14 عاماً من النزاع المستمر في سورية دون فرص للحلّ
مارس 27, 2024 3008

14 عاماً من النزاع المستمر في سورية دون فرص للحلّ

حجم الخط


تعاني سورية من أزمة إنسانية واقتصادية متفاقمة بسبب الحرب الدائرة منذ 14 عاماً، حيث يتجاوز عدد الضحايا والمشرَّدين الآلاف، ويتزايد تأثير النزاع على النساء والأطفال، وفي ظلّ هذا الوضع المأساوي، تستمر الحاجة المُلِحّة لجهود دولية مُكثَّفة للتوصُّل إلى حلّ سياسي يعيد الاستقرار والأمان إلى هذا البلد، لكن هل توجد بوادر من أجل إيجاد حلّ قريب؟        

 رغم التجاهُل المقصود والمستمر من قِبل وسائل الإعلام الدولية الرئيسية للحرب الدائرة في سورية على مدار سنوات متتالية، كما لو أنها انتهت، إلا أنها ما تزال مستمرة، في العام الماضي وحده تم توثيق مقتل 4361 شخصاً بين مدني وعسكري في البلاد، ووفقاً لبعض التقديرات قُتل حوالَيْ 1000 بداية العام الجاري، وهو العام الذي بلغت في منتصف شهره الثالث الحرب السورية ذكراها السنوية الـ 13.        

في الواقع، قليلة هي الحروب الكبرى في العقود الأخيرة التي استمرت لمدة طويلة كما هو حال الحرب السورية، لكن التوصّل لحلّ ما يزال غير ممكن في الوقت الحالي، مع أن الوضع في سورية والبلدان المحيطة يُهدّد بكارثة إنسانية كبرى، ورغم انخفاض حدّة المعارك خلال السنوات الأخيرة وانقسام البلاد إلى عدة مناطق تُعتبر في الواقع دولاً داخل الدولة وبحدود واضحة تفصلها عن بعضها تَبَعاً لجبهات المعارك وخطوط القتال.        

سورية المُقسَّمة        

يُسيطر النظام السوري على أكبر جزء من الأراضي في البلاد (نحو ثلثيها)، بما في ذلك مدن رئيسية مثل دمشق، إضافة إلى محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة في الجنوب، وحماة وأجزاء كبيرة من حمص المجاورة، وطرطوس بالكامل ومعظم محافظة اللاذقية على الساحل الغربي إلى جانب جزء كبير من محافظة حلب في الشمال، وأجزاء من محافظتَي الرقة ودير الزور في الشرق.        

فيما تُسيطر الإدارة الذاتية شمال شرقي سورية على منطقة تُقدَّر بحوالَيْ ربع الأراضي السورية، وهناك أقام الأكراد إدارة شِبه ذاتية ووسَّعوا تلك المنطقة تدريجياً بمساعدة الولايات المتحدة، حيث تُسيطر قوات سوريا الديمقراطية التي تُشكّل وحدات الحماية الكردية عمادها على معظم محافظة الرقة بما في ذلك المدينة ذاتها، ونصف محافظة دير الزور المجاورة، وجزء من محافظة حلب في الشمال، كما تسيطر قسد على محافظة الحسكة شمال شرق سورية، رغم وجود قوات النظام أيضاً في بعض تلك المناطق، بما في ذلك مدن الحسكة والقامشلي.        

أما المعارضة السورية فهي تسيطر على حوالَيْ 10٪ من أراضي البلاد، حيث تُسيطر الحكومة المؤقتة الموالية لتركيا على مناطق في شمالي سورية ضِمن محافظات حلب والرقة والحسكة، في محافظة إدلب، هناك فصائل من الجيش السوري الحرّ الموالية للغرب والجيش الأمريكي، كما توجد مقرات لحكومة الإنقاذ السورية المعارِضة والمدعومة من قِبل هيئة تحرير الشام.        

كذلك، يوجد مقاتلو تنظيم داعش (ISIL)، الذي تم الإعلان عن هزيمته عام 2019، في الصحراء السورية الواسعة، بما في ذلك محافظة دير الزور، حيث يشنّ هؤلاء هجمات على قسد وقوات النظام. بالإضافة إلى تلك المناطق، هناك هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ حرب الأيام الستة عام 1967.        

من الاحتجاجات إلى الحرب        

بدأت الثورة باحتجاجات سلمية ضد حكومة النظام السوري في آذار/ مارس 2011، وكانت جزءاً لا يتجزأ من الربيع العربي الذي انتشر في أنحاء كثيرة من الشرق الأوسط في ذلك العام. تحوّلت الاحتجاجات تدريجياً إلى أحداث عنف ارتكبتها قوات الأمن، وسرعان ما تحولت الأمور إلى حرب مدمّرة، تعقدت بشكل أكبر بفعل تدخُّل القوى الأجنبية (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، وروسيا، وإيران، وإسرائيل..) لذا أصبحت سورية مسرحاً لحرب عالمية ثالثة مُصغَّرة.        

دعم الغرب مجموعات المعارضة التي كانت بشكل رئيسي إسلامية، وفي وقت لاحق القوات الكردية في القتال ضد تنظيم داعش، مع ذلك، نجحت قوات النظام بفضل دعم روسيا وإيران في السيطرة على أراضٍ واسعة من البلاد، في ذات الوقت دعمت تركيا عدداً من فصائل المعارضة السورية، كما قامت إسرائيل بتنفيذ ضربات جوية ضد حزب الله اللبناني المدعوم من إيران، وقصفت مواقع تابعة لإيران وأخرى لقوات النظام. كان للتواجد الملحوظ للمجموعات المسلحة الأخرى مثل تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش وهيئة تحرير الشام أثر كبير في أعمال العنف الدائرة، لكن خلال السنوات الماضية، هدأت المعارك في البلاد التي دمرتها الحرب.        

برغم استعادة النظام -بدعم حلفائه- معظم الأراضي التي كانت سابقاً تحت سيطرة فصائل المعارضة، إلا أنه ما زال يخوض معارك طويلة وقاسية، خاصة شمال غربي البلاد والأجزاء الشمالية، التي تسيطر عليها مختلف الفصائل المدعومة من تركيا، كما تحتفظ الولايات المتحدة بالسيطرة على مناطق مثل التنف.        

تصاعُد جديد في حرب سورية        

دخلت الحرب السورية عامها الرابع عشر، لكن ما زال هناك معارك في الوقت الذي ينصرف فيه اهتمام العالم إلى أزمات أخرى مثل حرب أوكرانيا والحرب الدائرة في غزّة، وقد أفادت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية، المدعومة من الأمم المتحدة، بأن سورية شهدت أسوأ موجة عنف منذ عام 2020 بين تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وفصل الربيع هذا العام.        

بدأت الموجة الأخيرة من العنف في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بهجوم بطائرة بدون طيار على حفل تخرُّج في أكاديمية عسكرية في مدينة حمص الخاضعة لسيطرة النظام، مما أسفر عن مقتل العشرات، ثم بدأت قوات النظام والقوات الروسية بقصف شمال غربي البلاد الواقع تحت سيطرة المعارضة، مما أدى إلى مقتل العديد من المدنيين المتواجدين في تلك المناطق. في أماكن أخرى، هناك هجمات إسرائيلية متزايدة تستهدف القواعد الإيرانية ومجموعات الحرس الثوري الإيراني في أجزاء يسيطر عليها النظام، كما أن الهجمات الإسرائيلية تصيب المدنيين بانتظام في العديد من الحالات.        

كذلك، كثّفت تركيا هجماتها على قسد المدعومة من الولايات المتحدة شمال شرقي سورية، في حين شنّ مسلحون من خلايا تابعة لتنظيم داعش هجمات متفرقة في أجزاء مختلفة من البلاد، كما اندلعت اضطرابات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الأسابيع الأخيرة مع اندلاع احتجاجات في إدلب ضد قيادة هيئة تحرير الشام التي تحكم المنطقة، حيث خرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع في منطقة شمال غربي سورية التي تسيطر عليها فصائل المعارضة لإحياء ذكرى مرور 13 عاماً على انطلاق الثورة، مرددين شعارات ضد رئيس النظام والحكام الجهاديين في المنطقة. تسيطر الآن الهيئة، وهي فرع سابق لتنظيم القاعدة، على مساحة كبيرة من الشمال الغربي، حيث احتجَّ المئات ضد زعيمها أبي محمد الجولاني في الأسابيع الأخير، وتظاهر مئات المتظاهرين في مدينة إدلب، ولوّح العديد منهم بلافتات كُتب عليها: “يسقط الجولاني والأسد”.        

العواقب المُدمِّرة للحرب        

منذ اندلاع الحرب بداية عام 2011 تسببت الأزمة الإنسانية في سورية في معاناة هائلة لعشرات الملايين من الأشخاص، في هذه الحرب فَقَدَ نحو نصف مليون شخص حياتهم، ونزح حوالَيْ 60% (13.7 مليون) من سكان البلاد قبل الحرب والبالغ عددهم 23 مليون شخص. أسفرت أحداث سورية عن أكبر أزمة للاجئين في العالم وأكبر أزمة نزوح داخلي، وقد وصلت هذه الأزمة إلى أسوأ أحوالها عندما تم الإعلان في كانون الأول/ ديسمبر 2023 من قِبل وكالة الأمم المتحدة لبرنامج الغذاء العالمي أنها ستوقف برنامج المساعدة الرئيسي لسورية عام 2024.        

قال ديفيد كاردن David Carden، نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية لأزمة سورية، خلال زيارة قام بها مؤخراً إلى شمال غربي سورية: إن خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة لعام 2023، التي طُلب فيها أكثر من 5 مليارات دولار، حصلت على 38% فقط من المبلغ الإجمالي، وهذه الأموال هي الأقل منذ بدأت الأمم المتحدة في طلب التبرعات للأزمات الإنسانية.        

أعلنت الأمم المتحدة في منتصف شهر آذار/ مارس أن 16.7 مليون شخص في سورية بحاجة إلى مساعدة إنسانية للبقاء على قيد الحياة، وأكثر من 12 مليون سوري لا يحصلون على إمكانية وصول منتظم إلى الطعام، وقد استمرت الموارد المتاحة في سورية في التراجع، إضافة إلى تراجُع القدرة على توفير سُبُل العيش لمعظم السكان.        

قال باولو بينهيرو  Paulo Pinheiroرئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة: "يعيش أكثر من 90% الآن في فقر، والاقتصاد في حالة سقوط حر وسط تشديد العقوبات، ويؤدي تزايُد الفوضى إلى تأجيج ممارسات النهب والابتزاز من جانب القوات المسلحة والميليشيات". قالت اللجنة في تقرير صدر منتصف آذار/ مارس: إن البلاد شهدت في الأشهر الأخيرة موجة من أعمال العنف لم تشهدها منذ عام 2020، محذرة من أن الأطراف المتحاربة نفذت هجمات على المدنيين والبِنْية التحتية ترقى إلى مستوى جرائم حرب، كما أضاف تقرير اللجنة أنه قبل عام 2011، كان أقل من 10% من السكان فقراء في سورية.        

موجات المنفيين        

أدت العمليات العسكرية إلى تدمير مدن متطوِّرة مثل إدلب وحلب والرقة، مما أدى إلى موجات من المشردين، وبمجرد أن يضطر السكان إلى مغادرة منازلهم والمناطق التي اعتادوا على العمل فيها، أي عندما يصبحون مشردين، يصبحون معرضين للخطر بشكل كبير، وقد هرب العديد منهم ولم يحملوا معهم سوى متعلقاتهم الشخصية الأساسية التي يمكن وضعها في الحقائب في طريقهم إلى المجهول. فقَدَ الكثيرون الوثائق اللازمة أثناء هروبهم، مما صعَّب عليهم التنقل داخل البلاد بسبب الحواجز العسكرية، وكذلك جعل دخولهم إلى دول أجنبية مسألة في غاية الصعوبة.        

العديد من السوريين، حتى أولئك الذين تمكنوا من الوصول إلى الدول المجاورة (معظمهم في لبنان والعراق وتركيا)، يقولون لوسائل الإعلام إنهم لا يشعرون بالأمان حتى في مثل هذه البيئة. سلامتهم الشخصية معرضة للخطر؛ لأنهم أهداف للاستغلال من قِبل أصحاب العمل، فضلاً عن مختلف المحتالين ورجال العصابات وغيرهم من المجرمين، وخاصة النساء والفتيات السوريات اللاتي يتعرضن للعنف الجنسي.        

مشاكل تتوالى        

تواجه سورية، فضلاً عن الحرب التي طال أمدها، مشاكل أخرى معقَّدة للغاية: البِنْية التحتية المدمرة، وتفشي الكوليرا وغيرها من الأمراض، والكوارث الطبيعية مثل الجفاف وزلزال العام الماضي، حيث تفاقمت محنة سورية بسبب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجة في 6 شباط/ فبراير 2023، والذي أودى بحياة أكثر من 59 ألف شخص في تركيا وسورية، حيث قُتل حوالَيْ 6000 شخص في سورية وحدها، معظمهم في الشمال الغربي، فيما يعتمد معظم السكان البالغ عددهم 4.5 مليون شخص على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.        

تكافح وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى لتمويل البرامج الإنسانية التي تقدم المساعدات وبعض المواد المُنقِذة للحياة للشعب السوري الذي يعاني، وتُلقي باللوم على ضعف اهتمام المانحين، والوباء والصراعات الأخرى التي اندلعت في السنوات الأخيرة، وحوَّلت انتباه الرأي العام العالمي عن الملفّ السوري.        

الوضع المُزرِي للاقتصاد السوري        

إن الاقتصاد الذي كان حيوياً في السابق تضرر بشدة بسبب الحرب، في العام الماضي انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.5%، وانهار النظام المالي السوري في السنوات الأخيرة، كما أدّت أزمة "كورونا" إلى تراجُع اقتصادي أقوى وانخفاض قيمة الليرة السورية، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2020 ارتفع متوسط تكلفة سلة الغذاء العائلية بنسبة 236% عن العام السابق.        

عام 2022 قدّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن 12.4 مليون سوري كانوا على حافة المجاعة، وهي زيادة كبيرة مقارنة بالعام السابق، ولم يطرأ أي تحسُّن منذ ذلك الحين، وارتفعت أسعار الطاقة والغذاء بشكل حادّ بسبب الحرب في أوكرانيا، وفي العام الماضي بلغ معدل التضخم 90%، وأصبح من الصعب توفير السلع الأساسية للسوريين الأكثر ضعفاً، والذين لا يستطيع الكثير منهم كسب دخل ثابت ومواكبة معدَّلات التضخُّم الحالية، مما يخلق حالة لا يمكن معالجتها.        

تشهد سورية منذ بداية العام الحالي معدل تضخُّم وصل إلى 100%، فأسعار الوقود والمواد الغذائية القياسية لها تأثير مدمّر على الأشخاص الأكثر ضعفاً في البلاد، وتضطر الأُسَر إلى الاختيار بين شراء الغذاء والدواء والوقود أو تمويل تعليم أبنائها، ويُقدِّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) أن 85٪ من الأُسَر في سورية حالياً لا تستطيع تلبية احتياجاتها الأساسية.        

إضافة إلى ذلك أدى أكثر من عَقْد من الصراع إلى شلّ الاقتصاد، مما أدى إلى زيادة تهريب المخدرات وغيرها من الأنشطة غير القانونية، ويشير بعض المراقبين إلى أن سورية -خاصة المنطقة الخاضعة لسيطرة النظام- أنها أصبحت مركزاً إقليمياً لإنتاج وتهريب مادة الكبتاغون، وهي مادة مخدرة رخيصة الثمن ومسبِّبة للإدمان تشبه الأمفيتامين.        

قال داريوس زيتيك Darius Zietek مدير الفرع السوري لمنظمة العمل ضد الجوع غير الربحية: إن "درجات الحرارة المنخفضة في فصل الشتاء زادت من حالة الضعف التي يعاني منها السوريون، حيث لا يستطيع الكثيرون منهم شراء الوقود لتدفئة منازلهم". وقالت ضحى الأشقر، وهي أُمّ لأربعة أطفال لجأت مع 400 أسرة أخرى إلى المدرسة التي تم تجديدها "كنا نقيم مع ما بين 10 و15 عائلة في نفس الغرفة، دون خصوصية. حالياً بفضل الألواح الشمسية التي قامت منظمة العمل ضد الجوع بتركيبها، أصبح لدينا أقفال وإضاءة في كل غرفة، كما أصبح لكل عائلة مساحة خاصة بها، لقد عادت الحياة إلى طبيعتها بشكل أو بآخر".        

أصبحت المياه سلعة نادرة في سورية في السنوات الأخيرة، ولا يؤثر نقص المياه على إنتاج الغذاء وسُبُل عيش المزارعين والرعاة فحَسْبُ، بل يشكل أيضاً تهديداً خطيراً لصحة السُّكّان، ويضطر العديد من الأسر إلى تقليل استهلاك المياه أو إلى شرب المياه الملوثة، مما أدى إلى انتشار الأوبئة مثل تفشي الكوليرا في العام الماضي.        

معاناة النساء والأطفال        

دمّرت الحرب التماسُك الاجتماعي والأُسَريّ في البلاد، وأصبحت النساء والأطفال هم الأكثر تضرراً من انهيار النظام الاجتماعي، والنساء على وجه الخصوص معرَّضات للخطر حيث يتزايد العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف المنزلي والاعتداء الجنسي بشكل عامّ في جميع أنحاء البلاد، وأفادت العديد من النساء بأن أزواجهن يلجؤون إلى العنف بسرعة أكبر؛ لأن الحرب لها تأثير كبير على سلوكهم.        

أدى النزاع إلى ظهور عدد كبير من الأُسَر التي تعيلها نساء بسبب وفاة أزواجهن أو إصابتهم بالإعاقة أو البطالة، ويتزايد عدد الفتيات اللاتي يتزوجْنَ مبكراً، ويتم تجنيد العديد من الشابات في الجماعات المسلحة أو أنهن يضطرَرْنَ لدخول سوق العمل، وغالباً ما تكون عمالة الأطفال التزاماً عائلياً حتى يتمكن الأطفال من مساعدة أُسَرهم على العيش. أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن أكثر من 25% من الأطفال السوريين تظهر عليهم بعض علامات الضيق النفسي، وانخفض عدد الأطفال الملتحقين بالمدارس، ففي العام الماضي لم يذهب ما يقرب من 2.5 مليون طفل سوري إلى المدرسة.        

يكشف تقرير لليونيسف صدر في آذار/ مارس 2019 أن 40% من البِنْية التحتية المدرسية في سورية قد دُمّرت في الحرب، مما يعيق فرص التعليم بشكل كبير، في فترة ما قبل الحرب، كان في سورية معدل حضور مرتفع في التعليم الابتدائي يصل إلى 97%، والمشكلة هي أن العديد من السوريين الذين لم يكملوا تعليمهم لديهم الآن أطفال يواجهون أيضاً خطر عدم القدرة على الحصول على التعليم، وبحسب بيانات الأمم المتحدة، هناك 4.2 مليون شخص في شمال غربي سورية بحاجة إلى المساعدة، منهم مليونان من الأطفال، مليون منهم لا يذهبون إلى المدرسة، ووفقاً لليونيسف، سيحتاج ما يقرب من 7.5 مليون طفل في سورية إلى المساعدة الإنسانية في عام 2024، أكثر من أي وقت آخر خلال الصراع.        

غياب الإرادة السياسية لإنهاء الحرب       

إنّ تعقيد النزاع والقسوة الناتجة عن الحرب العنيفة تسبّب بعدم وجود حلّ نهائي يلوح في الأفق في سورية حتى الآن، ومن الصعب تخيُّل حلّ سياسي مستدام في سورية، بينما القتال ما يزال مستمراً.        

أكد جون صالح، الباحث السوري المقيم في واشنطن "أن الطبيعة المعقَّدة للنزاع السوري تجعل إيجاد حلول مستدامة أمراً صعباً للغاية. هذه حرب متعددة الأوجه، وإنهاؤها يتطلب إجماعاً دولياً، وهو أمر يصعب تحقيقه بوضوح". مؤخراً دعا الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إنهاء الحرب من خلال تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (2015) ويهدف إلى إنهاء النزاع من خلال تنفيذ عملية انتقال سياسي، ثم قامت الأمم المتحدة برعاية عدة جولات من المحادثات بين ممثلي الحكومة والمعارضة بهدف صياغة دستور سوري جديد، لكن لم تُظهِر محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة بشأن سورية أي علامات حيوية في السنوات الأخيرة.        

في غضون ذلك، استعاد النظام السيطرة على معظم أنحاء البلاد، وبرز كمنتصر غير رسمي في الحرب، كما استعاد بعضاً من الاعتراف بشرعيته من خلال العودة إلى رعاية جامعة الدول العربية (بعد تعليق دام ما يقرب من 12 عاماً) وغيرها من عمليات التطبيع.        

كما جددت العديد من الدول العربية في المنطقة علاقاتها مع النظام، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين. مع قيام روسيا والصين، العضوين الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بعرقلة قرارات الأمم المتحدة التي تدين النظام، ونظراً لضعف الدولة والانقسام الشديد بين فصائل المعارضة، فإن احتمالات التوصُّل إلى حلّ للأزمة السورية ضئيلة دون أو بوجود النظام وحزب البعث.        

الطريق الوحيد لإنهاء الحرب هو التوصُّل إلى حلّ وَسَط بين القُوى المتنازعة، فبدلاً من البنادق والمدافع والطائرات بدون طيار، ستحتاج الأطراف المتحاربة إلى تبنِّي أدوات أقلّ دموية للمعركة السياسية، مثل المفاوضات الدبلوماسية التي ستؤدي إلى اتفاق حول نظام سياسي جديد، في المستقبل، بدلاً من السلاح، يجب على الأحزاب السياسية أن تخوض المعركة في الانتخابات، ومهما كان الترتيب السياسي الداخلي في سورية يجب أن تحصل البلاد أيضاً على ضمانات دولية حتى لا تندلع حرب جديدة.        


ترجمة: عبد الحميد فحام         

المصدر: Eurasia Review