سياقات جديدة في الجولة 21 من مباحثات "أستانا" بشأن سورية
يناير 25, 2024 2588

سياقات جديدة في الجولة 21 من مباحثات "أستانا" بشأن سورية

حجم الخط

انعقدت في 24 و25 كانون الثاني/ يناير 2024 الجولة 21 من اجتماعات "أستانا" بشأن سورية، وتضمّنت المباحثات والبيان الختامي سياقات جديدة يبدو أنها كانت سبباً في استئناف المسار والتأكيد على استمراره بعد أن أوشك على الانتهاء مع اختتام أعمال الجولة 20 منتصف عام 2023.          

السياق الأول وهو الأثر السلبي المتوقّع للصراع "الفلسطيني – الإسرائيلي" على الوضع في سورية، والذي بادر لأجله المبعوث الأممي غير بيدرسون بطلب عقد الجولة؛ حيث شدّد الضامنون على أهمية منع اتساع منطقة المواجهة المسلحة وجرّ دول أخرى في المنطقة إليها.          

السياق الثاني وهو العودة إلى المسار الرباعي بين تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري ومواصلة الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، بعدما توقفت منذ  الاجتماع الأخير الذي عُقد على مستوى نواب وزراء الخارجية على هامش أستانا الجولة 20.          

السياق الثالث وهو ضرورة الحفاظ على الهدوء على الأرض في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وبذل المزيد من الجهود لضمان التطبيع المستدام للوضع شمال غرب سورية، بما في ذلك الوضع الإنساني. قد يكون هذا الأمر سبباً رئيسياً لعقد الجولة؛ حيث تشهد منطقة إدلب منذ مطلع تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023    تصعيداً عنيفاً وغير مسبوق من سنوات تقوم به قوات النظام وحلفاؤه بذريعة الردّ على هجوم الكلية الحربية في حمص، ووصل القصف إلى حدّ استخدام القنابل الفوسفورية لأول مرة منذ عام 2021 مما استدعى تحليق الطيران الحربي التركي في أجواء إدلب، وإرسال الجيش التركي تعزيزات عسكرية تضمنت دبابات ووحدات مدفعية تمركزت في بعض نقاط المراقبة التركية شرق إدلب.          

السياق الرابع يأتي في ظل إعلان الإدارة الذاتية عن العقد الاجتماعي وما يحمله من أجندة تعتبرها تركيا انفصالية، وصعّدت إثرها من هجماتها ضد حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية. وعليه يُمكن فهم إعلان الضامنين تجديد الوقوف ضد الأجندات الانفصالية، ورفض مبادرات الحكم الذاتي شمال شرقي سورية، وتهديد الأمن القومي للبُلدان المجاورة.          

السياق الخامس وهو إدانة أي جهود يبذلها أي بلد لتأجيج التطلعات التي وصفها بيان "أستانا" بالإرهابية والانفصالية لبعض الجماعات العِرْقية والطائفية. هذا السياق يتعدى الإدارة الذاتية "الكردية" باعتبار أنّها تُشير إلى حالة عِرْقية إلى ما تشهده السويداء ذات الغالبية الدرزية من احتجاجات مستمرة منذ منتصف آب/ أغسطس 2023. بمعنى أنّ البيان يلبي في هذا البند مصالح الأردن العضو المراقب في مسار "أستانا"، رغم ما تمر به العلاقات بين عمان ودمشق من توتُّر؛ حيث لا يرغب الأردن باستمرار الحراك في السويداء خوفاً من تطوُّره إلى حالة تشبه شمال شرقي سورية من ناحية قيام جيوب أو كانتونات خارجة عن سيطرة النظام على حدوده، قد تُشكّل عِبْئاً أمنياً جديداً عليه.          

بالمحصّلة ابتعد اجتماع "أستانا" عن الأجندة السياسية والإنسانية الخاصة بسورية رغم ما تضمنه البيان الختامي من التأكيد على دعم استمرار أعمال اللجنة الدستورية ومواصلة المساعدات الإنسانية وزيادتها. بالمقابل هيمنت القضايا الأمنية على مباحثات أستانا في هذه الجولة؛ بهدف الحفاظ على التهدئة الإقليمية؛ لأن استمرار التصعيد في سورية سيعزز من الصراعات الداخلية في سورية، وبهدف محاولة العودة للمسار الرباعي الخاص بتطبيع العلاقات بين تركيا والنظام طالما أنّ الدول الضامنة استطاعت العودة للمسار الثلاثي واستئناف أعماله من جديد.