إلى أين تتّجه المظاهرات ضد هيئة تحرير الشام؟
تشهد مناطق المعارضة شمال غربي سورية منذ 25 شباط/ فبراير 2024 مظاهرات شعبية مستمرّة ضد هيئة تحرير الشام، إثر قضية عملاء التحالف التي تسبّبت بأزمة داخلية غير مسبوقة في صفوفها؛ باتت تُهدّد ما حقّقته من مكاسب منذ نشأتها.
تبدو الديناميات الحالية للمظاهرات مختلفة عن أي احتجاجات سابقة اندلعت ضد الهيئة، حيث تتفاعل معها حالياً فئات مختلفة، فمن جهة يشارك نشطاء مدنيون مستقلون وهم الأكثر حضوراً، ومن جهة أخرى وجد حزب التحرير فيها فرصة لتجديد احتجاجاته ضد الهيئة، فضلاً عن مشاركة عناصر من بعض ألوية الهيئة الناقمين على قيادتها بسبب تعرُّض قادتهم وأقاربهم للانتهاكات في سجونها، إلى جانب انخراط أفراد من فصائل مناهضة للهيئة في الاحتجاجات.
تشير الاحتجاجات إلى ارتفاع سقف مطالب المتظاهرين -على اختلاف شرائحهم-؛ حيث ينادي هؤلاء بتنحي الجولاني عن قيادة الهيئة، وتفكيك جهاز الأمن العامّ، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. بالتوازي ثَمّة حراك يقوم به الجولاني لاحتواء الاحتجاجات والأزمة الداخلية المتصاعدة التي يُمكن أن تغذّي غضب الشارع؛ حيث أجرى اجتماعات مع نشطاء وإعلاميين ووُجهاء محليين وقادة عسكريين قدّم فيها وعوداً بالاستجابة إلى مطالبهم، إلى جانب استخدامه أسلوب التهديد أيضاً بإشارته إلى عدم سماحه بتجاوُز الخطوط الحمراء واستعداده لتغيير طريقة تعامُل الهيئة مع الأحداث.
من المحتمَل أن الجولاني يسعى لاحتواء الأزمة مع الجناح العسكري مؤقتاً ليستطيع بذلك توسيع خياراته في التعامُل مع الاحتجاجات الشعبية ذات المطالب المرتفعة؛ والتي تنادي بتنحّيه وتفكيك جهاز الأمن العام أو إعادة تشكيله ضِمن حكومة الإنقاذ وتغيير مرجعية الحكم الحالية في منطقة إدلب باختيار مجلس شورى جديد يمثّل المنطقة والسُّكّان بشكل واضح.
على الأرجح إنّ تراجُع زخم الاحتجاجات يرتبط بما يُمكن أن تقوم به الهيئة من إجراءات عملية وإصلاحات واقعية، والتي ما تزال تقتصر -بحسب الظاهر- على احتواء أزمة الجناح العسكري مؤقتاً، من خلال إخراج أغلب قيادات المجموعات العسكرية الذين تم اعتقالهم، وأبرزهم أبو مارية القحطاني، والإيعاز إلى وزارة العدل في حكومة الإنقاذ لإصدار عفو عامّ، وتقديم منحة مالية لكل عوائل الشهداء وللموظفين الحكوميين.
في هذا الصدد تبدو أزمة الاحتجاجات هشّة وغير مؤيّدة من شرائح عديدة بشكل واضح، وإنّ استمرارها وتصاعُدها قد يدفع الجولاني وبعض قيادات الهيئة لاختبار استخدام العنف على نطاق تدريجي ومحدود بالرغم من تجنب هذا الخيار حتى الآن، كما يبدو أنّ خيار تنحيه عن قيادة الهيئة أو حل جهاز الأمن العامّ أو إجراء انتخابات لتعيين قيادة جديدة للمنطقة مستبعَدٌ حالياً ما لم تتسع الاحتجاجات وتأخذ طابعاً عنيفاً، مما قد يضطره لاستحضار سيناريو القيادة من الخلف الذي قام به أثناء تأسيس الهيئة بتعيين هاشم الشيخ (أبي جابر) قائداً للهيئة، وإلحاق جهاز الأمن العامّ بوزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ بعد ضمان السيطرة عليه إضافة إلى تأسيس قوة أمنية خاصة به أشبه بالحرس الثوري.
على العموم إن الديناميات المعقَّدة تُظهِر أن الاحتجاجات الحالية في إدلب لها أبعاد عسكرية وسياسية واجتماعية، كما أنها ستؤثر بشكل كبير على مستقبل المنطقة، خاصةً على صعيد الأمن والاستقرار في حال وُوجِهت بالعنف، كما أن احتواءها الكامل قد يُؤدي إلى تغيير شكلي في قيادة الهيئة، وإجراء تغيير فعليٍّ في هيكليتها وموازين القُوى داخلها.