تموضع تنظيم داعش من اضطرابات دير الزور والسويداء
سبتمبر 15, 2023 1638

تموضع تنظيم داعش من اضطرابات دير الزور والسويداء

حجم الخط


تشهد سورية منذ منتصف آب/ أغسطس 2023، تطوُّرات ميدانية غير مسبوقة منذ سنوات قد تُؤثّر على تموضع مختلف الفاعلين المحليين، بما فيهم داعش؛ حيث تشهد دير الزور والسويداء اضطرابات في مناطق تقع ضِمن نطاق انتشار ونشاط التنظيم الأمني والعسكري. 

مواجهات دير الزور التي اندلعت بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) تتركّز في ريف المحافظة الشرقي الذي يُسجَّل فيه عادة أعلى نشاط لتنظيم داعش في مناطق شرق الفرات. كذلك تنشط خلاياه بين الفترة والأخرى في بادية السويداء التي تشهد مدنها وبلداتها احتجاجات غير مسبوقة ضد النظام السوري، مما يجعل التنظيم قريباً من ساحة الحدث والتأثير المتبادَل معه. 

يُلاحَظ أنّ التنظيم لم يُوسّع من استهدافه لقسد والمتعاونين معها في دير الزور خلال فترة المواجهات، كذلك لم يَقُم باتخاذ أي خُطوة أو إعلان موقف -رسمي- من العشائر التي استمرت مشيختها بالتعامل مع التحالف الدولي والتعويل عليه لتحصيل أهدافها من الحراك. على العكس أوقفت خلايا داعش بشكل شِبه كامل نشاطها العسكري والأمني في مناطق الاشتباكات مع استمرار استهدافها لقسد خارج تلك المناطق أي في الرقة والحسكة وغربي دير الزور. 

من الواضح أنّ داعش اختار الانتظار والمراقبة لمآل المواجهات بين الطرفين؛ نظراً لخبرته في المنطقة التي تُعرف بتعقيد المشهد من ناحية التحالفات والمواقف، بالتالي لم يُوجّه أي رسائل داعمة للعشائر أو تؤثّر سلباً على حراكها، رغم أنّ أنصار التنظيم -المحليين- ناشدوا العشائر للتعاون معه واستغلال الظروف المواتية لإخراج قسد من دير الزور، إلا أنّ أنصاره -الخارجيين- كانوا أَمْيَل للشماتة بالعشائر ومصيرها الراهن. 

في السويداء لم يُنفّذ التنظيم أيّة عملية ضِمن الحدود الإدارية للمحافظة خلال فترة الاحتجاجات، ولم يستثمر حالة عدم الاستقرار لتعزيز نشاطه فيها الذي تراجع إلى حدود الصفر منذ بداية عام 2023، رغم أنّ خلاياه ما تزال تنتشر في الريف الشرقي، وتنفّذ عمليات مستمرّة ضد قوات النظام والمتعاونين معه في درعا القريبة منها. علماً أنّ السويداء تتبع تنظيمياً في هيكلية التنظيم قاطع حوران، والذي يضمّ محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة. 

غالباً ما يتعامل التنظيم في الجنوب السوري -قاطع حوران- مع احتجاجات السويداء على نحو مختلف عن الوضع في دير الزور -قاطع البركة؛ بسبب حالة من اللامركزية بين المنطقتين على مستوى القيادة ونشاط الخلايا. 

إنّ اتخاذ التنظيم حالياً موقف الحياد وسياسة النأي بالنفس من الاضطرابات الجديدة في سورية مرتبط بجملة من الحسابات؛ فاستهدافه السويداء لن يُحقق له الغاية السياسية المرجوّة وهي الدعاية والدعم المحلي والاستنزاف لأطراف النزاع، لكنه غالباً لن يُفوّت فرصة توسيع نشاطه في بادية المحافظة إنْ أتاح النظام له المجال على غرار الحالات السابقة، خصوصاً أنه لا يملك أي فرصة للتفاوض مستقبلاً مع مشيخة عقل الطائفة الدرزية، بخلاف حالة دير الزور؛ حيث يساعده موقف الحياد حالياً على التفاوض مع أطراف من المجتمع المحلي فيها لتوسيع نشاطه سواءً بغرض استهداف قسد أم تجميع المعلومات أم تحسين الموارد، كما أنّ تدخُّله في دير الزور قد يُعرّضه للاستنزاف؛ كون التحالُف الدولي سيفرض تهدئة ويوجه المجهود العسكري والأمني ضد خلاياه. 

بالمحصلة لم يُغيّر التنظيم من سياسته تجاه مختلف الأطراف في دير الزور والسويداء، سواء من ناحية تصنيفه للعشائر أو استهدافه لقسد -بمختلف مكوناتها العربية والكردية- أو استهدافه لقوات النظام والمتعاونين معه في الجنوب السوري، إلا أن الظروف الميدانية والاحتجاجات دفعته للتموضع في خيار الانتظار، وربما الضغط لاحقاً على الأطراف في الشرق السوري بما يحقق له بعض المصالح اللوجستية والماليّة.