تأثير الضربات الإسرائيلية على الوجود الإيراني في سورية
مايو 31, 2024 2558

تأثير الضربات الإسرائيلية على الوجود الإيراني في سورية

حجم الخط

مقدمة     

تشنّ إسرائيل منذ عام 2013 ضربات جوية ضدّ الوجود الإيراني في سورية، ومنذ اندلاع الحرب في غزة مطلع تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023 زادت وتيرة هذه الضربات، حيث نفذت ما لا يقل عن 40 ضربة حتى نهاية أيار/ مايو 2024، وهو معدّل مرتفع مقارنةً مع الفترة ذاتها خلال الأعوام السابقة والتي لم تَزِدْ فيها عن 22 ضربة.     

تفاوتت طبيعة الأهداف التي ضربتها إسرائيل بما يتناسب مع كل مرحلة، إلا أنها لم تُوقف أنشطة إيران المتزايدة في سورية التي تتمثل في السيطرة على قواعد عسكرية متقدِّمة كالفوج 89 في درعا الذي يبعد حوالَيْ 50 كم عن الحدود مع الجولان، وإنشاء الميليشيات الرديفة لقوات النظام السوري من العناصر المحليين، ومن عناصر الميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية.     

كان -وما زال- الهدف الأساسي للضربات الإسرائيلية في سورية منع إيران من استخدام الأراضي السورية كقاعدة انطلاق بقُدرات عسكرية نوعية مثل المسيَّرات والصواريخ لعملياتها العسكرية ضدّ إسرائيل، وقد عبّر وزير الاستخبارات يسرائيل كاتز عام 2018 عن ذلك، عقب توقيع كل من إيران والنظام اتفاقية تعاوُن عسكري مشتركة بالتأكيد على عزم إسرائيل الردّ بقوة ضدّ أيّ هدف إيراني في سورية يمكن أن يهدّد أمن إسرائيل، وأنه إذا تدخَّلت قوات الدفاع الجوية التابعة للنظام فستدفع ثمن ذلك [ 1] .     

عملت إسرائيل في سبيل وضع حدّ لتنامي النفوذ الإيراني في سورية على التنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا؛ حيث أنشأت الخط الساخن مع روسيا بعد تدخُّلها العسكري أواخر عام 2015، لمنع الاشتباكات وغيرها من الحوادث خلال الضربات التي تنفذها في سورية، واستضافت منتصف عام 2019 الاجتماع الأمني الثلاثي في القدس الذي تم فيه الاتفاق على ألَّا تكون سورية قاعدة لتهديد جيرانها -يُقصد في ذلك إسرائيل والأردن- فضلاً عن الاتفاق على خروج القوات الأجنبية منها -في إشارة إلى إيران- وتعزيز الرقابة على المناطق الحدودية، لتقليص حجم الأسلحة التي تنقلها إيران عَبْر سورية إلى حزب الله في لبنان [2] .     

أولاً: تأثير الضربات الإسرائيلية قبل الحرب على غزة     

مضى على تدخُّل إيران العسكري في سورية أكثر من 10 سنوات وهي تعتمد لترسيخ نفوذها عسكرياً وأمنياً في البلاد على الميليشيات وزيادة تسليحها، فضلاً عن استخدام أدوات القوّة الناعمة وتوظيفها لصالح وجودها العسكري.     

يقود فيلق القدس التابع للحرس الثوري الميليشيات الإيرانية في سورية؛ عَبْر عدد من المستشارين العسكريين، لا توجد إحصاءات رسمية لحجم الوجود الإيراني في سورية باستثناء تصريحات للجنرال حسين همداني عام 2014 -حُذفت لاحقاً- يقول فيها إنّ عدد قوات التعبئة في سورية هم 70 ألفاً [3] . وحالياً ينشط في سورية ما لا يقلّ عن 15 ميليشيا إيرانية، بعضها فروع لميليشيات عراقية، وبعضها الآخر تم تأسيسها في سورية، فضلاً عن ميليشيات أخرى من جنسيات تنحدر من وسط آسيا، أبرزها: لواء فاطميون ولواء زينبيون وحزب الله العراقي وحزب الله اللبناني وعصائب أهل الحق ولواء أبي الفضل العباس وفيلق الوعد الصادق وسرايا طلائع الخراساني.     

إنّ اعتماد إيران على الميليشيات كان نتيجة ضعف النظام في مواجهة الاحتجاجات الشعبية والنزاع المسلح الذي تبعها، وكان الزجّ بها في سورية يهدف بالدرجة الأولى لحماية النظام من السقوط وتأسيس نفوذ راسخ لها ولتوظيفها في مواجهات مع إسرائيل والأردن والولايات المتحدة وغيرهم.     

تعرّضت المنشآت الإيرانية في سورية منذ تدخُّلها العسكري إلى حين اندلاع الحرب في غزة لما لا يقلّ عن 160 ضربة إسرائيلية، وبينما لم يتجاوز عدد الضربات 30 خلال الفترة بين عامَيْ 2013 و2018 كانت هناك زيادة ملحوظة في هذا العدد في الفترة بين عامَيْ 2018 و2023 بمعدل لا يقلّ عن 25 ضربة سنوياً، إلى أن بدأت الحرب على غزة التي شهدت فيها العمليات الإسرائيلية في سورية زيادة جديدة أيضاً.     

اعتمدت إسرائيل نهاية عام 2017 إستراتيجية "المعركة بين الحروب" لمواجهة نفوذ إيران في سورية، حيث زاد في تلك الأثناء عدد ضرباتها ضد المنشآت الإيرانية في سورية، بالتزامن مع سيطرة النظام بدعم من إيران وروسيا على حلب شمال البلاد، ثم سيطرته على المنطقة الجنوبية. هدفت إستراتيجية إسرائيل لتحقيق 3 أهداف وهي: منع تعاظم قدرات الميليشيات الإيرانية، والتشويش على أنشطتها بما يربك خُطَطها لشنّ عمليات ضدّ إسرائيل، ورفع مستوى الردع [4] .     

كانت إسرائيل قبل حرب غزة تركّز على استهداف مراكز البحوث العلمية وبعض الوحدات العسكرية التي تحتوي على الصواريخ والطائرات المسيَّرة ومنظومات الدفاع الجوي؛ وبلغ استهداف هذه المنشآت 60% من مجموع الضربات، حيث عملت إسرائيل على محاولة منع إيران من نقل خطوط إنتاج وتطوير وتجميع الصواريخ والقذائف المرتبطة بمشروع دقة إلى سورية ولبنان.     

كذلك، كانت إسرائيل تركّز على استهداف قوافل الإمداد العسكري للميليشيات الإيرانية على نحو متكرر، بغرض منع إيران من تأمين خطّ اتصال وإمداد عسكري مباشر لميليشياتها بين العراق وسورية ولبنان. وبعد عام 2018 زادت إسرائيل من وَتِيرة الضربات، وركّزت على مواقع الميليشيات الإيرانية في دمشق ومحيطها والمنطقة الجنوبية في محاولة لمنع إقامة مراكز عمليات تابعة للميليشيات قرب الحدود.     

قبل اندلاع الحرب في غزة لم يكن هناك تركيز كبير لإسرائيل باستهداف الوحدات العسكرية التابعة لقوات النظام باستثناء بعض المواقع والمنشآت التي يستخدمها الحرس الثوري في تخزين الأسلحة وتصنيعها ونقلها وعمليات التدريب مثل اللواء 75 من الفرقة الأولى في جبل المانع بريف دمشق واللواء 106 حرس جمهوري والفرقة الخامس في تل الجموع [5] .     

بالمجمل، عملت إسرائيل قبل الحرب في غزة على ضمان عدم تحقيق إيران لتفوُّق عسكري عليها في سورية يعيق قدرتها على الردع، ويبدو أنّ استمرار الضربات الإسرائيلية وارتفاع وَتِيرتها تباعاً وضع الميليشيات الإيرانية في حالة استنفار دائم، ودفعها لإعادة انتشارها باستمرار بهدف تأمين عناصرها، وأعاق نسبياً مساعيها لتوطين التكنولوجيا العسكرية المتقدمة في سورية، وخلق العقبات اللوجستية أمام تأمين إمداد للميليشيات الإيرانية.     

ثانياً: تأثير الضربات الإسرائيلية بعد الحرب على غزة     

بعد اندلاع الحرب في غزة زاد معدّل الضربات الإسرائيلية في سورية بشكل غير مسبوق منذ عام 2013؛ حيث بلغ عددها خلال الفترة بين مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وأيار/ مايو 2024 حوالَيْ 60 ضربة، وهو معدّل مرتفع للغاية مقارنة مع الفترات السابقة.     

تركّزت عمليات الاستهداف الإسرائيلية بعد حرب غزة بالدرجة الأولى على ضرب شاحنات وقوافل نقل الأسلحة وتدميرها والصواريخ والطيران المسيّر التابع للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني ومستودعات تخزين هذه الأسلحة؛ واستهداف منظومات إطلاق الصواريخ والرادار والدفاع الجوي داخل المواقع التي تنتشر فيها هذه الميليشيات. كان الفارق الأكبر هو بالزيادة الواضحة في عمليات الاستهداف القائمة على التعقُّب والرصد الأرضي المباشر للشخصيات القيادية العسكرية والأمنية التابعة للميليشيات، وأبرزها محمد رضا زاهدي المسؤول الأعلى لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في سورية ولبنان الذي تمّ اغتياله مع قياديين آخرين عَبْر استهداف السفارة الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان/ إبريل 2024.     

في الأثناء كانت الميليشيات الإيرانية قد حافظت نسبياً على حجم نشاطها جنوبي البلاد؛ حيث لم تنفذ أي عمليات هجومية خطرة ضد إسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية، باستثناء بعض الرمايات على مناطق مفتوحة في الجولان بالتعاون مع قوات النظام السوري، واستهداف البرج 22 التابع للقوات الأمريكية في الأردن على الجهة المقابلة من قاعدة التنف جنوب شرقي سورية.     

أظهرت زيادة عدد الضربات الإسرائيلية ونوعيتها بعد الحرب في غزة عجز إيران عن تأمين قادتها وطرق إمدادها البحرية والبرية والجوية؛ حيث نفذت إسرائيل العديد من الضربات على مطارَيْ حلب ودمشق الدولي اللذيْنِ استخدمتها الميليشيات في نقل الأسلحة وتخزينها [6] ، وعندما تم استهداف مقر إقامة للحرس الثوري في منطقة بطرايا بمحيط بانياس على الساحل السوري مطلع آذار/ مارس 2024 بدا أن إسرائيل كانت تتبع وتراقب مساعي إيران لتأسيس بِنْية تحتية لخطّ إمداد بحري لميليشياتها في سورية، بالمقابل كانت إيران عاجزة عن تأمين هذه الطرق رغم الاستعانة أحياناً بروسيا لتوفير الاحتياجات اللوجستية [7] .     

لقد بدت إيران على نحو واضح غير مستعدة بعد حرب غزة للمناورة والدخول في مواجهة من الجبهة السورية مع إسرائيل، حيث أدت زيادة معدل الضربات الإسرائيلية ونوعيتها لوضع أنشطة الميليشيات الإيرانية وأسلحتها وقادتها أمام حالة من الاستنزاف والانكشاف، ما دفع إيران على ما يبدو إلى تقليص عدد مستشاريها وقادتها في سورية، وغالباً ما تكوّنت قناعة لدى الرأي العامّ بعدم مصداقية إيران في ادعاءاتها حول الإعداد والتعبئة لمعارك من أجل القدس وفلسطين، وأن سياساتها المتعلقة بهذا الجانب ما هي إلا للتوظيف في خدمة مشروعها في مدّ نفوذها والسيطرة على المنطقة. عموماً دفعت الضربات الإسرائيلية بعد حرب غزة إيران لعدم المجازفة بميليشياتها أو بقوات النظام من ناحية أداء دور للضغط على إسرائيل انطلاقاً من الجبهة الشمالية.     

 

Info-01-1

 

ثالثاً: مستقبل الوجود الإيراني في سورية     

تلجأ إيران إلى تعزيز نفوذها في سورية باعتبارها أحد الأطراف الرئيسية التي شاركت في النزاع منذ عام 2011، عَبْر اتباع ما أطلق عليه المرشد علي خامنئي "الصبر الإستراتيجي"؛ حيث تتجنَّب الدخول في مواجهة عسكرية مباشِرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فرغم أن ميليشياتها كانت وراء الهجوم على المصالح الأمريكية في سورية لكنها نأت بنفسها عن المسؤولية عن تلك الأنشطة، وهي لم تفتح جبهات الجولان مع أنّ الضربات الإسرائيلية ضدّ نفوذها في سورية كانت مؤثرة للغاية.     

بالتالي تُعوّل إيران على عدم الدخول في مواجهة مع إسرائيل أو أمريكا انطلاقاً من سورية كي تُحافظ على الحدّ الأدنى من نفوذها الذي أسسته بعد عام 2011 مستفيدة من انخفاض حِدَّة الضربات الإسرائيلية خلال الفترة التي سبقت عام 2018.     

لكنّ زيادة الضربات الإسرائيلية لا سيما بعد حرب غزة باتت تُهدد على نحو واضح عمليات الإمداد والتخزين والقيادة للميليشيات الإيرانية في سورية، وإذا ما استمر هذا المعدل بالارتفاع فإنه سيؤدي أيضاً لتعطيل العديد من أنشطتها، في الوقت الذي تواجه فيه هذه الميليشيات تحديات أخرى مثل انخراط الأردن بتنفيذ عمليات ضد أنشطتها في سورية، وتوسيع تنظيم داعش لعملياته ضد ميليشياتها في البادية السورية، ومساعي أهالي السويداء لتقويض نفوذها في المحافظة.     

بالمقابل ما تزال إيران تُعوّل على تعزيز نفوذها ضِمن المؤسسة العسكرية للنظام السوري، والتغلغل أكثر في البِنْية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، فضلاً عن التعاون مع روسيا لتوفير الغطاء العملياتي واللوجستي لنفوذها.     

عموماً لا يبدو أنّ الضربات الإسرائيلية يُمكن أن تؤدي على المدى المتوسط والبعيد إلى تقويض نفوذ الميليشيات الإيرانية، لكنّ الحرب على غزة أظهرت أنها قادرة نسبياً على ردع إيران وتعطيل جهودها الرامية لتحويل سورية إلى قاعدة عمليات متقدمة تستخدمها لتنفيذ مهمات ضدّ إسرائيل.     

خلاصة     

تنحو إيران منحى ألَّا يترتب عليها مخاطر مباشرة نتيجة الضربات الإسرائيلية على مواقعها في سورية من خلال الاعتماد على الميليشيات لتتجنب المواجهة المباشِرة معهما، وتوظف في سبيل ذلك محدودية الضربات الأمريكية ضد المصالح الإيرانية في المنطقة وبشكل خاص في سورية والعراق، وهي تسعى بجدية لتأمين مصالحها العسكرية في سورية بالتعاون مع النظام.     

بالمقابل تبدو إسرائيل مُطْمَئنّة إلى قُدراتها في وضع حدّ للنفوذ الإيراني في حال تجاوُز ميليشياتها الخطوط الحمراء، رغم أن ضرباتها التي نفذتها قبل حرب غزة لم تكن تهدف من ورائها إخراج الميليشيات الإيرانية من سورية، إنما تقليص نفوذها وتحديد انتشارها، لكنها بعد الحرب على غزة بدأت بمرحلة ضرب المخازن والمستودعات الإستراتيجية التي تعمل على تأمين الإمداد اللوجستي للميليشيات الإيرانية في سورية.     

 


 

[1] إسرائيل تهدد مجدداً.. "لن نسمح بتمركز إيراني في سورية، العربية، 29/08/2018،       الرابط .     

[2] الاجتماع الأمني الثلاثي في القدس: الأهداف والنتائج، العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2/7/2019،       الرابط .     

[3] برنامج للقصة بقية، رسائل الأسماك.. حين كان الأسد يبحث عن مهرب، قناة الجزيرة، 28/2/2017،       الرابط .     

[4] إحسان مرتضي، "المعركة بين الحروب" تكتيك العجز الإسرائيلي، موقع مجلة الجيش اللبناني، العدد 405، 1/3/2019،       الرابط .     

[5] الضربات الإسرائيلية في سورية عام 2023، مركز جسور للدراسات، 2/1/2024،  الرابط .     

[6] عند إنشاء أي وحدة عسكرية أو التأسيس لوجود عسكري في منطقة ما، يتم العمل على إنشاء مقرين الأول مقر عمليات تقوم الوحدة باعتماده لتنفيذ برنامج عملها اليومي، والثاني مقر تبادُلي يتم الانتقال إليه عند استهداف الأول من قِبل العدو، وهو ما تعجز عن تأمينه إيران لناحية الموانئ الجوية بشكل خاص.     

[7] موسكو تؤمّن مهبطاً للطائرات الإيرانية لنقل الأسلحة إلى سورية عَبْر مطار حميميم، القدس العربي، 2/11/2023،  الرابط .     



 

الباحثون