خارطة النفوذ العسكري شهر يوليو 2016
يوليو 31, 2016 1478

خارطة النفوذ العسكري شهر يوليو 2016

حجم الخط

أصدر مركز جسور خارطة النفوذ العسكري لشهر تموز/يوليو 2016، والتي أظهرت بعض التغيرات في نسب السيطرة الكلية والفعّالة لمختلف الأطراف المتحاربة عن خارطة النفوذ العسكري لشهر حزيران/يونيو 2016. 
ويسعى المركز من خلال إصداره الشهري لهذه الخارطة إلى إبراز التطورات الميدانية التي تشهدها الساحة السورية، وانعكاساتها على نِسَب السيطرة الكلية والفعالة في عموم الأرض السورية وفي كل محافظة على حدة، وتحليل مضامينها وإيضاح دلالاتها على المستوى السياسي وقراءة مخرجاتها وفق جدلية تربط ساحة الحرب بدهاليز السياسة. 
حققت قوات النظام السوري وحلفاؤه تطورات هامة في الغوطتين المحاصرتين، فمن جهة الغوطة الشرقية استطاعت قوات الأسد السيطرة على بلدة ميدعا التابعة لمدينة دوما بتاريخ 9 تموز/يونيو 2016 وعلى بلدة البحارية جنوب ميدعا، وذلك بعد 12 يوماً من العمليات العسكرية العنيفة مصحوبة بغطاء جوي من الطيران الحربي والمروحي وبدعم روسي، مستفيدة من آثار الصراعات السابقة بين الفصائل المعارضة الموجودة في المنطقة، ومتبعةً سياسة القضم البطيء والأرض المحروقة، لتحرم بذلك أهل الغوطة الشرقية من مورد غذائي، نظراً لكون ميدعا عبارة عن أراض زراعية تشكل أحد أهم موارد المدنيين ولتمهد الطريق أمام الرضوخ لـ"هدن الجوع" التي يسوقها النظام تحت ما يسمى "المصالحات". وفضلاً عن الأهمية الغذائية لميدعا فإن لها أهمية استراتيجية تتجلى في كونها البوابة الشرقية لفصائل الغوطة باتجاه الضمير ومنطقة القلمون الشرقي.    
أما من جهة الغوطة الغربية، فقد اختلت الموازين العسكرية لمصلحة النظام في مدينة داريا بدرجة كبيرة وذلك بعد أربع سنوات من الحصار اليومي والقصف بشتى أنواع الأسلحة الثقيلة وخاصة البراميل المتفجرة، حيث استطاعت قوات النظام السيطرة على مزارع ومجمعات سكنية محيطة بمدينة داريا من جهة الجنوب، لتحاصر بذلك أكثر من ثمانية آلاف مدني لا زالوا موجودين في مركز مدينة داريا المدمرة بشكل شبه كامل. 
وفي منطقة الشمال السوري وتحديداً في شمال مدينة حلب، تمكنت قوات النظام والميليشيات المساندة لها في السابع من تموز/يوليو الجاري من السيطرة على منطقة مزارع الملاح المشرفة نارياً على طريق "الكاستيلو" آخر طرق إمداد قوات المعارضة داخل المدينة، بعد قصف جوي ومدفعي مكثف جداً، كما وتمكنت أيضاً في 26 من تموز/يوليو الجاري مدعومة بميليشيات أجنبية من التقدم والسيطرة على عدة نقاط متقدمة في بلدة الليرمون بينها منطقة الكراجات، وسيطرت على طريق الكاستيلو بشكل كامل، إثر هجوم واسع شنته من جهة مزارع الملاح الجنوبية ما أدى إلى حصار أحياء حلب الخاضعة لسيطرة كتائب المعارضة المسلحة بشكل كامل، وفي داخل مدينة حلب سيطرت قوات النظام أيضاً على أجزاء من منطقتي "الخالدية" و "الليرمون". 
وأدّت هذه التطورات في ريف دمشق وفي محافظة حلب إلى ارتفاع نسبة سيطرة قوات النظام على المساحة الفعلية والكلية عما كانت عليه في شهر حزيران/يونيو على حساب قوات المعارضة لتصبح 29.8% و 21.2% على الترتيب. 
بينما لايزال الوضع العسكري في ريف اللاذقية يشهد معارك كر وفر بين فصائل المعارضة من جهة وبين قوات النظام السوري والميليشيات الداعمة لها من جهة ثانية دون تحقيق أي من الطرفين اختراقات نوعية. 
على صعيد آخر أحرزت قوات سورية الديموقراطية بعض التقدم في أنحاء مدينة منبج في ريف حلب، وتحديداً في الحارة الشمالية والغربية، لكنها لم تنجح بعد بالسيطرة الكاملة رغم الاشتباكات العنيفة على محاور المدينة الأربعة مع مقاتلي تنظيم الدولة الذين لازالوا متحصنين داخل المدينة رغم دخول الحملة العسكرية التي تشنها قوات سوريا الديموقراطية بدعم جوي من طائرات التحالف الدولي يومها الخمسين، ليعود تنظيم الدولة لاحقاً باستعادة السيطرة على بعض النقاط غرب منبج. 
تتصف الأوضاع العسكرية عموماً لشهر تموز/يوليو بحالة من السيولة وعدم الثبات في خطوط النار، فالمكاسب التي حققتها قوات النظام على جبهة ريف دمشق (ميدعا) لا تزال هشة وعرضة للاستعادة من قبل فصائل المعارضة المسلحة، أما بالنسبة لشمال مدينة حلب (منطقة الملاح)  فإن أمام قوات المعارضة خيار إشراك جيش الفتح في غرفة عمليات حلب للاستعانة به لمواجهة إصرار النظام على إطباق الحصار على مدينة حلب، هذا فضلاً عن أن الأحداث السابقة أثبتت عدم قدرة النظام على الاحتفاظ بالسيطرة لمدد طويلة دون تغطية جوية نارية دائمة ومكثفة، الأمر الذي من شأنه جعل أي تقدم عسكري للنظام مرهوناً باستمرار الغطاء الجوي وخصوصاً الروسي المرتبط بدوره بالتوافقات الإقليمية والدولية، كما من شأنه تبعاً لذلك جعل التقدم بالغ التكلفة وأقرب للعبء منه للإنجاز. يضاف إلى ذلك حالة البلبلة التي سادت تركيا في الأيام الماضية إثر المحاولة الانقلابية التي جرت في 15 تموز/يوليو الجاري والتي أدت وستؤدي إلى انشغال تركيا على المدى القصير بترتيب شؤونها الداخلية، ولقد سبق تلك المحاولة الانقلابية قيام تركيا بإعادة ترتيب أولوياتها والبدء بتطبيع علاقاتها مع روسيا، وهي الفترة التي بدا واضحاً أن نظام الأسد قد استغل ضبابية المشهد خلالها لإحداث فارق على الأرض، لكنه فارق غير متصف بالثبات ويمكن تداركه عند استقرار الأوضاع وهضم المتغيرات وامتصاص الصدمة وعودة الأمور لمجراها الطبيعي والبدء بتنفيذ الحلول والخيارات المقترحة.