تأجيل الانتخابات البلدية في مناطق الإدارة الذاتية للمرة الثانية: ما مصيرها؟
يونيو 06, 2024 2085

تأجيل الانتخابات البلدية في مناطق الإدارة الذاتية للمرة الثانية: ما مصيرها؟

حجم الخط

أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في شمال شرقي سورية التابعة للإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD تأجيل الانتخابات البلدية التي كان من المزمَع إجراؤها في 11 حزيران/ يونيو 2024، إلى آب/ أغسطس من العام ذاته. وكانت الإدارة الذاتية تريد على ما يبدو جعل الانتخابات البلدية بمثابة تتويج لسلسلة من الإجراءات القانونيّة والتشريعية المنفردة التي نفّذتها خلال الأشهر الماضية، وأبرزها المصادقة على عَقْد اجتماعي جديد في مناطق سيطرتها وإصدار قانون للتقسيمات الإدارية لهذه المناطق دون أية مشاركة جديّة من الأطراف والقُوى السياسية والشعبية في المنطقة.     

هذه المرّة الثانية التي يتم فيها الإعلان عن تأجيل الانتخابات؛ حيث كان من المقرّر عقدها في المرة الأولى بتاريخ 30 أيار/ مايو، وفي كِلتا المرّتين تم الادعاء بأنّ سبب التأجيل هو ضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية. لكنّ التأجيل المتكرر للانتخابات جاء بسبب عدم قدرة الإدارة الذاتية على تأمين غطاء سياسي لها من قِبل القُوى السياسية المحلية والدولية؛ حيث اعترضت الولايات المتحدة على الانتخابات، واعتبرت "أنّ الظروف الملائمة لعقدها غير متوفِّرة شمال سورية وشرقها في الوقت الحاضر"، إضافة لرفض هذه الانتخابات أو مقاطعتها من قِبل القوى السياسية المحلية وأبرزها: المجلس الوطني الكردي، ورابطة المستقلين الكرد، وهيئة التنسيق الوطنية، والنظام السوري، والائتلاف الوطني لقُوى المعارضة السورية.     

كذلك، أدّى تصعيد تركيا العسكري إلى فرض ضغوط كبيرة على الإدارة الذاتية، مما ساهم أيضاً بشكل كبير في دفعها لتأجيل الانتخابات؛ حيث كان هناك ارتفاع واضح في معدّل الضربات الجوية التركية ضد الأهداف التابعة لحزب العمال الكردستاني والتنظيمات التابعة له، فنفّذ الطيران المسيَّر خلال هذه الفترة 5 ضربات جويّة ضد 7 أهداف متنوعة. وهذا المعدل الشهري هو الأعلى خلال عام 2024 باستثناء العملية العسكرية الجوية التركية التي تمّ تنفيذها على مدار يومين منتصف كانون الثاني/ يناير، استهدفت الضربات الجوية التركية خلال أيار/ مايو أهدافاً شملت آليات متحركة ونقاطاً عسكرية تابعة لقوات سورية الديمقراطية (قسد) وقوى الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية (الأسايش) إضافة لاستهداف منشآت نفطية وغازية تابعة للإدارة الذاتية.     

كان هناك ما يُشير إلى احتمال تأجيل الإدارة الذاتية للانتخابات للمرة الثانية؛ حيث دفع حزب الاتحاد الديمقراطي قيادة تنظيم "حركة الشبيبة الثورية السورية" لتأجيل عقد مؤتمرها السنوي الرابع المُقرَّر عَقْده في 1 حزيران/ يونيو إلى إشعار آخر "بسبب عمليات القصف التركي" وخشية استهدافها للمؤتمر، لا سيما أن مراكز التنظيم ومكاتبه ومقراته كانت دوماً ضِمن بنك أهداف القصف التركي، ويحضر مؤتمرَ التنظيم السنوي أحياناً القائدُ العامُّ لقسد مظلوم عبدي.     

من الواضح أن حزب الاتحاد الديمقراطي اتخذ قرار تأجيل الانتخابات؛ لأنّه لا يرغب باتخاذ خُطوة غير قادر على تحمُّل تكاليفها لا سيما من قِبل تركيا التي كانت مستعدة غالباً لمزيد من التصعيد، فيما يبدو أنّ PYD لم يكن يتوقّع رفضاً لها من الولايات المتحدة قياساً على عدم رفضها أو معارضتها سابقاً لإجراءات مشابهة وعلى رأسها إصدار الإدارة الذاتية المنفرد لعقدها الاجتماعي الجديد منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2023.     

بناءً على ما تقدّم من المستبعَد أن تُجري الإدارة الذاتية انتخابات البلدية في موعدها الجديد في حال استمرار غياب الغطاء السياسي الداعم لهذه الخطوة؛ حيث سيضطر حزب الاتحاد الديمقراطي للبحث عن هذا الغطاء خلال الشهرين القادمين، إمّا عَبْر التواصل والتفاوض مع الولايات المتحدة وهو ما قد يفتح المجال لاستئناف جولات الحوار "الكردي – الكردي" كون موضوع الانتخابات البلدية والمحلية أحد أهم محاوره؛ أو التوجه إلى التفاوض مع روسيا والنظام السوري، خاصةً أن الفترة الحالية تشهد مساعيَ حثيثةً من قِبل PYD للبدء بجولة تفاوُض جديدة مع النظام الذي يُجهّز بدوره لانتخابات مجلس الشعب التابع له في 15 تموز/ يوليو، وهي فرصة قد يستغلّها PYD لقبول النظام وروسيا أو دعمهما للانتخابات البلدية مقابل سماحه لإجراء انتخابات مجلس الشعب في المناطق التي يسيطر عليها.     

في جميع الأحوال فإنّ مسارات التفاوض التي قد يدخلها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD خلال الفترة القادمة قد تجبره على إجراء تعديلات في قانون الانتخابات وطبيعتها أو التراجع عن الخطوات التشريعية والقانونية التي أصدرها خلال الأشهر الفائتة. كما يُرجح استمرار تركيا بالتصعيد العسكري شمال شرق سورية خلال الفترة القادمة لضمان إظهار جديتها في استمرار الضغط على PYD ومنع إجرائه للانتخابات البلدية أو توفير الظروف الأمنية والعسكرية المطلوبة لذلك.