حالة الاتفاقيات الاقتصادية بين النظام السوري وإيران بعد عام 2011
يونيو 29, 2024 2423

حالة الاتفاقيات الاقتصادية بين النظام السوري وإيران بعد عام 2011

حجم الخط

تمهيد   

منذ عام 2011 وقّع النظام السوري وإيران أكثر من 100 اتفاقية بكل القطاعات الاقتصادية، والتي كان بعضها بمثابة مكافأة من النظام لإيران على الدعم الذي قدّمته له عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وبعضها الآخر بمثابة ضمان من إيران لتحصيل الثمن الذي قدّمته للنظام خلال سنوات الحرب.   

لقد أعطى النظام كثيراً من المزايا لإيران مقابل الخدمات التي قدموها له، فيما تستمر إيران في محاولة فرض نفسها وتثبيت نفوذها بكل الوسائل المتاحة؛ معتمِدة على أشخاص تابعين لها في حكومة النظام ومؤسساته العسكرية والأمنية، وعلى العقود والاتفاقيات التي تجريها بشكل رسميّ معه، وعلى أعمالها ميدانياً؛ حيث توجد شركاتها أو شركات محسوبة عليها إضافة إلى مستثمرين تابعين لها.   

أولاً: الاتفاقيات بين النظام وإيران بين عامَيْ 2011 و2024   

وقّع النظام مع إيران بين عامَيْ 2011 و 2024 ما لا يقل عن 126 اتفاقية في مختلف القطاعات مثل الطاقة والتجارة والصحة والتعليم والزراعة والصناعة والاتصالات والتمويل وغيره، لكن هذه الاتفاقيات توزعت بين التنفيذ الكامل مثل اتفاقية التجارة الحرة [1] التي تمت عام 2012 وعدم التنفيذ مثل إعادة تأهيل محطة محردة [2] وما هو مستمر تنفيذه حالياً مثل اتفاقية تعزيز التعاون الثنائي في القطاع الطبي والعلاجي والتأهيلي [3]  وغير معروف حالة التنفيذ مثل اتفاقية لتوليد الطاقة البديلة بين حمص وحسياء من قِبل شركة نوفن [4] .   

تم تنفيذ أغلب الاتفاقيات الصغيرة، مثل اتفاقية بين الشركة العامة للمطاحن، مع شركة سفير نور جنات الإيرانية لتوريد خمسين ألف طن من الدقيق [5] ، أمّا الاتفاقيات الكبيرة والإستراتيجية فهي إما تحت التنفيذ أو في طور التنفيذ المتقطع والجزئي مثل برنامج دعم القطاع الكهربائي في سورية [6] . ثمّة اتفاقيات تم إعادة إحياء المفاوضات حولها مثل مشروع اتفاق لمدّ أنبوب لنقل الغاز من إيران عَبْر أنبوب يمر بالأراضي العراقية إلى ميناء بانياس السوري المطلّ على البحر المتوسط [7] .   

تزامن توقيع معظم الاتفاقيات بين النظام وإيران مع هدوء العمليات العسكرية الذي ساعد على رفع عددها؛ حيث شهدت أعوام 2017 و2019 و2023 أكثر عدد من الاتفاقيات مع انخفاض واضح في عدد الاتفاقيات قبل عام 2016، مما يعني أن الاتفاقيات والعقود التي يقوم بها الإيرانيون ربما تأتي في سبيل تحصيل دين ومقابل ما قدموه للدفاع عن النظام.   

8-1
 

يُمكن تصنيف الاتفاقيات من ناحية الأهمية والنسبة المئوية وفقاً لنوعية الاتفاقية وهي: اتفاقيات كبيرة تكون ضمن قطاعات إستراتيجية كالنفط والكهرباء وتعتبر مهمة واتفاقيات أصغر مثل اتفاقيات التعليم والتجارة وتعتبر أقل أهمية، حيث بلغ عدد الاتفاقيات الكلية 126 اتفاقية بينها 48 اتفاقية مهمة وهي 38% من مجموع الاتفاقيات الكلي و78 اتفاقية أقل أهمية وهي 62% من مجموع الاتفاقيات الكلي.   

بلغ عدد الاتفاقيات التي تم تنفيذها 48 اتفاقية بينها 18 اتفاقية مهمة، و25 اتفاقية أقل أهمية. كما بلغ عدد الاتفاقيات قيد التنفيذ 47 اتفاقية بينها 12 اتفاقية مهمة و35 اتفاقية أقل أهمية. وبلغ عدد الاتفاقيات تحت التنفيذ الجزئي أو المتقطع 25 اتفاقية بينها 11 اتفاقية مهمة و14 اتفاقية أقل أهمية. أما الاتفاقيات التي لم يتم تنفيذها فقد بلغ عددها 4 اتفاقيات مهمة، وبلغ عدد الاتفاقيات غير المعروف حالتها 7 اتفاقيات بينها 3 اتفاقيات مهمة و4 اتفاقيات أقل أهمية.   

إن كثافة الاتفاقيات التي وقّعتها طهران مع دمشق لا تعني بالضرورة دخولها حيز التنفيذ، باستثناء القسم الذي يمكن وصفه بالاستثمارات الرابحة، والتي دفعت إيران نحو تفعيله خلال السنوات الماضية، مثل قطاعات التأمين والمطاحن والزراعة والصوامع والحبوب. كما نجحت إيران منذ سنوات في تفعيل الاتفاقيات المتعلقة باستثمار مناجم الفوسفات ومبقرة زاهد التي تقع في محافظة طرطوس [8] .   

هناك 12 اتفاقاً يتم العمل عليه أو تم العمل عليه وهو ما يمثل 10% من إجمالي ما تم الإعلان عنه من اتفاقيات ومذكرات تفاهم. مع ذلك لا يعني هذا بالضرورة أن النظام السوري هو السبب في العرقلة. فقد تكون إيران هي مَن توقّع الاتفاقيات لفترة مقبلة، أو تجعل هذه الاتفاقيات شكلية للضغط على النظام والتفاوض معه بشأنها، خصوصاً في قطاع التعليم. كما قد تكون الظروف الحالية غير ملائمة للتنفيذ. في جميع الأحوال، يُلاحَظ أن عدد الاتفاقيات المنفَّذة ضئيل نسبياً.    

1 (2)

2 (2)

3 (1)

4 (1)

5 (1)
6-1

7-1
 

ثانياً: أسباب عدم تنفيذ الاتفاقيات بين الطرفين   

تنظر إيران إلى الاتفاقيات الاقتصادية من زوايا متعددة، ربما لا يكون الجانب الربحي أو تحقيق المكاسب على المستوى الاقتصادي أهمها؛ إذ تؤدي المصالح الاقتصادية دوراً بارزاً في تشكيل الرؤية السياسية لإيران في سورية.   

لعلّ من أبرز أسباب عدم تنفيذ بعض الاتفاقيات التنافس مع روسيا؛ حيث تريد إيران من خلال توقيع الاتفاقيات -بغض النظر عن حالة التنفيذ من عدمها- تحقيق توازُن إستراتيجي على الأرض مع روسيا التي حازت على أهم القطاعات السيادية. بمعنى أنّ إيران تُسرّع من التوقيع على الاتفاقيات وليس التنفيذ بالضرورة، بما يضمن لها الحضور في مختلف قطاعات الاقتصاد السوري.   

كما أن استمرار توقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع النظام بغض النظر عن حالة التنفيذ يقطع الطريق من قِبل إيران على العرب للحضور في القطاعات الاقتصادية، حيث تتوجّس إيران من مسار التطبيع العربي مع النظام، وهي بالتالي تأخذ خُطوة متقدمة قانونياً، وليس بالضرورة على أرض الواقع.   

من جانب آخر، قد يكون عدم تنفيذ بعض الاتفاقيات مرتبطاً بمماطلة النظام، كونه ربما يعلم أن تنفيذ جميعها سيجعله مرهوناً بشكل كلي لإيران، وهو ما لا يريده. مماطلة النظام التنفيذ تتخذ أُطراً وأنماطاً متعددة، مثل عقد اجتماعات وإنشاء لجان ومفاوضات، أو الموافقة على منح تراخيص بالجملة للشركات الإيرانية حيث تزخر الجريدة الرسمية بعشرات التراخيص من هذا النوع، وهذه الشركات لا تمتلك وزناً استثماريا فاعلاً في السوق، وقد ينحصر عمل معظمها في القيام بعمليات تبييض أموال الحرس الثوري.   

فعلياً لا يبدو أنّ هناك ردَّ فعلٍ ظاهراً من إيران على مماطلة النظام في التنفيذ، ربما يكون هناك تساؤُلات عن الجدوى، خاصة أن العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية ما تزال منخفضة القيمة [9] ، ومعظمها غير مسجل رسمياً، لكن المستثمر والمسؤول الإيراني يرى أن الموضوع مُجْدٍ، ففي كانون الثاني/ يناير 2022 ذكر وزير الطرق وبناء المدن الإيراني رستم قاسمي بعد لقائه مع بشار الأسد أن "الاتفاقيات التي تم التوصل إليها مع النظام يمكن أن توفر فرص عملٍ للشباب، والكثير من القيمة المضافة للمستثمرين الإيرانيين، حيث نوه حينها بأن" التأخير لم يَعُدْ مسموحاً به" [10] .   

لقد اتسمت العلاقات الثنائية بين إيران والنظام بالسير ضمن خط متعرج خلال السنوات الماضية، حيث شكلت حالة إمساك العصا من المنتصف التي انتهجها النظام مع حليفيه الرئيسيين روسيا وإيران، نوعاً من المراوغة السياسية التي تقوم على أساس المماطلة حتى آخِر حدّ ممكن، مع عدم تجاوُز الخطوط الحمراء المرسومة من قِبل الروس والإيرانيين، على حد سواء. وخلال زيارة وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان إلى دمشق مطلع عام 2024 على رأس وفد سياسي وبرلماني تحدث مع بشار الأسد، وأشار إلى ضرورة الاهتمام بشكل أكبر بمختلف أبعاد التعاون الاقتصادي بين إيران والنظام السوري وضرورة تنفيذ الاتفاقيات السابقة خاصة تلك التي تم التوصل إليها خلال زيارة إبراهيم رئيسي إلى دمشق [11] . بينما ذكر وزير الصناعة الإيراني رضا فاطمي أمين نهاية عام 2021 قبل زيارته إلى دمشق أنه "رغم العلاقات الثقافية القوية للغاية، فإن علاقاتنا الاقتصادية مع سورية ضعيفة للغاية وتحتاج إلى التحسين"[12].   

في الواقع تُظهر إيران نوعاً من الاستياء إزاء حضورها الاقتصادي في سورية؛ فقد سبق أن اعتبر نائب رئيس غرفة التجارة "الإيرانية - السورية" علي أصغر زبردست أن التبادل التجاري بين البلدين "يسير ببطء"، مشيراً إلى أن النظام "تعهد بمساعدة تسريع وتسهيل المزايدات لكن هذا لم يتحقق" [13] ، يبدو بسبب تخوُّف إيران من توجُّه الفوائد الاقتصادية إلى روسيا، بينما قال محمد أمير زاده نائب رئيس غرفة التجارة الإيرانية: إن "حصة إيران من التجارة السورية 3%، بينما تركيا 30%[14].   

أخيراً يمكن وضع حالة التوجس لدى إيران من عدم حصولها على النصيب الأوفر مما تبقى من حصة الاقتصاد السوري، في إطار الضغوط السياسية التي لن تسير بالعلاقات الثنائية نحو القاع، حتى لو استمر النظام في عدم تنفيذ معظم الاتفاقيات، حيث تمنع نظرة إيران الجيوستراتيجية لسورية من تدهور هذه العلاقة.   

خاتمة   

لم يتم تنفيذ معظم الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعتها إيران مع النظام، لأسباب مختلفة منها مماطلة النظام، والعقبات التي يواجهها الطرفان في التحويلات المصرفية، وتأثير العقوبات الدولية على واقع الاستثمار في سورية، فضلاً عن إفلاس الخزانة العامة للنظام، وما يعني بالمحصلة عجزه عن سداد الديون الإيرانية المترتبة عليه. تعكس هذه الحالة نوعاً من القَلَق الإيراني الذي لا يتجاوز حدود الضغط ضِمن مسارات متنوعة تستهدف مخرجات مسار التطبيع العربي، والتنافس مع روسيا على حصة الاقتصاد، وتكبيل النظام بعشرات الاتفاقيات كنوع من تجيير الاقتصاد لصالح العملية السياسية.   

أخيراً من غير المتوقَّع تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين من بوابة الاقتصاد، لكن ذلك لا يعني سيرها في خط مستقيم، كما يتوقع استمرار إيران في توقيع مزيد من الاتفاقيات التي تدخل في سياق تثبيت التفاهمات السابقة، بالموازاة مع الضغط لتنفيذ بعض الاتفاقيات السيادية في قطاعات النفط والغاز والكهرباء والطاقة البديلة والصناعات الغذائية، حتى لو تم ذلك من خلال اللجوء إلى القوة والهيمنة والتشبيك مع المجتمع المحلي بدلاً من اللجوء إلى المنظومة القانونية للنظام.   

    


 

[1] بَدْء التجارة الحرة بين سورية وإيران، الجزيرة نت، 28-04-2012،     الرابط .   

[2] محطة محردة الحرارية والبحث عن حل جديد لتأهيلها، كهرباء سورية، 20-03-2023،     الرابط .   

[3] سورية وإيران تتفقان على تعزيز التعاون الثنائي في القطاع الطبي والعلاجي والتأهيلي، سانا، 03-02-2018،  الرابط .   

[4] وزارة الكهرباء في 2017.. مشاريع عديدة لتطوير المنظومة الكهربائية، سانا، 27-12-2017،  الرابط .   

[5] المطاحن توقع عقداً مع شركة إيرانية لتوريد 50 ألف طن دقيق، سانا، 19-11-2014،  الرابط .   

[6] خميس: تحفيز الاستثمارات الإيرانية بما ينعكس إيجاباً على الكهرباء في سورية، سانا، 30-09-2014،     الرابط .   

[7] مشروع أنبوب نفط يمتد من إيران إلى سورية بالتفصيل الكامل، روسيا اليوم،27-08-2019،  الرابط .   

[8] إيران تنشط الاستثمارات الرابحة في سورية: آنَ أوان استرداد الديون، المدن، 12-11-2023،  الرابط .   

[9] صور و"اتفاقيات على ورق".. ماذا تريد إيران من الاقتصاد السوري؟ الحرة، 17-11-2022،     الرابط .   

[10] سورية صور و"اتفاقيات على ورق".. ماذا تريد إيران من الاقتصاد السوري؟، الحرة، 17-01-2022،  الرابط .   

[11] لقاء الدكتور أمير عبد اللهيان مع الرئيس السوري بشار الأسد، وزارة الخارجية الإيرانية، 09-02-2024،  الرابط .   

[12] مصدر سابق.   

[13] غرفة التجارة "الإيرانية - السورية”: مبادلاتنا التجارية مع سورية تسير ببطء، روسيا اليوم، 18-09-2021،  الرابط .   

[14] المصدر السابق.   





 

الباحثون