ماذا تريد الصين من بشار الأسد؟
أكتوبر 05, 2023 3163

ماذا تريد الصين من بشار الأسد؟

حجم الخط


كتب الصحفي أليكس كولفيل (كاتب لفاينينشال تايمز) مقالاً في موقع (شاينا بروجيكت) يحمل عنوان "الصين تُعيد سورية إلى الساحة العالمية بترحيب"، تحدث فيه عن محاولات الصين قبل اندلاع الحرب السورية الفوز باستثمارات واسعة فيها، وعن التوجهات الصينية لاغتنام الفرصة بالفوز بمشاريع إعادة الإعمار في سورية. ركز المقال على أن الصين تستغل الوضع السياسي والاقتصادي في سورية، وتُبدي استعداداً لتجاهل جرائم النظام مقابل فرص استثمارية مغرية في مشروعات إعادة الإعمار، مقابل خدمات قد تبدو مهمة للصينيين فيما يتعلق بحربها ضد الأويغور، وكسب تأييد من قبل أكبر عدد من الدول (حتى وإنْ كانت مارقة) على الساحة الدولية.      

في نهاية أيلول/ سبتمبر، استقبلت بكين رئيس النظام بشار الأسد بحفاوة، في زيارة خارجية نادرة لزعيم متهم باستخدام التعذيب الجماعي والإعدامات والأسلحة الكيميائية ضد المدنيين خلال الحرب الدائرة في سورية، توجه الأسد وزوجته أسماء إلى مدينة هانغتشو على متن طائرة تابعة لشركة طيران الصين، في تلك المدينة، شاهد أحداث الألعاب الآسيوية، والتقى بــ "شين بي جينغ" ، قبل أن يسافر إلى بكين لحضور المزيد من الاجتماعات رفيعة المستوى.      

تدلّ الزيارة على تحسُّن كبير في العلاقات السورية الصينية، مما يوفر للأسد فرصة للتقرب من الصين قدر الإمكان. في مقابل إعادة تأكيد الأسد على المبادئ الأساسية للصين، بما في ذلك تأطير قمعها للأويغور وأغلبهم من المسلمين باعتباره "مكافحة للإرهاب". تعهّد شي بالمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد السوري ومعالجة الاضطرابات الداخلية. فضلاً عن دعوته الغرب إلى رفع العقوبات المفروضة على النظام.      

لطالما أراد الأسد بشدة الحصول على المساعدة الصينية من أجل تنفيذ عمليات إعادة الإعمار، حتى أنه قام ببعض الضغط من أجل زيادة النشاط السياحي الصيني تجاه سورية عام 2018. مع عدم وجود إمكانية لوجود مساعدة غربية ومع تورُّط روسيا في أوكرانيا، فإن الصين هي أفضل رهان للأسد من أجل التعافي الداخلي وإعادة التأهيل الدولي.      

قبل الحرب، كانت الآفاق واعدة، فقد أدى سعي الأسد للاستثمار الاقتصادي الأجنبي إلى جمع 3 مليارات دولار من الأصول الصينية، مع توقيع شركات النفط الصينية الكبرى مثل  CNPC و Sinopec اتفاقيات لتطوير حقول النفط في سورية. لكن عندما اندلعت الحرب عام 2011، حافظت الصين على مسافة بعيدة كجزء من سياسة عدم التدخل، وبدلاً من ذلك دعمت جهود الوساطة التي تبذلها الهيئات المتعددة الأطراف مثل جامعة الدول العربية والمبعوثين الخاصين للأمم المتحدة.      

عادة ما تكون الصين مقتصدة في المساعدات المالية، وتظهر سجلات  Data       Aid أن مساعداتها لسورية في الفترة بين عامَيْ 2011 و2017 كانت 74 مليون دولار فقط، بمعنى أنّ ثاني أكبر اقتصاد في العالم قدم فقط 1.2٪ من إجمالي ما قدّمته الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم.      

معلوم أن الحروب الداخلية تضر بالأعمال التجارية، ورغم انخفاض الاستثمار والتجارة الصينية خلال الصراع في سورية، إلا أنهما ما زالا مستمرين، حيث سجلت وزارة الخارجية الصينية حجم التجارة الثنائية عند 427 مليون دولار عام 2022، والواردات إلى الصين متواضعة بقيمة 20 مليون دولار.      

كان انخراط الصين المباشر في سورية في المقام الأول هو تعزيزاً للأمن القومي الخاص ببكين والسعي لحماية مصالحها الخاصة، فقد تم تجنيد ما يقدر بنحو 5 آلاف من الأويغور من شينجيانغ من قبل تنظيم داعش في سورية، حسبما ذكرت وكالة أسوشيتد برس ( AP ) عام 2017.      

لقد قامت وسائل الإعلام الرسمية الصينية بتسليط الضوء على التدريب الذي يتلقاه الأويغور في سورية، وأن العنف فيها يهدد بالامتداد إلى الصين، مما دفع الأخيرة إلى الانخراط بشكل أكبر في سورية، والمساعدة في تدريب قوات النظام، وتكثيف حملتها القمعية في شينجيانغ.      

لقد استخدمت الصين الأزمة السورية كذلك لتعزيز مصالحها الخاصة على الساحة الدولية، ففي عام 2014، اقترحت بكين خطة سلام خاصة بها تؤكد على حق سورية في تقرير المصير والمصالحة الوطنية، مع اغتنام وزير الخارجية وانغ يي شي الفرصة لحث الدول على اتباع "نهج عادل ومتوازن ومحايد" تجاه سورية، وهو انتقاد مبطن لمحاولات الغرب الداعية لإسقاط النظام.      

استخدمت الصين حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 10 مرات منذ بدء الحرب، فعرقلت المطالبات بفرض عقوبات على النظام، وإشراك المحكمة الجنائية الدولية، وتوقف النظام عن استخدام القوة ضد المدنيين. من المؤسف أن الصين امتنعت مراراً وتكراراً منذ عام 2017 عن السماح للمساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة بدخول البلاد، رغم أنّ هذه المساعدات أحد المبادئ الأساسية لخطة السلام الخاصة بها.      

يُقدّم سفراء الصين لدى الأمم المتحدة تفسيرات مختلفة، مشيرين إلى احترام رفض الأسد مساعدات الأمم المتحدة باسم السيادة الوطنية، والدعوة إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ووصف العقوبات بأنها متحيزة ونتائجها عكسية.      

انتقدت الصين باستمرار الانتشار "غير القانوني" للقوات الأمريكية في سورية، لكنها أثنت على روسيا، وأصرت على أن الفارق الرئيسي هو أن روسيا تلقت دعوة من النظام. عادة ما يصوت الصينيون بنفس الطريقة التي تصوت بها روسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في تموز/ يوليو كانت الصين هي العضو الوحيد الذي دعم مقترحات المساعدات الروسية. كما أشار خبير العلاقات الدولية يان شويتونغ من جامعة تسينغهوا في بداية الصراع، فإن تصرفات الصين في سورية لها دوافع جزئية "لتعزيز العلاقات مع روسيا".      

بدأت الصين في الدفاع عن خططها الخاصة لتعافي سورية بعد إعلان الولايات المتحدة نيتها الانسحاب عام 2017، وكان لدى شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي بالفعل صفقة عام 2015 لإعادة بناء الاتصالات السورية، في عام 2017 بدأت بكين في استضافة معارض تجارية لمشاريع إعادة الإعمار، وتعهدت أيضاً بمبلغ 2 مليار دولار لتطويرها البِنْية التحتية والمناطق الصناعية في البلاد.      

يكثر الحديث عن الخطط والفرص المستقبلية حيث إن مجلس الأعمال السوري الصيني يروج أن البلاد بعد الحرب تُعتبر فرصة بناء واسعة، حيث "ستحصل الشركات الصينية على الحصة الكبرى"، وكان هناك حديث عن استثمارات صينية لبناء خط سكة حديد من سورية إلى لبنان.      

ولكن مع ضعف الاقتصاد السوري واستمرار عدم الاستقرار، فمن غير الواضح ما إذا كانت الشركات الصينية ستخاطر بالعودة إلى سورية. لقد لُوحظت بعض التحركات في الفرع السوري لشركة سينوبك المتوقف منذ فترة طويلة، وسينوبك شركة معتادة على العمل في أجزاء خطيرة من العالم.      

تكمن القيمة الحقيقية لسورية حالياً بالنسبة للصين في دورها كحليف قوي على الساحة الدولية، فقد شكر الأسد الصين على "دعمها في المحافل الدولية"، ورد بالمثل كلما أمكن ذلك. وبالتالي، فإن حكومة النظام ليست فقط واحدة من المشتبه بهم المعتادين الذين يدافعون عن تاريخ حقوق الإنسان في الصين، ولكنها تقف أيضاً إلى جانب الدول القليلة جداً التي أدانت رسمياً زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان العام الماضي، وانضمت إلى الحليفين الرئيسيين إيران وروسيا.      

إن سورية تشكل مثالاً واضحاً على المخاطر المرتبطة بحُجَج الصين (أو مكرها) بشأن الاحترام المتبادل للسيادة الإقليمية وعدم التدخل، إنّ احترام رغبات المجرم يعني احترام رغبته في مساعدة نفسه وحده، كما حصل عندما دعا الأسد روسيا للدخول إلى سورية ومنع المساعدات الأممية من دخول البلاد.       

ترجمة:  عبدالحميد فحام       
المصدر:   موقع شاينا بروجيكت