الإستراتيجية العسكرية الإيرانية شرق سورية
كتب د. محمد أكرم ظهير الحائز على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية مقالاً في موقع باكستان توداي تحدث فيه عن سياسات إيران في المنطقة ككل وتحديداً شمال شرق سورية، وعن أهدافها التي تبتغي تحقيقها من خلال مجموعة من التصرُّفات والتحرُّكات التي تضرّ شعوب المنطقة قبل أن تتسبَّب بأيّ ضَرَرٍ لأعداء إيران.
نصّ الترجمة:
شهدت الأسابيع الثلاثة الماضية زيادة كبيرة في الهجمات على قواعد التحالف الدولي شمال شرق سورية؛ من قِبل الميليشيات الإيرانية التي تنشط في كل من العراق وسورية، هناك تقارير تشير إلى إنشاء مراكز لتنسيق تلك الضربات، وعلى ما يبدو أن الهدف منها استغلال السخط على الولايات المتحدة وإسرائيل، بهدف توسيع النفوذ الإيراني في سورية.
يتزامن هذا التوتُّر مع الصراع الدائر في غزة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، خاصة حماس، فقد شهد الأسبوعان الماضيان هجمات متكررة على قواعد القوات الأمريكية شرق سورية، واستهدفت الهجمات مواقع مختلفة، منها حقل العمر وحقل غاز كونيكو وخراب الجير وتل بيدر والشدادي ومنطقة التنف القريبة من الحدود السورية العراقية الأردنية. إن تلك الهجمات تعتمد أساليبَ مختلفةً، مثل ضربات الطائرات بدون طيار والصواريخ البدائية الصنع وقذائف الهاون، كما تم الإبلاغ عن أنشطة مماثلة في العراق، مع تهديدات بمزيد من التصعيد.
من جانب آخر، قامت القوات الأمريكية بشنّ غارات جوية ضد الميليشيات الإيرانية في دير الزور بتاريخ 26 تشرين الأول/ أكتوبر و9 تشرين الثاني/ نوفمبر، وضربات دقيقة في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر في البوكمال والميادين. يصرح البنتاغون أن هذه الإجراءات هي دفاع عن النفس لحماية القوات الأمريكية وليس المقصود منها تصعيد الصراع، كما أن الجماعات التي تعلن مسؤوليتها عن الهجمات على القوات الأمريكية في سورية تعرّف عن نفسها باسم "المقاومة الإسلامية في العراق"، فيما يبدو أن اختيار الاسم، على غرار تسمية حزب الله اللبناني، يتجنَّب توريط فصائل عراقية أو سورية محددة، مما يمنع ممارسة الضغط السياسي على حكومات تلك البلدان، علماً أنّ اجتماعاً عُقد في البوكمال بهدف تنسيق أعمال "المقاومة الإسلامية في العراق"، ضمّ مختلف الميليشيات، بينها الحشد الشعبي في العراق، وفاطميون وزينبيون، وحزب الله اللبناني، والفوج 47، وسرايا الخراساني، ومجموعات مسلّحة محلية.
يقوم مركز العمليات بتنسيق الأنشطة على طول 3 محاور إستراتيجية تشمل الضربات الصاروخية والطائرات المُسيّرة، مع التركيز على قواعد التحالف، لا سيما في الضفة الشرقية لنهر الفرات وقاعدة التنف، وتنفذ هذه العملياتِ قواتُ النخبة المُدرَّبة في معسكر الديماس قرب دمشق ومعسكرات التدريب قرب مدينة الميادين، والهدف هو تصعيد محسوب ضد القواعد الأمريكية، وتنسيق الهجمات بشكل فعّال مع تجنُّب الانتقام الأمريكي الواسع النطاق. إن هذه الإستراتيجية تُشبه النهج الذي يَتَّبِعه حزب الله جنوب لبنان ضدّ إسرائيل، إذ يعتمد التهديد بمزيد من التصعيد على ردّ قوات التحالف الدولي على الهجمات الحالية، ويعزز التردُّد الأمريكي توسيع الصراع.
في الأشهر الأخيرة، تم إدخال المزيد من الأسلحة إلى ريف القامشلي ومدينة الحسكة، وتصل الإمدادات كلَّ أسبوع من دمشق إلى مطار القامشلي باستخدام طائرات "إليوشن". جاء ذلك ضِمن خطة لتعزيز القوات العسكرية في القامشلي والمناطق المحيطة بها، وتشمل الشحنات في الغالب قناصات دقيقة، ومناظير رؤية ليلية، وطائرات بدون طيار صغيرة، وعبوات ناسفة، ورشاشات متوسطة الحجم، ومدافع هاون.
المجموعات المحلية تتلقى أيضاً تدريبات مُكثّفة، ويتم إرسال بعضها إلى دمشق ودير الزور، كما تقوم عناصر من ميليشيا سرايا الخراساني بالتحرُّك نحو ريف دير الزور، حتى باتت وحدات أمنية تابعة للميليشيات قريبة من الشدادي وتل حميس، بغرض مراقبة قوات التحالف في قواعد الشدادي وخراب الجير في ريف الحسكة.
التصعيد الأخير في الهجمات الإيرانية كان متوقَّعاً؛ حيث تحدثت تقارير من معهد الشرق الأوسط العام الماضي عن مساعي إيران لتعزيز نفوذها في شرق سورية، ويتضمن ذلك خُطَطاً لاستهداف قواعد التحالف الدولي باستخدام "المقاومة الشعبية" والعمليات الأمنية ضدّ القوات الأمريكية، والهدف هو إخراجهم وإفساح المجال أمام الوجود الإيراني.
تؤدي ميليشيا سرايا الخراساني المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني والناشطة في مدينة الحسكة، وميليشيا حزب الله في ريف القامشلي الجنوبي دوراً حاسماً في جهود إيران لتعزيز نفوذها، وتحاول إيران أيضاً الحصول على الدعم من خلال دعم زعماء القبائل العربية، مستغِلّة الاستياء القَبَليّ من تصرُّفات قوات سوريا الديمقراطية واللامبالاة الظاهرة من جانب التحالف الدولي.
تشير الأحداث الأخيرة إلى أن إيران -من خلال وكلائها شرق سورية- تستعدّ لمواصلة مهاجمة قواعد التحالف الدولي، ويبدو أنهم يختارون الأوقات المناسبة لشنّ هجمات أكثر تأثيراً، وتسبب خسائر كبيرة، وقد تستفيد هذه الإستراتيجية من ردّ فعل التحالف البطيء على هذه الهجمات.
إنّ الميليشيات الإيرانية -حسب مصادر خاصة- ربما تستعدّ لهجمات أكبر من مناطق سيطرة قسد القريبة من القواعد الأمريكية. هذا التصعيد خطير، ويُعرّض قوات التحالف والسُّكّان المحليين للخطر. وبينما تحاول الميليشيات تأليب السكان المحليين ضدّ القوات الأمريكية وربط تحرُّكاتها بالهجوم الإسرائيلي على غزة فإنها بالتالي تخلق شعوراً واسعاً لدى سُكّان المنطقة بضرورة المقاومة الشعبية، التي تبدو متنامية، وقد تدفع قوات التحالف إلى التفكير في مغادرة المنطقة أو البقاء داخل قواعدها. إنّ حدوث ذلك من شأنه أن يمنح الميليشيات الإيرانية فرصة لجعلِ المنطقة أقلَّ أماناً وزيادةِ نفوذها، على حساب قسد.
إن الصمت الطويل للتحالف الدولي بشأن مسألة التعزيزات الإيرانية، إلى جانب تجاهُل واشنطن لجهود طهران حيال توسيع نفوذها في منطقة شرق الفرات، أوصل إلى نقطة حرجة، وربما يكون الوقت قد فات لتغيير الأوضاع الآن، وهناك خطر من أن تصبح المنطقة نقطة ساخنة تجرّ صراعاً دولياً، يكون فيه السُّكّان المحليون هم الضحية الأكبر.
تحاول إيران من خلال تصرُّفاتها الأخيرة إظهار مدى نفوذها وسيطرتها على العمليات من جنوب لبنان مروراً بشرق سورية إلى العراق وحتى الوصول إلى الحوثيين في اليمن. هذا الموقع الإستراتيجي يمكن أن يمنح إيران ميزة في أيّ مفاوضات سياسية مستقبلية، مما يجعلها المستفيد الرئيسي من الاضطرابات المستمرة في المنطقة، على حساب السُّكّان المحليين.
المصدر: باكستان توداي
ترجمة: عبد الحميد فحام