قطاع النفط والغاز في سوريا  الواقع والتحدِّيات
يناير 31, 2025 3648

قطاع النفط والغاز في سوريا الواقع والتحدِّيات

حجم الخط

تمهيد  

يُعَدّ قطاع الطاقة بشكل عامّ -وعلى رأسه قطاع النفط والغاز بشكل خاص- من الحوامل الرئيسية لاقتصاد سوريا، ومورداً وطنياً يساهم في تلبية الاحتياجات الخدمية والإنتاجية والسلعية المتنوعة التي تشكّل الجزء الأكبر من هذا الاقتصاد، وأحد مصادر القطع الأجنبي أو على الأقل خفض استهلاكه في عمليات الاستيراد.  

تعرض قطاع النفط والغاز في سوريا للاستهلاك والاستثمار الجائر، ولحقت به أضرار كبيرة خلال سنوات الصراع واستمرار تعدُّد القُوى المسيطرة على الأراضي السورية، ولحقت هذه الأضرار بالحقول والمنشآت وخطوط النقل؛ فضلاً عن العقوبات التي فُرضت على سوريا وأعاقت عمليات الصيانة لسنوات، الأمر الذي يجعل إعادة استصلاح مَرافِق هذا القطاع ليعود إنتاجه للمستوى الطبيعي تحدياً مُركَّباً تُواجِهه الإدارة السورية الجديدة.  

تمتلك سوريا مجموعة من الحقول والآبار التي تنتج النفط والغار بكميات جيدة، وتتركز معظم هذه الحقول والآبار أو الأوفر إنتاجاً منها في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية من البلاد والتي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بينما توجد مصافي التكرير الرئيسية وما يتبعها من مَرافق في المنطقة الوسطى وعلى الساحل السوري، وهي تحت سيطرة الإدارة السورية الجديدة.  

إن حاجة سوريا اليوم لقطاع النفط والغاز أكثر من أيّ وقت مضى، ومع ذلك فإن الإدارة الجديدة في دمشق تواجه مجموعة من التحديات والعقبات أمام الوصول إلى الاستثمار الأمثل في هذا القطاع الحيوي، وتجاوُز هذه التحديات والعقبات قد يحتاج إلى الوقت والجهد والتمويل، ولا بُدَّ فيه من الدعم الإقليمي والدولي.  

يستعرض هذا التقرير مُرفَقاً بالخرائط والرسوم البيانية واقع قطاع النفط والغاز في سوريا حالياً، والتحدِّيات الحالية والمستقبلية التي تواجه هذا القطاع، وما تحتاجه الإدارة الجديدة لتجاوُز التحدِّيات والوصول للاستفادة الوطنية من هذا القطاع الرئيسي في البلاد.  

 

خريطة قطاع النفط والغاز في سوريا
 

مناطق توزّع إنتاج النفط في سوريا
 

أولاً: الواقع الحالي لقطاع النفط في سوريا  

يُقدَّر الاحتياطي النفطي الذي تمتلكه سوريا بحوالَيْ 2.5 مليار برميل وفقاً لبيانات غربية [1] ، وتمثّل بذلك 0.2% من إجمالي احتياطي النفط العالمي البالغ 1.6 تريليون برميل.  

تراجع إنتاج النفط السوري من 385 ألف برميل يومياً عام 2010 إلى ما يقارب 110 آلاف برميل نفط حالياً؛ موزَّعة على 100 ألف برميل تُنتَج من الحقول التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" و10 آلاف برميل تُنتَج من الحقول التي تسيطر عليها الإدارة السورية الجديدة في دمشق [2] .  

يتم إنتاج النفط من حوالَيْ 78 حقل نفط أو نفط وغاز مُصاحِب، تتوزع 41 منها في محافظة دير الزور و11 في محافظة حمص و11 في محافظة الرقة و10 في محافظة الحسكة و4 في محافظة حماة وحقل واحد في محافظة حلب، وتُعَدّ حقول الرميلان في محافظة الحسكة هي الأكبر من حيث عدد الآبار الذي يتجاوز 1200 بئر موزَّعة على عدة حقول في الجزء الشمالي والشرقي من المحافظة، وبواقع إنتاج يومي حالي يقارب 30 ألف برميل، ويأتي بعده حقل العمر النفطي في محافظة دير الزور بواقع إنتاج يومي يقارب 25 ألف برميل.  

يتم تجميع النفط في محطات تخزين وضخّ متنوعة السعات، مربوطة مع شبكة فيها العديد من خطوط النقل، أطولها خطّ من تل عدس إلى طرطوس، يصل طوله إلى 560 كم، وقد تعرضت هذه الخطوط لهجمات متفرقة خلال سنوات الصراع أدت لأضرار متفاوتة لكنها محدودة في غالبها.  

تنقل هذه الخطوط النفط والغاز إلى المصفاتين الوحيدتين في سوريا وهما مصفاة بانياس التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 120 ألف برميل يومياً (كانت 133 ألف برميل يومياً عام 2011) ومصفاة حمص التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 100 ألف برميل يومياً (كانت 107 آلاف برميل يومياً عام 2011).  

 

حجم إنتاج النفط السوري بين عامَيْ 2010 – 2024
 

خريـطة قطاع النفط في سوريا
 

ثانياً: الواقع الحالي لقطاع الغاز في سوريا  

بالنسبة للغاز الطبيعي فيُقدَّر المؤكد من الاحتياطي السوري بحوالَيْ 240 مليار متر مكعب، وحوالَيْ 60% منها هو غاز مُصاحِب[3].  

تراجع إنتاج الغاز السوري من 30 مليون متر مكعب يومياً عام 2010 إلى ما يقارب 9.1 مليون متر مكعب يومياً، موزعة على 8 ملايين متر مكعب من الحقول والآبار التي تسيطر عليها الإدارة السورية الجديدة في دمشق و1.1 مليون متر مكعب من الحقول والآبار التي تسيطر عليها قسد[4]، ولا يغطي هذا الإنتاج مُجتمِعاً سوى نصف احتياج محطات توليد الكهرباء عَبْر العنفات الغازية والبالغ حوالَيْ 18 مليون متر مكعب يومياً.  

يتم إنتاج الغاز السوري من حوالَيْ 28 حقل غاز أو نفط وغاز مُصاحِب، تتوزع 19 منها في محافظة حمص و5 منها في محافظة دير الزور و2 في محافظة الرقة و2 في محافظة حماة.  

 

خريـطة قطاع الغاز في سوريا
 

ثالثاً: إجراءات الطوارئ الحالية  

منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 أوقفت قسد إمدادات النفط والغاز التي كانت ترسلها للنظام السابق تنفيذاً لاتفاق تمّ عقده بين الطرفين منذ عام 2012 لتقاسُم إنتاج النفط والغاز في مناطق سيطرة قسد عقب انسحاب النظام منها بناءً على الاتفاق المذكور، كما أوقفت إيران شحنات النفط الخام التي كانت ترسلها بحراً ضِمن الخط الائتماني للنظام السابق، وكانت هذه الشحنات تمثل 90% من واردات النفط الخام التي تصل لمصفاتَيْ حمص وبانياس.  

أدى القطع المزدوج من قسد ومن إيران لتراجُع إنتاج مصفاة حمص إلى 50% من طاقتها التصميمية والتشغيلية، وتراجُع إنتاج مصفاة بانياس إلى 60% من طاقتها التصميمية والتشغيلية، وللتعويض الطارئ لهذا الانقطاع في الإمدادات ازدادت عمليات التوريد البري للمحروقات من تركيا، ثم وصلت يوم 12 كانون الثاني/ يناير 2025 أول ناقلة نفط قطرية محمَّلة بالغاز المنزلي إلى ميناء بانياس تمهيداً لنقلها وتوزيعها على المحافظات، وهي بطبيعة الحال تكفي حاجة مناطق سيطرة الإدارة السورية الجديدة لعدة أيام فقط.  

الإدارة السورية الجديدة أكّدت عدم تأثير العقوبات الدولية على عملية الاستيراد للنفط والغاز؛ وعليه بدأت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية منذ منتصف كانون الثاني/ يناير 2025 بشكل دوري بطرح إعلانات مناقصات لاستيراد النفط والغاز والبنزين والديزل [5] .  

رابعاً: التحدِّيات المستقبلية أمام الإدارة السورية الجديدة  

يتأثر إنتاج النفط والغاز في سوريا باستمرار وجود مناطق نفوذ وسيطرة مختلفة غير خاضعة لإدارة واحدة، إضافة للمعوقات آنِفة الذكر المرتبطة باستهلاك المرافق والمُعَدّات وعدم صيانتها في السنوات السابقة، وتأثُّر القطاع عموماً بآثار الحرب والصراع.  

من المتوقَّع أن يواجه إعادة تأهيل هذا القطاع وتشغيله من الإدارة الجديدة وحكومتها عدداً من التحديات والعوامل المؤثرة، سياسياً واقتصادياً وفنياً وأمنياً؛ وأهمّها في الوقت الحالي:  

تفرُّق الآبار والحقول بين مناطق السيطرة المختلفة وعدم وجود صيغ مشتركة لإدارة القطاع بين الأطراف المتنازعة، حيث توجد معظم حقول النفط والمنشآت النفطية، وأكثر من ثلث آبار الغاز تقريباً في مناطق سيطرة قسد، ومع وجود احتمال باستمرار النزاع -وبقاء الكثير من الحقول والآبار خارج موارد الدولة- ستكون الإدارة الجديدة في دمشق مضطرة للوصول إلى اتفاق يضمن على أقل تقدير وقف الاستنزاف الحالي للقطع الأجنبي الذي تستنزفه عمليات الاستيراد للنفط والغاز أو للمحروقات والمشتقات النفطية.  

الأضرار المادية الكبيرة في البنى التحتية والمنشآت، والناتجة عن عمليات التخريب المباشر أو السرقة، أو الضرر الناتج عن الاشتباكات، أو التهالك الطبيعي، أو نتيجة محدودية عمليات الصيانة الدورية الضرورية أو انعدامها على مدار 14 عاماً، فضلاً عن عمليات الاستخراج والتكرير البدائي المنتشرة في مناطق سيطرة قسد وما نتج عنها من تلوث بيئي في المنشآت والمناطق المحيطة بها.  

ربما من الصعب تقدير ما يحتاجه القطاع ومرافقه من كلف مالية لإعادته إلى الإنتاج الطبيعي أو الأمثل، لكن النظام السابق كان قد وصل إلى تقدير حجم الضرر الذي لحق بالقطاع في رسالتين وجهتهما وزارة خارجية النظام السابق إلى الأمين العامّ للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن نهاية عام 2022، قدّرت حينها كلفة التخريب والسرقة للمنشآت في قطاع النفط والغاز بحوالَيْ 3.2 مليار دولار والأضرار الناتجة عن "قصف طيران التحالف الدولي للمنشآت" بحوالَيْ 2.9 مليار دولار [6] .  

النقص في الموارد البشرية والكوادر الفنية المؤهَّلة والمدرَّبة، وهو تحدٍّ مستمر من قبل عام 2011 بسبب هجرة معظم المختصين في هذا المجال بعد إكمال دراستهم، حيث تتوفر في الخارج ظروف عمل أفضل.  

خلال سنوات الصراع في سوريا تضاعف النقص في الموارد البشرية في قطاع النفط والغاز مع ازدياد حالات الهجرة العامة التي حصلت والحالات الخاصة بالعاملين في هذا القطاع مع تراجُع قيمة الأجور وازدياد المخاطر الاستثنائية للعمل، وما تزال المنشآت النفطية معرَّضة لهجمات متنوعة من أطراف الصراع، وبالتالي لن يكون سهلاً استقطاب الخبراء والفنيين للعمل فيها.  

استمرار العقوبات الدولية وعلى رأسها الأمريكية والأوروبية، بما تُسببه من إعاقة كاملة أو جزئية لعمليات الصيانة للأدوات والآليات والمَرافق، والترميم للحقول والآبار، كما تحدّ العقوبات من فرص الاستثمار الخارجي التي من الممكن أن تذهب لها الإدارة في قطاع النفط والغاز، فالاستثمارات تحتاج إلى ضمان أكبر من مجرد الاستثناءات المؤقَّتة للعقوبات.  

تواجه الإدارة الجديدة هذا التحدي في مختلف القطاعات، وربما تأثيره في قطاع النفط والغاز سيكون أكبر وبشكل مباشر، وعليه فلا بُدّ من استمرار الجهود السياسية والقانونية لحلّ هذه المعضلة.  

عدم الاستقرار الأمني، حيث ما تزال هناك تهديدات أمنية كثيرة، أبرز مصادرها تنظيم داعش الذي يُتوقَّع ازدياد نشاطه وارتفاع مستوى استهدافه لمنشآت قطاع النفط والغاز وخطوط النقل، بهدف تقويض مساعي تحقيق حالة الاستقرار التي تسعى لها الإدارة الجديدة أو لغرض تحصيل موارد مالية عَبْر فرض الإتاوات مقابل عدم التعرُّض.  

هذا التحدي يُسبِّب تردُّد الشركات المستثمرة الأجنبية أو إحجامها، وهذا التهديد سيرتبط مستقبله طرداً مع قدرة الإدارة الجديدة على ضبط المشهد الأمني، وسيطرتها أمنياً وسياسياً على كامل الخريطة السورية، وبالتالي قدرتها على تجفيف منابع التطرف ودوافعه وإنهاء وجود ميليشيات مسلحة خارج سلطة الدولة.  

الخُلاصة  

يبقى قطاع النفط والغاز أهم القطاعات الاقتصادية المرشَّحة لتكون أول روافع الاقتصاد السوري خلال فترة إعادة الإعمار في السنوات القادمة، خاصةً في حال نجاح الإدارة السورية الجديدة في إعادة إنتاج النفط والغاز في مستوياته الطبيعية التي كانت قبل عام 2011، أي الوصول إلى إنتاج النفط بما يُحقق عائداً مالياً سنوياً قد يصل إلى 10 مليارات دولار، بناء على حساب 70 دولاراً لسعر البرميل الواحد.  

تفرض الحاجة لإعادة تشغيل قطاع النفط والغاز على الإدارة الجديدة بناء الثقة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية، والبحث عن فرص التعاون والاستثمار، الأمر الذي يتناسب مع توجُّه الإدارة للخصخصة والشراكات على المستوى الداخلي والخارجي، وهو السبيل أمامها لتجاوُز معوقات قلة التمويل وقلة الخبرات والكفاءات المحلية.  

إنَّ النجاح في إعادة تفعيل هذا القطاع ورفع عائده الاقتصادي سيكون من الأولويات بالنسبة للإدارة الجديدة، وبالتالي فإنها ستعمل على مواجهة مجموعة من التحديات للوصول إلى ذلك، بدايةً من أن الحقول والآبار ليست ضِمن مناطق إدارتها حالياً، مروراً بمجموعة من المعوقات اللوجستية والفنية التي تحتاج إلى الوقت والجهد والتمويل، حيث البِنْية التحتية مستهلَكة بشكل شِبه كامل، ومَرافق القطاع لم تخضع للصيانة لسنوات طويلة، وصولاً إلى أن الاستثمار الفعّال لا بُدّ أن يسبقه الاستقرار الأمني والسياسي ورفع العقوبات الدولية.  



للاطلاع على الخرائط والرسوم البيانية اضغط هنا     
 

 


[1]Syria Energy Data Statistics and Analysis، Energy Information Administration، 01/08/2011. Link  

[2]وزير النفط والثروة المعدنية السوري لـ CNBC عربية: الإنتاج حالياً من الآبار تحت سيطرة الحكومة لا يتجاوز الـ 10 آلاف ب/ ي وهو رقم قليل جداً، CNBC عربية، 13/01/2025. الرابط  

[3]Syria Energy Data Statistics and Analysis, Energy Information Administration, Op. cit  

[4]وزير النفط والثروة المعدنية السوري لـ CNBC عربية: الإنتاج حالياً من الآبار تحت سيطرة الحكومة لا يتجاوز الـ 10 آلاف ب/ ي وهو رقم قليل جداً، CNBC عربية، مرجع سابق.  

[5] سوريا تفتح باب استيراد النفط لتوفير المشتقات للسوق المحلية،وكالة الأناضول، 13/01/2025. الرابط  

[6] الخارجية: الخسائر المُباشِرة لاعتداءات قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات والكيانات الإرهابية التابعة له بلغت 25.9 مليار دولار،وكالة سانا، 14/12/2022. الرابط  

 

الباحثون