاحياتها بالتفصيل، ولا توضيح الهيكل التنظيمي والوظيفي لها، وكذلك الملاك العددي والحصة المالية من الموازنة، والأهمّ تسمية الأمين العامّ ومساعده ومديري مديرياته والمستشارين والمتعاقدين، فكل ذلك سيُحدّد ما إنْ كانت هي صاحبة النفوذ القويّ الجديد في القصر أم لا.