الاتفاق مع قسد  المكاسب والتحديات
Mar 12, 2025 1277

الاتفاق مع قسد المكاسب والتحديات

Font Size

تمهيد    

نشرت وسائل الإعلام الرسمية السورية نصّ الاتفاق الموقَّع بتاريخ 10 آذار/ مارس 2025 بين الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العامّ لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي، بعد اجتماعهما في قصر الشعب بمدينة دمشق.    

تضمن الاتفاق 8 بنود حددت المبادئ الرئيسية والأُطُر العامة لبعض النقاط التفاوُضية وهي:    

ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية بناءً على الكفاءة.    

تأكيد حقوق المجتمع الكردي ضِمن المكوِّنات الأصيلة في سوريا.    

وقف إطلاق النار في جميع الأراضي السورية.    

دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضِمن إدارة الدولة، بما في ذلك المعابر والمطار وحقول النفط والغاز.    

ضمان عودة المهجَّرين وحمايتهم.    

دعم الدولة في مكافحة فلول نظام الأسد وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها.    

رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفتنة بين مكوِّنات المجتمع السوري.    

متابعة اللجان التنفيذية لتطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الجاري.    

جاء الاتفاق بين الطرفين تتويجاً لسلسلة لقاءات واجتماعات جمعتهما منذ بداية العام الجاري؛ حيث إنّ معظم البنود كانت مطابِقة أو موافِقة لبنود ومخرجات الاجتماع الثلاثي الذي جمع قيادة قسد بمسؤولي الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية "مسد" في 18 شباط/ فبراير 2025، مما يعكس توافُقاً بين هذه المؤسسات الثلاث على المسار التفاوُضي مع السلطة السورية والاتفاق الذي نتج عنه.    

جاء الاتفاق في مرحلة حسّاسة وصعبة بعد سقوط النظام السوري وسعي السلطة السورية الجديدة لإعادة بناء مؤسسات الدولة أو ترميمها وهيكلتها، وما تواجهه هذه المساعي من صعوبات ومحاولات تعطيل أو تقويض داخلية أو خارجية ومشاريع تقسيم وحركات تمرُّد من جانب فلول النظام وغيرها.    

أولاً: مكاسب الطرفين من الاتفاق    

يبدو الاتفاق بين السلطة السورية وقسد مبدئياً أو إطارياً فحَسْبُ، وهو بوضعه ومستواه الحالي يحمل جملة من المكاسب لجميع الأطراف السورية يمكن تلخيصها بما يلي:    

يمثّل الاتفاق خُطوة غير مسبوقة، من ناحية توقيته في وسط مضطرب وحجم القُوى المشارِكة فيه على الأقل، باعتباره تغليباً من الطرفين للمسارات والأدوات التفاوضية على حساب الخيارات الأمنية والعسكرية لتحقيق التوافُق وحلّ القضايا الإشكالية بينهما، حيث يُمكن تعميم هذه التجربة في حال نجاحها لحلّ بقية القضايا المشابهة العديدة بين القُوى السياسية والاجتماعية الأخرى.    

يُمثّل الاتفاق في حال نجاحه خُطوة رئيسية في استكمال تفكيك جميع الأجسام العسكرية والسياسية والإدارية ودمجها في مؤسسات الدولة، حيث بقيت قسد ومسد والإدارة الذاتية آخِر الأجسام التي لم يتم إدماجها بعدُ، بعدما تمكنت السلطة من ذلك مع الحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني وهيئة التفاوض والجيش الوطني وهيئة تحرير الشام.    

يساعد الاتفاق ببنديه المتضمِّنيْنِ دمجَ المؤسسات العسكرية في شمال شرق سوريا ضِمن الجيش السوري الجديد ووقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية في إنهاء حالة الاستنزاف العسكري والأمني للطرفين في عدة بؤر توتُّر مثل جبهات سد تشرين ومحيط مناطق تل أبيض ورأس العين، مما قد يُساهم في إعادة توجيه الجهد العسكري والأمني لمكافحة تنظيم داعش وفلول النظام في البادية السورية ومناطق الساحل السوري، خاصةً أنّ أحد بنود الاتفاق يُلزم قسد بدعم الدولة السورية في مواجهة فلول النظام وبقية التهديدات الأمنية التي تواجهها.    

يُنهي الاتفاق ويقوّض إلى حد كبير -بما يتضمنه من رفض واضح وصريح لدعوات التقسيم ودمج لكافة المؤسسات المدنية في شمال شرق سوريا ضِمن إدارة الدولة السورية- الحالاتِ الانفصاليةَ ودعواتِ التقسيم التي ظهرت في بعض المناطق السورية بدعم من دول إقليمية بعد سقوط النظام، خاصةً أنّ القوى التي كانت تعمل على خلق هذه الحالات كانت تراهن على دعم قسد أو التنسيق معها لتحقيق مشاريعها، وترى في الإدارة الذاتية -صاحبة التجربة والإمكانات الكبرى- مشروعاً رائداً يمثل تطلُّعاتها ويشكّل نموذجاً قابلاً للمشاركة أو التعميم في مناطقها.    

يُجنّب الاتفاق بصيغته العامة الحالية المؤسسات الخدمية ضِمن الإدارة الذاتية حالة التفكُّك الكامل والمفاجئ، ويسهم بالوقت ذاته عَبْر موارد هذه المؤسسات وكوادرها وخبراتها في بناء الدولة السورية الجديدة، خاصةً أنها كانت -وبحكم الأمر الواقع- مسؤولة عن تقديم وإدارة معظم الخدمات الرئيسية لجزء كبير من سكان مناطق شرق سوريا منذ 10 سنوات تقريباً بعد تعطيل أو تعطُّل معظم المؤسسات الخدمية التابعة للنظام السابق هناك.    

يساعد الاتفاق عَبْر إخضاع حقول النفط والغاز والمعابر الحدودية في مناطق شمال شرق سوريا لإدارة الدولة السورية في تعزيز مواردها ويمكّنها من البدء في العمل على ترميم قطاع النفط والغاز ورفع إنتاجه بالاستفادة من بعض الاستثناءات من العقوبات التي يتمتع بها هذا القطاع الاقتصادي الرئيسي.    

ثانياً: تحديات تواجه تنفيذ الاتفاق    

يواجه تنفيذ الاتفاق بين السلطة السورية وقسد سلسلة من التحديات والمخاطر المرتبطة بعوامل ذاتية أو مؤثرات وقُوى خارجية، فيما يمكن تحديد أهمّها وفقاً للمعطيات والظروف والمواقف الحالية وهي:    

عدم قدرة طرفَي الاتفاق على إلزام القُوى السياسية والعسكرية التابعة لهما بتنفيذ بنوده؛ وعلى رأسها القوى والكيانات والتشكيلات غير السورية أو المرتبطة بدول أو كيانات أجنبية، واحتمال قيام هذه القوى بخُطوات تخريبية بشكل مباشر أو غير مباشر، خاصةً أنّ الشكل العامّ لبعض البنود تتعارض بشكل واضح مع مشاريع وأهداف عدة قوى وكتل مؤثرة داخل الطرفين.    

التدخل الدولي السلبي أو الضاغط على أحد طرفَي الاتفاق بشكل يؤدي لتقويضه أو إنهاء القاعدة المشتركة التي تم بناؤها بينهما أو دعمها لقوى محلية أخرى لتقويض حالة الاستقرار النسبي التي يُتوقَّع لها أن تظهر بعد السَّيْر في خُطوات تنفيذ الاتفاق مما يؤثر على قدرة الطرفين على الاستمرار في هذه الخُطوات.    

عجز اللجان التنفيذية المشتركة التي وكّلها الطرفان بتطبيق بنوده عن الاستمرار في تنفيذ هذه المهمة عند وصولها للتفاصيل والمراحل النهائية لبناء الأُطُر القانونية التنفيذية لبنود الاتفاق، لا سيما المرتبط منها بمصير المقاتلين الأجانب في صفوف الطرفين وكيفية دمج المؤسسات العسكرية والأمنية كأفراد أو ككيانات الإدارة المشتركة وآلياتها لملفات المعابر الحدودية ومنشآت قطاع النفط والغاز وموارده وغيرها، حيث إنّ بنود الاتفاق التي أعلنها الطرفان تقتصر على وضع أُسُس وإطارات عامة وعريضة وحمّالة أوجُه لعدد محدود من الملفات والسلال التفاوضية التي سيشملها المسار التفاوضي الطويل والمعقَّد بين الطرفين.    

خُلاصة    

تُعَدّ بنود الاتفاق بين السلطة السورية وقسد مبادئ رئيسية أو عامة، وبالنظر إلى شكل الاتفاق وآليات تنفيذه وأنَّ الذي وقّع عليه القائد العامّ لقسد، رغم أنّه قائد عسكري وليس رئيساً لكيان إداري أو حكومي أو سياسي كالإدارة الذاتية أو مسد أو حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، يمكن القول: إنَّ الاتفاق هو إطار أو اتفاق مبدئي يهدف بالدرجة الأولى إلى البَدْء بعملية دمج قسد ضِمن الجيش السوري الجديد إضافة لدمج بقية العناصر المكوِّنة لمشروع حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا والمتمثِّلة بالإدارة الذاتية ومسد وإشراكها ضِمن مؤسسات الدولة السورية الجديدة.    

يمثّل اتفاق الإطار أو الاتفاق المبدئي الذي وصلت إليه السلطة السورية مع قسد خُطوة أولى لحلّ واحدة من أهم العقبات الرئيسية التي تواجهها الدولة الجديدة في إعادة بناء وهيكلة مؤسساتها، ويساعد بالوقت ذاته في تجاوُز أو المساعدة في تجاوُز عقبات أخرى، خاصةً في المرحلة الانتقالية الحالية، لكن طبيعة بنود الاتفاق ومضامينها تحتاج إلى فترة زمنية ليست قليلة نسبياً، خاصةً في هذه المرحلة الصعبة على جميع القوى السياسية، ويحتاج الاتفاق لدعم مباشر أو غير مباشر من أطراف إقليمية ودولية عدة وجهود وتنازُلات من كِلا طرفَي الاتفاق لدرجة قد تصل بهما إلى الدخول في صراعات داخلية أو مواجهات مع قُوى أجنبية لضمان الاستمرار في تنفيذ بنود هذا الاتفاق.    

عموماً، ورغم التحديات الداخلية والخارجية التي تهدد نجاح الاتفاق فإنّ حاجة جميع الأطراف السورية له والتفاعُل الشعبي الإيجابي معه والمواقف المحلية والإقليمية والدولية التي ترى فيه شرطاً لازماً لضمان وحدة سوريا واستقرارها ودفع بعضها للمشاركة أساساً في إنجاح الخُطوة الأولى؛ حيث أعلنت معظم الدول الفاعلة في الشأن السوري دعمها للاتفاق، وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر والأردن فضلاً عن الدعم الذي أبدته الأحزاب والقُوى والمؤسسات الإقليمية والدولية، وهي عوامل تزيد من احتمالية استمراره ونجاحه ولو جزئياً.    


 

Researchers