سيناريو "منتصف الطريق" للتطبيع بين تركيا والنظام السوري
يوليو 19, 2024 2219

سيناريو "منتصف الطريق" للتطبيع بين تركيا والنظام السوري

حجم الخط

بعد أن أشارت تركيا علناً إلى رغبتها في بَدْء عملية تطبيع العلاقات مع النظام السوري خرج الأخير بشروط مسبقة وتصريحات متناقضة، مما جعل فرصة التطبيع الحقيقي تبدو ضعيفة، فهل هذا بسبب قوة النظام أم عجزه؟ يجيب عن ذلك الباحث تشارلز ليستر في مقاله الذي حمل عنوان "سورية تتصدّر المشهد في رقصة التطبيع التركي".   

    

نصّ الترجمة   

على مدى عدة أسابيع، أشارت الحكومة التركية علناً إلى رغبتها في بَدْء عملية تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وقد دعا الرئيس رجب طيب أردوغان في عدّة مناسبات بشار الأسد إلى اجتماع ثنائي، ثم تبعه وزير خارجيته هاكان فيدان، فشجع دمشق على قبول "دعوة أردوغان للسلام". وفي 11 تموز/ يوليو، في قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، كان الرئيس أردوغان واضحاً للغاية عندما قال: "لقد وجّهت كلامي للأسد قبل أسبوعين، قائلاً له: إما أن تأتي إلى تركيا أو نلتقي في بلد ثالث، كما وجهتُ تعليمات إلى وزير خارجيتي للتعامل مع هذه المسألة". جاء هذا التصريح وسط شائعات تفيد بأن رئيس الاستخبارات إبراهيم كالين يخطط للسفر قريباً إلى بغداد للقاء مسؤولين سوريين وعراقيين، وهو مسار للحوار مفتوح منذ عدة سنوات.   

تأتي التلميحات والرسائل التركية الأخيرة في أعقاب جهود إقليمية كبيرة، بقيادة العراق في المقام الأول وإيران في المقام الثاني، لإقناع تركيا بالدخول في تحالُفات أمنية إقليمية جديدة وواقع سياسي جديد. ويبدو أن هذه المبادرات العراقية، بدعم إضافي من لجنة الاتصال العربية التي تركز على سورية، تهدف إلى البناء على جهود الحكومات الإقليمية عام 2023 لإعادة إشراك النظام ودفع الحَراك الدبلوماسي الرامي إلى حلحلة الآثار الأكثر ضرراً للأزمة السورية. في الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين علناً إن بغداد ستستضيف قريباً اجتماعاً بين النظام وتركيا، يركز ابتداءً على القضايا الأمنية. ومن ناحية أخرى، أفادت التقارير بأن روسيا تعارض استضافة بغداد لهذا الاجتماع، وتفضل بدلاً من ذلك عقد اجتماعات من هذا القَبيل في تركيا، وبتسهيل روسي.   

في الأسابيع الأخيرة، زعمت العديد من وسائل الإعلام الإقليمية أن النظام قد اقتنع بتخفيف شرطه المرتبط باستئناف العلاقات التركية بالكامل، أي المطالبة بالانسحاب العسكري التركي الكامل قبل أي خُطوات دبلوماسية. مع ذلك أعلنت وزارة خارجية النظام أن أي إعادة للعلاقات يجب أن "تُبنى على أُسُس واضحة، وأهمها انسحاب القوات الموجودة بشكل غير قانوني من الأراضي السورية".   

يبدو أن تأكيد النظام على موقفه الراسخ ورفضه الواضح للتوقعات السائدة لدى الدول الإقليمية بشأن موقفه أو سياساته أعاد احتمال التطبيع الحقيقي إلى نقطة البداية. وكان هذا هو النمط ذاته الذي شهدناه مطلع عام 2023، عندما أدلى الرئيس أردوغان بتصريحات عامة متطابقة تقريباً مع تصريحاته الحالية حول لقاء الأسد قبل الانتخابات الرئاسية التركية في أيار/ مايو 2023. كما باءت هذه المبادرات بالفشل عندما واجهت شرط الأسد المسبق لانسحاب القوات العسكرية التركية. وبعد أن أدلى بصوته في الانتخابات البرلمانية السورية في 15 تموز/ يوليو عاد الأسد ليعكّر صفو الأمور مرة أخرى، عندما قال "ليس لدينا شروط"، لكن "متطلبات" النظام تتضمن الانسحاب التركي.   

لقد تساءل الأسد "ما الهدف من اللقاء؟ لم نسمع شيئاً عن الهدف. هل هو من أجل حلّ القضايا؟ أم لتحسين العلاقات؟ أم إعادتها إلى وضعها الطبيعي؟ يجب أن تكون مرجعية أي اجتماع هي إلغاء أو إنهاء أسباب المشكلة، المتمثلة في دعم الإرهاب والانسحاب من الأراضي السورية. هذا هو جوهر المشكلة، فالاجتماعات مستمرة، وقد تم ترتيب اجتماع على المستوى الأمني، ويقول وزير الخارجية التركي إن هناك اجتماعات سرية، لكن لا يوجد شيء سري بالنسبة لنا في دمشق، كل شيء يحدث في العلن، ولا أحد يريد خلق المزيد من المشاكل مع جيرانه، لكن هذا لا يعني أننا سنمضي قدماً بدون قواعد واضحة". وقد أصبحت الأمور أكثر غموضاً بعد هذه التعليقات.   

بالنسبة لتركيا، فإن سياسة النظام مبنية على مصلحتين للأمن القومي يُنظَر إليهما على نطاق واسع على أنهما وُجودِيّتان، هما إيجاد حلّ لأزمة اللاجئين ومواجهة حزب العمال الكردستاني PKK. فيما يخص قضية اللاجئين، تستضيف تركيا أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري، وقد توحدت الأطياف السياسية التركية بالكامل الآن خلف الرغبة المتمثلة بإعادة السوريين إلى ديارهم، لكن التطبيع مع النظام لا يخاطر فقط بتعثُّر عودة اللاجئين، بل قد يؤدي حتى إلى تدفُّقات جديدة من اللاجئين إلى تركيا. ومثلها كمثل لبنان والأردن، ليس لدى تركيا أي وسيلة لتسوية هذه الدوامة الإشكالية. وفي الوقت ذاته، أظهرت دمشق قدرة عسكرية متواضعة جداً على تحييد حزب العمال الكردستاني، الذي ينشط ضِمن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، خاصة في ضوء شراكة الأخيرة مع القوات الأمريكية على الأرض والتحالف الدولي الأوسع لمكافحة تنظيم داعش. ومع هذه العقبات التي يبدو أنه لا يمكن التغلب عليها أكثر من أي وقت مضى، فإن التطبيع الشامل الحقيقي للعلاقات التركية السورية ما يزال يبدو بعيد المنال.   

في نهاية المطاف هناك بعض التطوُّرات الرمزية التي تفيد الواقع الجيوسياسي الإقليمي، بما في ذلك اجتماع وزراء الخارجية أو حتى الرؤساء، ولكن العودة الحقيقية إلى العلاقات قبل عام 2011 تبدو وكأنها ستتعطل بسبب الحقائق المُرّة التي نشأت في سورية على مدى 13 عاماً.   

بالطبع يُلاحظ أنه في ظل كل الإشارات التركية، لم يتم تقديم شيء جوهري من النظام أو من الوسطاء مثل العراق وإيران وروسيا لمعالجة أي من المشاكل الأساسية التي تتطلب تحركاً فعلياً، سواء كان ذلك في إعادة اللاجئين، أو العملية السياسية، أو مكافحة الجريمة المنظمة، أو حلّ الأزمة الإنسانية المدمرة، وكل ما يتم الحديث عنه هو كلام بدون مضمون فعلي تقريباً.   

أخيراً قد يكون سيناريو "منتصف الطريق" الذي يركز بشكل رئيسي على الرمزية والشكليات كافياً لجميع الأطراف المعنية في عملية التطبيع بين تركيا والنظام، لكن حتى ذلك قد يتسبب في عدم استقرار كبير، سواء في تركيا أو عبر الحدود شمال سورية. فالأسابيع الثلاثة الماضية وحدها شهدت موجة من الهجمات العنيفة ضد اللاجئين في تركيا وأعمال شغب مميتة ومواجهات مسلحة ضد تركيا في شمال سورية. وبالنسبة للمعارضة الرسمية السورية، تبدو التطورات الأخيرة تحمل تهديداً وجودياً حقيقياً لها، ولم يسبق أن كانت تعبيرات الغضب والعداء تجاه ائتلاف المعارضة السورية بارزة وحيوية كما هي الآن في حلب وإدلب، وبسبب عدم قدرتها على التحدث بقوة ضد أنقرة، تعرضت مصداقية المعارضة السياسية السورية لضربة قوية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.   

 

ترجمة: عبد الحميد فحام   

المصدر: Syria Weekly