استخدام إيران المكثَّف للطائرات المسيَّرة في سورية ما الرسائل والتأثير؟
كثَّفت إيران مؤخراً من استخدام الطائرات المسيَّرة في استهداف مناطق المعارضة شمال غربي سورية ومناطق انتشار القوات الأمريكية شرقي سورية؛ حيث استخدمت المسيَّرات 54 مرّة في قصف مختلف قواعد التحالف الدولي من أصل 97 استهدافاً وقع على الأقل خلال الفترة بين 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 و4 شباط/ فبراير 2024، كذلك تكررت عمليات استهدافها للمدنيين ومقرات فصائل المعارضة المسلّحة القريبة من خطوط التماسّ في إدلب عَبْر الطائرات الانتحارية.
استخدام إيران للطائرات المسيَّرة في سورية ليس جديداً، ويعود إلى عام 2012، لكن جهودها كانت تركّز أكثر على تأمين البِنْية التحتية المادية والبشرية لهذا السلاح؛ حيث اعتمدت بشكل كبير حتى عام 2022 على روسيا في توفير الغطاء الجوي للميليشيات التابعة لها، وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا تراجَع هذا الاعتماد، وأصبحت إيران تلجأ أكثر للطائرات المسيَّرة مع تقليص روسيا لمجهودها الحربي في سورية.
من الواضح أنّ إيران تريد في ظل غياب الدور السابق لروسيا في مناطق المعارضة تنبيه تركيا إلى قدرتها على إحداث واقع ميداني جديد بإمكانية تقويض حالة الاستقرار الهشّ الذي تشهده المنطقة منذ 3 سنوات تقريباً، إضافة إلى الضغط على تركيا؛ نتيجة رفضها المستمر لخطة انسحاب قواتها من سورية، والتي تقدّمت إيران بها في أيلول/ سبتمبر 2023، ثم جدّد النظام السوري المطالبة بها خلال اللقاءات الثلاثية والرباعية التي جرت برعاية موسكو.
بالمقابل، بدأت فصائل المعارضة المسلّحة وهيئة تحرير الشام عدة إجراءات لتفادي الأضرار والمخاطر الناجمة عن استخدام إيران وقوات النظام السوري الطائرات الانتحارية، أبرزها تصفيح العربات العسكرية وتعزيز الدفاعات الميدانية على خطوط التماسّ وخلفها. فعلياً ما يزال العامل الأساسي المؤثر على حالة الاستقرار في مناطق المعارضة مرتبطاً بفارق القوّة الذي أحدثه سلاح الجو الروسي، ولا يبدو أنّ محاولات إيران للتأثير على التهدئة عَبْر المسيَّرات والصواريخ مجديةٌ رغم الخَرْق الذي أحدثته خلال الأشهر الفائتة.
شرقاً يبدو أنّ إيران استطاعت عَبْر الاستخدام المكثَّف للطائرات المسيَّرة والصواريخ إحداث خلل واضح في حالة الاستقرار بمناطق انتشار القوات الأمريكية؛ حيث بعثت رسالة بأنّها مستعِدّة لاستمرار الضغط على الولايات المتحدة عَبْر الاستهداف المتكرّر لمواقعها العسكرية، وتوسيع الضربات لتشمل مصالح حلفائها المحليين ضِمن هذه المواقع؛ لا سيما بعد قصف حقل العمر مطلع شباط/ فبراير 2024 والذي أدّى لمقتل 6 عناصر من القوات الخاصة التابعين لقسد، التي سارعت إثرها لمطالبة القوات الأمريكية بتعزيز منظومات الدفاع الجوي.
إنّ استهداف الميليشيات الإيرانية المتكرِّر لمواقع قسد سواء الملحَقة ضِمن قواعد التحالف الدولي أم الواقعة خارجها يُمكن أن يؤدي إلى مزيد من الإضعاف في قُدُرات قسد ومهامها العسكرية، هذا إنْ لم تردع الولاياتُ المتحدةُ إيرانَ عن الاستمرار بمساعيها لتقويض حالة الاستقرار شرقي سورية، لا سيما أنّها يُمكن أن تُحدِث اختراقاً في محافظة دير الزور بالاستفادة من المواجهات بين قسد وقوات العشائر العربية عَبْر تزويدهم بالسلاح، بما في ذلك الطائرات الانتحارية والصواريخ، فضلاً عن أنّ استهداف الميليشيات الإيرانية لمناطق شرقي سورية يتزامن مع استمرار تركيا في تنفيذ الضربات الجوية في سورية وزيادة عمقها، والتي تقصف بشكل مركَّز البِنْيَة التحتيّة العسكرية والاقتصادية التابعة لحزب العُمّال الكردستاني وفرعه السوري.
في المحصلة تسعى إيران من خلال تكثيف استخدام الطيران المسيَّر في سورية إلى استعراض القوة والتهديد بتقويض الاستقرار في مناطق شمال غربي وشرقي البلاد والتأثير على مصير القوات التركية والأمريكية فيها. بينما سارعت تركيا إلى إظهار استعدادها لردع قوات النظام والميليشيات الإيرانية عَبْر استهدافها بشكل مباشر من قواعدها في إدلب ما يزال ردّ الولايات المتحدة متحفِّظاً وأقلَّ من المتوقع، مما قد يُشجّع إيران على استمرار تنفيذ هذه الضربات شرق سورية ويدفعها للتردُّد من استخدامها بشكل مكثَّف ضِمن مناطق شمال غربي البلاد.