سيناريو انهيار التهدئة في إدلب شمال غرب سورية
تقدير موقف بعنوان: "سيناريو انهيار التهدئة في إدلب شمال غرب سورية" ، يناقش من خلاله مركز جسور للدراسات احتمالاً مفترضاً، وهو عودة المواجهات العسكرية إلى محافظة إدلب، من خلال استعراض محددات ضامني مسار أستانا ومصالحهم في إدلب السورية، بالإضافة إلى العوامل المؤثرة في استدامة الهدوء أو انهيار التهدئة.
تمهيد:
حتى آب/ أغسطس 2022، يكون قد مضى على وقف إطلاق النار في إدلب أكثر من 28 شهراً، وهي أطول فترة تهدئة تشهدها منطقة خفض التصعيد شمال غرب البلاد بين النظام السوري والمعارضة.
ومع ذلك، لم تتحوّل التهدئة إلى وقف شامل ومستدام لإطلاق النار، مما جعل المنطقة تشهد باستمرار تصعيداً، تنخفض أو ترتفع حدّته، كنتيجة لعدم توصّل روسيا وتركيا إلى اتفاق نهائي حول مصير المنطقة.
إنّ استحضار سيناريو انهيار التهدئة في إدلب يرتبط بشكل كبير بعودة التصعيد على نحو غير معتاد، من نشاط سلاح الجو، وحملات القصف الصاروخي العنيف والكثيف بين طرفي النزاع، وعودة نشاط التنظيمات الجهادية. ورغم أنّ ذلك يحصل بين فترة وأخرى غير أنّه غالباً ما يتزامن أو يرتبط إما مع خفض التزام أحد الضامنين بالتعهدات حول التفاهمات المشتركة، أو مع انعقاد مباحثات دبلوماسية حول المنطقة.
فعلى سبيل المثال، عندما أعلنت تركيا نيّتها شنّ عملية عسكرية جديدة في سورية نهاية أيار/ مايو، ارتفعت حدّة التصعيد في إدلب بشكل ملحوظ، وعاد نشاط الطيران المسيّر المجهول الذي قصف مرّة قاعدة حميميم وأخرى اجتماعاً عسكرياً في السقيلبية. كما أجرت القوات الروسية وقوات النظام مناورات جنوب المحافظة لأول مرة منذ توقيع مذكرة سوتشي (2020) ، إضافة لإعادة طرح مستقبل المنطقة ومصير التفاهمات حولها ضمن الجولة 18 من مسار أستانا .
ويحاول تقدير الموقف هذا نقاش سيناريو انهيار التهدئة في إدلب والعوامل المؤثرة فيه، والآثار التي قد تترتب عليه، إضافة لمحددات مواقف الفاعلين الدوليين إزاء واقع المنطقة.
أولاً: محددات مواقف ضامني أستانا في إدلب
• إرساء الاستقرار لمنع حدوث موجات هجرة جديدة نحو تركيا، أو باتجاه الشريط الحدودي، والتي لطالما شكّلت هاجساً أمنياً وسياسياً بالنسبة لتركيا. لذلك، عملت خلال فترة التهدئة على تحويل إدلب لمنطقة آمنة على أمل إعادة مزيد من اللاجئين إليها وإعادة النازحين إلى منازلهم، غير أنّ ذلك ما زال مرتبطاً بالانتقال من خفض التصعيد إلى وقف إطلاق النار المستدام.
• ضمان أمن الحدود بالحفاظ على عمق يتراوح بين 30 و60 كم بين مناطق سيطرة النظام التي تنتشر فيها الميليشيات الإيرانية وبين الأراضي التركية، حتى لا يتم تنفيذ هجمات ضدها، لا سيما في حال حصول تنسيق بين النظام ووحدات حماية الشعب PYD، على غرار إعلان قوات سورية الديمقراطية عام 2018 الاستعداد لمشاركة قوات النظام في الهجوم على إدلب.
2. روسيا:
3. إيران:
• تأمين مدينة حلب عبر دعم استعادة سيطرة النظام على مناطق إدلب التي تعتبر بمثابة قاعدة عمليات عسكرية وأمنية ضد نفوذ إيران في المدينة التي تحاول تحسين فرص الاستثمار الاقتصادي فيها بشكل كبير، إلى جانب ما تحظى به من اهتمام لديها ثقافياً وعسكرياً.
• التأثير على سياسات تركيا برفض أو عرقلة أي حل لا يقود إلى استعادة سيطرة النظام السوري على كامل منطقة إدلب. بذلك تعمل طهران على ممارسة الضغوط المستمرة على أنقرة ودفعها للاستجابة إلى مطالبها وعدم تخطي مصالحها داخل وخارج سورية.
وتخوض الدول الضامنة مؤخراً مفاوضات على مستقبل النفوذ وحدود السيطرة، فتبحث تركيا عن توسيع عملياتها العسكرية ضد قوات سورية الديمقراطية لتقويض سيطرتها قرب المنطقة الحدودية، بالمقابل فإن روسيا تطالب بتنفيذ مذكرات التفاهم المتعلقة بإدلب، بالإضافة إلى مطالبة تركيا بالتعاون مع النظام السوري .
تصدّر الصراع في أوكرانيا الأولويات الروسية منذ اندلاعه في شباط/ فبراير 2022، وقد طالت آثاره الملف السوري من الناحية السياسية، حيث ضغطت موسكو على النظام السوري ومنعته من استمرار المشاركة في جلسات اللجنة الدستورية .
يُمكن ملاحظة تأثير الصراع في أوكرانيا على التهدئة في إدلب عند توقيع اتفاقية شحن الحبوب والمواد الغذائية من أوكرانيا بين تركيا وروسيا، حيث سبق التفاهم تصعيد في المنطقة وتلاه عودة للهدوء.
انتشار الميليشيات الإيرانية استهدف بشكل أساسي منطقة العمليات العسكرية المحتملة ضد قسد شمال حلب، كما قادت الميليشيات في مناسبات عديدة التصعيد الميداني ضد فصائل المعارضة والنقاط العسكرية التركية بريف حلب ، قبل أن تعرض طهران الوساطة على تركيا من أجل التوصل إلى تسوية تعالج مخاوف أنقرة الأمنية.
من الممكن أن تتأثّر التهدئة في إدلب بمسار المفاوضات بين تركيا والولايات المتحدة، فمن شأن تعزيز التقارب بين الطرفين أن يؤثر على نفوذ روسيا في سورية، وبالتالي احتمال نشوب موجة تصعيد جديدة شمال غرب البلاد.
من المتوقع أن ينجم عن انهيار التهدئة شمال غرب سورية اندلاع مواجهات بين قوات النظام وفصائل المعارضة، وقد تتركز العمليات القتالية على مناطق جنوب إدلب المتاخمة لمعرة النعمان وسراقب، وتمتد إلى شمال إدلب وريف حلب الغربي على الخط الواصل بين دارة عزة وقبتان الجبل.
إن احتمال انهيار التهدئة في إدلب يبقى قائماً طالما أن الأطراف الضامنة لم تتوصل إلى تفاهم نهائي حول النقاط العالقة، من ضمنها حجم الانتشار العسكري التركي الكبير غير المنصوص عليه ضمن مسار أستانا، إضافة إلى آلية تشغيل الطرق الدولية، ومصير هيئة تحرير الشام وغيرها. ورغم ذلك، إن تبقى فرص هذا السيناريو ضعيفة مقارنة مع توجهات الدول الضامنة، من الضغوطات التي تتعرض لها روسيا في أوكرانيا، وامتداد المواجهات إلى شبه جزيرة القرم واستهداف قواعد عسكرية روسية هناك، مقابل تركيز تركيا على ضرورة التهدئة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.
لقراءة المادة بشكل كامل يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية ( اضغط هنا )