الانفتاح الإقليمي والدولي على الإدارة الجديدة في سوريا: الدوافع والدلالات
يناير 22, 2025 215

الانفتاح الإقليمي والدولي على الإدارة الجديدة في سوريا: الدوافع والدلالات

حجم الخط

تمهيد

فَوْر الإعلان عن سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 بدأت العديد من الدول الاتصالات وترتيب الزيارات بمستويات مختلفة مع الإدارة السورية الجديدة وقائدها أحمد الشرع في دمشق، لنقاشها أو إظهار الدعم لها، خاصة بعد إظهار إدارة الشرع حرصها على نقل السلطة بشكل سريع من حكومة محمد غازي الجلالي التي كانت مفوَّضة من النظام السابق، إلى حكومة جديدة تم تكليفها برئاسة محمد البشير.

كانت الشخصيات الأبرز في الإدارة الجديدة التي تسلمت السلطة في دمشق القائد العامّ للإدارة أحمد الشرع، ثم وزير الخارجية أسعد الشيباني ورئيس جهاز الاستخبارات أنس خطاب ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، وهم الذين كانوا يستقبلون الشخصيات والفِرَق الدبلوماسية، إضافة لقيام وفد هذه الشخصيات باستثناء الشرع بسلسلة من الزيارات الرسمية لدول المنطقة، فضلاً عن المشاركة في مؤتمرات عربية ودولية عُقدت من أجل سوريا.

تفاوتت دوافع الانفتاح الإقليمية والدولية على الإدارة، وتفاوتت بالمثل دوافع الإدارة في رسم خارطة علاقاتها الدولية، غيرَ أن أهمية هذا الملفّ كانت واضحة في أولويات الإدارة الجديدة كما أن اكتشاف التغيير في سوريا والتعامل معه عن قرب وتقييم الفاعلين المحليين الجُدد كان في أولوية الكثير من القُوى الإقليمية والدولية.

يستعرض هذا التقرير مسار العلاقات الإقليمية والدولية مع الإدارة الجديدة في دمشق، ويبدأ بالعلاقات الإقليمية، العربية والتركية باعتبارها الأوسع، ثم يستعرض العلاقات مع باقي الفاعلين الدوليين، مع التركيز على طبيعة العلاقة وطريقتها ودلالاتها ومصالح الأطراف فيها، وتوقُّعات تطوُّر كل مسار.

أولاً: الدول العربية

تلقت وزارة الخارجية اتصالات من وزراء خارجية الكويت ولبنان والبحرين والإمارات والعراق والمغرب واليمن والسودان ومصر وسلطنة عُمان، ومن وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية الليبية، ووزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية، ورئيس مجلس الوزراء اللبناني، وأجرى رئيس الإدارة السورية الجديدة اتصالاً هاتفياً مع رئيس دولة الإمارات.

على صعيد الزيارات كانت أول زيارة للإدارة السورية الجديدة ممثلة بوزير الخارجية ووزير الدفاع ورئيس الاستخبارات إلى السعودية، ثم توجه الوفد إلى قطر والإمارات والأردن.

في المقابل توافد لزيار دمشق مجموعة من المسؤولين في الدول العربية هم: وزراء خارجية الأردن والبحرين والكويت وقطر، ورئيس الوزراء اللبناني، ووزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية، ووزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية في ليبيا، والأمين العامّ لمجلس التعاون الخليجي، ورئيس جهاز المخابرات العراقية المبعوث عن رئيس الوزراء العراقي، ورئيس جهاز الأمن الإستراتيجي البحريني، والمبعوث الخاص لسلطان سلطنة عُمان، ووفد من جامعة الدول العربية برئاسة الأمين العام المساعد ورئيس مكتب الأمين العام للجامعة.

على صعيد التمثيل الدبلوماسي فقد استمر العمل ضِمن سفارات الدول العربية التي كانت في دمشق فترة نظام الأسد، مع إعادة قطر افتتاح سفارتها في دمشق بعد إغلاقها الذي استمر من عام 2011، واستمر عمل السفارات والقنصليات السورية في مختلف الدول العربية دون تغيير.

على صعيد الاجتماعات العربية فقد دعت الأردن لجنة الاتصال الوزارية العربية والمؤلفة من وزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر والعراق ولبنان والأمين العامّ للجامعة العربية، ودعت معهم وزراء خارجية الإمارات والبحرين وقطر لعقد اجتماع في مدينة العقبة الأردنية يوم 14 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أعقبه اجتماع آخر في اليوم نفسه انضم إليه وزراء خارجية تركيا والولايات المتحدة وفرنسا وممثلون عن بقية أعضاء اللجنة المصغرة بشأن سوريا وهم المملكة المتحدة وألمانيا، إضافةً إلى الممثِّل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا.

من جانبه دعا مجلس التعاون الخليجي إلى اجتماع وزاري يوم 26 كانون الأول/ ديسمبر 2024، لتدعو الرياض بعدها إلى اجتماع أوسع تحت عنوان "من أجل سوريا" شارك فيه وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة، وعُقد يوم 12 كانون الثاني/ يناير 2025 بحضور وزراء خارجية وممثلي كل من البحرين ومصر وفرنسا وألمانيا والعراق وإيطاليا والأردن والكويت ولبنان وعمان وقطر وإسبانيا وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والأمين العامّ للجامعة العربية، والممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية والأمين العامّ لمجلس التعاون الخليجي ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، وعقد وزير الخارجية السوري على هامش الاجتماع عدداً من اللقاءات الثنائية مع وزراء الخارجية المشاركين.

أشارت البيانات الختامية الصادرة عن هذه الاجتماعات إلى دعم استقرار سوريا وعملية الانتقال السياسي فيها، وعملياً كانت هذه الاجتماعات قد انتقلت إلى رفع مستوى دعم الإدارة الجديدة بما يتناسب مع قدرتها على بسط سيطرتها على الأرض، وقدرتها على تشكيلها حكومة تدير شؤون البلاد، وتعمل على استمرار تقديم الخدمات للسكان، وتتعهد بمكافحة الإرهاب، وتتواصل مع الأقليات، وتضمن حمايتهم وإشراكهم في الحكم مستقبلاً، وتتعهد باحترام حقوق المرأة، إلى جانب عملها على تشكيل وزارة دفاع لضمّ جميع الفصائل المسلحة إليها، وحصر السلاح بيد الدولة، وبالمقابل تراجع في بيانات هذه الاجتماعات ذكر القرار 2254 والعملية السياسية التي تجري وَفْقه برعاية الأمم المتحدة.

طلب البيان الختامي للجنة الاتصال الوزارية العربية من الأمين العامّ للأمم المتحدة دعم دور المبعوث الأممي إلى سوريا، وبَدْء العمل على إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا ودعم العملية الانتقالية فيها ورعايتها ومساعدة الشعب السوري في إنجاز عملية سياسية يقودها السوريون وَفْق القرار 2254، بما في ذلك تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافُق سوري، والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد، عَبْر انتخابات حرة ونزيهة تشرف عليها الأمم المتحدة، استناداً إلى دستور جديد يقره السوريون، وضِمن تواقيت محددة وَفْق الآليات التي اعتمدها القرار[1].

بالمقابل لم يدعم بيان الاجتماع الثاني في العقبة إنشاء بعثة أممية، واكتفى بمطالبة الأمين العامّ للأمم المتحدة بتوسيع نطاق وجود الأمم المتحدة على الأرض، ولم يدعم عملية سياسية وَفْق القرار 2254 واكتفى بوجوب وجود عملية سياسية تستند إلى مبادئ القرار[2]، وكذلك أغفل بيان المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي أيّ إشارة إلى القرار 2254 أو إلى ارتباط العملية السياسية به، أو بمبادئه[3].

بيان مؤتمر الرياض دعم عملية انتقالية سياسية سورية تتمثل فيها القُوى السياسية والاجتماعية، تحفظ حقوق جميع السوريين، وبمشاركة مختلف مكوِّنات الشعب السوري، وغاب عنه أيّ إشارة إلى القرار 2254، وأيّ إشارة إلى دور الأمم المتحدة في العملية السياسية، بل إن المبعوث الأممي الخاص أغفل هو الآخر في تغريدات نشرها عن المؤتمر الإشارة إلى القرار 2254، واكتفى بالحديث عن "استعداد الأمم المتحدة لدعم سوريا، والشعب السوري، في مواجهة هذه الفرصة والتحدي التاريخي"[4].

الدوافع العربية في الانفتاح على الإدارة السورية تتنوع بين إيجاد حلّ لمشكلة اللاجئين خصوصاً في دول الجوار، ووقف إنتاج المخدرات وتهريبها، وجعل سوريا بشكل عملي جزءاً من مكافحة الإرهاب، فضلاً عن إنهاء كونها ملاذاً آمِناً للإرهابيين، وأيضاً محاولة احتواء آثار وصول ما يسمى "الإسلام السياسي" للسلطة في دولة عربية.

في حين تشير نوعية الزيارات العربية إلى دمشق خلال الشهر الأول من سلطة الإدارة السورية الجديدة إلى وجود هاجس أمني عند الدول العربية، قد يكون هو الدافعَ الأكبرَ لدى الدول العربية في انفتاحها على الإدارة، وتريد الدول العربية أيضاً ألّا تقع سوريا تحت سياسة المحاور الإقليمية خاصة تركيا.

الإدارة السورية الجديدة تعمل من جهتها على استعادة العمق الإستراتيجي العربي، وتريد الابتعاد عن سياسة المحاور الإقليمية بوجود مظلة واسعة من العلاقات العربية، وتريد من الدول العربية مساعدتها في رفع العقوبات الدولية عنها، ودعم الاقتصاد السوري، والمساهمة في مشاريع إعادة الإعمار.

من المتوقَّع أن يتوج الانفتاح العربي بدعوة الإدارة لشغل مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، والمشاركة في جميع أجهزتها واجتماعاتها، وعلى الصعيد الاقتصادي من المتوقَّع أن يكون هناك انفتاح عربي تجاري واقتصادي واسع، ومساهمات في ملفات الطاقة مثل النفط والغاز والكهرباء.

ثانياً: تركيا

كانت زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركية يوم 12 كانون الأول/ ديسمبر 2024 هي أول زيارة لمسؤول أجنبي إلى دمشق بعد سقوط نظام الأسد، ثم بعد 10 أيام جرت زيارة وزير الخارجية التركي إلى دمشق، في المقابل توجَّه وفد من الإدارة السورية الجديدة يضمّ وزير الخارجية ووزير الدفاع ورئيس الاستخبارات العامة إلى أنقرة منتصف كانون الثاني/ يناير 2025، والتقوا الرئيس التركي، ووزيرَي الخارجية والدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات، وكانت تركيا من أوائل الدول التي أعادت افتتاح سفارتها في دمشق في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2024 ثم أعادت افتتاح قنصليتها في حلب في 22 كانون الثاني/ يناير 2025 بعد إغلاقهما لما يقارب 13 عاماً.

العلاقات بين تركيا والإدارة السورية الجديدة أو جزء كبير من فصائلها ومكوِّناتها تسبق الوضع المستجدّ بعد سقوط نظام الأسد، حيث كان هناك اتصال مستمر وترتيبات على الأرض في إدلب وشمال حلب.

إنَّ دوافع تركيا في دعم الإدارة السورية الجديدة تركز بشكل أساسي على أن يكون النظام السياسي الجديد في دمشق حليفاً لأنقرة، وخاصة في ملف مكافحة حزب العمال الكردستاني (PKK) وفروعه التابعة له في مناطق قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وإدارتها الذاتية التي تسيطر على شمال شرق سوريا، كما تدعم تركيا الإدارة السورية الجديدة لضمان معالجة الهاجس الأمني المتمثل بدعم إسرائيل لقسد والمجموعات الكردية القريبة من تركيا، ومن الدوافع الأمنية أيضاً تسهيل عودة اللاجئين السوريين من تركيا، إضافة إلى المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تحصل عليها، سواء على مستوى خطوط التجارة والنقل والطاقة، أم من عقود مشاريع إعادة الإعمار.

الإدارة السورية الجديدة ترى من جانبها في تركيا حليفاً قوياً لها[5]، وستكون حريصة على إقامة أفضل العلاقات معها، حيث يمكن لتركيا أن تكون شريكاً فعّالاً في إعادة بناء الدولة السورية.

ثالثاً: الولايات المتحدة الأمريكية

منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد أبدت الولايات المتحدة ارتياحها لذلك في تصريح صادر عن مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية [6]، تلاه كلمة للرئيس الأمريكي -في وقتها- جو بايدن في البيت الأبيض يرحب فيه بسقوط النظام[7]، ثم صدر بيان[8] عن وزير الخارجية الأمريكي يوم 10 كانون الأول/ ديسمبر 2024 أعاد فيه تأكيد الولايات المتحدة على دعمها الكامل لعملية انتقال السلطة السياسية بقيادة سوريا وملكيتها، وذكر الإطار الذي سيحدد طريقة تعامُل بلاده مع الإدارة السورية وَفْق شروط احترام حقوق الأقليات بشكل كامل، وتسهيل تدفُّق المساعدات الإنسانية إلى كافة المحتاجين، ومنع استخدام سوريا قاعدة للإرهاب أو محطّ تهديد لجيرانها، وضمان تأمين كافة مخزونات الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وتدميرها بشكل آمِن.

طلبت الخارجية الأمريكية من كافة الدول أن تمتنع عن التدخل الخارجي في شؤون سوريا، وأكد البيان أنَّ الولايات المتحدة "ستعترف بالحكومة السورية المستقبلية التي ستنبثق عن هذه العملية وتدعمها بالكامل"، وأبدى استعداد واشنطن "لتوفير كامل الدعم المناسب لكافة المجتمعات والدوائر الانتخابية السورية المختلفة".

أوفدت الولايات المتحدة مساعِدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، التي التقت مع أحمد الشرع يوم 20 كانون الأول/ ديسمبر 2024 وأبلغته بشروط بلادها للاعتراف الكامل بالإدارة السورية، وفي اليوم نفسه ألغت الولايات المتحدة المكافأة المالية (10 ملايين دولار) التي كانت معلنة مقابل توفير معلومات عن الشرع.

اتخذت الإدارة الأمريكية مجموعة من الإجراءات والاستثناءات حول العقوبات في سوريا، كان أولها وأبرزها قرار وزارة الخزانة الأمريكية في 6 كانون الثاني/ يناير 2025 برفع جزئيّ عن العقوبات المفروضة على سوريا لمدة 6 أشهر، وقالت إن القرار جاء "للمساعدة في ضمان عدم عرقلة العقوبات للخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكم في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي"[9].

يحقق سقوط النظام السوري أكثر مما كانت ترغب به الولايات المتحدة، فهي كانت ترغب في تحجيم نفوذ إيران بينما بسقوط الأسد ونظامه تم القضاء على النفوذ الإيراني كلياً في سوريا، ولن تكون سوريا مرة ثانية ممراً للأسلحة الإيرانية إلى حزب الله، ومن جانب آخر فقد تلقت روسيا صفعة قوية بسقوط حليفها الأسد الذي عجزت عن الاستمرار في حمايته، وترى الولايات المتحدة أن هذا الفشل وقع بسبب سياساتها القوية في دعم أوكرانيا، وانشغال روسيا العسكري هناك.

أولى أولويات الانفتاح الأمريكي على الإدارة السورية الجديدة هو أمن إسرائيل، ثم موضوع مكافحة الإرهاب، ومنع عودة ظهور داعش، وسيبقى انفتاحها مشروطاً بتلبية الإدارة لمتطلبات الولايات المتحدة منها.

ومن المتوقع أن تعمل الإدارة السورية جاهدة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، والاستفادة من ذلك في تخفيف ملفات كثيرة ضاغطة تملكها الولايات المتحدة على الإدارة مثل ملف شمال شرق سوريا، وملف رفع التصنيف الأمريكي والأممي ضِمن قوائم الإرهاب عن هيئة تحرير الشام وقياداتها، إضافة إلى قدرتها على عرقلة أي انفتاح عربي، أو أوروبي على الإدارة.

رابعاً: الدول الأوروبية

سارع الاتحاد الأوروبي للترحيب بسقوط النظام السوري، حيث أصدرت الممثلة العليا للمفوضية الأوروبية بياناً نيابة عن الاتحاد الأوروبي، في اليوم الثاني لسقوط النظام، وقالت إنه "يمثل سقوط نظام الأسد الإجرامي لحظة تاريخية للشعب السوري، الذي عانى معاناة هائلة وأظهر قدرة استثنائية على الصمود في سعيه إلى الكرامة والحرية والعدالة"[10]، وبدأ الانفتاح الأوروبي بزيارات إلى دمشق أجراها وزراء خارجية أوكرانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، والتقى وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة مع وزير الخارجية البريطاني على هامش مؤتمر الرياض، كما التقى مع مفوضةِ المساواة والاستعداد وإدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي التي قامت بزيارة دمشق، إضافة إلى لقاء القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي في دمشق.

سيعقد الاتحاد اجتماعاً وزارياً يوم 27 كانون الثاني/ يناير 2025، وسيكون مخصَّصاً لمناقشة ورقة الدول الست: ألمانيا وفرنسا وفنلندا والدنمارك وإسبانيا وهولندا، التي تحمل عنوان "إعادة التفكير في سياسة العقوبات على سوريا" والتي تطالب بالتعليق الفوري لبعض العقوبات، مثل العقوبات المفروضة على الشركات، بما في ذلك الخطوط الجوية العربية السورية، لتسهيل عمليات الطيران المدني بين الاتحاد الأوروبي وسوريا، ولمساعدة أفراد الشتات السوري على العودة إلى ديارهم، وتصدير وقود الطائرات، وتمديد الإعفاءات الأوروبية إلى ما بعد حزيران/ يونيو 2025، ورفع حظر التصدير على تكنولوجيا النفط والغاز، فضلاً عن القيود المفروضة على الصادرات والمشاركة في مشاريع البِنْية التحتية وتمويلها، ورفع العقوبات المالية عن سوريا، مع إبقائها قَيْد المراقبة بالاشتراك مع القطاع المالي الخاضع للوائح مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من أجل التخفيف من المخاطر المرتبطة بإزالتها، وأن مدة التعليق المقترحة هي إلى تاريخ مراجعة نظام العقوبات التالية في عام 2026، ومع ذلك ترى الورقة أنه يمكن إعادة فرض التدابير في أيّ وقت، إذا كان الوضع على الأرض يتعارض مع توقُّعات الاتحاد تجاه القيادة الجديدة في سوريا[11].

من المفترض أن تستضيف باريس مؤتمراً بشأن سوريا في 13 شباط/ فبراير 2025، وقال وزير الخارجية الفرنسي: إن "سوريا تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران (الحليفتان للأسد)، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا، وتُضعفها بشكل إضافي" [12] وهو ما يمكن تفسيره أنه إشارة إلى تركيا.

وقد أعلن وزير الخارجية في الإدارة الجديدة أنه سيمثل سوريا للمرة الأولى في تاريخها في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي "منتدى دافوس" 2025، الذي تستضيفه سويسرا ويشارك فيه قادة العالم، وهي فرصة توفرها الجهات المنظِّمة للمؤتمر للإدارة السورية الجديدة، بينما تتجه الإدارة إلى تقديم رؤية تنموية لمستقبل سوريا [13]

موقف مجموعة الدول السبع [14] يطابق الموقف الأوروبي، حيث أصدرت المجموعة بياناً في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2024 أبدت فيه استعدادها لدعم عملية انتقالية تؤدي إلى حكم ذي مصداقية وشامل جامع وغير طائفي يضمن احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن فيهم الأقليات الدينية والعِرْقية، ويضمن الشفافية والمساءلة، وأن المجموعة ستعمل مع حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير والنتائج التي ستسفر عنها هذه العملية، وتدعمها بشكل كامل، وأن المجموعة تأمل من أيّ شخص يسعى إلى الحصول على دور في حكم سوريا أن يُظهر التزامه بحقوق جميع السوريين، ومنع انهيار مؤسسات الدولة، والعمل على تعافي البلاد وإعادة تأهيلها، وضمان الظروف اللازمة للعودة الطوعية الآمِنة والكريمة إلى سوريا لجميع الذين أُجبروا على الفرار من البلاد[15].

يأتي في دوافع الانفتاح الأوروبي قضية حلّ مشكلة اللاجئين السوريين في أوروبا، وتسهيل ظروف عودتهم في أقرب فرصة، وتتمحور شروط الاتحاد الأوروبي على الإدارة حول حفظ حقوق الأقليات، وضرورة مشاركتهم في الحكم الجديد، وحول احترام حقوق المرأة، وتبين تصريحات الإدارة أنها تنوي تلبية المتطلبات الأوروبية، حيث يبقى الاتحاد إلى جانب الولايات المتحدة أكبر المانحين الدوليين، وأكبر الجهات التي يمكن أن تدعم مشاريع إعادة الإعمار.

خامساً: العلاقة مع روسيا وإيران

اختلف موقف الإدارة من روسيا وإيران، فقد وصف الشرع العلاقات السورية الروسية بأنها "طويلة الأمد وإستراتيجية"[16]، وقد بقيت القواعد الروسية، البحرية في طرطوس والجوية في حميميم، رغم الدفع الغربي المباشر لإغلاقها وخاصة من قِبل بريطانيا، وهذا قابله المسؤولون الروس بتصريحات إيجابية عن الإدارة، وأن السلطات الجديدة في دمشق تتصرف حالياً بكفاءة، وتتحدث عن اهتمامها بالحفاظ على الوجود الروسي، وأن روسيا تُعوِّل على استئناف التعاون معها بشأن قضايا الاقتصاد والاستثمار، وأن هناك اتصالات تجري مع الإدارة[17].

لروسيا مصالح كبيرة في سوريا أهمها الآن المحافظة على القاعدة البحرية في طرطوس، وبالمقابل فلدى الإدارة مصلحة في الإبقاء على علاقة جيدة مع روسيا، تحسُّباً من تراجُع الدعم الغربي، والعودة إلى سياسة العقوبات حال لم تُلَبِّ الإدارة المتطلبات الغربية منها.

الموقف الحاسم من الإدارة كان تجاه إيران، فقد تم قطع العلاقة معها نهائياً، واعترفت إيران بذلك حيث صرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بعدم وجود أيّ اتصال مباشر بين طهران والإدارة السورية الحالية، وأنه لم يَعُدْ هناك أيّ مواطن إيراني في سوريا بعد التطوُّرات الأخيرة، وأنهم يوصون مواطنيهم بعدم الذهاب إلى سوريا، وأكد مغادرة جميع الدبلوماسيين والمستشارين العسكريين الإيرانيين سوريا [18].

من جانبها حذرت الإدارة على لسان وزير خارجيتها إيران من بثّ الفوضى في سوريا، ودعاها إلى احترام إرادة الشعب وسيادة البلاد وسلامتها[19].

يُعتقد أن الإدارة السورية الجديدة ستوازن بين علاقاتها مع الغرب ومع روسيا حالياً، في حين سيتراجع بشكل كبير النفوذ والتأثير وحتى العلاقة مع موسكو مستقبلاً لصالح انفتاح دمشق على العواصم الغربية إن بقي الانفتاح الغربي قائماً تجاه استقرار سوريا ودعم إدارتها الجديدة، في المقابل لا يُتوقع أن تذهب الإدارة الجديدة لأي علاقة أو استجابة لمبادرات تدعو للانفتاح على طهران، حيث لن تستفزّ الإدارة الموقف الغربي والعربي، فضلاً عن الضغط الذي تخلقه ذاكرة الأحداث في سوريا بعد عام 2011 تجاه إيران والحرس الثوري الإيراني ودورهما في سوريا قبل سقوط نظام الأسد، وهذه الذاكرة ذاتها سيكون لها تأثيرها في فتور العلاقة مع روسيا أيضاً.

الخُلاصة

يُعَدّ الانفتاح الإقليمي والدولي على الإدارة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد سريعاً وواسعاً، حتى أنه تجاوز ما يمكن تسميته القواعد أو الأعراف التي عادة ما تتصرف الدول على أساسها، مثل لقاء المسؤولين الأمريكيين للشرع قبل أن ينتظروا رفع المكافأة المالية المرتبطة بتقديم معلومات عنه.

لكن رغم سرعة الانفتاح الإقليمي والدولي على الإدارة الجديدة واتساعه فإنه يبقى انفتاحاً استكشافياً، وفي جانب مهمّ منه هو الجانب الأمريكي والأوروبي يبقى انفتاحاً مؤقتاً ومشروطاً، في مقابل الوعود التي كانت تؤكدها الإدارة والتعهُّدات بتلبية الشروط، وخاصةً فيما يتعلق بحقوق الأقليات، وإقامة حكم شامل وغير طائفي.

يُعتقد أن الدول جميعاً ستبني موقفها من الإدارة الجديدة وَفْق مراقبتها وتقييمها لتحوُّل الوعود والرسائل الإيجابية إلى أفعال وإلى واقع عملي على الأرض، فضلاً عن أن كل دولة ستبقى في حالة تقييم لمستقبل مصالحها مع التغييرات التي تحصل في المنطقة، والتي تحتلّ سوريا موقع المركز فيها.

ومع ذلك فإن الانفتاح الإيجابي كان عنوان مرحلة تسيير الأعمال التي تسلمت فيها الإدارة الجديدة زمام السلطة، ويُتوقَّع أن يستمر هذا الانفتاح في المستقبل القريب الذي من المفترض أن يحمل ملامح المرحلة الانتقالية، مع بقاء احتمال الانتكاس وعودة العقوبات قائماً، ما لم تتخذ الإدارة في دمشق الخطوات المطلوبة منها من المجتمع الدولي.


 


 

[1]  وزراء خارجية لجنة الاتصال العربية الوزارية بشأن سوريا يؤكدون دعمهم لعملية انتقالية سلمية سياسية "سورية – سورية" برعاية الأمم المتحدة والجامعة العربية، وكالة الأنباء السعودية "واس"، 14/12/2024. الرابط

[2]  بيان مشترك بشأن سوريا، صفحة سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا على موقع فيسبوك، 15/12/2024. الرابط

[3]  البيان الصادر عن الاجتماع الاستثنائي الـ (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون بشأن الأوضاع في سوريا ولبنان، الموقع الرسمي لمجلس التعاون الخليجي، 26/12/2024. الرابط

[4] "لا مكان فيها للإرهاب" نص البيان الختامي لاجتماع الرياض العربي الدولي بشأن سوريا، شبكة CNN بالعربية، 12/01/2025. الرابط

[5]  زيد اسليم، أبعاد ودلالات أول زيارة لوزير الخارجية السوري إلى تركيا بعد سقوط الأسد، موقع الجزيرة نت، 15/01/2025. الرابط

[6]  انظر: نص التصريح عبر حساب وزارة الخارجية الأمريكية على موقع (تويتر سابقاً)، 09/12/2024. الرابط

[7]  بايدن: سقوط الأسد يشكل «فرصة تاريخية» للسوريين، صحيفة الشرق الأوسط، 08/12/2024. الرابط

[8]  الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل سوريا، موقع سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا، 10/12/2024. الرابط

[9] U.S. Treasury Issues Additional Sanctions Relief for Syrian People, Website of the U.S. Department of the Treasury, 06/01/2025. Link

[10]  سوريا: بيان الممثلة العليا نيابة عن الاتحاد الأوروبي بشأن سقوط نظام الأسد، الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي، 09/12/2024. الرابط

[11]  الاتحاد الأوروبي يدرس تعليق العقوبات على سوريا وفق "نهج تدريجي"، موقع SWI swissinfo التابع لهيئة البث والإذاعة السويسرية، 08/12/2024. الرابط

[12]  فرنسا تشدد على أن "مستقبل سوريا يعود إلى السوريين" وتؤكد ضرورة ألا تقوم أي قوة أجنبية "بإضعافها"، وكالة فرانس 24، 05/01/2025. الرابط

[13]  الشيباني يمثل سوريا "لأول مرة في تاريخها" بمنتدى دافوس الاقتصادي، وكالة الأناضول، 22/01/2025. الرابط

[14]  مجموعة الدول السبع (G-7) منتدى غير رسمي أُسس عام 1975، ويضم الدول الصناعية الكبرى وهي: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان.

[15]  بيان زعماء مجموعة الدول السبع الكبرى بشأن سوريا، موقع المركز الألماني للإعلام التابع لوزارة الخارجية الألمانية، 12/12/2024. الرابط

[16]  أول تعليق من أحمد الشرع حول روسيا وقواعدها، موقع قناة العربية، 29/12/2024. الرابط

[17]  موسكو: الإدارة السورية الجديدة مهتمة بالوجود الروسي، موقع الجزيرة نت، 03/01/2025. الرابط

[18]  إيران: لا اتصال مباشر مع الإدارة السورية الحالية، وكالة الأناضول، 23/12/2024. الرابط

[19]  انظر: منشور على حساب أسعد الشيباني وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة على موقع X (تويتر سابقاً)، 24/12/2024. الرابط


 

الباحثون