مصير اتفاق وقوة فضّ الاشتباك بين سوريا وإسرائيل
يونيو 18, 2025 1861

مصير اتفاق وقوة فضّ الاشتباك بين سوريا وإسرائيل

حجم الخط

مقدّمة           

من المقرر أن يصوّت مجلس الأمن في 30 حزيران/ يونيو 2025 على مشروع قرار لتجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لمراقبة اتفاق فضّ الاشتباك في الجولان بين سوريا وإسرائيل (UNDOF)، وكان آخِر قرار لتجديد ولاية البعثة هو القرار رقم 2766 بتاريخ 20 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وسيكون هذا التصويت هو الثاني من نوعه بعد سقوط نظام الأسد الذي عقد اتفاق فضّ الاشتباك عام 1974، لكنه الأول فعلياً في عهد الحكم السوري الجديد؛ حيث مرّ التصويت السابق قبل يوم من الإعلان عن تشكيل الحكومة الانتقالية الأولى في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2024.           

مرّ قرار التمديد حتى الآن عَبْر 3 مراحل في مجلس الأمن تناولت الأولى عرض تقرير الحالة والوضع على الأرض في 2 حزيران/ يونيو الجاري، وناقشت المرحلة الثانية التقرير في جلسة خاصة بصيغة لجان التنسيق التقنية (TCC) تم عقدها في 9 حزيران/ يونيو، وفي المرحلة الثالثة عُقدت جلسة مغلقة للمجلس في 12 حزيران/ يونيو لصياغة الاستنتاجات ومسودة القرار المطلوب، وستُعقد الجلسة الأخيرة للتصويت على القرار بتاريخ 30 حزيران/ يونيو.           

أولاً: الوضع الراهن لقوة مراقبة فضّ الاشتباك           

وقعت سوريا اتفاق فضّ الاشتباك مع إسرائيل في 31 أيار/ مايو 1974 بوساطة أمريكية بعد نهاية حرب 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 لفصل القوات بين الطرفين، وتضمنت قضيتين أساسيتين هما، تحديد خطين رئيسييْنِ تم تسميتهما بـ "ألفا" و"برافو"، يفصلان بين النقاط والمواقع العسكرية السورية والإسرائيلية، وإنشاء منطقة عازلة بين الخطين بطول حوالَيْ 80 كيلومتراً، وبعرض يتراوح بين 500 متر و10 كيلومترات، بمساحة تصل إلى 235 كيلومتراً مُربَّعاً. والإشراف على تنفيذ بنود الاتفاق يتم من جانب قوة مراقبة فضّ الاشتباك التابعة للأمم المتحدة التي عُرفت بالإندوف (UNDOF). كما نصَّتْ بنود الاتفاقية أنها ليست "اتفاقية سلام"، بل خُطوة نحو السلام العادل والدائم على أساس قرار مجلس الأمن رقم 338.           

تأسّست قوة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك (UNDOF) بموجب قرار مجلس الأمن 350 (1974)، ولها قائد مؤقت، ومقر مؤقت في مقر لجنة الهدنة المشتركة بين سوريا وإسرائيل. تتكوّن القوة الأممية في الوقت الراهن من 1299 فرداً يتوزعون بين 59 ضابطاً، و126 موظفاً مدنياً دولياً، و1114 مراقباً عسكرياً وشرطياً. وتتصدر نيبال الدول المشارِكة في القوة بعدد 446 فرداً، ثم الأوروغواي 214، والهند 199، وفيجي 149، وكازاخستان 142، وباقي الدول أقل من 5 أفراد من كل منها، وتقدر الميزانية التشغيلية للقوة بقُرابة 70 مليون دولار سنوياً [1] .           

1.  موقف إسرائيل من اتفاق فضّ الاشتباك وقوة (UNDOF):           

فور سقوط النظام السوري بتاريخ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن انهيار الاتفاقية مع انهيار الطرف السوري المُوقِّع عليها، أي نظام الأسد، وصرح بأن "الجنود السوريين تخلّوا عن مواقعهم"، وأنه لن يسمح لأية قوى معادية بالتموضع قرب الحدود بين البلدين، وأن الجيش الإسرائيلي سيكون "القوة التنفيذية" بالمنطقة.     

كشفت صور الأقمار الصناعية أن الجيش الإسرائيلي بنى ما لا يقل عن 10 نقاط استيطانية جديدة في منطقة الفصل بما في ذلك على جبل الشيخ، ورغم أن إسرائيل أشارت في البداية إلى أن وجودها في المنطقة العازلة "لحماية سكان شمال إسرائيل" سيكون مؤقتاً، فإنّ وزير الدفاع إسرائيل كاتس صرّح في 28 كانون الثاني/ يناير، ومرة ​​أخرى في 16 نيسان/ إبريل، بأن الجيش الإسرائيلي سيبقى في المنطقة العازلة إلى أجل غير مسمى.     

خلال اجتماعه في 16 شباط/ فبراير مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، طوّر نتنياهو خطابه في أسباب التحرك الإسرائيلي نحو منع إيران من إنشاء "جبهة إرهابية جديدة" قرب مرتفعات الجولان، ثم طالب في 24 شباط/ فبراير بنزع السلاح الكامل من جنوب سوريا، وأكد أن إسرائيل لن تسمح لأي من قوات هيئة تحرير الشام، أو القوات السورية بدخول المنطقة جنوب دمشق، وأن إسرائيل لن تسمح بأي تهديد للدروز في جنوب سوريا.     
        خريطة-2025-06-18
 

2.  موقف سوريا من اتفاق فضّ الاشتباك وقوة (UNDOF)           

منذ توليه السلطة في كانون الأول/ ديسمبر 2024، أكّد الرئيس السوري أحمد الشرع مرات عديدة التزام سوريا باتفاقية عام 1974، وأنها مستعدة للترحيب بقوات الأمم المتحدة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، وبعثت الحكومة السورية رسائل عديدة إلى مجلس الأمن، تدين فيها التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية عَبْر المنطقة العازلة، ومهاجمة السكان وتشريدهم، وتدمير البِنْية التحتية والأراضي الزراعية، والسيطرة على السدود والتجمعات المائية، والمطالبة بانسحابها.           

تُجري سوريا محادثات غير مباشرة مع إسرائيل "لاحتواء الوضع"، وهو ما صرّح به الرئيس الشرع في 7 أيار/ مايو، كما تدفع الحكومة السورية نحو استمرار عمل قوة الأمم المتحدة وتفعيل دورها كوسيط لإيقاف الانتهاكات التي تقوم بها القوات الإسرائيلية في المناطق التي تقدمت بها خارج اتفاق 1974.           

ثانياً: مصير اتفاق 1974، وقوّة فضّ الاشتباك           

ثَمّة معطيات تدفع إسرائيل نحو إنهاء اتفاق 1974، ومهمة بعثة (UNDOF)، أو إدخال تعديلات جذرية عليهما، يأتي في طليعتها أن هذين الإجراءَيْنِ غير قادرين على منع حدوث هجوم على إسرائيل يماثل هجوم حماس في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وترى أن الحكومة السورية ليس لها سيطرة كاملة على الحدود الجنوبية، مما يفتح الباب لمجموعات مسلحة سورية، ولميليشيات فلسطينية، أو إيرانية أن تكرر مثل ذلك الهجوم.           

1. مصير اتفاق 1974:           

يسعى نتنياهو -على ما يبدو- للتفاوض مع سوريا على اتفاقية أمنية جديدة تكون فيها الولايات المتحدة وسيطاً، كخُطوة تمهيدية على طريق اتفاق سلام شامل؛ حيث يرى المسؤولون الإسرائيليون أن انسحاب إيران وحزب الله من سوريا يشكّل مدخلاً لتحقيق انفراجة في العلاقة معها، وقد بدأت إسرائيل محادثات مع الحكومة السورية بشكل غير مباشر خلال مراسلات عَبْر دول أخرى، ثم بشكل مباشر في اجتماعات سرية في دول أجنبية [2] .           

بعد زيارته دمشق ولقائه بالشرع وصف المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس باراك الصراع مع إسرائيل بأنه "قابل للحلّ"، وأكد أن البلدين يمكنهما البدء باتفاقية أمنية لمنع العدوان المتبادَل، ثم توجه نحو إسرائيل وأبلغ نتنياهو أن الشرع منفتح على مناقشة اتفاقيات جديدة مع البلاد، ثم توجه نحو واشنطن وأطلع ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو على هذه التطوُّرات، وقد تتحول هذه الزيارات إلى "مكوكية" كتلك التي وُصفت بها زيارات وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر التي سبقت توقيع اتفاق 1974.           

حمّلت إسرائيل باراك خطوطها الحمراء بشأن سوريا؛ حيث طالبت بعدم وجود الجيش التركي في البلاد، أو عودة الوجود الإيراني وحزب الله. كما طالبت بنزع السلاح جنوب سوريا، إضافة لبقاء القوات الإسرائيلية في سوريا حتى يتم نزع السلاح جنوب البلاد.           

2.  مصير قوّة مراقبة فضّ الاشتباك (UNDOF)           

ثَمّة فترة طويلة تفصل بين جلسة مجلس الأمن لوضع مسودة مشروع قرار التمديد لقوة فض الاشتباك في 12 حزيران/ يونيو، وبين جلسة التصويت عليه في 30 حزيران/ يونيو، مما يُشير إلى تخوُّفات من أن القرار قد يمر بمفاوضات "صعبة" قبل الاتفاق على صيغته النهائية، فإلى جانب تبايُن موقف الطرفين السوري والإسرائيلي، هناك تبايُن داخل مجلس الأمن حيث ترى روسيا -ومعها مجموعة من الدول الأعضاء- أن التوغل البري للقوات الإسرائيلية يُشكِّل انتهاكاً صارخاً لأحكام اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974 وتعدّياً سافراً على سيادة دولة جارة ووحدة أراضيها، وأن قوات حفظ السلام الأممية هي فعلياً الآن خلف خطوط القوات الإسرائيلية وليست في المنطقة الفاصلة بينها وبين الجانب السوري، ومقابل ذلك فإن الولايات المتحدة تمنع المجلس من إدانة هذه الانتهاكات بذريعة القلق من تشكيل جماعات جديدة في سوريا تتلقى دعماً مالياً ولوجستياً من إيران، وتُحرّض على العنف، وتسعى إلى جرّ إسرائيل إلى صراع مباشر.           

إنّ قرار تجديد القوة هو القضية المحورية الأولى لمجلس الأمن هذا الشهر، ويأتي في ظل عودة الغارات الإسرائيلية على جنوب سوريا رداً على مزاعم إطلاق صاروخين بتاريخ 3 حزيران/ يونيو من الجانب السوري على مواقع إسرائيلية، ووسط تخوُّفات من مسار تصعيدي على الحدود تقوم به مجموعات مسلحة غير تابعة للحكومة السورية، لذا تتجه التوقعات في مصير اتفاق فضّ الاشتباك وتمديد قوة الأمم المتحدة نحو:           

اتفاق أعضاء المجلس على التجديد المعتاد للقرار لتفادي أيّ مفاوضات حوله في هذه المرحلة، مع إصدار بيان رئاسي يحثّ الأطراف على احترام القانون الدولي، واحترام التزاماتهم بموجب اتفاقية عام 1974، ويؤكد على ضرورة عدم وجود أيّ قوات أو أنشطة عسكرية في منطقة الفصل، باستثناء قوات الأمم المتحدة، ويُعرب عن القلق إزاء المخاطر التي تُشكّلها انتهاكات الاتفاقية، ويدعو إلى ضمان منح القوةِ القدرةَ على العمل بسلامة وأمان، والسماح لها بالعمل بحرية وَفْق الاتفاقية.           

مُضِيّ إسرائيل في إعلانها انهيارَ اتفاق فضّ الاشتباك، ورفضها الانسحاب من المنطقة العازلة، وبالتالي عدم الحاجة إلى قوة الأمم المتحدة لمراقبة الاتفاق، وهذا الخيار قد يكون موقفاً تفاوضياً إسرائيلياً في مشاورات اتخاذ قرار التمديد لمنع تضمينه أيّ إدانة لها، أو دعوتها للعودة إلى الأوضاع التي سبقت سقوط النظام السوري.           

طلب إسرائيل إدخال تعديلات على الاتفاق بما يشمل توسيع حدود المنطقة العازلة، أو يرسخ حقها في الاستمرار في المناطق التي دخلتها إلى أن تتمكن الحكومة السورية من فرض سيطرتها، وإنهاء أي وجود مسلح خارج نطاق الجيش الحكومي، واستبدال عناصر القوة بعناصر من دول مقربة أكثر من إسرائيل، ويمتلكون خبرة احترافية أكبر من تلك التي تمتلكها العناصر الحالية، وتحسين أداء القوة، وكفاءتها العملياتية عَبْر تزويدها بأنظمة تكنولوجية متطورة، وبمعدات إضافية مثل الطائرات المسيَّرة، وأجهزة الرصد الحسّاسة، وتمديد ولايتها تحت الفصل السابع بما يمكنها من مواجهة الخروقات المحتملة من الجانب السوري بقوة السلاح، وإجراء عمليات دهم وتفتيش دون تنسيق مع الجانب السوري، وزيادة عدد الدوريات وحجمها، ونقاط المراقبة وأبراجها، وأن يكون هناك قوة أمريكية في المنطقة العازلة تعمل إلى جانب القوة الأممية.           

يبدو الخيار الأول هو الأنسب لسوريا، والأرجح حالياً؛ فمن جانب مجلس الأمن يأتي القرار القادم في ظل رغبة المجلس في المحافظة على اتفاق فضّ الاشتباك، وتجديد مهمة قوة الأمم المتحدة رغم التوترات التي حصلت بعد سقوط النظام، ومن الجانب السوري يأتي في ظلّ عدم وجود موقف متشدد من الحكومة السورية تجاه الانتهاكات الإسرائيلية، أو توجُّهها نحو الرد العسكري على هذه الانتهاكات، وإعلانها المتكرر عن رغبتها في إرساء السلام مع إسرائيل، ومن الجانب الإسرائيلي يأتي في ظلّ أن التمديد لا يُدينها، ولا يؤثر على تحرُّكاتها وتوغُّلاتها البرية، حيث لم يمنعها التمديد السابق من الاستمرار بها.           

خُلاصة           

في ظلّ الحالة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا، فليس من مصلحتها إنهاء اتفاق 1974، أو تعديله، أو إبرام اتفاق أمني جديد مع إسرائيل، وإنما من مصلحتها ترك الترتيبات القائمة على ما هي عليه إلى حين انتهاء المرحلة الانتقالية، وفيما لو ظهر أن إسرائيل تسعى فعلياً لتغيير هذه الترتيبات، مما يفرض على الحكومة السورية بذل جهود دبلوماسية حثيثة بالتعاون مع الدول العربية الداعمة لها لوقف هذه المساعي الإسرائيلية.           


 

 


 

[1]  يوندوف بيان حقائق: قوة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك، عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام،  الرابط .           

[2] Netanyahu asks U.S. to broker Israel-Syria negotiations, Axios, 11-06-2025,        Link .           


 

الباحثون