هجوم النظام السوري وحلفائه ضدّ قسد في دير الزور
أغسطس 19, 2024 672

هجوم النظام السوري وحلفائه ضدّ قسد في دير الزور

حجم الخط

فجر الأربعاء 7 آب/ أغسطس 2024 نفّذت مجموعات مسلحة تتبع الحرس الثوري الإيراني وقوات الدفاع الوطني وقوات القبائل والعشائر (جيش العشائر) هجوماً منسَّقاً ومتزامناً استهدف مقرات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في عدة مدن وبلدات في ريف دير الزور الشرقي، يُعتبر هذا الهجوم الأعنف الذي تنفذه هذه الميليشيات المتحالفة منذ تأسيس جيش العشائر في أيلول/ سبتمبر 2023؛ حيث تم تنفيذ الهجوم بتنسيق وإدارة غرفة عمليات مشتركة تضم مستشارين من الحرس الثوري الإيراني ومخابرات النظام السوري وميليشيا الدفاع الوطني.    

بعد انسحاب معظم عناصر قسد من المناطق التي تمت مهاجمتها وتحت القصف الصاروخي وبالهاون الذي استهدف هذه المناطق؛ نجحت المجموعات المهاجمة بالانتشار في المناطق التي هاجمتها لعدة ساعات قبل أن تنسحب منها بعد استقدام قسد لتعزيزات عسكرية ضخمة إلى المنطقة ومشاركة الطيران المسيَّر والمروحي التابع لقوات التحالف الدولي في مراقبة المجموعات المتسللة واستهدافها وإجبارها على الانسحاب إلى الضفة الجنوبية لنهر الفرات التي تسيطر عليها قوات النظام.    

أسفر الهجوم عن مقتل 3 مدنيين وإصابة آخرين ومقتل اثنين من عناصر المجموعات المهاجمة و5 من عناصر قسد وجرح آخرين منهم، تم نقل بعضهم إلى مدينة القامشلي عَبْر الطيران المروحي التابع لقوات التحالف الدولي.    

خريطة محاور الهجوم المشترك ضد قسد في دير الزور-01

اتهمت البيانات الرسمية لقسد ومسد مخابرات النظام بالوقوف وراء الهجوم، وقامت بالرد عليه بحصار المربعين الأمنييْنِ التابعيْنِ له في مدينتَي الحسكة والقامشلي، واعتقلت ما يقارب 20 عنصراً وضابطاً من قوات النظام على حواجزها في المدينتين، ونفذت عملية تسلُّل واحدة على الأقل داخل مناطق سيطرته في ريف دير الزور، إثر هذا التصعيد تدخّلت روسيا وعقدت مفاوضات بين قسد والنظام عَبْر عدة اجتماعات ولقاءات بين مسؤولين وقياديين عسكريين وأمنيين من الطرفين نسّقها وأشرف عليها قائد القوات الروسية العاملة في سورية.    

حتى الآن لم تُوقَف المفاوضات التي قادها الجانب الروسي، مع استمرار التصعيد بين الطرفين في دير الزور؛ حيث ما تزال هناك عمليات تسلُّل محدودة وقصف صاروخي متبادَل بين الطرفين على ضفتَيْ نهر الفرات. لكن في الوقت ذاته نجحت المفاوضات في تنفيذ قوات النظام وقسد لخُطوات يبدو أنّها لتأكيد حسن النيّة، تمثّلت في فكّ حصار قسد المفروض على المربعين الأمنييْنِ للنظام في محافظة الحسكة وإجراء عملية تبادُل للأسرى تضمنت الإفراج عن جزء من ضباط النظام وعناصره المعتقلين لدى قسد مقابل إطلاق النظام لسراح عدد من عناصر قسد الذين تمّ أَسْرهم خلال الهجوم الأخير، إضافة للإفراج عن القائد السابق لمجلس منبج العسكري المدعوّ عبد الرحمن البنّاوي الذي تمّ اعتقاله مطلع آب/ أغسطس 2024 أثناء توجُّهه لمدينة حلب بهدف العلاج.    

يعكس توقيت الهجوم وما تبعه من تصعيد مستمر ضد قسد وتركيبة غرفة التنسيق المشاركة المتقاربة لكل من إيران وروسيا وقوات النظام، لكنّ عدم مشاركة إيران في المفاوضات يُشير إلى وجود دوافع وأسباب مختلفة لكل من الأطراف الثلاثة المشارِكة في تنسيق الهجوم والتصعيد المُرافِق له، مثلما هو موضَّح أدناه:    

· بالنسبة لإيران كان الهجوم في هذا التوقيت خياراً متاحاً وقليل التكلفة والخطورة للردّ على إسرائيل والولايات المتحدة عَبْر استخدام الميليشيات المحلية وعلى رأسها جيش العشائر لاستهداف قسد ومناطق سيطرتها التي تنتشر فيها القواعد الأمريكية، وهو خيار تفضله إيران على الاستهداف المباشر لهذه القواعد عَبْر الصواريخ أو الطائرات المسيَّرة، والذي توقف تقريباً منذ شباط/ فبراير 2024 بعد القصف الأمريكي لمواقع الميليشيات في سورية والعراق عَبْر القاذفات بعيدة المدى  ودخول ميليشيات "المقاومة الإسلامية في العراق" التي كانت تنسق هذه الهجمات في هدنة تضمنها الحكومة العراقية.    

·  بالنسبة لروسيا يفتح الهجوم في هذا التوقيت لها مجالاً جديداً للضغط على الولايات المتحدة التي تقود قوات التحالف عَبْر تقويض الاستقرار في مناطق انتشار قواعده العسكرية واستهداف حليفها المحلي قسد والضغط عليها وإجبارها على الدخول في مفاوضات؛ لتحصيل مكاسب عسكرية أو أمنية أو اقتصادية إضافية لقواتها أو للنظام السوري الذي يركّز بشكل رئيسي على المكاسب الاقتصادية التي يُرجَّح أن تتمثل بالمطالبة بزيادة حصته من النفط الخام الذي تورّده قسد إلى مناطق سيطرته أو فرض رسوم أو ضرائب ثابتة على موارد جزء من حقول النفط أو آباره في مناطق سيطرة قسد وخاصةً في دير الزور مقابل وقف أو ضبط الهجمات التي تستهدف هذه المناطق، وتعطّل إلى حدّ كبير عمليات إنتاج النفط ونقله منها، في ظل حالة التصعيد القائمة حالياً.    

·  بالنسبة للنظام فإن الهجوم يمثّل له استعراضاً في جانبين؛ الأول:  قدرته على الضغط على قسد وقوات التحالف الدولي، والمشاركة في أنشطة الأطراف والميليشيات العاملة ضِمن "محور المقاومة"، خاصةً أن دوره في هذه الأنشطة على الحدود الجنوبية كان معدوماً تقريباً خلال فترة التصعيد الحالية ضدّ إسرائيل. والثاني: رغبته في تعزيز موقفه في إطار المساعي الروسية لتقارُبه مع تركيا، حيث يريد أن يبرز قدرته على استهداف قسد ومشروعها الذي تَعُدّه أنقرة التهديد الأول لأمنها القومي.    

·  بالنسبة لجيش العشائر وقائده إبراهيم الهفل فقد كان دوره وظيفياً، وجاءت مشاركته بتوجيه مباشر من النظام عَبْر رئيس مخابراته العامة حسام لوقا الذي التقى الهفل قبل أسبوع تقريباً من انطلاق الهجوم، وتم استخدام الثقل العشائري للهفل ورمزية قتاله لقسد منذ آب/ أغسطس 2023، لجعلها غطاءً لأنشطة الميليشيات الإيرانية والتابعة للنظام. كان هذا واضحاً في حصر التصريحات المسجلة حول مجريات الهجوم والتصعيد الذي أعقبه في شخص إبراهيم الهفل والشخصيات التابعة له، والاعتماد الحصري أيضاً على راية جيش العشائر وشعاره في تسجيلات التغطية الإعلامية التي رافقت الهجوم؛ حيث حرص الهفل على التأكيد المستمر لعدم تَبَعِيّته لأي جهة وتحديد أهدافه في إنهاء وجود قسد في مناطق الجزيرة السورية، وحثّ العشائر العربية على المشاركة من أجل تحقيق هذا الهدف، دون الحديث عن المجموعات المشارِكة معه في الهجوم وتَبَعِيّتها المعروفة للنظام والحرس الثوري الإيراني.    

مع ذلك، يسهم الهجوم إلى حد كبير في تقويض المسار التفاوُضي لحزب الاتحاد الديمقراطي وأجهزته مع المجتمع المحلي في دير الزور وممثليه من الشخصيات العشائرية الداعمة لمشروع الإدارة الذاتية خاصةً أنّ هذا المسار يسعى بشكل رئيسي لعزل إبراهيم الهفل ومقاتليه عن المنطقة وإنهاء تأثيرهم عليها عَبْر إعادة بناء المجالس المدنية والعسكرية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتعزيز دورها في دير الزور وَفْق رؤية الحزب ومصالحه دون وجود أيّ فواعل محلية ذات قدرة حقيقية على التغيير أو التأثير.    

قد يكون هذا التبايُن في أهداف الأطراف المشاركة في الهجوم على قسد ودوافعها سبباً في عدم نجاح المفاوضات التي يقودها الجانب الروسي في إنهاء التصعيد الحالي، واقتصار النتائج الحالية على خُطوات أمنية محدودة نفّذها الطرفان في محافظة الحسكة دون أيّ إجراءات في مركز الهجوم والتصعيد في محافظة دير الزور. وثَمّة سبب محتمل آخر لعدم نجاح المفاوضات يتمثل بعدم مشاركة الجانب الإيراني في المفاوضات رغم أن الميليشيات التابعة له تُعَدّ الفاعل الأكبر في الهجوم الأخير والتصعيد المستمر الذي أعقبه.    

في المحصلة يُمكن اعتبار الهجوم المُنسَّق ضدّ قسد قد انتهى، لكن مع استمرار التصعيد الذي أعقبه، واستمرار استقدام التعزيزات والتجهيزات للميليشيات التي شاركت فيه من المرجَّح تكراره في الفترة القريبة القادمة في إطار مرحلة جديدة من العلاقة بين قسد وقوات التحالف من جهة وكل من النظام السوري وروسيا وإيران من جهة أخرى.    

عموماً تبقى النتائج النهائية للهجوم مرتبطة بنتائج المفاوضات التي يقودها الجانب الروسي ومدى تفاعُل الجانب الإيراني معها، خاصةً أنّه غير مشارِك فيها مع أنّ معظم مطالب قسد التي تمّ تسريبها وتتطلب الاستجابة لها؛ كمطالبتها بتفكيك جيش العشائر وإبعاد الميليشيات الإيرانية والميليشيات المحلية التابعة لها عن سرير النهر في الجهة المقابلة لمناطق سيطرة قسد وتمركز القواعد العسكرية لقوات التحالف في دير الزور. هذا الواقع الصعب بالنسبة لقسد قد يُجبِرها على تقديم مكاسب عسكرية أو اقتصادية كبيرة لصالح روسيا والنظام في مناطق سيطرتها؛ لضمان وَقْف أو خَفْض التصعيد الحالي ومَنْع تنفيذ هجمات جديدة ضدّ قواتها ومناطق سيطرتها في دير الزور.    

خريطة نقاط الاشتباك والقصف  في الهجوم المشترك ضد قسد في دير الزور-01


 


 

الباحثون