تداعيات تأخُّر الولايات المتحدة عن الاعتراف بالحكومة الانتقالية السورية
فبراير 18, 2025 1721

تداعيات تأخُّر الولايات المتحدة عن الاعتراف بالحكومة الانتقالية السورية

حجم الخط

غابت الولايات المتحدة عن التوقيع على بيان مؤتمر باريس (العقبة 3) بشأن سوريا، الذي دعا إليه وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، وانعقد في 13 شباط/ فبراير 2025 واختتم أعماله ببيان مشترك صادر عن حكومة كل من سوريا والبحرين وكندا ومصر وألمانيا واليونان وفرنسا والعراق وإيطاليا واليابان والأردن والكويت ولبنان وسلطنة عُمان وقطر والمملكة العربية السعودية وإسبانيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، وعن الاتحاد الأوروبي والمبعوث الخاص للأمين العامّ للأمم المتحدة إلى سوريا والأمين العامّ لجامعة الدول العربية والأمين العامّ لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.

حضرت الولايات المتحدة مؤتمر باريس بصفة مراقب، وبوفد دبلوماسي منخفض، بعد أن كانت قد حضرت بصفة رسمية اجتماع العقبة بتاريخ 14 كانون الأول/ ديسمبر 2024 ممثَّلة بوزير الخارجية أنتوني بلينكن واجتماع الرياض بتاريخ 12 كانون الثاني/ يناير 2025 ممثَّلة بوكيل وزارة الخارجية جون باس.

سار بيان مؤتمر باريس على خُطى بيانَي العقبة والرياض في دعم الحكومة الانتقالية في سوريا، ورغبة المشاركين في العمل معاً لضمان نجاح تحقيق عملية انتقالية سلمية وموثوقة ونظامية وسريعة وشاملة تستمدّ من روح المبادئ الواردة في قرار مجلس الأمن 2254 (2015) بُغيةَ التوصل إلى تأليف حكومة تمثيلية تمثّل جميع عناصر المجتمع السوري، ودعا البيان الحكومة الانتقالية إلى صياغة جدول زمني واقعي يتّسم بالوضوح والشفافية، والالتزام به لإجراء إصلاحات دستورية، وتنظيم انتخابات حرّة ونزيهة عندما تتوفر الشروط لذلك، مع التأكيد على أهمية الدور الذي من شأن الأمم المتحدة أن تضطلع به في دعم المرحلة الانتقالية، والجهود التي يضطلع بها المبعوث الخاص للأمين العامّ للأمم المتحدة في هذا الصدد.

تحسُّباً من أن يُلقي الغياب الأمريكي بأيّ ظلال سلبية على سير المؤتمر فقد شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المناقشات، وعقد لقاءً ثنائياً مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وأكد دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة فرنسا، وأعرب الوزير بارو في كلمته الافتتاحية للمؤتمر عن أمل بلاده بصدور بيان جماعي، وإذا تعذر ذلك فإنه سيصدر بياناً باسمه لكونه رئيساً للمؤتمر، لذا فقد اعتبرت باريس أنّ المؤتمر كان ناجحاً، حيث إنّ الأمل بصدور بيان مقبول إجماعياً باستثناء دولة مشارِكة واحدة لم يكن متوقَّعاً.

سبب غياب الولايات المتحدة عن بيان باريس هو البند الجديد الذي لم يَرِد في مؤتمرَي العقبة والرياض، والمتضمِّن "الاعتراف بالحكومة الانتقالية السورية ودعمها في التزامها الحالي بصَوْن حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع السوريين"، ولا يُعَدّ الغياب الأمريكي رفضاً له، فجميع الموقِّعين عليه هم من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، بل يمكن اعتباره ضوءاً أخضر وموافقة ضمنية على الاعتراف بالحكومة السورية، وقد فسّرت باريس هذا الغياب بأنه يعود "لعدم وجود سياسة أمريكية محددة حتى اليوم إزاء سوريا، وأن الأمريكيين ما زالوا يتدارسون طبيعة السياسة التي سيتبعونها".

إنّ التأخر الأمريكي عن الاعتراف بالحكومة الانتقالية مرتبط بمجموعة قوانين العقوبات المفروضة على الدولة السورية، والتي يستلزم الاعترافُ مراجعتَها، أو إلغاءَها قبل ذلك، وكذلك إلغاء التصنيف الذي يطال عدداً من قادة سوريا الجدد، وقد يكون مرتبطاً أيضاً بوفاء قادة البلاد بوعودهم في تحقيق انتقال سياسي يلبي متطلبات جميع السوريين، ومتطلبات المجتمع الدولي، وبقضايا أخرى مرتبطة بالتعهد بمكافحة الإرهاب، وبأمن دول الجوار، ومنع إنتاج المخدرات والاتجار بها.

لكن الولايات المتحدة لم تعرقل الاعتراف الدولي بالحكومة الانتقالية، فهي لا تتعامل مع هذا الأمر بالطريقة ذاتها التي تعاملت بها مع الدول التي سارت نحو التطبيع مع نظام الأسد؛ حيث كان موقفها حازماً في أنها لن تُطبّع مع النظام، ولا تُشجع الآخرين على التطبيع معه، وأنها ستعاقب أيّ دولة تخرق العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام.

الاعتراف الأمريكي مسألة وقت، لكنه قد يطول، فسوريا ليست من أولويات إدارة ترامب، وليست مهمة لها، فحسب التقرير النهائي المقدَّم عام 2019 من "مجموعة دراسة سوريا" المكلَّفة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والمقدَّمة للكونغرس، فإن أهمية سوريا تأتي من 5 تهديدات للولايات المتحدة، هي خطر الهجمات الإرهابية، وخطر إيران في إشعال صراع إقليمي أوسع وفتح جبهة ضد إسرائيل، وأن سوريا تُعتبر انتصاراً إستراتيجياً لروسيا، ويجعلها منافساً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والآثار السياسية والاجتماعية المزعزعة لاستقرار عدد من البلدان بسبب استمرار خروج اللاجئين بسبب عنف النظام، وتآكُل مصداقية الولايات المتحدة؛ بسبب شدة انتهاك النظام للمعايير الدولية الأساسية التي تدافع عنها الولايات المتحدة.

مع سقوط النظام، وتراجُع خطر الهجمات الإرهابية، وتضاؤُل خطر إيران بعد هزيمة حلفائها في المنطقة، والهزيمة الإستراتيجية التي مُنيت بها روسيا في سوريا، وبَدْء عودة اللاجئين، فقد فقدت سوريا أهميتها للولايات المتحدة، ويبقى موضوع معالجة سجون شمال شرق سوريا ومخيماتها، والتي بدأت إدارة ترامب تتحدث أنها ليست مسؤوليتها منفردة، إنما يجب أن تكون مسؤولية جماعية، وخصوصاً الدول التي لها رعايا فيها.

بالمحصِّلة ليس هناك تداعيات سلبية محتملة بسبب غياب الولايات المتحدة عن التوقيع على بيان مؤتمر باريس بشأن سوريا، ولا من تأخُّرها في الاعتراف بالحكومة الانتقالية السورية، وهي مع عدم عرقلتها لهذا الاعتراف من الدول الأخرى، فمن المتوقَّع أن تسلك سلوكاً مَرِناً في الإعفاءات، وفي تعليق العقوبات، وفي الدعم الدولي للاقتصاد السوري، بما يساهم في تحسين مستوى المعيشة، واستقرار البلاد.