هل ينجح النظام السوري في إحياء قطاع الصناعة؟
عاد اهتمام النظام السوري عام 2024 بالقطاع الصناعي من جديد؛ حيث تم إحصاء أكثر من 40 قراراً وقانوناً واجتماعاً وزارياً متعلقاً بمجال الصناعة في الربع الأول من العام الجاري، وفي اجتماع رئيس حكومة النظام مع مجلس الشعب قال إن الحكومة تسعى لإعادة هيكلة المؤسسات الصناعية المملوكة لديها، وإنها تسعى لدعم القطاع الخاص، وكانت الحكومة قد ناقشت واقع الصناعة في حلب والمناطق السورية المختلفة عدة مرات، كما قدمت روسيا منحة بقيمة مليار دولار أمريكي للصناعات المعتمِدة على الزراعة في سورية.
من جانب آخر، يُؤكد الصناعيون في حلب ودمشق وحمص أنّ بعض مؤسسات القطاع قد تتوقف بسبب ارتفاع سعر الكهرباء وأن الحكومة لا تدعم القطاع الصناعي بالشكل الكافي ما يجعلهم غير قادرين على العمل، وهذا ما يُعزّزه الواقع العملي للقطاع الذي تراجعت إنتاجيته بشكل كبير، مما جعل اقتصاد النظام يعتمد على المستورَد والقطاع الزراعي بشكل رئيسي، بدلاً من الصناعة السورية التي باتت تقتصر على بعض السلع الغذائية والملابس والمنظفات بشكل رئيسي.
يواجه القطاع الصناعي في سورية منذ عدة سنوات أزمة كبيرة، بعدما توقف بشكل شِبه تامّ عن الإنتاج في سنوات 2014 و2017؛ حيث تراجع -حسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء- إنتاجه من 355 ملياراً إلى 61 ملياراً وَفْق أسعار السوق عام 2014 مقارنةً مع عام 2010، مما يعني أنّ إنتاجية القطاع قريبة من الصفر قياساً على الأسعار الحقيقية بعد أخذ الاعتبار لنسب التضخُّم. وعلى مستوى الناتج المحلي تراجعت نسبة مساهمة قطاع الصناعة السوري من 25% تقريباً إلى أقل من 8%، بين عامَيْ 2010 و2014 مع الأخذ بالاعتبار أن الناتج المحلي الإجمالي هو ذاته قد تراجع عدة أضعاف.
يعاني مَن بقي مِن صناعيِّي سورية في مناطق سيطرة النظام من أزمات متنوعة تبدأ بالطاقة، مروراً بالعمالة التي هجر معظمها البلاد، ولا تنتهي بالقدرة على التصريف والبيع في سوق ضعيف القدرة الشرائية، كذلك فإن التشابكات البَيْنِيّة للقطاع ضعفت بشكل كبير مما حرم المصانع من اقتصاديات الحجم. كما ظهرت مسألة التسويات التي يُجريها النظام مع التجار؛ وهي عبارة عن تكليفات مالية يتم فرضها عن طريق الأفرع الأمنية مقابل مساهمة التاجر أو الصناعي في الحرب التي يخوضها النظام ضد السوريين منذ عام 2011.
تبدو نيّة مؤسسات النظام، من مجلس الوزراء ووزارة الصناعة وحتى بعض الهيئات والمؤسسات الأخرى، واضحة في تنشيط قطاع الصناعة، لكن يواجه ذلك 4 تحديات رئيسية، قد تجعل من هذه المساعي إعلامية وشكلية أكثر من كونها حقيقية وفعلية، وهي:
• مشكلة الوظائف الحيوية للجهاز الحكومي: تُعتبر الموازَنة إحدى أبرز الأدوات التي تمتلكها الحكومة لتقديم الدعم للقطاع الصناعي، لكنّ القيمة الفعلية للموازنة لا تتعدى 2.5 مليار دولار أمريكي، ولا يُمكن فعلياً توفير نصف هذا الرقم من قِبل الحكومة مما يقطع الأمل بتوجيه أيّ دعم مباشر أو غير مباشر للقطاع.
• مشكلة الخطاب: تصيغ حكومة النظام خطابها في التعامُل مع القطاع الصناعي وعموم التجار على أنهم فئة مستفيدة من الحرب؛ حيث ترفع الأسعار وتحتكر الموادّ، في إطار رغبتها الكاملة بتوجيه تركيز السكان على أنهم المسبِّب الرئيسي للأزمة الاقتصادية في البلاد. إنّ ما يُعزّز مشكلة الخطاب تبنيه -حتى مع الصناعيين- أن الحكومة تحاول التصرف على أن الصناعيين والتجار هم فعلاً طبقة مستفيدة وجشعة ولا ينقصهم الدعم، بل يجب تحصيل أكبر قدر من الموارد منهم، وهذه النظرة لا يمكن من خلالها توجيه أي دعم للقطاع الصناعي الذي يُعتبر مكتفياً؛ حسب وجهة النظر الحكومية.
• مشكلة البيئة: تُعَدّ البيئة الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام ضعيفة من ناحية، البنى التحتية والقدرات الشرائية والكفاءات العاملة، وهذه البيئة إذا لم تتم دراستها بحيادية فلن يبدأ أي مشروع فيها، وبالنسبة للمشاريع القائمة حالياً فإما أنها موجودة منذ وقت طويل أو أنها جديدة يطمح أصحابها إلى تحسُّن في البيئة الاقتصادية الراهنة.
• مشكلة الأولويات: إن أولويات حكومة النظام لا تأتي في صالح القطاع الصناعي، فالأولوية هي لاستمرار آلة الحرب وتمويلها، وبالتالي على الجميع -بما فيهم القطاع الصناعي العامل في مناطق النظام- أن يدعم المعركة، مما يجعل أي قضية ثانية بعيدة بمراحل عن أولويات الحكومة.
بشكل عامّ تواجه حكومة النظام تحديات في القدرة على إعادة تفعيل القطاع الصناعي تتمثل في مشكلة الوظائف الحيوية للجهاز الحكومي وعجزها، ومشكلة نهج الخطاب الذي تتبنّاه الحكومة، وصولاً إلى مشكلة البيئة الاقتصادية وأولويات الحكومة في الوضع الراهن.