النظام السوري يعيد تشكيل منظومته الأمنية
فبراير 29, 2024 6800

النظام السوري يعيد تشكيل منظومته الأمنية

حجم الخط

أعاد النظام السوري في شباط/ فبراير 2024 تشكيل منظومته الأمنية؛ حيث أصدر بشار الأسد تعميماً سريّاً عن مدير مكتب الأمن الوطني يطلب من خلاله ربط كافة الأفرع الأمنية التابعة لشعبتَي المخابرات العسكرية والأمن السياسي وإدارتَي المخابرات العامة والمخابرات الجوية بمكتب الأمن الوطني، وإعلان مسؤولية الأمن الوطني في الإشراف المباشر على هذه الفروع وإدارته لعملية التنسيق بينها.  

سبق هذه الخُطوة إجراء بشار الأسد عدّة تغييرات في قيادة الأجهزة الأمنية منذ كانون الثاني/ يناير؛ حيث أعفى اللواء علي مملوك من منصبه مديراً لمكتب الأمن الوطني، وعيّنه مستشاراً لدى الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية للشؤون الأمنية، وعيّن اللواء كفاح ملحم مديراً لمكتب الأمن الوطني، وعيّن اللواء كمال حسن مديراً لشعبة الاستخبارات العسكرية.  

كان مكتب الأمن الوطني قد أُنشِئ غالباً عام 2009 بالمرسوم التنظيمي الرئاسي السري رقم 36 للعام ذاته، ويتبع مباشرةً رئيس الجمهورية، يختص هذا المكتب بوضع الإستراتيجيات والخطط الأمنية ويراقب الأداء الأمني ويدير عملية التنسيق بين مختلف الفروع ويقيّم أداءها، ويدرب ويطور عناصره من خلال الدورات التخصصية في المعهد الوطني للعلوم الأمنية بمقر أمن الدولة بكفر سوسة. كان من المخطط أن يحل مكتب الأمن الوطني مكان مكتب الأمن القومي الذي هو أحد مكاتب القيادة في القيادة القطرية لحزب البعث. شغل منصب رئيس مكتب الأمن القومي والأمن الوطني محمد سعيد بخيتان، ثم اللواء هشام باختيار، الذي قُتل بحادثة تفجير خلية الأزمة بدمشق عام 2012 ثم اللواء محمد ديب زيتون الذي أصبحت التسمية الرسمية في عهده رئيس مكتب الأمن الوطني، ومن بعده اللواء علي مملوك، وفي مطلع 2024 عُيّن لرئاسة مكتب الأمن الوطني اللواء كفاح ملحم.  

جاء قرار إعادة هيكلة المنظومة الأمنية متزامناً مع إعلان النظام لأوّل مرّة عن اجتماع بشار الأسد ورؤساء الأفرع الأمنية والتصريح بأجندته، حيث لم يكن يكشف سابقاً عن اجتماعات أفرعه الأمنية، كما أنها المرة الأولى التي يُعلن فيها عن قراراته بإعادة هيكلة قيادات ضِمن الأجهزة الأمنية ووضعه خارطة طريق لتطوير أدائها وزيادة التنسيق الأمني بينها.  

يحمل قرار إعادة هيكلة المنظومة الأمنية عدداً من الرسائل والدلالات التي يريد النظام توجيهها إلى أطراف متعددة، فهو يعمل على الترويج لقدرته على ضبط الأجهزة الأمنية وعمله على إصلاح هياكلها ليزيد من قوتها وكفاءتها في مواجهة أي محاولة للتمرد من قِبل الميليشيات غير المنضبطة أو أيّ حراك شعبي.  

يحاول النظام من خلال إعادة الهيكلة تقليص صلاحيات قادة الأجهزة الأمنية، بعدما تراجعت سلطته عليها لحساب روسيا وإيران؛ حيث قام بشار الأسد بإعادة تعيين قادة أصغر سناً يدينون بالولاء المطلق له.  

يُسوّق النظام من خلال هذه الخُطوة المتأخرة إلى انخراطه في خطة إصلاح لتعديل سلوكه بما يشمل حتى الأجهزة الأمنية، وهي محاولة شكلية تهدف إلى استرضاء الدول العربية والغربية في ظل تعثُّر مسارات التطبيع معه التي انخرط بها منذ عام 2023؛ حيث يأمل أن تفضي سياساته لتخفيف العقوبات الاقتصادية ضده، لا سيما أنّ أيّاً من أهداف التطبيع لم تتحقق بعد.  

يتطلّع النظام إلى مرحلة ما بعد الحرب على غزّة؛ حيث يعمل على استعادة قرار السلطة الأمنية في البلاد، خوفاً من تراجُع دور حلفائه لا سيما إيران، واضطراره للانخراط والمضيّ قُدُماً في مسار سياسي عربي أو أممي أو إقليمي. لكنّ قرار تعزيز السلطة الأمنية يُشير بوضوح إلى عدم اكتراث النظام بأي إصلاح حقيقي في هيكلة الأجهزة الأمنية كانت قد نصّت عليه أساساً مفاوضات الحل التي رعتها الأمم المتحدة، فضلاً عن إصراره على استحضار الحل الأمني في الحكم، والذي كان أحد الأسباب التي أدّت للخروج ضده عام 2011.  

يُتوقّع أن يتخذ النظام المزيد من الإجراءات في إطار هيكلة منظومته الأمنية بهدف الالتفاف على العقوبات والملاحقات التي قد تطاله مستقبلاً؛ كأن يحل بعض الأفرع أو يدمجها بأخرى أو يعيد تسميتها؛ مثل حل إدارة المخابرات الجوية وشعبة الأمن العسكري، أو إعادة تشكيلهما بأسماء جديدة، أو نقل ملاكهما إلى إدارة المخابرات العامة، أو تشكيل إدارة خاصة للمخابرات العسكرية وضمها إليها كجزء منها، أو دمج شعبة الأمن السياسي التابعة لوزارة الداخلية في إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة)، أو إنهاء عمل بعض الفروع وإعادتها لملاكها الأصلي، مثل حلّ فرع المداهمة 215 التابع للمخابرات العسكرية وإعادته إلى ملاكه، أو دمجه بجهة أخرى مثل فرع مكافحة الإرهاب.  

أيضاً، يُتوقّع أن يُصدر النظام جملة من التشريعات والمراسيم التنظيميّة التي ترسم الخارطة الأمنية الجديدة، كإنشاء إدارة أمنية جديدة تكون كل الأفرع تحت إدارتها من حيث المسمى وتابعة لقياداتها القديمة من حيث المهمة والدور، والاستمرار في تغيير مديري بعض الإدارات الأمنية للتهرب من العقوبات أو لتحقيق أهداف إعلامية.  

بالمحصّلة، تبدو خطة النظام لإعادة تشكيل منظومته الأمنية دعائية أكثر منها فعلية من ناحية تعديل سلوكه، فهو يريد استرضاء الدول العربية والغربية بعد تعثُّر مسارات التطبيع معه، وهي ربّما جادّة من ناحية محاولة تجميع السلطة الأمنية في القصر الجمهوري بعدما فقدَ كثيراً منها لصالح روسيا وإيران وقادة الأجهزة الأمنية أنفسهم.