عودة تنظيم داعش تهيئة الظروف نحو الخلافة الثانية
أكتوبر 25, 2019 4007

عودة تنظيم داعش تهيئة الظروف نحو الخلافة الثانية

حجم الخط
أولاً: مقدمة ونظرة عامة  
لجأ تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام )داعش)  منذ مطلع عام 2019 إلى تعزيز نشاطه الأمني، بعد أن تمكّن التحالف الدولي وحلفاؤه المحليون من تقويض أنشطته العسكرية وحصرها في جيب هجين – الباغوز شرق الفرات. 
ومع قرب انتهاء المعركة في هذا الأخير بدأ القادة الميدانيون في التنظيم بإرسال تطمينات إلى عناصرهم المواليه تفيد بأنّ الخلافة ما تزال مستمرة، وأنّ المرحلة المقبلة سيكون النشاط فيها ضمن "ولايات أمنية"، وهو مصطلح عرّج عليه زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي خلال ظهوره في مقطع مسجل نهاية نيسان/ أبريل، هو الأول له منذ ظهوره الوحيد قبل خمس سنوات، حيث قال إنّ معركة التنظيم هي استنزاف على المدى الطويل لإلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية، العسكرية، الاقتصادية واللوجستية. 
في مطلع آب/ أغسطس 2019، ألقت القوات الأمنية العراقية على أحد قياديي داعش ويدعى أبو علي القيسي، ولفت خلال التحقيق معه إلى قيام التنظيم بإعادة هيكلة صفوفه في العراق وسورية(1)
ويبدو أنّ الهيكلية الجديدة تتناسب مع عمليات الاستنزاف طويلة الأمد، وهو ما يحاول تنظيم داعش الترويج له دعائياً، حيث بثّ داعش في 13 آب/ أغسطس شريطاً مصوّراً يتحدث عن تكثيف الهجمات على التحالف الدولي وحلفائه المحليين قوات سورية الديمقراطية. 
ويُمكن ملاحظة اتساع رقعة الأنشطة الأمنية التي نفّذها تنظيم داعش (الدولة الاسلامية في العراق و الشام) منذ انتهاء الخلافة عسكرياً؛ حيث وصل عدد العمليات الأمنية التي نفّذها تنظيم داعش (الدولة الاسلامية في العراق و الشام) في العراق وسورية خلال الفترة الممتدة بين آذار/ مارس 2019 وتموز/ يوليو 2019، حوالي (741)، وتنوّعت بين الخطف، العبوات الناسفة، الهجمات الانتحارية، الهجمات المسلّحة وغيرها. 
 
ثانياً: لماذا الانتقال نحو العمليات الأمنية؟ 
كان تنظيم داعش منذ سنوات قد وضع خطة استراتيجية للانتقال إلى إعلان الخلافة، تقوم على عدّة ركائز، أولها تلك التي شرحتها وثيقة نشرها التنظيم عام 2011 تحمل عنوان "استراتيجية تعزيز الموقف السياسي – دولة العراق الإسلامية"(2)، حاول فيها التأكيد على استثمار ظروف انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق من أجل وضع أسس سياسية وعسكرية تؤدي بالنهاية إلى سيطرته على كامل العراق. أمّا الركيزة الثانية فقد جاءت في مضمون خطاب المتحدّث باسم تنظيم داعش أبو محمد العدناني منتصف عام 2012 بعنوان "الاقتحامات أفجع"(3)، وتعتمد على استهداف المراكز العسكرية والأمنية للحكومة العراقية والقوات الأجنبية، وهي بمثابة إعلان رسمي عن الانتقال من النشاط الأمني إلى العسكري المباشر واسع النطاق. في حين كانت الركيزة الثالثة التي أطّرها "بيان عن غزوة العشر الأواخر"، في منتصف عام 2013، والتي تقوم على السيطرة على المراكز الحضرية تمهيداً لإقامة الخلافة، وهو ما حصل منتصف عام 2014. 
وتتمحور الركائز الثلاث السابقة للاستراتيجية التي تبناها تنظيم داعش تتمحور حول هدف رئيسي وهو الاستثمار في بنية العلاقات الهشة بين مكونات النظام الدولي، وأنّ إقامة الخلافة عملية تدريجية طويلة الأمد تقوم على تغيير موازين القوى، ولا يحدث ذلك إلّا من خلال ما يصفها بالهزّة في بنيته. وعليه كان إعلان الخلافة في 2014، وفق أيديولوجيا التنظيم، في لحظة استثمار بالبنية المزعزعة للنظام العالمي، بعد أن استفاد من الفراغ الذي أحدثه انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق حينما طبّق خطته المعروفة بـ "حصاد الأجناد"، أي الانتقال من النشاط الأمني إلى العسكري. 
في الواقع، يبدو أن قراءة التنظيم لبنية العلاقات الدولية لم تكن تتناسب مع حقيقة وديناميكية هذه العلاقات تماماً، ويبدو أنه نظر بتهاون شديد إلى قدرة الولايات المتحدة والدول المحورية الأخرى على العمل التشاركي، وبالتالي فإن إعلان تشكيل التحالف الدولي ضد الإرهاب في عام 2014 عكس وجود ثغرة واضحة في قراءة التنظيم لطبيعة العلاقات الدولية وتوازنات القوى، لكن بالمقابل يُمكن الاعتقاد أنه استعد لاحقاً لخيار الانكفاء العسكري بوضع خطة بديلة توفّر له الانتقال التدريجي إلى النشاط الأمني، وإعادة هيكلة صفوفه تمهيداً للمرحلة القادمة. 
قبيل إعلان الخلافة احتاج قادة تنظيم داعش لحوالي ثلاث سنوات بغية الانتقال من النشاط الأمني إلى العسكري، أمّا بعد انتهاء الخلافة فلا يُمكن الجزم بالمدة التي سيحتاجها التنظيم للعودة إلى السيطرة العسكرية التامة أو الجزئية على مساحات جغرافية واسعة، على فرض أنه سيتمكن من العودة إليها. 
إلّا أن التنظيم بطبيعة الحال سوف يستفيد الى حد ما من عزم الولايات المتحدة الانسحاب من سورية أو تقليل عدد جنودها هناك، وتفويض قوى دولية ومحلية لتنوب مكانها في حفظ الاستقرار وضمان عدم عودة التنظيم، حيث سيخلق هذا الانسحاب حالة الفراغ التي تمثل الوضع النموذج لإعادة تموضع التنظيم. 
وحتى يتمكن التنظيم من الوصول إلى المرحلة التي يستطيع فيها فرض السيطرة العسكرية على مناطق جغرافية من جديد؛ فإنه من المتوقع جداً أن يُركز في الفترة القادمة على الأنشطة الأمنية على نطاق واسع ومكثّف، بغية زعزعة سيطرة السلطات في المناطق التي يستهدفها، وزعزعة الثقة والعلاقات بين هذه السلطات والمجتمعات المحلية. 
ويُشكّل الانتقال إلى العمليات الأمنية أداة رئيسية بالنسبة للتنظيم بعد انتهاء دورة النشاط العسكري، حيث من خلال هذه العمليات تعزيز بيئة عدم الاستقرار والفوضى ونشر مظاهرها التي تمكنه من توسيع حركته وبنيته
ثالثاً: جدوى الأنشطة الأمنية في عودة الخلافة 
في 22 آذار/ مارس 2019، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن بلاده التي تقود التحالف الدولي تمكّنت من القضاء على تنظيم داعش(4)، جاء ذلك على أعقاب سيطرة قوات سورية الديمقراطية على آخر معاقل هذا الأخير شرق الفرات، وكان التحالف الدولي قد أعلن في 30 نيسان/ أبريل 2018، عن انتهاء العمليات العسكرية الأساسية ضد داعش في العراق(5)
رغم انتهاء العمليات العسكرية الكبرى ضد التنظيم، إلّا أنّ التقديرات الرسمية ما زالت تتحدث عن امتلاكه آلاف المقاتلين، حيث تعتقد الأمم المتحدة أن هذا الرقم يتراوح بين 14-18 ألفاً(6)، في حين تشير تقارير الاستخبارات الأمريكية إلى وجود 15 ألفاً(7)
لكن هذه الأرقام لا تنسجم مع الواقع، وقد يكون المقصود منها أن داعش ما زال قادراً على تجنيد الآلاف من المقاتلين بما يخدم أنشطته الأمنية وتنفيذ أهدافه وسياساته. لا سيما وأنه ما زال قادراً على النفاذ في المجتمعات المحلية في سورية وعلى درجة أكبر في العراق. أو تهويل قدرة داعش الفعلية من أجل ضمان استمرار التمويل اللازم لاستمرار التحالف الدولي أو على الأقل ضمان استمرار الوجود الأمريكي في المنطقة.
يعتمد التنظيم في إعادة تشكيل شبكته الأمنية على عدد من العوامل، على رأسها بيئة عدم الاستقرار في سورية والعراق جراء التهميش الاقتصادي والاجتماعي للحكومات أو لسلطات الأمر الواقع في المواقع الخارجة عن سيطرة تلك الحكومات. كما يساهم في ذلك أيضاً عدم قدرة القوات المحلية على شنّ حملات أمنية مستمرة وطويلة الأمد، أو القيام بعمليات عدّة في وقت واحد، أو تأمين الأراضي التي يتم استعادتها بشكل كامل، وهي التي تفتقد أصلاً إلى قدرات مالية ولوجستية لتغطية التكاليف المترتبة على ذلك، عدا عن غياب التعاون الكافي مع السكان المحليين، حيث يستفيد التنظيم من حالة التوتر وعدم الثقة بين السكان المحليين والسلطات الموجودة. 
وتتعزّز قدرة التنظيم هذه عندما تشهد المناطق المستهدفة اختلالاً في التوازن بين الأقليات والأغلبية، كأن تكون المنطقة ذات تنوع إثني مثل شرق الفرات الذي يحتوي على العرب والكرد وغيرهم أو تنوع طائفي مثل مناطق غرب العراق التي تمتلك المجموعات المسلحة الشيعية غير الحكومية نفوذاً كبيراً فيها، وممارسات سلبية في مناطق ذات أغلبية سنية. 
ويستثمر التنظيم عبر عدد من الوسائل بغية تعظيم العوامل، سواء عبر الدعاية الإعلامية والنفسية عبر أفراده المنتشرين في المجتمعات المحلية، أو استمالة الأفراد عبر دفع الأموال، فالتنظيم ما زال يمتلك أموالاً كبيرة تصل إلى 300 مليون دولار وفق تقديرات صادرة عن الأمم المتحدة في آب/ أغسطس 2019 (8)، ويعتقد أنه تمكن من إخفائها عبر شبكات تبييض مصرفية وتجارية أو عبر مخابئ سرية(9)
بطبيعة الحال، تم تقويض مصادر تمويل التنظيم التي كان يعتمد عليها لتعظيم ثروته واستمرار وجوده، وما تزال المساعي قائمة لتجفيفها(10). ويُشكّل هذا التحدي عاملاً مهماً بالنسبة لداعش، فهو غالباً لن يلجأ إلى إعادة تشكيل قوته البرية قبل تهيئة الظروف الموضوعية لاستئناف أنشطته العسكرية المباشرة من أجل تقليل التكاليف العملياتية. 
في مطلع حزيران/ يونيو 2019، كشف التنظيم رسمياً عن نمط عملياته الأمنية عبر صحيفة النبأ العدد (185)(11)؛ حينما أعلن عن بدء ما أسماها "غزوة الاستنزاف"، وهي تماثل استراتيجية "شوكة النكاية والإنهاك" التي كان يعتمدها التنظيم سابقاً، واستمدّها من نظرية إدارة التوحش لأبي بكر الناجي، وتقوم على توجيه ضربات مستمرة ومكثفة على أهداف متعددة تسبب الضرر لمصالح الحكومة المركزية أو سلطات الأمر الواقع على كافة المستويات العسكرية والأمنية والاقتصادية، أو تشتت تركيزهم ونظرهم عن أهداف وتحركات أخرى قد يقوم بها، وقد تبدأ هذه الضربات بعمليات صغيرة يُمكن لها أن تتصاعد حتى تصل إلى ضرب البنية التحتية بشكل واسع. وبالتالي فإن التنظيم يهدف من غزوات الاستنزاف إلى توسيع نطاق الفوضى وتشتيت جهود القوات المحليّة حتى تفقد القدرة على ضبطها إلا ببذل جهود كبيرة وتكاليف عالية، بعد أن يقوم التنظيم باستهداف بنوك الأهداف عبر عمليات الذئاب المنفردة أو بالتعاون مع وكلاء محليين لزرع العبوات الناسفة أو عبر قيام الخلايا النائمة بتنفيذ هجمات منظمة أو تحشيد المجتمعات المحلية ضد سلطات الأمر الواقع. 
وربما تعود تسمية التكتيك الجديد بـ "غزوة الاستنزاف"، إلى قدرة التنظيم على تطوير أساليبه في مناطق انتشار خلاياه أي "الولايات الأمنية"، عبر دمج تكتيكات القتال التقليدية مع نظيرتها غير التقليدية، واعتماد نموذج هجين لحرب العصابات، لا سيما وأنّ داعش ما زال يمتلك مجموعات منتظمة لا مركزية منتشرة في مناطق متفرقة كانت تنشط بشكل عسكري لكنها حوّلت نشاطها على ما يبدو إلى المستوى الأمني، وما يعزز من فاعلية هذا التكتيك هو اللامركزية العالية التي يمنحها التنظيم لتلك المجموعات دون الرجوع إلى القيادة من أجل تنفيذ العمليات على تنوعها.
 
رابعاً: دراسة تحليلية 
يظهر تحليل خارطة انتشار خلايا التنظيم أو العمليات التي قام بتنفيذها في سورية منذ مطلع عام 2019، أنه يعتمد على المناطق المفتوحة والمهمشة من أجل تأمين خطوط الإمداد والاتصال والقدرة على الحركة، وربّما يتعزز هذا الوجود في المناطق الصحراوية القاحلة أو الصخرية أو ذات السهل الفيضي، والتي يغلب عليها جميعاً مناخ جاف يتخلله العديد من العواصف الغبارية، فمقاتلو التنظيم المحترفون يمتلكون خبرة عالية في التعامل مع هذه الجغرافية، مستفيدين من تجربة نشاطهم في عدد من الجيوب المتفرقة شرق العراق منذ عام 2007.
ويُمكن ملاحظة ذلك من خلال قيام عناصره بشن هجمات على قوات سورية الديمقراطية أو قوات النظام السوري وحلفائه بالتزامن مع حصول عواصف غبارية، ما يعكس قدرة التنظيم على التكيف على عكس معظم القوات الأخرى. 
كما يستفيد التنظيم من الصحاري حيث الامتداد الجغرافي الواسع للرمال، الذي يُعزز من قدرة عناصره ومجموعاته على التخفي والتنقل فيها، بالمقابل يبدو الأمر مختلفاً لدى الفاعلين الآخرين، وكثيراً ما وردت أنباء عن فقد النظام السوري لقواته داخل الصحراء نتيجة العمليات في المثلث الصحراوي بين الميادين والبوكمال وتدمر.
كما يمتلك التنظيم قدرة على النفاذ داخل القوات المحليّة سواءً الحكومية أو غير الحكومية على اختلافها، مستفيداً من انتشار الفساد فيها؛ ما يسهّل من نشاطه الأمني، حيث تشير العديد من المعلومات المتطابقة أنّ قادة للتنظيم كانوا في سجون تلك القوات استطاعوا الخروج بعد دفع مبالغ مالية كبيرة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تم تعيين بعض من قادة التنظيم قادةً ميدانيين في تلك القوات، عدا عن عمليات التجنيد العشوائية التي ضمت الكثير من مقاتلي التنظيم.
وفقا لمركز (12) ACLED فإن عدد العمليات التي نفذها تنظيم داعش في كل من العراق و سورية خلال الفترة الممتدة من 01 مارس 2019 و حتى 27 يوليو 2019 يصل إلى 741 عملية، تراوحت بين 498 عملية عسكرية محدودة (تتضمن تبادل السيطرة المؤقتة أو الجزئية على مناطق جغرافية، الاشتباكات المسلحة والقصف المدفعي والصاروخي) و243 كعمليات أمنية وخاصة (تشمل التفجيرات، القنابل، الاختطاف والاعتقال والعمليات الانتحارية) ووفقاً لهذه الاحصائيات فإن عمليات التنظيم في العراق تزيد بحدود 30% عن عملياته في سورية. 
وتُعزى هذه الزيادة ذلك بشكل رئيسي الى الفارق بين بنية قوات سورية الديمقراطية التي تلعب فيها القبضة الأمنية دوراً مهماً جداً (خاصة مع الدعم الاستخباراتي الأميركي) مقارنة مع القوات العراقية والفصائل المسلحة المختلفة التي يغلب عليها الطابع العسكري، إضافة الى القبول المجتمعي في مناطق العراق والذي يعتقد أنه أعلى من القبول المجتمعي في سورية.
 
تحل في المرتبة الأولى (بعد العمليات العسكرية المحدودة) العمليات التي تتضمن استخدام العبوات الناسفة والمتفجرات المعدة محليا وبتقدم ملحوظ لعدد هذه العمليات في العراق بما يقارب 55%.
من الجدير بالذكر أنه ما بعد 01 مارس 2019 فإن نشاط التنظيم في سورية بدأ ينخفض مع ازدياد ملحوظ في العمليات المنفذة في العراق والذي يمكن تفسيره بالنقاط سابقة الذكر. 
كما يُلاحظ أن نشاط التنظيم شهد فترة انحسار خلال شهر مايو 2019 بمعدل يقارب 25% في العراق و68% في سورية و ذلك في الفترة التي توافق شهر رمضان لعام 2019 مما يعكس محدودية الدعم اللوجستي للتنظيم في سورية مقارنة بالعراق، كما أن يوم الجمعة يعتبر أقل الأيام لتنفيذ العمليات بمعدل ينخفض بمقدار 54% مقارنة مع يوم الثلاثاء الذي يعتبر أكثر الأيام تنفيذا لهذه العمليات.
 
خامساً: موقف الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي 
تراقب الولايات المتحدة عن كثب عودة تنظيم داعش مرّة أخرى، مثلما أوضح تقريران صادران عن وزارة الدفاع البنتاغون أحدهما قبل انتهاء العمليات الأساسية ضده في شباط/ فبراير 2019، وتمت فيه الإشارة إلى الجهود التي يبذلها داعش في تجديد مهامه وقدراته العسكرية والأمنية بشكل أسرع لا سيما في العراق، وكذلك قدرته على استرداد جميع الأراضي التي خسرها بغضون 12 شهراً(13)، والتقرير الآخر صدر نهاية تموز/ يوليو من العام نفسه، حيث يؤكد فيه أنّ التنظيم  أعاد ترتيب وتوحيد صفوفه ودعم عملياته في كل من سورية والعراق مستفيداً من ظروف عديدة محلية ودولية(14)
تُدرك واشنطن أنّ عودة التنظيم مرّة ثانية مرتبط بالعديد من العوامل على رأسها انسحاب أو تقليل وجودها العسكري في المنطقة. لكن مسألة بقاء واشنطن في سورية أمر بالغ التعقيد على المستوى الأمريكي من جهة، وعلى مستوى العلاقات الدولية، وخاصة مع روسيا. 
ولذا فإنّ واشنطن تبحث عن بدائل تساهم -في حال انسحابها- بغية ضمان عدم عودة التنظيم وتقويض أنشطته الأمنية، ويمكن أن تشمل هذه البدائل التواجد الأمريكي الدوري ووجود شريك سوري يمكنه التحكم بالغارات الجوية، وغيرها من البدائل(15)
وهناك عامل آخر أيضاً، تعي الولايات المتحدة أهميته بالنسبة لتنظيم داعش وهو ملف أسرى تنظيم داعش (الدولة الاسلامية في العراق و الشام) المعتقلين لدى الحكومة العراقية أو لدى قوات سورية الديمقراطية، حيث يتم اعتقال الآلاف من المنتمين للتنظيم وعوائلهم في مراكز احتجاز خاصة دائمة و مؤقتة، وتفيد بعض التقارير الرسمية إلى وجود أكثر 2000 عنصر في سورية وعشرات الآلاف من النساء والأطفال، وتكمن الخطورة بأنّ أي تأخير في حلّ هذا الملف سواءً المقاتلين الأجانب أو المحليين سوف يساعد داعش على النشاط الأمني داخل مراكز الاحتجاز وانطلاقاً منها مثلما يجري الحديث عن مخيم الهول(16)، إضافة إلى سعيه إلى إخراج المقاتلين والقياديين التابعين له سواءً عبر عمليات مقايضة مالية أو عبر هجمات منتظمة في مرحلة لاحقة مثلما فعل في العراق عام 2012 ضمن خطة "هدم الأسوار" التي تضمنت الهجوم على مراكز الاحتجاز. ويوجد تحدّ آخر مرتبط بالآلية التي تتبعها قوات سورية الديمقراطية في إطلاق سراح النساء والأطفال، في ظل وجود نوايا لديها بإخلاء سبيل الجميع، حيث يتم أخذ ضمانات عشائرية لضبط أنشطتهم. 
 
سادساً: خلاصة 
اضطر تنظيم داعش إلى التخلي عن استراتيجية السيطرة العسكرية، لكنه يبدو أنه سوف يعود إليها بعد تلافي الثغرات التي وقع بها نتيجة التقييم الخاطئ للعديد من العوامل لا سيما ما يتعلّق بطبيعة العلاقات الدولية والاستثمار بها، وقد يلجأ قادة التنظيم إلى اتباع أسلوب هجين خلال النشاط الأمني الذي قد يكون طويل الأمد مقارنة مع الفترة التي سبقت إعلان الخلافة عام 2014. 
وعلى الرغم أنه لا يبدو أنّ لدى الولايات المتحدة استراتيجية كاملة للتعامل مع ملف عودة تنظيم داعش أو نشاطه الأمني وسياسته الجديدة المعتمدة على الاستنزاف، وهذا يشمل التعاطي مع ملف المعتقلين الأجانب والمحليين، فإنه ربما لا يزال من المبكر الحديث عن وجود استراتيجية واضحة او قابلة للتطبيق لدى تنظيم داعش تمكنه من العودة الفعلية والسيطرة على مناطق جغرافية، إلا أنه لا مجال للشك أنه ما يزال يتمتع بالقدرة على شن عمليات أمنية (أو ذات طابع أمني استخباراتي) محدودة في مختلف المناطق التي كان مسيطرا عليها في السابق او التي لا يزال يملك فيها خلايا أمنية. 
إن من شأن قدرة داعش على تطوير أساليب عملياته الأمنية وسياساته الإعلامية والمحلية أن يثير مزيداً من الحذر لدى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، لا سيما من ناحية إعادة تجربة طالبان في الصعود مرّة أخرى بعد إنهاء الإمارة الإسلامية عام 2001، ذلك بصرف النظر عن التباين في العنف والأدبيات والتعامل مع السكان. 
وتواجه الجهود التي يبذلها التحالف الدولي في تشكيل قوات محلية وتمكينها عسكرياً وأمنياً ومالياً لضمان عدم عودة التنظيم عدداً من التحديات، فالمناطق التي سيطر عليها التنظيم تحتاج إلى استراتيجية شاملة تعزز من الاستقرار الأمني المحلي والإقليمي، وتنظر بشكل جدي الى الأثر اللاحق لدى المجتمعات المحلية التي تأثرت بنفوذ التنظيم وسيطرته ثم بالعمل العسكري ضد هذا التنظيم، وأن تأخذ بعين الاعتبار الدروس المستفادة من التجارب المختلفة في التعامل مع أيديولوجيا التنظيم الى جانب الفعل العملياتي على الأرض.
 
المراجع: 
1-  "قيادي بارز في داعش يكشف الهيكلية الجديدة.. ويروي أحداث غزوة رمضان"‏. مجلس القضاء الأعلى في العراق، 4-8-2019،  
2-  "خطة استراتيجية لتعزيز الموقف السياسي - دولة العراق الإسلامية". 16-2-2011، 
3-  "الاقتحامات أفجع كلمة لأبي محمد العدناني". 1-7-2012،  
4-  "ترامب يعلن نهاية داعش". قناة الغد، 22-3-2019،  
5-  "التحالف الدولي: انتهاء العمليات القتالية الرئيسية ضد داعش". قناة الحرّة، 30-4-2019،  
6- "التقرير الثامن للأمين العام عن التهديد الذي يشكله داعش للسلام والأمن الدوليين". أخبار الأمم المتحدة، 1-2-2019، 
"Ambassador Jeffrey Addresses Press”. U.S. Department of State. 1-8-2019,  
8- “UN chief: Islamic State has as much as US$300 million to fight”. CTV news, 5-8-2019.  
9-  “Retreating ISIS army smuggled a fortune in cash and gold out of Iraq and Syria”. The Washington Post.  
10-  "القوات العراقية تسعى إلى تجفيف منابع تمويل داعش". ديارنا، 4-4-2019،  
11-  صحيفة النبأ، العدد 185، ص 6، 6-6-2019،  
12-  Armed Conflict Location & Event Data Project (ACLED); acleddata.com"
13-  “OPERATION INHERENT RESOLVE”. U.S. Department of Defense. 4-2-2019.  
14-  “OPERATION INHERENT RESOLVE”. U.S. Department of Defense. 30-7-2019.  
15-  "خيارات تخفيف التواجد الأمريكي في سوريا". معهد واشنطن، 22-2-2019.  
16-  "داعش يتمدد في مخيم الهول: خلافة ثانية". المدن، 18-8-2019، 
 

الباحثون