كيف نقرأ الهجمات الأخيرة على اللاجئين السوريين في تركيا؟
يوليو 04, 2024 1989

كيف نقرأ الهجمات الأخيرة على اللاجئين السوريين في تركيا؟

حجم الخط

يناقش المقال سياسات أنقرة تجاه اللاجئين، وردود الأفعال المجتمعية، والاضطرابات الأخيرة والتحريض وافتعال حالة من الفوضى من أجل التشويش على سياسات تركيا في سورية والعراق، مشيراً إلى أهمية البحث عن حلول سياسية طويلة الأَمَد لاستقرار سورية ولتقليل مشاكل اللجوء السوري في تركيا.   

نصّ الترجمة:   

تسبَّبت هجرة البشر، سواء كانت قسرية أم طوعية، بتغيير المجتمعات تاريخياً وتركت آثاراً اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية ولغوية دائمة على البلدان المستقبِلة للمهاجرين، ويمكن رؤية هذه الظاهرة بوضوح في الأمريكتين وأوروبا وأستراليا وآسيا، حيث لم تؤدِّ هجرة الملايين من الناس إلى تشكيل دول فحَسْبُ، بل كانت السببَ في إعمار قارات بأكملها أيضاً، كما حدث في الهجرة الأطلسية الكبرى من أوروبا إلى أمريكا الشمالية.   

كذلك، تستمر الأمثلة المعاصرة لهجرة البشر في ترك تأثير كبير على المناطق المتضررة، فقد شُوهد مثال حديث جداً أثناء الهجرة القسرية للسوريين الهاربين من الصراع في عام 2011 إلى تركيا، من بين دول مجاورة أخرى مثل لبنان. منذ اليوم الأول، استخدمت تركيا سياسة الباب المفتوح والقلب المفتوح في التعامل مع أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري - بينما أقامت الدول الأوروبية سياجاً من الأسلاك الشائكة على طول حدودها أو تركت المهاجرين يموتون وهم يحاولون عبور بحر إيجه.   

إن الوضع الجيوسياسي لتركيا يجعلها نقطة عبور جذّابة للمهاجرين غير النظاميين من مناطق الصراع في آسيا والشرق الأوسط للعبور إلى أوروبا، إضافة إلى مستوى الرفاهية الجيد فيها ونوعية الحياة الجذّابة؛ لأنها بلد سياحي أصلاً، وبفتح حدودها أمام ملايين اللاجئين السوريين وكونها نقطة انتقال لآلاف المهاجرين غير النظاميين، تواجه تركيا أيضاً العديد من التحديات الأمنية على طول حدودها وداخلها.   

بالطبع، أصبح استضافة مثل هذا العدد الكبير من اللاجئين عبئاً تتحمله تركيا وحدها، وكانت هناك تكلفة لاستضافة اللاجئين السوريين على العديد من المستويات، سواء كانت اجتماعية أم سياسية أم اقتصادية. ورغم وجود اللاجئين السوريين في تركيا لأكثر من عقد من الزمان إلا أنّ فعالية سياسة الهجرة التي تتبعها أنقرة تجاههم أو نجاح سياسة الدمج التي تنتهجها مشكوك فيها؛ كون الجمهورية التركية الحالية حديثة العهد في استقبال المهاجرين، رغم أن سلفها، الإمبراطورية العثمانية، قد فتحت أبوابها تاريخياً للعديد من الشعوب، بما في ذلك آلاف اليهود الأوروبيين الذين هربوا من إسبانيا في القرن الخامس عشر.   

إنّ صُنّاع السياسات الأتراك بحاجة إلى النظر في الأمثلة الناجحة الأخيرة وتوظيف سياسة استباقية وقائية فيما يتصل بالقضايا المحلية للاجئين السوريين. بعبارة أخرى لقد مرّ أكثر من عَقْد من الزمان الآن وما يزال العديد من السوريين مقيمين هنا، ولا يبدو أنهم سيغادرون. إن اندماجهم في المجتمع ضِمن العديد من المستويات المختلفة أمر بالغ الأهمية للتماسُك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ومثل هذه القضية الحَرِجة، كما يتبين من مثال اللاجئين السوريين، لا تسمح بوجود ثغرات أو مناطق رمادية، حيث يمكن استغلالها بسهولة من قِبل الأحزاب أو شرائح المجتمع ذات الأجندات المعادية للأجانب أو المتبنّية للخطاب العنصري.   

المرونة في ظلّ التحدّيات   

مضى الكثير من الوقت على وجود الكثير من اللاجئين السوريين في تركيا، ويجب التأكيد بفخر على أنه لم تكن هناك العديد من القضايا المتعلقة بالقبول الاجتماعي أو الفوضى على نطاق واسع. لكن أدى الحادث الأخير في ولاية قيصري وسط البلاد إلى إعادة إشعال أجندة معاداة اللاجئين في البلاد مع وقوع أعمال شغب في بعض الولايات الأخرى. وبطبيعة الحال كان هناك انزعاج بشأن وجودهم في بعض أجزاء المجتمع، إلى جانب الوضع الاقتصادي الحالي في البلاد، ومع ذلك وبينما كان صوت الخطاب العنصري أعلى من تأثير وجود اللاجئين الحقيقي على المجتمع ككل، فإن الضغط الذي مارسته بعض الأحزاب السياسية المعارضة اليمينية المتطرفة أدى إلى تفاقُم المشاعر المناهضة للاجئين في جميع أنحاء البلاد.   

كما وقعت في أعقاب الأحداث التي جرت في ولاية قيصري استفزازات داخل تركيا وأيضاً في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المعتدلة شمال سورية، حيث تم إطلاق حملة تضليل كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أضاف إلى المشاعر والتصوُّرات السلبية تجاه اللاجئين مزيداً من السُّوء وأشعل نيران الحقد من قِبل أولئك الذين يسعون إلى خلق المزيد من الفوضى.   

من ناحية أخرى، أظهر الموقف الحازم للسلطات ضد المشاغبين وأولئك الذين يحاولون استغلال الوضع من خلال الاستفزازات، إضافة إلى الرسائل القوية التي أصدرها الرئيس رجب طيب أردوغان، أن الدولة التركية لن تسمح بأي محاولات لاستغلال الجرائم الفردية لخلق الفوضى والاضطرابات أو الأعمال العنيفة ضد السوريين. بهذا المعنى لا يمكن مقارنة صعود النزعات اليمينية في تركيا مع صعود المشاعر اليمينية المتطرفة في أوروبا. وبعبارة أخرى لم تتغير سياسات الاعتدال التي تنتهجها الحكومة أمام خطاب اليمين المتطرف بشأن قضايا اللاجئين، رغم ارتفاع النزعة القومية في سياساتها في مجالات أخرى تتعلق بالأمن أو السياسة الخارجية. قال أردوغان بعد اجتماع مجلس الوزراء الثلاثاء: "تم افتعال فوضى على خلفية حادثة مخزية للغاية في قيصري. نحن نعلم جيداً مَن الذي قام بهذه الفوضى والتي تم تصميمها مع فلول المنظمة الإرهابية الانفصالية (غولن). لن نقع نحن ولا إخواننا السوريون في هذا الفخّ، وأريد أن أقول إننا لن نستسلم للتخريب والعنصرية".   

تحريض للتشويش على تركيا وسياساتها الهادفة   

من الواضح أن الاستفزاز لن يخدم أي جهود لعودة السوريين إلى وطنهم أو لتحقيق الاستقرار في تركيا أو شمال سورية. في الواقع يزيد مثيرو المشاكل من التوتُّرات في المجتمع في وقت حرج؛ حيث تسعى تركيا لتحقيق أهداف سياسية خارجية من خلال التطبيع مع الدول المجاورة وأيضاً تحقيق أهداف اقتصادية. من الصعب القول إن هذه الاستفزازات مجرد مصادفة فهي تأتي في وقت تتم فيه مناقشات حول تطبيع العلاقات بين أنقرة والنظام السوري في دمشق أو استعداد تركيا والعراق لتطهير شمال العراق من إرهابيي PKK عَبْر آليات مشتركة. أو هجمات على السياح العرب في وقت تحقق فيه تركيا ثمار السياحة وتسعى لجذب الاستثمارات إلى البلاد.   

بطبيعة الحال، تهدف الفوضى إلى إثارة تساؤلات حول فعالية سياسات أنقرة تجاه اللاجئين السوريين في تركيا. ومع ذلك لا ينبغي أن ننسى أن عبء الصراع السوري لم يتم تقاسمه بشكل فعّال من قِبل الدول الغربية وأن تركيا تعمل كمنطقة عازلة بين تلك الدول وبين سورية. كما لم يتم تقاسُم هذا العبء اقتصادياً أو سياسياً لإيجاد حلّ أو دعم المحاولات لإيجاد استقرار سياسي دائم في سورية. بدلاً من ذلك أدى الدعم السياسي والعسكري الغربي لعناصر الإرهاب في شمال سورية، مثل فرع جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابي السوري، وحدات حماية الشعب YPG، إلى زيادة زعزعة استقرار المنطقة، ودفع الناس إلى مغادرة بيوتهم.   

إن قضية اللاجئين السوريين في تركيا معقدة للغاية، وتتطلب حلولاً وسياسات استباقية وقائية مُفصّلة وفعّالة ودائمة، ولكن من الواضح أيضاً أن مشكلة اللاجئين السوريين ستستمر إذا لم يتم التوصّل إلى حلّ سياسي دائم في سورية بدعم من المجتمع الدولي بأكمله، بدءاً من أولئك الذين يشاركون بشكل مُباشِر على الأرض في سورية.   

إن تركيا تسعى فقط إلى الاستقرار في سورية وتحترم سلامة أراضيها أكثر من أي طرف آخر متورط في الصراع. وعلى هذا النحو، فإنها ستضمن وجوداً عسكرياً في شمال سورية للقضاء على أي تهديدات لسيادتها وأمنها. ويمكن إرساء الاستقرار والسلام وكذلك العودة الآمنة للاجئين السوريين من خلال حلّ سياسي يسعى أيضاً إلى القضاء على الإرهاب من داخل حدود سورية والذي يشكل تهديداً لتركيا. ومن الواضح أنّ أنقرة تعتقد أنّ الاتفاق مع النظام وَفْق شروط وبعد إرساء أرضية مشتركة من شأنه أيضاً أن يساهم في التقليل من مشاكل اللاجئين السوريين محلياً في تركيا.