من المحتمل استمرار استخدام إيران للحرب بالوكالة
مايو 22, 2024 2337

من المحتمل استمرار استخدام إيران للحرب بالوكالة

حجم الخط

رغم وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، يرى المحللون أن أنشطة الميليشيات الإيرانية مثل حزب الله والحوثيين ستستمر كالمعتاد، مما يعكس استقرار النهج الإيراني في استخدام هذه الجماعات لتعزيز نفوذها الإقليمي. مع ذلك، يبقى السؤال حول تأثير غياب عبد اللهيان على العلاقات والتنسيق مع هذه التنظيمات.  

   
نص الترجمة  

بينما يكتنف الشك مسألة خلافة الرئيس الإيراني بعد وفاته إلى جانب وزير خارجيته في حادث تحطُّم مروحية، يقول المحللون إنه من غير المرجَّح أن تؤثر وفاتهما في تغيير مبدأ استعراض القوّة الذي تنتهجه طهران من خلال تغذيتها للميليشيات المتحالفة معها في الشرق الأوسط، وهي: حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، إضافة للعديد من الميليشيات المسلحة في العراق، وحماس في الأراضي الفلسطينية، وتُعتبر هذه الميليشيات أساسية فيما يتعلّق بقدرة إيران على ممارسة نفوذها خارج حدودها رغم خضوعها لعقوبات اقتصادية صارمة لعقود من الزمن.  

تعمل إيران مع هذه الميليشيات من خلال فيلق القدس، وهو عبارة عن فرقة من فِرق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، والذي بدوره يتبع ويأتمر بأمر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وليس بأمر الحكومة التي يديرها الرئيس. لذلك حتى في وقت الاضطرابات الداخلية وحالة الفوضى التي حدثت بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، يُتوقَّع ألّا يكون هناك تغيير كبير في إيقاع هجمات الجماعات أو النهج العامّ الذي يتخذونه.  

بالفعل وقعت الاثنين مناوشات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي قرب الحدود الإسرائيلية اللبنانية. كما أعلنت الجماعات المرتبطة بإيران في العراق، الثلاثاء، أنها شنت غارة على قاعدة في إسرائيل. وبدا الأمر كما لو أن حلفاء إيران كانوا يبعثون برسالة مفادها أن الأمور تسير كالمعتاد من خلال شن أنواع الهجمات التي أصبحت شائعة في الأشهر الأخيرة.  

قال تريتا بارسي Trita Parsi، الخبير في شؤون الشرق الأوسط والمدير التنفيذي لمعهد الدراسات الأمريكي Quincy Institute for Responsible Statecraft: "من الرسائل المبكرة للغاية التي بعث بها النظام الإيراني بعد اختفاء مروحية رئيسي، إبراز صورة الاستقرار حول مسألة خلافة الرئيس، وأن أنشطة الميليشيات التي تدعمها ستكون جزءاً من ذلك المشهد". إضافة لأنّ "إيران تعلم تمام العلم أن هذه هي اللحظة التي تكون فيها البلاد أكثر عرضة للخطر، ولذا فمن المهم بالنسبة لهم أن يكونوا قادرين على إظهار أن لديهم سياسات مؤسسية لا تعتمد على الأفراد، لإظهار أن لديهم القدرة على التعامل مع أي أزمة".  

في دولة يتمتع فيها رجال الدين بالسلطة المطلقة، فإن التغيير في القيادات العليا سيكون أكثر أهمية بكثير من تغيير الرؤساء. فيما يُشير تعامُل إيران العلني -حسب الخبراء- مع وفاة رئيسي إلى مدى قدرتها على إدارة مسألة خلافة آية الله خامنئي، صاحب الـ 85 عاماً، في نهاية المطاف بسلاسة مماثلة. قالت إميلي هاردينج Emily Harding، مديرة برامج الاستخبارات والأمن القومي والتكنولوجيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إنه نظراً لأن فيلق القدس هو الذي يدير الميليشيات، ويزودها بالسلاح والتدريب والمعلومات الاستخبارية، فلا يوجد سبب لتوقع أي تغيير كبير في تلك العلاقات. كما "ترى إيران أن أي نوع من الاضطرابات الداخلية يمثل فرصة لأعدائها، لذلك خلال الخمسين يوماً القادمة سيكونون في حالة أشبه بجنون العظمة، وهذا قد يجعلهم أكثر حذراً بعض الشيء"، إضافة إلى أن التحذير الوحيد هو أنه إذا تعرضت الميليشيات التي تعمل بالوكالة لصالح إيران لهجوم خلال هذه الفترة من عدم اليقين، فقد تكون إيران أكثر حرصاً من المعتاد لدفع تلك الجماعات للانتقام وتجنُّب الظهور بمظهر الضعف.  

مع ذلك، يوماً بعد يوم، تتخذ معظم الميليشيات الإيرانية قراراتها الخاصة بشأن توقيت الهجوم ومكانه، مما يجعل من الصعب على إيران معايرة أفعالها. وهذا يعني أن هناك خطراً حقيقياً للغاية يتمثل في سوء التقدير الذي قد يؤدي إلى بَدْء سلسلة من الهجمات الانتقامية.  

لا يبدو أن واشنطن ولا طهران تريدان صراعاً مسلحاً مباشراً، لكنهما كانتا على وشك الانزلاق إلى صراع كهذا في كانون الثاني/ يناير عندما شنت ميليشيا مدعومة من إيران ومتمركزة في العراق هجوماً بطائرة بدون طيار على قاعدة أمريكية في الأردن. كان هناك أكثر من 100 هجوم للميليشيات على القوات الأمريكية في المنطقة منذ بَدْء الحرب بين إسرائيل وحماس في تشرين الأول/ أكتوبر، لكن هذا الهجوم اخترق الدفاعات الجوية الأمريكية، مما أسفر عن مقتل 3 جنود وإصابة عشرات آخرين بجروح خطيرة. فيما ردّت الولايات المتحدة بضرب مواقع في العراق وسورية تستخدمها الميليشيات المتحالفة معها، لكنها امتنعت عن ضرب داخل إيران، وهو ما كان سيشكل تصعيداً أكثر خطورة بكثير.  

لقد أثبتت الميليشيات الإيرانية، والتي تعمل في إطار ما تسميه "محور المقاومة"، قدرتها على الهجوم والتشويش على امتداد منطقة شاسعة بشكل يومي تقريباً منذ بداية الحرب في غزّة، حيث أطلقت الجماعات المسلحة في العراق والحوثيون في اليمن طائرات بدون طيار وصواريخ على إسرائيل كما أطلق حزب الله وحماس صواريخ على إسرائيل، وكذلك أطلق الحوثيون النار على سفن شحن دولية قبالة الساحل اليمني، مما أدى إلى إغراق إحدى السفن وإلحاق أضرار بالعديد من السفن الأخرى.  

عندما تفشل مثل هذه الضربات، فإن مقاتلي الميليشيات هم الذين يتحملون وطأة أي ضربات انتقامية من إسرائيل أو الولايات المتحدة، مما يمنح إيران إلى حد كبير القدرة على تأكيد قوتها مع إبقاء جزء كبير من الصراع بعيداً عن حدودها. وقال اثنان من كبار أعضاء الميليشيات في العراق إنهما لا يتوقعان أي تغيير في نمط هجماتها.  

مع ذلك هناك طريقة واحدة ستتأثر بها الجماعات بشكل عرضي على الأقل من حادث تحطُّم المروحية المميت في إيران، وفقاً لما يقوله باتريك كلاوسون Patrick Clawson، مستشار الأبحاث البارز في معهد واشنطن الذي ركز منذ فترة طويلة على إيران؛ حيث يتركز الاهتمام على وفاة رئيسي، بينما هناك خبر سيئ آخر بالنسبة لإيران يتمثل في مصرع السيد أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية، الذي كان يتجوّل باستمرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وكان يجيد اللغة العربية وعلى اتصال منتظم مع كل من القادة السياسيين وقادة الميليشيات الأقرب إليهم في حكوماتهم. كما أنّ أمير عبد اللهيان كان يختلط نوعاً ما مع فصائل محور المقاومة ويتحدث معهم، وتمكنه لغته العربية من التحدث مع دبلوماسييهم، وكان هو مفتاح ممارسة إيران نفوذها على الجماعات المسلحة من خلال العلاقات التي أقامها مع قادة تلك الجماعات.  

كان قبل ذلك الجنرال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني هو مَن يؤدي هذا الدور حتى اغتالته الولايات المتحدة عام 2020. أما خليفته، إسماعيل قاآني، فهو أقل شهرة وأقل طلاقة في التحدث باللغة العربية، وفقاً لبعض قادة محور المقاومة الذين عملوا معه. وهذا يعني أن دور التنسيق مع الميليشيات في المنطقة العربية كان يقع على عاتق السيد أمير عبد اللهيان للمساعدة في الحفاظ على تلك العلاقات. والآن هناك سؤال مفتوح حول ما إذا كانت السيطرة على الميليشيات قد أصبحت أكثر صعوبة، في الوقت الذي تواجه إيران أصلاً صعوبة التحكُّم ببعضها.  

ترجمة:  عبد الحميد فحام 

المصدرنيويورك تايمز