زيارة الشرع إلى موسكو بداية سياسات التحوُّط السورية
أكتوبر 16, 2025 2965

زيارة الشرع إلى موسكو بداية سياسات التحوُّط السورية

حجم الخط

أجرى الرئيس أحمد الشرع رفقة وفد سوري رفيع زيارة إلى روسيا في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، التقى فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 

هذه الزيارة هي الأولى بعد سقوط النظام السابق، وبدت غير اعتيادية لسلطة كانت تضع روسيا كل جهدها وقوّتها العسكرية والدبلوماسية لإسقاطها مقابل حماية بشار الأسد وسلطته التي انهارت وانتهت بهروبه إلى موسكو. 

تزامنت الزيارة مع اليوم الذي كان مقرراً لعقد القمة العربية الروسية الأولى، قبل أن تتأجّل بمبرر انشغال عدد من القادة العرب بإتمام إجراءات تطبيق اتفاق غزة، مما يشير إلى حرص روسيا على عدم تأخير إعادة بناء العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة. 

توّج اللقاءُ بين الرئيسين الشرع وبوتين سلسلةً من الاتصالات بين الجانبين كانت قد بدأت بزيارة وفد روسي إلى دمشق برئاسة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف في كانون الثاني/ يناير 2025، ثم الاتصال الهاتفي بين بوتين والشرع في شباط/ فبراير، ورسالة من بوتين للشرع في آذار/ مارس، و 3 لقاءات بين وزيرَي الخارجية في أنطاليا وموسكو ونيويورك، وزيارة وفد سوري إلى موسكو في تموز/ يوليو ضمّ وزراء ومسؤولي الخارجية والدفاع والأمن والاستخبارات، ثم زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إلى دمشق على رأس وفد رفيع المستوى في أيلول/ سبتمبر، وأخيراً زيارة وفد عسكري روسي إلى دمشق مطلع تشرين الأول/ أكتوبر. 

حرصت روسيا بوضوح في الزيارة من خلال إظهار حفاوة الاستقبال على إيصال رسالة بأنها الصديق الحقيقي للدولة السورية، وأن صداقتها ستصبّ في الدفاع عن مصالح سوريا في المحافل الدولية -كما فعلت خلال 80 عاماً مضت- وأن بوتين هو الرئيس الموثوق الذي يمكن الاعتماد عليه، وليس ترامب الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وقراراته. 

في الواقع، بدت منذ اللحظات الأولى لتحرير سوريا رغبة الطرفين في استئناف علاقات جديدة، وتجاوُز صفحة دعم روسيا لنظام الأسد، وتدخُّلها العسكري المباشر لصالحه عام 2015، واستخدامها الفيتو ضد إدانته في مجلس الأمن. واستناداً لذلك حافظت روسيا على موقفها في إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ودعمها حق سوريا في تطبيق اتفاق فض الاشتباك (1974) ومطالبتها بوقف الانتهاكات الإسرائيلية له، وبانسحاب القوات الإسرائيلية من المواقع التي احتلتها بعد 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وتعترف روسيا بسيادة سوريا على الجولان المحتل، وترفض القرار الإسرائيلي بضمه، وتدعم وحدة سوريا وسلامة أراضيها، وترفض أيّ مشاريع انفصالية أو تقسيمية فيها. 

لكن، هذا الموقف من روسيا لم يمنع من توالي توجيه انتقادات شديدة للحكومة السورية خصوصاً في جلسات مجلس الأمن، بما شمل تحميلها المسؤولية عن أحداث الساحل، وأحداث السويداء، وطلب إيفاد بعثة مشتركة بين الوكالات للأمم المتحدة إلى تلك المناطق، لإجراء تقييم للحالة الإنسانية على أرض الواقع وتحديد الاحتياجات ذات الأولوية للأشخاص المتضررين، وحين عجزت عن الحصول على إدانة للحكومة في البيانات الرئاسية لمجلس الأمن، فإنها فعلت ذلك في بيان قمة البريكس في البرازيل الذي أدان ما أسماه "عمليات القتل الجماعي للمدنيين العلويين"، وأشار إلى "التهديد الذي يُشكّله وجود المقاتلين الإرهابيين الأجانب على الأراضي السورية، إضافة إلى خطر انتشار الإرهابيين من سوريا إلى دول المنطقة". 

تتراوح الرؤية الروسية للعلاقات مع الحكومة السورية بين عدة مطالب وشروط، حيث ترى أن مشاركة عناصر قوات النظام السابق وضباطه، ومنتسبي حزب البعث في العملية الانتقالية السياسية هي أحد مبادئ القرار 2254 (2015)، ولذا يجب ألّا يتكرر في سوريا بعد سقوط نظام الأسد ما حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وترى ضرورة ضمان حقّ جميع الفئات العِرْقية والدينية والاجتماعية للمشاركة في الحكم الجديد على مختلف مستوياته التشريعية والتنفيذية، إضافة إلى ضرورة معالجة ملفّ المقاتلين الأجانب. 

من جانب آخر، تريد روسيا الاحتفاظ بوجودها العسكري في سوريا، والإبقاء على قاعدتَيْ طرطوس البحرية، وحميميم الجوية، وقاعدتها العسكرية في القامشلي شمال شرق سوريا، وتطرح إمكانية المساهمة في تسليح الجيش السوري وتدريبه، وأن يكون لها دور في الترتيبات الأمنية على الحدود الجنوبية، والحفاظ على الاتفاقيات الاقتصادية المعقودة مع النظام السابق، مع حديثها عن إمكانية إدخال تعديلات عليها بما يتفق مع الواقع الناشئ في البلاد. 

تُشكّل العلاقة مع روسيا وَفْق الرؤية التي تطرحها عامل ضغط على الحكومة السورية، ليُضاف إلى ضغوط العلاقة مع الولايات المتحدة المدفوعة بتسريع التوقيع على الاتفاق الأمني أو اتفاق السلام والتطبيع مع إسرائيل، ويبدو أنّ دمشق اتجهت إلى موسكو تحسُّباً لأيّ تَبِعات يُمكن أن تحصل في حال فشلت المفاوضات مع إسرائيل، فيما تُحاول الحكومة السورية استغلال عدم وجود اعتراض أمريكي على إعادة بناء العلاقات مع روسيا بخلاف موقفها من العلاقة مع إيران، غير أنّ أيّ تغيُّر في موقف الولايات المتحدة سيضع سوريا أمام خيارات معقدة، ويزيد من حجم الضغوط على السلطة الجديدة. 

بالمحصِّلة، جاءت الزيارة  إلى روسيا بالتزامن مع تعثُّر المفاوضات للتوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل، مما يُشير إلى أنّ الحكومة السورية تريد أن تستكشف ما تستطيع تلبيته بشأن إعادة بناء العلاقات مع روسيا، وما يمكنها الحصول عليه بالمقابل من موسكو بعد أن خبرت العلاقة مع واشنطن في الشهور الماضية، حيث ستبقى مرهونة بتلبية العديد من المطالب والشروط، مما يضع هذه العلاقة أمام احتمال الانتكاس، ويفرض عليها اتباع سياسة خارجية قائمة على التحوط، بما في ذلك عَبْر التوجُّه نحو روسيا.