ما هي فرص الشراكة بين المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام؟
أبريل 19, 2021 5646

ما هي فرص الشراكة بين المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام؟

حجم الخط

 

إن كان ثمّة فرصة لأن تُزيل الولايات المتّحدة الأمريكية تصنيف هيئة تحرير الشام عن قوائم الإرهاب باعتبارها "مصدر قوّة استراتيجية" في سورية، وإن كانت هناك إمكانية لنجاح المفاوضات الكردية – الكردية بين المجلس الوطني وحزب الاتّحاد الديمقراطي، فربما لا يكون هناك ما يمنع من تقارب المعارضة السورية "الهيئة".  

سبق وأن استجابت المعارضة السورية لمطالب القوى الدولية بقبول التفاوض مع النّظام السوري من مبدأ الالتزام بعدم وجود حل عسكري في سورية، وكذلك اقتضى مبدأ مكافحة الإرهاب الاستجابة لعدم التقارب سياسياً مع التنظيمات الجهادية مثل "جبهة النصرة" التي أصبحت لاحقاً "هيئة تحرير الشام".  

في السنوات الأخيرة، أجرت "الهيئة" تَغْيِيرات كثيفة لتحسين مظهرها الخارجي، والتوجه بشكلٍ أكبر نحو المحلية السورية، والنأي بنفسها عن الارتباطات التي جمعتها بأسمائها السابقة مع تنظيم القاعدة، بالتوازي مع بعض المؤشرات الغربية التي تُظهر إمكانية التعاطي مع "الهيئة" بعيداً عن التصنيف المعلن، وكل هذا قد يجعل المعارضة السياسية أمام الحاجة للتعاطي مع "الهيئة" باعتبارها جسماً سياسيا وعسكرياً وطنياً، لا باعتبار تاريخها السابق.   

المعارضة السورية تملك مخاوفاً مشروعة من التعامل سياسياً مع "الهيئة" غير التصنيف على قوائم الإرهاب، فهي تملك تاريخاً قمعياً قائماً على استهداف المنافسين سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، كما أنّها قدّمت منهجاً في الحكم يقوم على الاستفراد لا الشراكة، وهو منهج لا يُعبّر عن الرغبة في التعاون مع الفاعلين المحليين بأطيافهم، في الوقت الذي بدا أنّها مستعدة لإبداء كل المرونة مع الفاعلين الخارجيين.   

ومع ذلك، أمام المعارضة السورية مكاسب في حال التوصّل لاتفاق مع "الهيئة" على أن يضمن لها تجاوز أيّ مخاوف أو تهديدات أمنية وسياسية وقانونية. وعلى فرض أنّ مثل هذه الفرصة يُمكن الاستفادة منها من كِلا الطرفين لا بدّ من وجود مجموعة من الشروط والمراحل.  

طبعاً لم يسبق أن دخل الطرفان في مفاوضات مشتركة، باستثناء مساعي التعاون على المستوى العسكري وما كان يترتب عليه من مفاوضات كتلك التي ارتبطت بتشكيل مجلسٍ عسكريّ في إدلب وتأسيس غرف عمليات لمواجهة الحملات العسكرية على منطقة خفض التصعيد.  

في الواقع تحتاج المعارضة السورية و"الهيئة" لوجود طرفٍ ثالث، يُشرف على عملية الحوار ويراقب سير المراحل بما يضمن تقليل مستوى الخلاف وتوسيع حجم المكاسب المتبادلة. مثلما أنّ المعارضة تحتاج إلى الطرف الثالث كي تتجنب الاستهداف الدولي الذي يمكن أن تتعرض له جراء الحوار مع طرفٍ مصنف على قوائم الإرهاب.   

قبل ذلك لا بد أن تتفق المعارضة السورية على شكل الطرف الذي يُمكن أن يُمثّلها خلال المفاوضات، بحيث يشمل كلاًّ من فصائل الجيش الوطني والائتلاف الوطني على حد سواء.  

بناء الثقة   

تحتاج عملية الدخول في حوار مثمر مع "الهيئة" إلى خطوات بناءٍ للثقة من طرفها، فهي تملك تاريخاً من الاعتداء على الفصائل، ورفض الآخر، واستخدام القوة لقمع المخالفين.. إلى غير ذلك من انتهاكات كبيرة وصَمَتْ مسيرة الهيئة بكل أسمائها السابقة.  
وستكون هناك ضرورة لاتفاق الطرفين على عدم التعرّض المتبادل في الخطاب الإعلامي والسياسي كبادرة حسن نية. وقد يحتاج كل منهما أيضاً إلى ضمانات لعدم التعرّض إلى الأفراد أثناء التنقل بين مناطق إدلب وحلب بصفة مدنية أو حتى عسكرية، دون أن يُلغي ذلك الحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة من مراقبة وتدقيق للأنشطة والتحركات.  

لدى الطرفان أكثر من تجربة في التنسيق العسكري والذي يُعتبر أحد أهم مصادر انعدام الثقة بينهما، لذلك لا بدّ من التقدّم بحذر بالخطوات وحلّ القضايا العالقة دون محاولة تجاوزها مثل السلاح المصادر، وغنائم إدلب التي استحوذت عليها "الهيئة" قبل 6 سنوات، والموارد من معابر ومنشآت وغيرها، ثم حجم التمثيل.  

اختبرت الفصائل مراراً رغبة وجدّية "الهيئة" في حل القضايا العالقة، لكنْ لطالما كانت الاستجابة إمّا معدومة أو غير مرضية، فيما يبدو أنّه لا يوجد استعداد لتقديم تنازل حقيقي لأنّه سيقوّض مصادر القوّة لديها. ومع ذلك، يُمكن للطرفين التوصّل لإطارٍ جديد لحل هذه القضايا عبر التسويات والتنازلات بما يخص السلاح المصادر وغنائم إدلب مع وضع جدول زمني للتنفيذ.  

يلي ذلك، ضرورة إعادة التفاهم؛ على توزيع الموارد من معابر ومنشآت وغيرها، وحجم التمثيل، والإدارة وغيرها، وتحديداً تلك الواقعة في مناطق سيطرة "الهيئة".  

مكاسب متبادلة:   

يُفترض أن تكون هناك مكاسب متبادلة "للهيئة" والمعارضة السورية لدى الدخول في حوار ثنائي، بما يُعوّضهما عن التنازلات التي قد يضطران للقبول بها.  

فوصول الطرفين إلى صيغة للتفاهم المتبادل يمنح "الهيئة" سُلماً للنزول من شجرة التصنيف الدولي، ويساعدها على إعادة التَمَوْضُع بصورتها المحلية داخل خريطة الحل السياسي، بدلاً من الاكتفاء بصيغة فرض الأمر الواقع في إدلب، دون أفق سياسي.   

وبالمقابل، فإنّ المعارضة السورية قد تحصل على مكاسب ثمينة عبر تجميع نقاط القوّة لديها، مثل تعزيز موقعها في العملية السياسية كطرف مسيطر على مساحة تقارب 11% من عموم الأرض السورية، بعد أن كان يُستثنى من ذلك مساحة إدلب الخاضعة لسيطرة "الهيئة".  

إنَّ توحيد موقف المعارضة السورية في مواجهة النظام عبر تشكيل جبهة متماسكة وضمان وحدة القرار السياسي والعسكري، يُعزّز من فرص وهامش المناورة خلال العملية السياسية. وهذا يشمل أيضاً استخدام أدوات ضغط أخرى على المستوى الاقتصادي من قبيل اتخاذ سياسات موحدة تحظر افتتاح معابر تجارية وعمليات التبادل مع النظام السوري.  

كذلك يُمكن لأيّة تسوية مفترضة بين الطرفين أن تُقلّل من حجم ومستوى الفوضى الأمنية في إدلب وحلب وتعزيز التعاون في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب وغيرها، وهذا أيضاً سيلقى ترحيباً وقبولاً لدى المجتمع الدولي.  

هذا عدا عن تعزيز القدرة العسكرية لدى مناطق المعارضة السورية في شمال غرب سورية على مستوى الدفاع والهجوم، أي بما يُعزز الفرصة في ردع أيّ حملة عسكرية للنّظام السوري وحلفائه أو استعادة السيطرة على مناطق خسرتها سابقاً عبر عمليات منسّقة.  

عموماً لا يُمكن الحصول على مكاسب ما لم يتم تقديم تنازلات جوهرية من كِلا الطرفين، وعلى "الهيئة" أن تكون جادة في شراكة الأطراف الأخرى وليس اِلْتِهَامُها، والإيمان بالتفاعل مع مكونات المجتمع لا كبحها ومصادرتها، وأن تكون على قناعة بأنّ الحفاظ على الامتيازات التي حققتها والتخلّص من التصنيف يبدو مستحيلاً دون التقارب من المعارضة، ودون الاستمرار في خطوات الابتعاد عن كل الموروث الذي حملته إبان ارتباطها بالقاعدة.   

وبالمقابل، فإنّ على المعارضة إبداء مزيداً من المرونة والبراغماتية في التعاطي مع ملف "الهيئة" وإعادة النظر في مواقفها السابقة إن ضمنت مصداقية تغيير "الهيئة" لسلوكها واستجابتها لمفاهيم الثورة السورية ومبادئها.  

الباحثون