سلوك إيران بعد الهزيمة في سوريا ولبنان
فبراير 11, 2025 1904

سلوك إيران بعد الهزيمة في سوريا ولبنان

حجم الخط

تلقّت إيران هزيمة كبيرة في سوريا ولبنان؛ إثر سقوط نظام الأسد وانهيار قوة حزب الله، حيث خسرت نفوذها الذي بنته عَبْر عقود، وفقدت الملجأ والعمق الإستراتيجي لميليشياتها في المنطقة، مما يُشكّل نكسة إستراتيجية كبرى لها، وسيدفعها إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية. واستناداً إلى نهج إيران في التعامل مع الأزمات ثمّة عدة سيناريوهات محتملة لسلوكها بعد الهزيمة الكبرى التي تعرضت لها في سوريا ولبنان.  

1.   إثارة الفوضى الأمنية:  

إن أول احتمال قد تلجأ إليه إيران هو التصعيد العسكري وإثارة الفوضى الأمنية، إذ ليس من السهل عليها أن تضيّع المليارات وجهد السنين في بناء المشروع الطائفي في سوريا ولبنان والتخلي بسهولة عن نفوذها في المنطقة، لا سيما بعد انقطاع طُرُق إمدادها إلى اليمن وانقطاع طُرُق التواصُل مع الفصائل الفلسطينية المحسوبة عليها سياسياً. وبانقطاع طريقها إلى دمشق وبيروت، فلا بد أن تفكر بالسعي إلى تنشيط ميليشيات بديلة أو خلايا نائمة غير معلَنة للحفاظ على مصالحها وإبقاء المنطقة في حالة اضطراب إستراتيجي يخدم أهدافها.  

في لبنان ما زالت مظلة حزب الله موجودة حتى لو لم تَعُدْ بتلك الفاعلية التي كانت عليها قبل حادثة البيجر ومقتل قادتها وعلى رأسهم حسن نصرالله، وإن اكتشاف مستودعات أسلحة في منطقة القطيفة على مشارف دمشق يدلّ على نية مبيَّتة لإعادة تفعيل دور خلايا الحزب جزئياً في سوريا، بعد التحوُّل من العمل في تحريك السلطة من الخلف إلى أسلوب حرب العصابات والذئاب المنفردة، وهذا مفهوم لأن سوريا طريق لا يمكن الاستغناء عنه لتهريب مقاتلي الحزب من وإلى العراق، لا سيما أن جزءاً كبيراً من مقدَّرات الحزب انتقل إلى لبنان قُبيل تحرير دمشق بعد الهجمات الإسرائيلية المكثفة التي استهدفت جميع مفاصل الحزب.    

في سوريا كان هناك دور بارز لألوية "فاطميون" الأفغانية و"زينبيون" الباكستانية، التي ليس هناك أدلة واضحة حول مصيرها ومآلاتها، وقد تكون عناصر كثيرة منها ما تزال ذائبة في الأوساط السورية بعد التحرير وهي بمثابة خلايا نائمة محتملة.  

في فلسطين ومع فقدان حزب الله كأداة رئيسية للضغط على إسرائيل، ما تزال إيران تملك وسائل تُعزّز نفوذها في تلك الساحة من خلال علاقاتها الإستراتيجية مع الفصائل الفلسطينية المسلحة الموالية لها، وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس، وظهر ذلك في الخطابات الأخيرة التي ألقاها أبو عبيدة الناطق باسم القسام، حيث اقتصر على شكر إيران وحلفائها في المنطقة متجاهلاً غيرهم من القُوى الفاعلة. لا شك أن لعلاقات إيران مع الفصائل الفلسطيينة تأثيراً بالغاً في العمق الإسلامي، في ظلّ حالة التعاطُف الواسع مع غزة، وقد تسطيع إيران غسل صورتها الإجرامية التي ظهرت بعد تحرير سجن صيدنايا وسقوط نظام الأسد بالاعتماد على الذاكرة القصيرة للشعوب. ورغم الخلافات السياسية بين إيران وحركة حماس، فإن إيران قد تستمر في دعم الجناح العسكري للحركة، كتائب القسام، إذا اقتضت مصالحها ذلك.  

2.   إثارة الاضطرابات الداخلية:  

قد تلجأ إيران إلى تعويض خسائرها في سوريا ولبنان عبْر البحث عن طُرق التفافيّة لتعزيز جبهاتها البديلة في العراق واليمن، إذ إن الوضع في العراق لا يزال تحت السيطرة الإيرانية على المستوى الرسمي والأمني والعملياتي.  

بعيداً عن التدخُّلات العسكرية المباشرة عَبْر أذرعها في المنطقة فإن إيران لن تَكُفَّ عن محاولات إثارة الحروب الأهلية والنزاعات الطائفية وإثارة اضطرابات داخلية لا سيما في سوريا، عَبْر دعم فلول النظام في الساحل السوري وجبال العلويين، أو تحريك أدواتها من الشخصيات وشبكات التهريب وعصابات الكبتاغون الذي دخلت مؤقتاً في حالة ركود، لكنها لم تتفكك وستبحث في المدى القريب عن غطاء وداعم لها، ولا شك أن إيران أول مَن ستفكر في اللجوء إليه.  

رغم عدوانيتها العسكرية لطالما امتلكت إيران قدرة على التكيف السياسي والمناورة في الأزمات. فحتى لو فقدت نفوذها العسكري في سوريا ولبنان، قد تلجأ إلى إعادة تفعيل علاقتها مع الدول العربية والتقرب من دول محورية مثل السعودية وتركيا لإعادة رسم نفوذها الإقليمي، سواء من خلال الحوار الدبلوماسي أم تقديم تنازُلات جزئية. كما ستسعى إلى زيادة تعاوُنها مع روسيا والصين لتعويض الخسائر الإستراتيجية، سواء عَبْر شراكات اقتصادية أم صفقات عسكرية، والترويج لنفسها كقوة إقليمية "معتدلة"، وتقديم نفسها كعامل استقرار في المنطقة لتخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية في ظلّ تسلُّم دونالد ترامب الإدارة الأمريكية، وهو الذي يجيد عمليات البيع والشراء في العلاقات الدولية.  

بالمحصِّلة رغم أن خسارة إيران لنفوذها في سوريا ولبنان كانت ضربة ليست أقل من قاصمة للمشروع الإيراني، فإنها لن تتخلى عن طموحاتها الإقليمية بسهولة. ستعتمد إستراتيجيتها المستقبلية على مزيج من التصعيد العسكري، والمناورات الدبلوماسية، والتركيز على الداخل، وتفعيل جبهات جديدة. لكن في النهاية، سيظل مدى نجاح إيران في التعامل مع هذه الهزائم مرهوناً بالتغيُّرات الإقليمية والدولية، وقد تكون هذه اللحظة بداية انحسار حقيقي لنفوذها في العالم العربي.  



 

الباحثون