لماذا يُحاول النظام السوري التحوُّل إلى جيش تطوُّعي؟
بدأ النظام السوري أواخر عام 2023 الدعوة للتطوُّع في صفوف قواته المسلّحة عَبْر عقود تنظمها وزارة الدفاع، وأعلن عام 2024 مرّتين على الأقل عن عقود للتطوُّع آخِرها في أيلول/ سبتمبر بشروط تحفيزيّة؛ حيث تم تحديد مدّة العقد الأول 5 سنوات والثاني 10 سنوات مع إمكانية التجديد مرة واحدة فقط، على أن يكون عمر المتقدّم 32 عاماً، مع السماح للمتخلّفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية بالتقدّم.
هذه المرّة الأولى التي يستهدف النظام بها فئة المتطوّعين لاستكمال حالة التعبئة في قواته المسلّحة، بعدما كان يستهدف فئة المجنّدين والمكلّفين بخدمة العَلَم فقط؛ حيث أصدر منذ منتصف عام 2023 العديد من القرارات التي تناولت الحالة التعبوية، بعدما فشلت مساعيه التي بدأها عام 2011 لوضع حدّ لانكشاف حالة تلك القوات وتدهورها؛ كالعفو عن كامل العقوبة المرتكبة من قِبل المكلفين بخدمة العَلَم، والعقوبات بسبب الفرار الداخلي والخارجي، ومنهم المنشقون.
تتوزّع القُوى البشرية في قوات النظام على 3 فئات هي: المتطوعون كضباط وصف ضباط وأفراد، والمجنّدون من الذكور الملتحِقين بخدمة العلم ضباطاً وصفّ ضباط وأفراداً، والمكلّفون وهم كل مواطن سوري بلغ 18 عاماً وقام باستخراج دفتر خدمة العَلَم ويؤجل خدمته لأسباب دراسية أو اجتماعية وكل مَن أدى الخدمة الإلزامية ودخل ضِمن عداد المكلفين بالخدمة الاحتياطية عند الطلب منه بتبليغ رسمي.
من الواضح أنّ فئة المجنّدين لم تَعُدْ تُشكّل المورد الرئيسي الذي يعتمد النظام عليه في رفد قواته بالقُوى البشرية، مع استمرار التهرُّب من أداء الخدمة العسكرية في ظل هجرة الشباب السوري فوق سن 18 عاماً وتخوُّف اللاجئين من العودة، فضلاً عن عدم قدرته على التجنيد الإجباري في مناطق داخل سيطرته مثل السويداء ودرعا، وخروج أكثر من ثلث مساحة البلاد عن سيطرته بما فيها من قُوى بشرية.
بالمقابل ما زال النظام يُعوّل على فئة الاحتياط في رفد قوات النظام بالموارد البشرية؛ حيث يُحاول منذ أواخر عام 2023 إعادة توصيف المجندين داخل ملاكها وإدماج مَن يرغب منهم بفئة المتطوعين، فضلاً عن تقييد الخدمة الاحتياطية بحيث لا تكون مفتوحة، كما هو الحال، وتصبح محدَّدة وَفْق خطة زمنية موزّعة على 3 مراحل تبدأ من 1 تموز/ يوليو 2024 وتنتهي بداية عام 2026، مع الاحتفاظ بقابلية المدة الزمنية للخدمة الاحتياطية في المراحل الثلاث للتعديل زيادة أو نقصاناً، حسب نِسَب الالتحاق.
كانت الخدمة الاحتياطية تتصف بالغموض بسبب ضبابية القوانين وعموميتها، فعلى سبيل المثال حّددت المادة 17 من المرسوم التشريعي 30 لعام 2007 أن "مدّة احتياط الخط الأول 5 سنوات، ويدخل في عداده المكلفون الاحتياطيون بدءاً من تاريخ تكليفهم بخدمة الاحتياط وحتى إتمامهم مدة هذا الخط أو تجاوزهم السن القانونية"، بمعنى إمكانية استمرار المكلف بالخدمة الاحتياطية لغاية وصوله سنّ الإعفاء وكان 42 عاماً قبل أن يصبح 38 عام 2024.
في الواقع إنّ محاولة النظام مؤخراً الاعتماد أكثر على فئة المتطوعين، لا يرجع فقط إلى عدم مقدرته على استكمال موارده من خلال فئة المجندّين وتحوُّل فئة الاحتياط إلى عبء تجنيدي، بل إلى وجود خيارات أخرى للمكلَّفين بالخدمة؛ حيث تعمل روسيا وإيران على استقطابهم عَبْر عقود تطوّع لصالح الميليشيات التابعة لهما مقابل امتيازات أمنية ومالية أوسع مما يُقدّمه النظام. على سبيل المثال يُعَدّ اللواء 47 في حماة واحداً من أكبر مراكز تجنيد الميليشيات الإيرانية، ويتضمن عقده الرسمي الإعفاء من الخدمة الإلزامية بالكامل مقابل تأدية الخدمة فيه لمدة عام ونصف فقط، إضافة لعدم الاحتفاظ بالمتطوِّع بعد إنهائه الخدمة. كذلك شركة "المهمات الخاصة للحماية والحراسات الأمنية"، وهي شركة سورية تعمل لمصلحة روسيا، تُعلن عن توفير فرص عمل بصفة حراسة منشآت نفطية، مقابل دوام مريح وبطاقة أمنية وتسوية أوضاع المتخلفين عن الخدمة الإلزامية.
عموماً هناك عدّة أهداف يسعى النظام لها عَبْر تحويل قواته إلى جيش تطوُّعي، وأبرزها:
• التخلُّص من العِبْء التجنيدي، الذي باتت تُشكّله فئة الاحتياط، من ناحية تراجُع الانضباط مع مرور سِنِي الخدمة، مما يخلق حاجة لإعادة توصيفهم داخل الملاك بعقود تطوُّع أو خدمة أو تسريحهم وإحلال بديل عنهم.
• الحاجة إلى مقاتلين نوعيين؛ حيث لم يكن تقييم أداء المجندين خلال سنوات النزاع جيداً؛ بسبب الانشقاقات والفرار والتفلّت، مما انعكس على العمليات القتالية وفشل في المهام العسكرية، وإنّ استمرار حالة عدم الاستقرار والصراع في سورية لسنوات قادمة يعني ضرورة عدم اعتماد نظام الجندية على الأعداد فقط، بل على المقاتلين المحترفين.
• التضييق على مكلّفي الخدمة الإلزامية؛ حيث يصبح مجنَّدُو هذه الفئة أمام خيارين، إمّا الخدمة 5 سنوات دون أن تسقط عنهم الخدمة الاحتياطية أو الخدمة 10 سنوات عبر عقود تطوُّع تسقط فيها الخدمة الاحتياطية، مما يزيد من الضغط على هذه الفئة، لا سيما أنّ النظام سبق وهدّد بذلك عام 2021.
بالتالي تتعدد صور النظام وأساليبه في التضييق ومحاصرة هذه الشريحة سواء بالطرق القانونية، أم بمصادرة أملاك المتخلفين عن الخدمة الإلزامية لمَن تجاوز عمرهم 42 عاماً.
• تخفيف الضغط على الموازنة؛ حيث تفرض قلّة الموارد على النظام إعادة تقييم جديدة للنفقات على فئة المجندين، فقد تكون العقود التطوعية أفضل من الناحية المالية والتوظيفية مقارنة مع الاستمرار بنظام احتياط مفتوح.
• إيجاد بديل للتوظيف في القطاع العامّ، متمثّل بالانتقال إلى المؤسسات العسكرية والأمنية، عَبْر عقود التطويع؛ حيث يتبّع النظام سياسة اقتصاد في التوظيف بالقطاع العامّ، بسبب ضغط البطالة غير المسبوق وغياب التشغيل، ممّا أدّى إلى خسائر كبيرة لحقت بالقطاع.
في المحصلة، يأمل النظام أن تُساهم إعادة هيكلة نظام التجنيد، ومحاولة تحويل قواته إلى جيش تطوُّعي في ترميم النزيف الحادّ الذي تعرّضت له قواته بعد عام 2011، ومعالجة أزمة التخلُّف عن الالتحاق بالخدمة والفرار منها. لكن مساعيه في هذا الصدد تواجه عقبات كثيرة منها تراجُع قدرته الاقتصادية التي يحتاجها في إعداد عناصر محترفين وتأهيلهم، وتأمين بِنْية تحتية وتدريبية خاصة بهم، وعدم ضمانه التقدُّم في تنفيذ الخطة بسبب عدم الثقة بينه وبين المستهدَفين، فضلاً عن حالة التنافُس والتذمُّر التي سيفرضها هذا التحوُّل بين المتطوعين القدامى والجُدُد؛ حيث لا يحقّ للمتطوعين السابقين التقدُّم للعقود، مما يعني حرمان ضباط وعناصر من الامتيازات الكبيرة التي سيحصل عليها المتطوعون الجُدُد.