التطبيع الأردني مع النظام السوري: الأسباب والسياقات
أكتوبر 04, 2021 2500

التطبيع الأردني مع النظام السوري: الأسباب والسياقات

حجم الخط

تحت المجهر | التطبيع الأردني مع النظام السوري: الأسباب والسياقات

 

كان الاتصال الهاتفي بين ملك الأردن ورئيس النظام السوري تتويجاً لخطوات عديدة دلَّت على تحولات ملحوظة في موقف الأردن تجاه القضية السورية، وهي نتيجة تحوُّلات في المزاج العربي والمواقف الدولية بدأت بعد التدخل الروسي في سورية نهاية أيلول/سبتمبر 2015. 

نسَّقت روسيا تدخلها العسكري في سورية مع العديد من الدول وعلى رأسها الأردن، حيث سبق التدخل الروسي زيارة الملك الأردني لموسكو في آب/أغسطس 2015، أي قبل شهر واحد من التدخل الروسي، وهنا يمكن القول: إنَّ الأردن كان ضمن الاستراتيجية الروسية منذ ذلك الوقت. 

وبعد التدخل الروسي تمَّ اختيار الأردن بملف تقييم وتصنيف فصائل المعارضة تزامناً مع التحضير لعقد مؤتمر الرياض لاختيار هيئة المفاوضات، كما تولى الأردن بالتنسيق مع روسيا مهمَّة الضغط على فصائل الجنوب في درعا لوقف المعارك ضد النظام نهائياً، والسماح لروسيا بالاستفراد بالمناطق المحررة المنطقة تلو الأخرى.

في أيلول/سبتمبر 2016 حذَّر الأردن فصائل المعارضة من أيِّ عمل لمؤازرة داريا التي كانت تتعرض لأعنف حملة عسكرية بقيادة القوات الروسية، ثمَّ منع بعد ذلك هذه الفصائل في درعا من مؤازرة الغوطة الشرقية في ربيع 2018، ثم بإشراف الولايات المتحدة رفع الأردن الغطاء عن الجنوب السوري الذي كان في مواجهة الاجتياح الروسي لمدن درعا في تموز/يوليو 2018 وعلى إثر ذلك دخل الجنوب فيما سمي تسوية المصالحة الروسية. 

ثم كان للأردن دورٌ جديد وأكثر أهمية مع الحملة الجديدة على درعا في النصف الثاني من 2021، حيث تطوَّر الموقف الأردني مع زيارة ملك الأردن إلى واشنطن منتصف تموز/يوليو 2021 ودخوله كوسيط بين روسيا والولايات المتحدة لتخفيف الحصار الاقتصادي عن النظام السوري الذي تأثر به الأردن بشكل كبير جداً، وعلى إثر الوساطة الأردنية تمَّ بالفعل تجميد العمل بقانون قيصر والسماح بالتبادل التجاري مع سورية وتمديد خط الغاز العربي عبر سورية إلى لبنان، بالتزامن مع تحييد روسيا لسلاحها الجوي عن التدخل في مواجهات درعا الأخيرة، وإنجاحها لوساطة تفضي إلى ضبط الأمن في جنوب سورية والاستقرار دون خيار الحسم العسكري أو التهجير.

ثمَّ بعد إعلان مشروع مد خط الغاز العربي زار وزير الدفاع في حكومة النظام السوري عمَّان منتصف أيلول/سبتمبر 2021 لبحث إجراءات التنسيق الأمني والعسكري ولحماية الحدود الأردنية وحماية خط الغاز الذي تعرض للتخريب، وكان ذلك بعد ثلاثة أشهر تقريباً من زيارة وزير الكهرباء ووزير النفط في النظام السوري للحكومة الأردنية، ليأتي بعد ذلك الاتصال الهاتفي المعلن مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2021 ليعلن التطبيع الأردني مع النظام السوري بعد انقطاعٍ سياسي تام استمر لأكثر من عشر سنوات.

يسير الموقف الأردني من النظام السوري مع الموقف الأمريكي، والذي يعمل في مسارين متوازيين، الأول: هو استمرار الضغط على النظام السوري من أجل فكِّ ارتباطه مع إيران، والثاني: هو التنسيق مع روسيا مقابل تعاونها في الضغط على إيران، وبالتالي فإنَّ الانفتاح العربي المحدود على النظام سيكون بمثابة الجزرة التي تُشجع موسكو ودمشق على وقف التغلغل الإيراني؛ أي أنَّ الانفتاح الأردني هو جزء من استراتيجية أمريكية بتوافق إقليمي لضبط سلوك النظام والتعامل مع الوجود الإيراني في سورية. 

ويأتي الموقف الجديد الذي يقوده الأردن في إطار محاولة عمّان للقيام بأدوار إقليمية في المنطقة، بما في ذلك سورية ولبنان، وهي محاولة تنسجم في إطارها العام مع التوجه الأمريكي والإقليمي، ولكنَّها ليست بالضرورة جزءاً من توافق تفصيلي مع واشنطن والعواصم الأخرى المعنية، إذ يسعى الأردن لتوسيع هوامشه الذاتية، ويعمل على اختبار رؤيته للحل، وفي حال نجاحها فإنَّ الأردن سيكون قد تمكَّن من تحقيق إنجاز سياسي مؤثِّر على مستوى المنطقة والعالم، أمَّا في حال فشلها فإنَّها ستكون ذات كلفة سياسيَّة مرتفعة.

 

وحدة التحليل والتفكير - مركز جسور للدراسات

للإشتراك في قناتنا على التيليغرام اضغط هنا